المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عالم المرأة الأسرة والأسلام



اميرة الكرام
11-02-2002, 01:25 PM
إن النظام الاجتماعي في الإسلام نظام أسرة بما أنه نظام ربّاني للإنسان، ملحوظ فيه كل خصائص الفطرة الإنسانية وحاجاتها ومقوّماتها. ينبثق نظام الأسرة في الإسلام من معين الفطرة وأصل الخلقة، وقاعدة التكوين الأولى للأحياء جميعا للمخلوقات كافّة. وتبدو هذه النظرة واضحة في قول الله تعالى: { ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون }.

ومن قوله تعالى: { سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون }، ثم تتدرج النظرة الإسلامية للإنسان فتذكر النفس الأولى التي كان منها الزوجان، ثم الذرية ثم البشرية جميعا: { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساءا، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام. إن الله كان عليكم رقيبا }، وقال تعالى: { يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ... }.

ثم تكشف عن جاذبية الفطرة بين الجنسين، لا لتجمع بين مطلق الذكران ومطلق الإناث، ولكن لتتجه إلى إقامة الأسر والبيوت، قال تعالى: { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة }، وقال تعالى: { هن لباس لكم وأنتم لباس لهن }، { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واعلموا أنكم ملاقوه .. }، وقال تعالى: { والله جعل لكم من بيوتكم سكنا }.

فهي الفطرة تعمل، وهي الأسرة تلبّي هذه الفطرة العميقة في أصل الكون وفي بنية الإنسان، ومن ثمّ كان نظام الأسرة في الإسلام هو النظام الطبيعي الفطري المنبثق من أصل التكوين الإنساني. فالأسرة هي المحضن الطبيعي الذي يتولى حماية الفراخ الناشئة ورعايتها، وتنمية أجسادها وعقولها وأرواحها، وفي ظلها تتلقى مشاعر الحب، وتنطبع بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة، وعلى هديه ونوره تنفتح للحياة وتفسر الحياة وتتعامل مع الحياة.

والطفل الإنساني هو أطول الأحياء طفولة، تمتد طفولته أكثر من أي طفل آخر من الأحياء والكائنات الأخرى، ذلك أن مرحلة الطفولة هي فترة إعداد وتهيؤ وتدريب للدور المطلوب من كل حي باقي حياته. ولما كانت وظيفة الإنسان هي أكبر وظيفة، ودوره في الأرض هو أضخم دور. امتدت طفولته فترة أطول، ليحسن إعداده وتدريبه للمستقبل. ومن ثمّ كانت حاجته لملازمة أبويه أشد من حاجة أي طفل لحيوان آخر، وكان الأسرة المستقرّة الهادية ألزم للنظام الإنساني، وألصق بفطرة الإنسان وتكوينه ودوره في هذه الحياة.

وقد أثبتت التجارب العملية أن أي جهاز آخر غير جهاز الأسرة لا يعوض عنها ولا يقوم مقامها، بل لا يخلو من أضرار مفسدة لتكوين الطفل وتربيته، وبخاصة نظام المحاضن الاجتماعية التي أرادت بعض المذاهب المصطنعة المتعسّفة أن تستعيض بها عن نظام الأسرة في ثورتها الجامحة الشاردة ضد النظام الفطري القويم الذي جعله الله للإنسان. أو التي اضطرت بعض الدول الأوروبية اضطرارا لإقامتها بسبب فقدان عدد كبير من الأطفال لأهليهم في الحروب الوحشية المتبربرة التي تخوضها الجاهلية الغربية المنطلقة من قيود التصور الديني. والتي لا تفرق بين مسالم ومحارب، أو التي اضطروا إليها بسبب النظام المشؤوم الذي يجبر النساء على الخروج للعمل تحت تأثير التصورات الجاهلية الشائهة للنظام الاجتماعي والاقتصادي المناسب للإنسان.

هذه اللعنة هي التي تحرم الأطفال حنان الأمهات ورعايتهن في ظل الأسرة لتقذف بهؤلاء المساكين إلى المحاضن، التي يصطدم نظامها بفطرة الطفل وتكوينه النفسي، فيملأ نفسه بالعقد والاضطرابات، وأعجب العجب أن انحراف التصورات الجاهلية ينتهي بناس من المعاصرين إلى أن يعتبروا نظام العمل للمرأة تقدما وتحررا من القيود وانطلاقا من الرجعية ! وها هو هذا النظام الملعون الذي يضحى بالصحة النفسية لأغلى ذخيرة على وجه الأرض .. الأطفال .. رصيد المستقبل البشري ... مقابل زيادة في دخل الأسرة أو إعالة للأم التي بلغ من جحود الجاهلية الغربية والشرقية المعاصرة وفساد نظمها الاجتماعية والاقتصادية أن تتخلى عن إعالة المرأة التي لا تنفق جهدها في العمل، بدل أن تنفقه في رعاية أعز رصيد إنساني وأغلى ذخيرة على وجه الأرض.


للمفكر سيد قطب

عائض
11-02-2002, 01:43 PM
رحمه الله سيد قطب .... لله دره من مفكر بارع

بارك الله فيك يا أميرة على هذا النقل