المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقاش تأملات نقدية لرواية يوتوبيا



رفعت خالد
16-05-2012, 10:27 PM
351981

يوتوبيا.. سمعت الكثير عنها، وقرأت عن فكرتها وفهمتُ ما تدور حوله، لكني لم أتخيل أن لها مذاقا حارقا قويا مثل هذا ! هذا فاق خيالي..

سمعت أنها أحدثت ضجة وزلزلت أوساط النقاد والمفكرين.. والآن أدرك السبب جيدا..

عندما يفر الأثرياء بثرائهم.. وينعزلون في مستعمرات محصنة.. ويتركون الفقراء بين المجاري والجدران المهدمة.. ومن حين لآخر يتسلل أحد الشباب الأثرياء ليصطاد (فريسة) من البؤساء ثم يتصل بأبيه الملياردير لتأتي طائرات الهلوكبتر بقيادة المارينز فينتشلونه مع صيده.. وهم يطلقون الرصاص على الرؤوس المشعثة.. وهناك في يوتوبيا يتسلون بالمسكين ويعذبونه قل أن يقتلونه كأي فأر حقير محتفظين بعضو من جسمه كتذكار !.. تزايد غضب الفقراء.. مغامرة تحبس الأنفاس لشابين مترفين علقا بين الآخرين ! هروب.. أشلاء بشرية.. دماء.. غدر.. ماشوسية.. فكرة رهيبة أجاد الدكتور وصفها، حتى ليكاد القارئ يرتعش لهولها..

اللغة متوسطة كالعادة.. فالدكتور ليس أحد أعلام الأدب، وليس من عينة تلك الأسماء التي قدمت شيئا للغة الضاد.. هذا أكيد. لكنه عبقري لحد يثير استغرابي في كل مرة.. الطريقة التي يبني بها قصصه لا تُصدّق.. رهيبة حقا.. نعم، قد تُعجب بمعظم القصص التي تقرأها لأنك في أكثر الأوقات التي ترغب فيها بالقراءة تريد فقط أن تسافر بعيدا، أن ترى عالما آخر.. فأنت على كل حال، ستخرج من عالمك قليلا.. وبعد أن تعود.. ترمي الكتاب وتحرك رأسك راضيا عن القصة ومغزاها العميق الذي ربما لم يكتشفه الكاتب نفسه.. لكن في قصص الدكتور شيء مختلف.. لا أعرف ما هو بصراحة.. فهذا أكبر مني.. ولذلك أسميه (عبقرية) كي أستريح وأخرج من باب واسع.. ولكن يا ليته أعمل هذا النبوغ وهذه العبقرية في طريقها الصحيح.. ليته فعلها.. ليته يفعل.

لن أسهب في التعبير عن مدى إعجابي بالرواية كفكرة وكصنعة.. فهذا لن يضيف جديدا.. لكن ملاحظتي الرئيسية حول (يوتوبيا) هي أنها فكرة مبالغة قليلا في الجانب السلبي.. كما تخيل أفلاطون المدينة الفاضلة.. ونعلم كلنا أنه لا وجود لها فوق هذا الكوكب.. ولن توجد.. تخيل الدكتور أحمد (يوتوبيا).. وبرأيي لن توجد.

كلنا درسنا في التاريخ عن الطبقات الأرستقراطية وإذلال الشعوب و.. الخ. لكن هذا الخليط الاجتماعي العجيب سرعان ما يستقر على حالة هي أقرب للوسط أو دونه قليلا.. سواء بثورة أو بطريقة أخرى.. المهم تعود سنن الحياة لتنتظم كما خلقها خالقها، تجري بهدوء كما تجري المياه في مجاريها.. وتبقى في المجرى الصخور وتبقى الطحالب والضفادع والمنعرجات والانحباسات وكل شيء.. وكذلك.. يبقى في المجتمعات الثراء الفاحش والفقر المذقع وانتهاك الحريات.. فلا مكان لهذه الشاعرية وهذا البحث عن السيف الصارم المسلول الذي يقسم كل شيء إلى أنصاف متساوية.. دعنا لا نبحث عن هذا، ولا نشغل أنفسنا به.. فلنصلح ما أمكننا إصلاحه بحكمة دون الإيغال في الحلم والفلسفة الجوفاء..

هذا من جهة.. أما مسألة (دعوة الشباب) وتهييجهم ليخرجوا - وقد فعلوا - ويثوروا، واعتبار ذلك بطولة وشهادة فأمر بعيد عن الحكمة تماما.. هو أقرب إلى العدالات الشعرية بالمسرحيات الحالمة.. حيث يموت البطل وفي ركن فمه ابتسامة وبيمينه قطعة خبز !.. زد هذا إلى موضوع (المدينة الفاضلة) إياه.. ليست الأمور بهذا الصفاء والنقاء في عالمنا.. هناك شيء اسمه الحكمة.. شيء اسمه المصالح. .شيء اسمه الصبر.. شيء اسمه الإيمان.. شيء اسمه الشرع.. وشيء اسمه الإذعان لأوامر خالقنا وكلامه القرآن.. وليس للأفكار الشاعرية البشرية والفلسفات الكمالية، فلو نظرنا في كلام ربنا وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم - إن كنا مسلمين - لا نجد هذا الفكر.. بل نجد التعقل والسعي لحقن الدماء ما أمكن.. حتى العقوبات والقصاص أحيطت بسياج متين لدرجة أن من رأى امرأة تزني فعليه بشهود حتى تقبل شهادته وإلا جُلد هو !.. هذا منعا للظلم ولحفظ الأنفس والأموال ما أمكن.. وليس ما يدعو إليه الدكتور ومن يحملون فكره.. من خروج وعصيان وتضحية ودماء وأشلاء واغتصاب وانتقام ونيران.. من سيحمل مسؤولية هذه الضحايا ؟ تحملها أنت يا دكتور ؟

نحن لدينا التوكل على الله الذي يعبر عنه دائما الدكتور بالتواكل.. ويبالغ كعادته في أننا ننام ونكتفي بالأماني.. نعم هذا حاصل لدى فئة من الناس.. لكن لماذا كلما ذكر موضوع التوكل ذكر لنا هذا المثال ؟ إن التوكل من أعظم العبادات في الإسلام يا دكتور.. قال ربنا (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين)، وقال سبحانه (ومن يتوكل على الله فهو حسبه).. فلماذا ننبذ التوكل بهذا الشكل.. على الأقل فسر وبين الفرق بين التوكل والتواكل.. لكن الدكتور يكتفي بالطعن في المتدينين كلما ذكرهم ويصفهم بالنفاق والازدواجية.. مرات كثيرة قرأت له هذا وسمعته يقوله في لقاءات تلفزيونية له.. هذا عجيب !.. هل هذا هو التدين الذي تعرف يا دكتور ؟ لو كان الأمر بهذا الشكل الذي تصوره لنا لوجب علينا ترك كل طريق يؤدي إلى التدين.. ثم أين هجومك هذا على الخلاعة والعري والجنس المحرم الذي وصفته لنا - أكثر من اللازم - في روايتك.. أم هذه طريقة للإصلاح كما يقول كل مخرج سألوه نفس السؤال عن فلمه ؟ صدقني.. الشباب لن يخرجوا كلهم بأخلاق نبيلة صافية بعد قراءة روايتك.. وأذكرك بالضجة التي أحدثتها مسرحية (مدرسة المشاغبين) في مصر.. إذ قرأت أن معدلات الشغب ارتفعت إلى حد مهول.. فالشباب لن ينتظروا مشهد الختام بالمسرحية الذي ربما يحمل رسالة جيدة حتى يقولوا اااااه.. هذا جميل.. بل سيفضل جزء كبير منهم ثلاث ساعات الأولى من المسرحية حيث الشغب والجنون !.. الشباب منهك أصلا يا دكتور، فأرجوك لا تقل لهم.. أين حقكم في المرأة.. حتى القط له هذا الحق، بل صبرهم حتى يمن عليهم الله بالزواج كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.. نصحنا بالصيام وغض البصر.. أما أنت فلوحت بيدك في عصبية شارحا لنا كم نحن مظلومين ثم انصرفت.. ماذا إذا ؟ نثور ؟ وإذا اغتُصبت أحد قريباتك في الثورة مثلا أو قتل بعض أقربائك بأشنع طريقة.. تقبل ؟؟

ثم هو قال كلاما خطيرا جدا في مطلع (يوتوبيا).. لما تكلم عن نظرة الشباب الثري في مستعمرة يوتوبيا إلى الدين والله وأنه ملاذ الجبناء والذين لا أمل لهم في الحياة.. وكرر هذا عدة مرات في الرواية بين الأفكار الكثيرة التي تحمل الرواية.. دون أن ينسف هذا الإلحاد.. فماذا يريد من هذا ؟ لماذا تنفث فكرا إلحاديا في كتابك يا دكتور وتسلمه الشباب.. ماذا تريد منهم ؟ أن يتركوا الدين ؟ لماذا تُرسخ هذه الأفكار في رؤوسهم ؟.. الله شيء يلجأ إليه من لا أمل له حتى لا يسقط في العذاب النفسي الذي لا قبل له به ؟؟ أعوذ بالله..

على كل حال.. كنت أقول أن كلام ربنا يعلمنا كل خير لنا في دنيانا وأخرانا.. يعلمنا أن ما يصيبنا من عنت وقهر راجع إلى ذنوبنا نحن وجرائمنا نحن.. وليس بسبب ضعفنا وجبننا فحتى لو تناحرنا وفاز المحروم أخيرا بقوته و(ثوريته) إن لم يمتثل لأوامر الله التي أرسل بها نبيه عليه الصلاة والسلام وشاء أن يأخذه لأخذه أخذ عزيز مقتدر.. ولخسف به الأرض.. ما الحل حينها يا دكتور ؟ نثور على الله أم ماذا ؟ ألا ترى معي الآن أن الحل في الرجوع إلى من بيده كل شيء وليس في فلسفات الغرب و(استمنائهم الفكري) على رأيك ؟

لذلك وجب علينا اتباع توصيات النبي صلى الله عليه وسلم، فهو - طبعا - أعلم وأحكم من الدكتور أحمد خالد توفيق.. وليس كل من صرخ وأخرج سيفه أو دعى إلى ذلك فهو البطل الشجاع الحر النبيل !

إنما الحكمة كل الحكمة في الكتاب والسنة.. لن نربح - والله - ما خالفنا هذه المصادر المعصومة من الزلل والضعف البشري.. حتى لو استحسنت عقولنا بعض الفكر الإنساني وبدا لنا بعضه منطقيا.. فحتى السارق المكبوت المنهك يرى سرقته مبررة تماما ومنطقية.. وليست كذلك !


وكتبه
رفعت خالد أبو عمران
16-05-2012

Heartbeat
17-05-2012, 03:34 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة

كم هو مقال رائع ونقد اروع اخي رفعت
وكأني اتذكر مقالك الذي للتو قرأته , يعلم الجميع الخطأ من الصواب ولكنهم للأسف يتبعون الخطأ ثم يندمون على هذا
وهكذا هم يستسلمون لأهوائهم ورغباتهم في هذه الدنيا ثم يندمون ويقولون يا ليت الذي جرى ما كان

اما امثال هذا الدكتور ومن هم على شاكلته , يوهمون خلق الله انهم مسلمين ولكنهم ليبراليين ويقصدون في هذا فصل الدين عن الدولة
ولكنى أخشى ان هناك امراً في الخفاء , اخشى ان يكون الملحدين يلبسون عباءة الليبراليين من اجل شق صفوف المسلمين

مثلهم مثل أهل العمائم السوداء , يطلقون الفتاوي على العوام ولكنهم يمنعونها على انفسهم
كما ضربت انت على هذا مثال , حين قلت لو ان الثوار إعتدو على قريباته أو قتلو احد اقربائه مذا سوف يكون رده

والغريب الذي لطالما فكرت به لماذا اغلب الروايات او المسلسلات او حتى الافلام تكون طوال مدة العرض فسق وفجور وربما في اخر عشر دقائق يكون المغزى الشريف من هذه القصة
طيب وماذا عن بقية الرواية كيف ستكون ردت فعل المتلقي
والله يا اخي أن اغلب الفتن لا تكثر في زمننا هذا إلا بعد ان يسلط هؤلاء عليها الاضواء
الكثير من الامور التي تغضب الله لم اكن اعرفها ابداً , الا بعد ان نشرت على التلفاز او كتبت في الروايات

الخوف هو ان ينادي هؤلاء بالثورة على التدين والمتدينين , هم ينادون بهذا الان ^_^
ولكن الخوف ان يستمع لهم ناقصي العقل من العوام

رفعت خالد
18-05-2012, 02:57 PM
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته..

أكرمك الله أخي الحبيب.. لو رأيت يا أخي ردود (المتعصبين) للدكتور في موقع روايات نت.. على هذا الموضوع.. وهو منتدى يشارك هو فيه شخصيا.. الكل يتهم نيتي ويحتقر و... سامحهم الله، إن حبك للشيء يعمي ويصم كما قالوا.. كنت ولا زلت مستغربا من عبقرية هذا الرجل في صياغة أفكار تخيلية تصدمني وتصيبني بالرعشة حقا.. ولكن هذا لا يمنعني بفضل الله من نسفه نسفا إن مس شعرة من الدين أو السنة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..

ردهم الله ردا جميلا.. إنها الأضواء كما قلت.. هل أنت مصري ؟

Heartbeat
18-05-2012, 09:44 PM
الغريب يا أخي ان مثل هذا الشخص تجد له متعصبين , وبلا شك ان المتعصب إن لم يجد حجه عليك يدخل في النوايا
ولو دخلنا نحن في نوايا هذا الدكتور ستجدهم يقولون هل تعلمون الغيب هل تعلمون مافي القلوب . تناقض غريب اليسك كذالك

لا ألومك حين تستغرب ان مثل هذا العبقري يستخدم عقله في ما لا يرضي الله
العالم فيه من العباقرة الكثير ومع هذا تجد ان عبقريتهم لم تذهب بهم إلى الطريق الصحيح
لأن العبقري في النهاية بشر , وله رغبات وأهواء , وهو كـ حال سائر البشر يستسلم لرغباته

مثلاً يا اخي هناك رجل عبقري ولكنه يحب الاستماع للغناء او شرب الخمر والخ...
ويعلم ان الدين يحرم هذا , وان رجال الدين ينبذون هذا , ومثل هذا النوع من البشر لا يريد ان يذكره احد بذنوبه التي يستمر بالقيام بها
خصوصاً لو كان يعرف انه عبقري ولغرور نفسه بنفسه , لا يستمع لرجال الدين هو يرى نفسه اكبر منهم
الامر مشابه للرجل الكبير حين يقوم بنصحه من هو اصغر منه عمراً , لا يستمع له لصغر سنه

مثل هذا الرجل ومن هم على شاكلتهم , يريدون التشكيك في مصداقية رجال الدين او نواياهم
وهذا الاسلوب الرخيص يتبعه الكثير للأسف

وما يحزنني يا أخي ان الناس تنسى ان رجل الدين او الملتحي هو ايضاً بشر , احياناً يستسلم لبعض شهواته
ولكن ما يحزنني اكثر انه حين يحصل هذا يعممون الامر على كل رجال الدين

انا كويتي ^_^

رفعت خالد
19-05-2012, 01:29 AM
أحسن الله إليك.. نعم هو الغرور تماما، من أخطر العوائق طرا..
من الأحسن أخي تجنب كلمة (رجال الدين) فهذه دخيلة علينا.. وعندنا بدلها علماء.. شيوخ.. أهل العلم.. الخ.
هذه ملاحظة ليست من كيسي لكني سمعتها يوما بارك الله فيك.. ^^

رفعت خالد
19-05-2012, 01:32 AM
وأحب هنا أن أنقل لك آخر رد لي عليهم (هناك)..

* * *
قلتُ لا أريد جدالا.. فانفجر الجدال. تكلمت بأدب، فانهال علي الجمع الغاضب المزمجر.. هونوا عليكم.. بالراحة كده..

اعلموا إخواني أننا لو أردنا التناطح الفكري لما انتهينا ولما استقر بنا قرار، لكني أتيتكم بشيء من الآثار ورفعت التحدي حتى يشمر مشمر منكم ويأتينا بعلم يعلمنا ويزيح عنا سوءة الجهل.. فإذا بي أسمع بدل ذلك عواء وكلاما قادحا طاعنا.. ليس في جعبتي مثيله فاهنؤوا..

ولكي أسد مسألة الثورات أقول.. الفرق الذي بين أهل الحديث والأثر (السلفيين) على الجادة وليس كل من ادعى (وصلا بليلى).. هو أننا نلزم غرز النبي والسلف الصالح وندور معهم حيث داروا ولا تخدعنا تأويلات المتأولين ولا إحداث المحدثين وما يلقون من شبه.. تارة يشنفون أسماعنا بفقه الواقع وتارة فقه المصالح ومنهج الموازنات... الخ. هذه أباطيل تنطلي على المساكين.. ونحمد الله أن نجانا منها.. وإلا فإني أسأل الأخ الكريم (المعتصم بالله) ما دليل قولك (إن رأينا المصلحة في الثورة ثرنا وإلا فلا) أين كلام الله أو رسوله الذي يقول هذا بوضوح.. يعني أجاز لكم الأمرين.. أين هذا ؟ هل تقارن قول أحمد بمحمد حسان ؟ أين إذن جئني بأدلتك كلها وليس شبهو واحدة تعذر عليك فهمها، قد علمك شيوخ الفضائيات كيف تقولها ومتى تقولها لتسكت مخاطبك.. دعنا من هؤلاء، إيتني بأقوال السلف الواضحة التي تقول (اخرجوا).. وأثبت لي إجماعهم إن كنت من الصادقين.. لا تقل لي (من رأى منكم منكرا..) وما شابه هذا من الآثار.. بل أعطني آثارا حول العلاقة بين الحاكم والمحكوم واضحة كما أتيتك بها واضحة.. وأبشرك مسبقا بأن أثرين يستند عليهما القوم ضعيفين غير ثابتين.. أحدهما عن المرأة التي قامت في حضرة عمر رضي الله عنه، والآخر قول عمر نفسه (لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها) أو كما جاء في الأثر.. وابحث عن صحتهما إن لم تصدقني وأتني بدليل صحتهما ومن صححهما.. لترى بنفسك إن كنت كاذبا أم لا..

وهنا أسد هذا الموضوع من فضلكم.. فمن أراد أن يثور على العالم بعدها فليفعل، فقد أذكر هذا أن لا يولول كالبنات إن اغتُصبت أمه أو ذبح أبوه ذبح النعاج.. إياك حينها أن تلعن الثورة وأبو الثورة.. لستُ لكم إلا أخ ناصح.. فكيلوا لي السباب إن شئتم، لست أبالي.. وقد نقلتُ لكم بعض الآثار الصحيحة، فعجزتم عن تفسيرها واحدا واحدا.. ونسفها واحدا واحدا.. فلا تحسبون أنكم بشقشقتكم الكلام والصراخ قد أنسيتموني.. فالتحدي لا زال قائما، فهل تستطيعون ؟.. كلا

أما مسألة قولي عن لغة الدكتور غفر الله له (لغة متوسطة).. ما أثار ثائرة بعضهم.. فإني أضرب لهؤلاء مثالين بسطين ليتأكدوا إن كانت لغة الدكتور متينة وتضرب في جدور لغة الضاد ومعينها العذب أم هي لغة سطحية تشبه ترجمات القصص الأجنبية.. لغة مليئة بـ(هراء) و(شيء ما) و(تبا)..

انتبهوا قبل أن تبصقوا وتلعنوا مرة أخرى.. أني قلت (لغة) ولم أقل أفكارا وخيالا.. فقد وصفت الدكتور بالعبقري في هذا المجال لو تذكرون.. لكن حبك للشيء يعمي ويصم ولا حول ولا قوة إلا بالله..

تأملوا في هذه الأبيات.. وقولوا للدكتور شخصيا أن يشرحها إن استطاع..

فحلّأها عن ذي الأراكة عامر ... أخو الخضر، يرمي حيث تُكوى النواحزُ
قليل التِّلاد غير قوس وأسهم ... كأن الذي يرمي من الوحش تارز
مُطلا بزرق لا يداوي رميها ... وصفراء من نبع عليها الجلائز

وهذا تعريف سيبويه لأقسام الفعل.. سهل ممتنع، أتحداكم أن تفهموا معناه، وأتحدى الدكتور نفسه:

(وأما الفعل فأمثلة أخذت من لفظ أحداث الأسماء، وبنيت لما مضى، وما يكون ولم يقع، وما هو كائن لا ينقطع)

تحسب أنه الماضي والحاضر والمستقبل أليس كذلك ؟ لا يا ضناي.. خطأ.. يبين سيبويه رحمه الله - هذا العُقاب الصيود في سماء الأدب - أن الفعل ينقسم إلى أزمنة أخرى غير الزمن الأول.. كقولك آمرا (اخرج) فهذا مقترن بزمن مبهم مطلق لا يدل على حاضر ولا مستقبل.. وكقولك (محمد يضرب ولده) فهو خبر عن فعل لم ينقطع إلى الاستقبال، وهو ما عبر عنه سيبويه بقوله (وما هو كائن لم ينقطع).

فهؤلاء هم فطاحلة اللغة الذين رفعوا لغة الضاد إلى مستويات عالية فاقت كل اللغات وكل الثقافات.. ولو مشينا في دربهم لعلمنا الأمم معنى الأدب وسمو التعبير وفصاحة البيان وسحره.. لكننا نستعمل و(نستغل) ما نظنه لغة عربية فصيحة لنقل أفكار الغرب وترجمة أغانيهم الركيكة.. فيا حسرتاه.

قال العلامة الأديب محمود شاكر رحمه الله في كتابه الشهير (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا)، وهو من فطاحلة اللغة المتأخرين الذي درس الأدب والشعر كله وخالف كل الأدباء المتنطعين من أمثال طه حسين وأفحمهم:

( ومن طريق (الأهواء)، وهي التي تسري في خفاء وتدبّ، إلا أنها لا تدبّ ولا تأتيك إلا متبرجة في تمام زينتها من (اللغة) ومن (الثقافة)، متردية برداء براءة القصد وخلوص النية، متحلية بجواهر الدقة والاستيعاب والتمحيص والمهارة والحذق، حتى يُتاح لصاحبها أن يقتنص غفلتك، ويتلعّب عندئذ بك وبعقلك ما شاء له التلعّب، من حيث يوهمك أنه قد استوعب لك جمع (المادة)، ويُهوّل عليك تهويل السحرة بما يحشد تحت عينيك ويستكثر، مُخفيا عنك بتمويهه من (المادة) ما قد يُبطل ما أراد به سحر عينيك واهتبال غفلتك، ثم استلحاق عقلك بعقله، إذ أنت عندئذ مفتون بالزينة المتبرجة، وبتحاسين رداء البراءة وخلوص النية، وبالحلي النفيسة المتلألئة (...) إذ أنت هائم معه، مريدا أو غير مريد، (في إثر كل قبيح وجهه حسن) كما يقول أبو الطيب:

مما أضر بأهل العشق أنهم ... هووا، وما عرفوا الدنيا وما فطنوا
تفنى عيونهم دمعا، وأنفسهم ... في إثر كل قبيح وجهه حسن )

وقال رحمه الله في نفس الكتاب:

(ورأسُ كل ثقافة هو الدين بمعناه العام، والذي هو فطرة الإنسان (...) وبقدر شمول هذا الدين لجميع ما يكبح جموح النفس الإنسانية ويحجزها عن أن تزيغ عن الفطرة السوية العادلة وبقدر تغلغله إلى أغوار النفس تغلغلا يجعل صاحبها قادرا على ضبط الأهواء الجائرة، ومريدا لهذا الضبط بقدر هذا الشمول وهذا التغلغل في بنيان الإنسان، تكون قوة العواصم التي تعصم صاحبها من كل عيب) اهـ.

هذا وإني لأفضل أن أكون صريحا وأن أعارض الدكتور وإن كان أستاذي ومن دفعني للكتابة وأنا شاكر له هذا.. وقد سميت نفسي (رفعت خالد) إعجابا مني بشخصية (رفعت اسماعيل) هل تدرون هذا ؟ فتخيلوا مدى هذا الإعجاب.. ربما يفوق كل إعجابكم، ولكن هذا لا يمنعني أن أنسف كلامه نسفا إن مس شعرة من الدين أو السنة.. هذا أغلى عندي، وفخور بهذا.. واعلموا أني بنقدي هذا أكون محبا له أكثر مني لو سكتّ وجاملته ودغدغت مشاعره ومشاعركم.. لكن قومي لا يعلمون، يحسبون كل نقد طعن وكل كلام غيبة.. فإما أن أثني على الدكتور في كل صغيرة وكبيرة وإلا فأنا أحمق جاهل متخلف (متدين أكثر من اللازم) على رأي أحد إخواني.. وإني لن أعلق على مثل هذا أبدا.. فقط لو تكلم أحدكم بأدب وبرهان قوي وصدق وتجرد للحق أجيبه.. أما غير هذا فلا ألتفت له ولا كأنه موجود أصلا.. فاعلموا هذا يا محترفي السب والتجريح بغير حق..

والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد عليه أزكى صلاة وأطهر تسليم.

Heartbeat
19-05-2012, 01:52 AM
أحسن الله إليك.. نعم هو الغرور تماما، من أخطر العوائق طرا..
من الأحسن أخي تجنب كلمة (رجال الدين) فهذه دخيلة علينا.. وعندنا بدلها علماء.. شيوخ.. أهل العلم.. الخ.
هذه ملاحظة ليست من كيسي لكني سمعتها يوما بارك الله فيك.. ^^
صدقت والله وبارك الله بك على التذكير
نعم رجال الدين يوصف بها كل من هو متدين على حسب الدين الذي يتبعه
انا نحن فنطلق عليهم اما شيخ او طالب علم
وحين اقول رجال الدين فأنا اقصد بالعموم من كان متدين فقط او طالب علم او شيخ عالم بالشريعه
في الكويت نطلق عليهم مطوع او ملتزم ^_^
لي صديق متدين او ملتحي حين اقول له يا شيخ يقول لي لا تنادني بالشيخ انا لست شيخ
اقول لها بما اناديك يقول نادني بـ المطوع والمطوع تعني عندنا بالشخص الملتحي :)

Heartbeat
19-05-2012, 02:03 AM
مشاءالله رد رائع اخي رفعت
اني في شوق لأرى ردهم على ما كتبت

مع اني اعتقد اني اعلم كيف سيكون ردهم


أما مسألة قولي عن لغة الدكتور غفر الله له (لغة متوسطة).. ما أثار ثائرة بعضهم.. فإني أضرب لهؤلاء مثالين بسطين ليتأكدوا إن كانت لغة الدكتور متينة وتضرب في جدور لغة الضاد ومعينها العذب أم هي لغة سطحية تشبه ترجمات القصص الأجنبية.. لغة مليئة بـ(هراء) و(شيء ما) و(تبا)..

انتبهوا قبل أن تبصقوا وتلعنوا مرة أخرى.. أني قلت (لغة) ولم أقل أفكارا وخيالا.. فقد وصفت الدكتور بالعبقري في هذا المجال لو تذكرون.. لكن حبك للشيء يعمي ويصم ولا حول ولا قوة إلا بالله..

سوف ينسفون كل ما يحتويه ردك لهم , بهذا فقط
مع انك وضحت لهم في السطر الثاني , ولكن هذه النوعية من البشر أعرف كيف يفكرون

رفعت خالد
19-05-2012, 12:08 PM
صدقت يا أخي سبحان الله.. ملاحظة جيدة هي ملاحظتك.. قد فعلوا دلك فعلا.. وتناسوا موضوع التحدي.. وكل أمسك جملة أو تعبيرا من ردي وبسط فيه الكلام.. هذا يقلل حماسي في الرد عليهم.. إنه التعصب، لا يترك لك ذرة حرية تتجرد بها عن ارتباطاتك النفسية التي لا مبرر لها.. والله المستعان.