المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال ما العلاقة بينك وبين بطل الفِلم؟



حسام حربى
30-12-2011, 08:16 PM
http://i27.fastpic.ru/big/2011/1230/35/6cb2cbfbaa892602831b4f3c96491f35.jpg
ما الذى يميز بطل الفِلم عن باقى الممثلين؟ إنه ذلك الرجل الذى نرى كل شىء من وجهة نظره.. فهو إن تشاجر فالحق دائماً معه وإن كان مخطئاً، وإن تشاجر أحد معه فالحق دائماً عليه وإن كان محقاً. وإن سَرق فالمسروق كان يستحق السرقة لأنه شرير أو لأنه ثرى بينما بطلنا فقير، وإن سُرق فالسارق مجرم لا يراعى ظروف الآخرين. وإن قَتَل فالمقتول كان يستحق القتل لأنه وقف فى طريق البطل، لكن إن حاول أحد قتله فهو مجرم ولا شك. أصدقاء البطل على جانب الخير وأعداؤه على جانب الشر.. إن أراحته زوجته فهى زوجة طيبة تستحق التقدير، وإن ضايقته -حتى إن كان هو السبب- فهى لا تُقَدر الظروف. بطل الفلم هو الذى إن دخل السجن ننتظر خروجه بفارغ الصبر حتى إن كان سيسبب وبالاً على المجتمع، وإن حُكم عليه بالإعدام نترقب كيف ستظهر براءته فى آخر لحظة أو كيف سيفر من حبل المشنقة، لا نريد له أبداً أن يُعدم أو يُصاب بمكروه.. وإلا إنتهى الفلم. لأنه البطل. لأن الفلم صُنع خصيصاً لسرد قصته. لأنه هو الذى يراه المشاهدون طوال الوقت فيفرحون لفرحه حتى إن كان على حساب آلام الآخرين الذين يتألمون خلف العدسة بعيداً عن أعين ومشاعر المشاهد، ويحزنون لحزنه حتى إن كان يستحقه، فنحن ننسى سريعاً أنه يستحقه ونتمنى لو غُفر له ما اقترفه فى لحظة غضب أو مرحلة طيش وإن طالت.

بطل الفلم هو الذى يُصنّف كل شىء حسب علاقته به.. فالممثل الذى يقوم بدور أبيه يكون "الأب"، والذى يقوم بدور أخيه الكبير يكون "الأخ الكبير"، والذى يقوم بدور سائقه يكون "السائق"، ولا نعتبر أبداً أن بطل الفلم هو الذى يقوم بدور "الإبن" أو "الأخ الصغير" أو "السيد".. لا، إنه البطل، والكون كله يدور حول محوره حسباً لصلته معه. مَن يمثل دور "الغنى" فى الفلم يكون غنياً لأن ثراؤه زاد عن ثراء البطل، والقائم بدور "الفقير" ليس فقيراً إلا لأن أمواله أقل من أموال البطل. جيرانه الساكنين فوقه يقال أنهم ساكنون "فوق"، والأدوار الكائنة تحته تصنف على أنها "تحت". المدن المجاورة لمكان تواجده هى "مدن قريبة"، أما البعيدة عنه فهى "آخر الدنيا". إن بطلنا هو المقياس الذى نقيس به كل شىء.

ما تكلمنا عنه تواً يا عزيزى القارىء ليس بطل الفلم فقط، بل هو أنت. أنت بطل فلم حياتك. أنت ترى كل شىء من وجهة نظرك، وتزن الأمور على ميزانك. خبر وفاة شخص تحبه هو "خبر سىء"، أما خبر وفاة شخص تكرهه أو شخص آذاك فهو "خبر جيد". إنتصار دولة تحبها فى حرب أو حتى فريق كرة تشجعه فى مباراة هو "إنتصار" لأنك تراه إنتصاراً، والعكس صحيح فى حالة الهزيمة. أنت لا تنظر للأمور أبداً من الناحية النسبية ولا تعتبر أن أى الموضوع له وجهتَى نظر.. أنت لا تتألم لمواطنى الدولة المهزومة ولا لمشجعى الفريق الخاسر، لأنك بطل الفلم. فالباقون مجرد كُمبَرس موجودون لمساعدتك على تأدية دورك أو لخلق بعض التحديات لك كى تكون مَشاهدك أكثر إثارة وتشويق. إنهم ليسوا بشراً مثلك.

لكن الذى يفاجئك كلما حاولت تخيله هو أنك لست البطل الوحيد، وأنك تقوم بدور الكمبرس لدى المئات بل الآلاف من الأبطال الآخرين. وأنك قد تكون "الصديق" فى فلم أحدهم، و"العدو" فى فلم آخر، و"الأب" فى فلم ثالث و"الإبن" فى فلم رابع.. وجميع تلك الأفلام تُعرض فى نفس الوقت فى صالات عرض هؤلاء الأبطال.

ستقول لى أنى أسىء الظن بك وأنك لست أنانياً.. ستقول لى أنك تصدقت على فقير بالأمس وساعدت صديق يمر بأزمة أول أمس. لكنى سأرد وأقول أنك قمت بهذا فقط من وجهة نظر بطل الفلم. فالبطل لم يكن يتحمل تأنيب ضميره عندما رأى ذلك الفقير، ولم يكن يريد أن يوصَف بالنذالة عندما هرع إليه صديقه يستجير به.. أو ربما كان يَرد لصديقه جميل أداه إليه سابقاً أو ينتظر رد الجميل لاحقاً. لقد قمت بهذا من أجل البطل وليس من أجل الكمبرس. لا أحد يهتم بالكمبرس إلا فى حدود أدوارهم بالنسبة للبطل.. إنهم مخلوقون لخدمته، ولخدمته فقط.

نستطيع أن نقول بثقة أن جميع مشاكل العالم صغيرها وكبيرها ناجمة عن أبطال الأفلام هؤلاء. ولا يكون الأبطال على المستوى الفردى فقط.. فعندما تؤذى جماعة جماعة أخرى أو عندما تحتل دولة دولة أخرى فهى تعمل وفقاً لمبدأ بطل الفلم.. فالعالم كله مسخر لأجلها، أما الباقين فمجرد هوام أو ذباب لا قيمة لهم ولا مشاعر. بل إن الأرض تمقتهم والسماء تلعنهم.. ولم لا وهم أعداء البطل؟

إنّ رُقى المخلوق -أى مخلوق- يأتى عندما يبدأ بالتخلص من عقدة البطل تلك وينظر للأمور من وجهة نظر أخرى بعيدة عن جسده الشخصى، كالنملة مثلاً.. فالنملة لا تنظر للحياة من وجهة نظرها كبطلة للفلم، بل تعتبر المستعمرة بأسرها بطلة الفلم وأن العالم مخلوق من أجلها، ولهذا تعمل المستعمرة كجسد واحد أنانى لا كأفراد أنانيون. وبالنسبة للدول المتقدمة يكون الشىء ذاته.. فكلما زاد تحضر ورقى الأمة كلما إستوعب أفرادها كياناً أكبر كجزء من فلمهم الخاص.. فبينما نجد المواطن الأمريكى يهتم بالخمسين ولاية الأمريكية على أنها جميعاً بطلة الفلم، والأوربى يهتم بجميع دول الإتحاد على أنها بطلة الفلم، نجد أننا كعرب ومسلمون مهتمون بأنفسنا أو بعائلتنا وأصدقائنا على أقصى تقدير -ولا أقول حتى بدولنا الصغيرة- وما سوى ذلك ليس لهم وجوه وكأنهم كمبرس لا قيمة لهم. وهذا من أهم أسباب تقدم وتفوق الغرب علينا.. فهم يحاربوننا جميعاً ونحاربهم أشتاتاً. نحن كالعضو الذى يتصدى لجسد، أو كالجسد الذى يتصدى لقبيلة، أو كالقبيلة التى تتصدى لدولة، أو كالدولة التى تتصدى لقارة. دائماً الأكبر يكون أرقى وأقوى من الأصغر لأنه إستوعب مزيداً من الأبطال فى فلمه، بينما الأصغر يكون مخلوقاً بدائياً ضيق الأفق لا يتسع صدره إلا لعدد محدود من الأبطال فى محيطه القريب فيسهل تحطيمه.

لعله مع تقدم البشرية سيأتى يوم يتحول فيه جميع الناس لخلايا جسد واحد يكون هو بطل الفلم -بلا كمبرس- بدلاً من الوضع الحالى الذى تفكر فيه كل خلية أو مجموعة خلايا فى نفسها على أنها البطلة على حساب الآخرين.. وقتها سيتألم الفرد بتألم فرد آخر لا علاقة له به كما تتألم القدم بتألم اليد. لكن حتى ذلك الحين أعذرونى فى ترككم لحين وقت المقالة التالية، فبطل فِلمى بحاجة لبعض الراحة!

حسام حربى
https://ubser.wordpress.com

Heartbeat
30-12-2011, 10:56 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

كيف حالك اخي حسام
مقال رائع كالعادة افرح كثيراً حين اشاهد موضوع لك جديد
لقد لخصت الكثير في مقالك هذا , بالفعل كل واحدٍ منا يرى في نفسة البطولة المطلقة بحياته وحياة الاخرين
لا يرضى ان يظلم ولا ان يؤخذ حقة , ولا ان يوبخه احد او يضربه او يشتمه وإلخ...
في حين انه يفعل هذا في الاخرين , لو فكر كل واحدٍ فينا ان يحب للأخرين ما يحب لنفسه لكان الحال أفضل

انا لا اعلم كيف هو الحال في امريكا او اوربا وكيف هو الوضع بينهم هناك
لكنك صدقت في احوالنا نحن العرب , ولكن اتمنى ان لا يعمم الامر على الجميع , ولا اقصد اني لا اريدك ان تعمم
بل اتمنى ان يكون بالفعل ان ماتتحدث عنه لا يشمل العرب او المسلمين كلمهم هذا بخصوص الشعوب
اما كـ أنظمة دولية او حكومات نعم هي لا ترى الا على نطاق دولتها فقط , واحياناً تفرض على شعوبها هذا بطريق مباشر او غير مباشر
ولكن ان شاء الله هذا الامر تغير بعد الثورات التي اتمنى ان تستثمر افضل استثمار
سمعت قبل ايام ان الشعب الليبي يستقبل اخوانه في سوريا اللاجئين من القاتل بشار والكل يعرف كيف هي احوال ليبيا
ومع هذا انظر ماذا يفعل الشعب الليبي , ضرب افضل مثال للشعب العربي المسلم

اما بخصوص امريكا وهي دولة عظمى تفعل في الاخرين وبالخصوص الدول الاسلامية والعربية
كما ذكرت انت في مقالك , هي ترى انها محقة دائما في كل ماتفعل وان الاخرين مخطئين

مقال رائع اخي حسام
استمر يا اخي في ابداعك

حسام حربى
14-01-2012, 03:35 AM
ليست المشكلة فى الأنظمة فقط يا هارت.. فنحن نسمع كثيراً من يقول مثلاً أنه لا يجب على مصر الإهتمام و"التضحية" من أجل فلسطين لأن مصر قد أخذت أرضها بالكامل. المسكين هنا لا يعلم أن الجميع مستهدف وأنه لو ترك الصهيونى فى حاله فلن يتركه هو أبداً! أنا أعتبر هذا نوعاً من البدائية والبساطة فى التفكير مثله مثل الشاه التى تترك أختها تذبح مادامت هى فى أمان مؤقت.

chris
24-01-2012, 11:53 PM
اعجبني هذا الموضوع كثيرا
وفي الحقيقة يا اخي لا يوجد ما يمكن قوله بعد الذي قيل
فللاسف نظرتنا هه للامور من منظورنا كابطال لن يتغيير فهذه طبيعة الانسان ان يكون هو مرز الاشياء و نواتها الرئيسية ويحاول ان يجعل كل شيء يدور من حوله تابع له و يخدمه
ومهما حاولنا ان نغيير هذه الفكرة فهذا صعب فالانسان كتلة مصالح تدور في نظام تحويل كل شيء لمصلحته وفائدته
وهذا قد ياتي من فكرة في عقل الانسان يسميها التكييف مع المحيط حيث يعتبر تكييفه مع المحيط بان يجعل محيطه مفيد له و يمكنه ان يعيش به




سلام chris

ام ابـراهيم
25-01-2012, 04:12 PM
شكرا لك أخي مقال رائع كالعادة
كما تعلم اخي الإنسان مدني بطبعه يعني لا نستطيع ان نعيش بمفردنا في هذا العالم
و كلنا ممثلون و أبطال في مسلسل إسمه الحياة
بالطبع نريد أن نكون أبطال و ذلك لأن كل فرد منا تدور به أحداث مرة يكون هو البطل و مرة يكون هو مجرد شخصية ثانوية و في بعض الأحيان نكتفي بالمشاهدة لبعض الأحداث للأبطال قريبين او بعدين عنا.
وهذا الأمر لامفر منه .

Abrams
25-01-2012, 05:15 PM
فعلاً كما ذكرت
إن رقي كل مخلوق يبدأ ببداية التخلص من العقدة المسماة بعقدة البطل

وهذا ما يجعل تلك البلد منحطة ، لأنها تتعامل مع الغير بهذه العقدة
هي الصحيحة وغيرها المخطى دائماً

مقالة رائعة ، جزاك الله كل خير على كتابتها لنا
تقبل خالص تحياتي

هــمـسـة
26-01-2012, 11:56 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الحقيقة أخي الكريم
منذ فترة وأنا أقرأ عنوان الموضوع
وأقول في نفسي
أنا لا علاقة لي كثيرا بالفن والأفلام وما شابه
فيبعدني تفكيري هذا عن قراءة الموضوع
لأني صراحة لست أبداً من متابعي التلفاز والأفلام والمسلسلات
لكني اليوم
شعرت برغبة شديدة
تشدني لقراءة هذا الموضوع
وكم ضحكت على نفسي
بعد أن أنهيت قراءته
وبعد أن فهمت أن قارئ الموضوع
لا يتوجب عليه الإلمام بالفن والأفلام
كان تشبيهاً رائعاً منك أخي الكريم
فعلا إنه حساس ومنطقي جداً
اسمح لي أن أخط إعجابي به
وشكرا جزيلا لك