المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال ما بين الخوف والطمع: نظرية المخاطرة الثابتة



حسام حربى
02-12-2011, 10:17 PM
http://i30.fastpic.ru/big/2011/1202/c6/2d236e1cf9344cf4a796d369c3e265c6.jpeg


معلوم لدى الجميع -ولو ضمنياً- وجود عاملان أساسيان وراء قرارات البشر، وهما الطمع فى زيادة ما عندهم والخوف من فقدان ما لديهم. فأنت مثلاً إن أردت عبور الشارع لشراء بعض الخبز تقارِن تلقائياً بين "طمعك" فى الحصول على الغذاء و "خوفك" من فقدان صحتك أو حياتك نتيجة الإصطدام بسيارة عابرة.. ولأن المكافأة تكون أعلى من المخاطرة من وجهة نظرك فتمضى قدماً فى عبور الشارع مما يمثل خروجك من الإطار الآمن (منزلك) إلى إطار مختلف غير مضمون العواقب (الشارع). وبالمقابل فقد تَبغض إنسان إلى درجة الرغبة فى قتله، لكن لإيمانك بإستحالة الهرب من عقاب الله أو لقراءتك أن 90% من جرائم القتل يتم التوصل فيها للجانى تقرر أن المخاطرة أكبر من المكافأة ولهذا تتورع عن الفعل. وكل إنسان منا لديه عاملا الخوف والطمع بالضرورة وإن إختلفت نسبتهما، لأننا إن فرضنا جدلاً وجود إنسان يطمع فقط ولا يخاف فسيموت فوراً لأنه سيأخذ مخاطرات غير محسوبة فى سبيل تحقيق كل ما يخطر بباله، وبالمقابل فإن وُجد إنسان يخاف فقط ولا يطمع فلن يحقق أى شىء فى حياته ولن يدافع عن حقوقه أبداًً تجنباً للأذى بل وقد يموت جوعاً. لكن ما الذى يحدد نسبة الخوف والطمع عند كل منا؟

تقول نظرية المخاطرة الثابتة أن العوامل الوراثية وطريقة التربية تحدد لك نسبة لا تتغير من المخاطرة تحاول الإتزام بها كى تصل لتوازنك المفضل بين الطمع والخوف.. وبتغيُّر الظروف المحيطة تتغير قراراتك فى محاولة للحفاظ على نسبة المخاطرة المطلوبة تلك بلا زيادة ولا نقصان، لأنه كما قلنا، زيادة المخاطرة تهدد وجودك وقلتها تقلل مكاسبك المحتملة. فمثلاً الشخص الذى يشعر بأن حياته مهددة يقل لديه عامل الطمع بشدة ويكتفى بما يقيم صلبه فقط لشعوره بأن المخاطرة التى يواجهها أكبر من النسبة المثالية لديه، فنجده يعوض هذه الزيادة بأخذ قرارات أقل شجاعة وأكثر حرصاُ. وبالمقابل فالذى لا يشعر بأى تهديد على الإطلاق كشخص فى موضع سلطة أو نفوذ كبير يحس بأن مستوى المخاطرة الذى يأخذها متدنى جداً ويزداد لديه الإحساس بالأمان إلى درجة غير مقبولة، مما نطلق عليه فى كلامنا الدارج لفظ "زهقان" أو "تالف"، وبالتالى فيبدأ بأخذ مخاطرات قد تبدو لنا غير عقلانية أو بها ضرباً من الجنون، لكن أجمل ما فى هذه النظرية تفسيرها لتلك التصرفات وكيف أنها منطقية تماماً!

فمثلاً إن قرأت عن حوت الأعمال هشام طلعت ستجده كان يملك الثلاثة أمنيات التى يسعى لها معظم الرجال: المال والسلطة والجنس. لكنه رغماً عن ذلك دمر نفسه بمخاطرة لم يكن لها أى داع. فهل هو أحمق؟ هل مسه الجنون فجأة؟ لا.. كل ما هنالك أن شعوره بالأمان زاد إلى درجة لا تُحتمل، فبدأت غريزته "الطمعية" المبرمجة بداخله تلح عليه بشدة شاكية الوضع القائم وآمرته بأخْذ بعض المخاطرة فى سبيل إعادة حالته النفسية للتوازن لأن شعوره بالملل غدا لا يُطاق.. ومن ثَم بدأ بالبحث عن عمل يحقق له مخاطرة وسعادة فكان مقتل سوزان تميم. أيضاً تفسر لنا النظرية سبب التصرفات الحمقاء التى إتخذتها الدول والإمبراطوريات القوية على مر التاريخ والتى عادة ما كانت سبباً فى فنائها.. فشعور قيادات ومواطنى تلك الأمم خرج عن توازنه المنشود مائلاً إلى جانب الطمع بعد أن قَل الخوف لديهم إلى درجة لا تُحتمَل، فبدأوا باتخاذ قرارات هوجاء لتحقيق الإثارة المطلوبة على طريقة {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} وهو ما أدى إلى نهايتهم. وباختصار فيمكن القول بأن غرْس هذه الآلية فى النفوس كى يغتر القوى بقوته فينهار مفسحاً المجال لمن يأتى بعده هو ما يضمن تداول الأيام بين الناس.

يمكننا أيضاً استغلال النظرية لتقييم الجدوى من بعض القوانين.. فمثلاً قانون إلزام السائق بربط حزام المقعد لا فائدة منه لأنه يزيد من إحساس الأمان لديه فيُخرجه عن التوازن مما يدفعه لتعويض ذلك بزيادة المخاطرة لتحقيق شىء يجلب له سعادة هامشية، فيزيد من سرعته مثلاً. وإن ألزمْته بإرتداء الحزام ووضعت له حداً أقصى للسرعة فسوف يتحدث فى المحمول أثناء القيادة.. وإن منعته من ذلك أيضاً فسيسرح بخياله ولا ينتبه للطريق. المهم أنه سيزيد من الإهمال ليعوض الإلتزام "الزائد" من وجهة نظره ليعود مرة أخرى إلى التوازن بين الراحة والمخاطرة مما يزيد من إحتمالية الحوادث خاصة للمشاة الذين ليس لديهم أحزمة تُربط. وقد أزالت ولاية مُنتانا الأمريكية مثلاً حدود السرعة بالكامل من طُرقها السريعة ولم يؤد ذلك إلى زيادة الوفيات[1]، بل وأشارت دراسة بريطانية إلى زيادة الوفيات بعد تقليل حدود السرعة[2]! وإكتشفت دراسة أخرى أن تجريم إستخدام المحمول أثناء القيادة لا يقلل من الحوادث[3]، كما أوضحت دراسة ميدانية أن رؤية قائدى السيارات لراكبى العَجَل يرتدون الخوذات فاقم من الحوادث لأنهم بالغوا فى الإقتراب منهم بعدما شعروا بالأمان الزائد![4] كل ذلك يدل فعلاً على أن بعض القوانين المُقيِّدة للحريات عن طريق معاقبة السلوك الفردى لا تؤدى سوى لمضايقة الناس بدون تقديم أى فائدة بل وقد تأذيهم أحياناً، والسبب هو إنحيازنا دائماً لمعدل مخاطرة ثابت لا يتغير بتغير القوانين.

أخيراً نجد النظرية تفسر لنا جزئياً سبب زيادة الحرص وإنعدام الحماس كلما تقدم المرء فى السن.. فقوة وطاقة الشاب تولِّد لديه الطموح وبالتالى عِشق المخاطرة بطريقة قد تصل إلى الغرور أو التهور أحياناً، فنجده أكثر طمعاً وأقل خوفاً من الكبير الذى فَقد هذه القوة والطاقة فأدرك عجزه عن تعويض ما قد يفقده من مال أو ولد مثلاً، وبالتالى يؤثِر السلامة ويصير كل ما يتمناه هو العيش بأمان وستر*. أليست بحق نظرية جذابة وتفسر لنا كثيراً مما قد يبدو تصرفات عشوائية غير مفهومة؟

حسام حربى
https://ubser.wordpress.com

المصادر
[1]http://www.motorists.org/speedlimits/home/safety-setting-speed-limits/#CONCLUSION
[2]http://www.telegraph.co.uk/news/uknews/road-and-rail-transport/8038821/20mph-limit-has-not-made-roads-safer.html
[3]http://www.iihs.org/news/rss/pr012910.html
[4]http://www.scientificamerican.com/article.cfm?id=strange-but-true-helmets-attract-cars-to-cyclists
*هناك سبب آخر لقلة التهور كلما تقدم المرء فى السن، وهو ضعف إفراز هرمون الذكورة التستسترون وقلة تأثر المخ بهرمون السعادة الدُبَمين مما ينتج عنه قدرة أكبر على التحكم فى النفس وتأجيل إشباع الرغبات.

ام ابـراهيم
02-12-2011, 10:29 PM
شكر لك أخي
مقال مميز كالعادة
أتفق معك عندما تقول ان الشعور بالممل يجعلك أو نقدر نقول بمعنى أصح يدفعك لقيام بأمور
ليس لها أي صلة لا بشخصيتك و لا حتى بمابدئك
و نفسر هذا الفعل برغبة الذات البشرية للمغامرة و شوقها لكسر الروتين الذي يكمن في حياتنا اليومية

أخي حسام انا مررت بمرحلة شعرت بها بملل وفراغ داخلي
و أردت أن أقتل هذا الملل و لكن بفعل الرقابة التي تحدثت عنها في موضوعك السابق

كانت حريتي محدودة

مقالاتك دائما تجيب عن أسئلتي التى لطالم كانت تدور في خاطري

حسام حربى
02-12-2011, 10:59 PM
نسيتى نظرية الأقنعة استغفار.. والقائلة بأن كل هذا كان دون إرادتك إذ لا نملك شخصيات ولا مبادىء من الأساس :)

ام ابـراهيم
03-12-2011, 08:19 AM
أتفق معك عندما تقول ان الشعور بالممل يجعلك أو نقدر نقول بمعنى أصح يدفعك لقيام بأمور
ليس لها أي صلة لا بشخصيتك و لا حتى بمابدئك


أعتذر لم انتبه للأخطاء
كنت أقصد
الممل = الملل
بمابدئك = مبادئك

ام ابـراهيم
03-12-2011, 08:21 AM
نسيتى نظرية الأقنعة استغفار.. والقائلة بأن كل هذا كان دون إرادتك إذ لا نملك شخصيات ولا مبادىء من الأساس :)

ما شاء الله عليك جعلتني أربط بين مقالاتك كلها
تسمح لي بنشر مقالاتك على الفيس بوك

Heartbeat
03-12-2011, 04:18 PM
السلام عليكم

اخي حسام
مقالة رائعة
اعتقد انك تقصد الرغبة وليس الطمع

على العموم لكل انسان رغبات يريدها ويتمناها
ولكن هناك عدة اسباب تجعل من هذه الرغبات صعبه او شبه مستحيلة
مثل الخوف كما ذكرت انت
ومنها امور اخرى مثل ضعف الارادة او ضعف الشخصية والخ....

ليس دائما الخوف هو الحاجز من تنفيذ الرغبات
احيانا يكون الانسان لا يشعر بالخوف واعرف الكثير منهم ولكنهم لا يستطيعون تنفيذ رغباتهم
على الاقل الرغبات التي يكون الخوف هو ما يمنع تنفيذها

ولكن هناك رغبات اخرى تحتاج الى الذكاء
او حسن التدبير
ورغبات تحتاج الى الارادة والاصرار
او ضعف بالشخصية يريد كل شيء ولكنه لا يستطيع التعامل مع الاخرين لضعف شخصيته وفرض الاخرين رأيهم او رغباتهم عليه

TiTaN
05-12-2011, 02:44 PM
مقال متميز كالعادة :)
في الحقيقة النظرية اراها منطقيقة و تتمثل في كثير من مواقفنا في الحياة اليومية
مثلا ، عندما تتأخر عن موعد مهم ، و تركب سيارتك و تبدأ في التحرك
فأنت بين خيارين ، السواقة بتعقل و لكنك ستتأخر أكثر و ربما تخسر الكثير
أو السواقة بجنون و قد تصل في الوقت ، و قد لا تصل :)

الناس يختلفون ، و البعض سيختار الخيار الأول ، و البعض سيختار الثاني

حسام حربى
10-12-2011, 11:09 PM
ما شاء الله عليك جعلتني أربط بين مقالاتك كلها تسمح لي بنشر مقالاتك على الفيس بوك بالطبع يا استغفار.. اعتبرى جميع مقالاتى تحمل علامة "حقوق النقل مهدورة" ولو كنتى تهوى السياسة كذلك فربما تودين قراءة سلسلة "أكبر كذبة فى التاريخ" عن أحداث سبتمبر والتى وضعتها على مدونتى أيضاً بمناسبة الذكرى العاشرة للهجمات.

اعتقد انك تقصد الرغبة وليس الطمع على العموم لكل انسان رغبات يريدها ويتمناها ولكن هناك عدة اسباب تجعل من هذه الرغبات صعبه او شبه مستحيلة مثل الخوف كما ذكرت انت ومنها امور اخرى مثل ضعف الارادة او ضعف الشخصية والخ.... لا فارق بين الطمع والرغبة. لم أقصد انتقاد الطمع بوصفه طمعا بل هو رغبة طبيعية تماما. مثلاً رغبتك فى أكل حلوى تصنف كـ"طمع" رغم أنه شىء غير سىء. على كلٍ فضَعف الإرادة يعنى أنك لا تريد شيئاً بالقوة الكافية لمحاولة تحقيقه.. وفى هذه الحالة لا توجد حاجة للخوف إذ أن الرغبة ضعيفة أصلاً. أما ضعف الشخصية فكلمة مماثلة للخوف، إذ أن ضعيف الشخصية يخاف أكثر من قوى الشخصية. لا أرى أن نضيع الوقت فى تعريف المصطلحات أكثر من النقاش حول الأفكار.
مقال متميز كالعادة :) في الحقيقة النظرية اراها منطقيقة و تتمثل في كثير من مواقفنا في الحياة اليومية مثلا ، عندما تتأخر عن موعد مهم ، و تركب سيارتك و تبدأ في التحرك فأنت بين خيارين ، السواقة بتعقل و لكنك ستتأخر أكثر و ربما تخسر الكثير أو السواقة بجنون و قد تصل في الوقت ، و قد لا تصل :) الناس يختلفون ، و البعض سيختار الخيار الأول ، و البعض سيختار الثاني بالضبط.. وفى مقال تالى بإذن الله سأوضح -بناءا على تجارب علمية- فشل فكرة الغرامة المالية عند تعدى السرعة.. فهى تجعل الناس تفكر بها وتتناسى إمكانية عمل حادثة قاتلة.