المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال من حيَل الإعلام: التركيز على الحالات الفردية



حسام حربى
04-10-2013, 03:23 PM
http://cdn.vectorstock.com/i/composite/53,90/magnifying-glass-with-marching-ants-vector-75390.jpg

اليوم سنبدأ بفزورة.. حاول يا عزيزى القارىء إيجاد الصلة المشتركة بين المجموعة التالية من عناوين الأخبار:

-مؤيدو المعزول برابعة يتهمون مواطن بالسرقة ويقطعون أصبعه
-ملتح يحمل علم القاعدة يلقى بطفل من فوق خزان
-بالفيديو.. الإخوان يعتدون بالضرب على طفل برمسيس
-الجيش يعتقل تسعة مطلوبين على ذمة قضايا جنائية فى سيناء
-مسلم أمريكى يحاول تفجير طائرة بقنبلة فى حذائه
-إصابة أمين شرطة بمطواة أثناء إنقاذه لفتاة من الخطف
-ضبط رجل يرتدى نقابا للتسلل داخل سكن الطالبات
-مأساة نادية ذات الثمانى أعوام: توفت بنزيف ليلة زفافها

لو كنت خمنت أن العنصر المشترك كونها أخبار مفبركة فأنت مخطىء، ولو كنت خمنت أنها أخبار مبالغ فيها فأنت أيضاً مخطىء.. فجميعها أخبار صحيحة ودقيقة مائة بالمائة.

لكنها جميعاً حالات فردية.

فصحيح أن أحد المعتصمين المؤيدين للرئيس قطع أصبع لص.. لكن كم ألف معتصم لم يقطع أصبع أحد؟ ثم كم من عنف وقع فى تجمعات معارضيه؟
وصحيح أن ملتح يحمل (البيرق النبوى) ألقى بطفل من فوق خزان.. لكن كم نسبة الملتحين الذين قتلوا أطفالا، مقابل الأطفال الذين قتلهم "حِلّيقون"؟
وقد حدث أن الإخوان ضربوا طفلاً بالأيدى.. لكن كم طفل ضربه الإخوان مقابل كم طفل ضربه غيرهم بالمدافع لا بالأيدى، وبالسلاح الذى يُفترض أن يحموه به؟
وبالفعل اعتقل الجيش بعض المطلوبين على ذمة قضايا بسيناء.. لكن كم عدد "الخسائر الجانبية" التى أوقعها فى أرواح وممتلكات الأهالى مقابل اعتقال كل مجرم؟
وقد ثبت أن مسلم أمريكى (مشكوك فى سلامته العقلية) وُجد على متن طائرة بقنبلة فى حذائه.. لكن كم نسبة الجرائم التى يرتكبها مسلمو أمريكا مقارنة بعددهم؟
ولا شك أن بعض أمناء الشرطة ضحوا بأنفسهم لإنقاذ مواطنين.. لكن كم نسبتهم مقابل نسبة أمناء ومخبرون ضحوا بمواطنين أثناء التعذيب أو قبض الإتاوات؟
ومن الثابت أنه سيتم استغلال النقاب فى أى مجتمع يَسمح به لارتكاب بعض الجرائم.. لكن كم عدد الجرائم مقابل كم حالة زنى وهدم أسرة وتحرش منَعها النقاب؟
وقطعاً أن للزواج المبكر أضراراً فى بعض الحالات.. لكن كم عددها لنقارنها بأضرار تأخر الزواج؟ وهل تختفى حالات قتل الزوجات عند الزواج المتأخر؟

وهكذا يا عزيزى القارىء نجد أن الإعلام الموَجّه لا يعتمد على الإحصائيات والحقائق المكتملة.. بل يعرض لك حالة فردية شديدة الندرة بطريقة درامية يصحبها موسيقى ومؤثرات وأحياناً صراخ وبكاء مقدم البرنامج، ويركز عليها لأيام متتالية مكرساً لها الساعات الطوال من حلقات التوك شو وجلسات المناقشة المطعمة بآراء "الخبراء والمحللين"، حتى ليبدو للمتابع حسن النية أن السماء كادت أن تنطبق على الأرض بسبب تلك الواقعة المنعزلة، وبالمقابل يتجاهل ذات الإعلام الحالات الممنهجة والتى قد تؤثر على آلاف أو ملايين الناس.

ولا يخفى على متابعى مقالاتنا الأخيرة فى باب حيَل الإعلام أن هذا التكتيك -مثله مثل غيره- يُستخدم لتشويه الواقع فى عقل المشاهد لتحقيق أهداف أيديولوجية معينة. فبالتركيز على حالات فردية لأخطاء فئة من الناس (من منا لا يخطىء؟) والتركيز على حسنات الفئة المقابلة (من منا لا يُحسن؟) مع ترك الإحصائيات الموضوعية والمقارنات الشاملة ترتسم فى ذهن القارىء أو المشاهد صورة وهمية عما يجرى قوامها الإستثناءات. وعلى سبيل المثال كما ذكرنا أعلاه فقد ارتبطت صورة المسلم فى ذهن المواطن الأمريكى بسفك الدماء رغم أن نسبة مرتكبى جرائم القتل فى أمريكا من المسلمين أقل من نسبتهم فى المجتمع، وبالتالى فمن الناحية الموضوعية الإحصائية يكون المسلمون "أقل قتلاً" من غيرهم من الطوائف، لكن بسرد تغطية إعلامية ضخمة للقلة القليلة من جرائم المسلمين تتشكل فى ذهن المشاهد صورة معكوسة عن الواقع.

هل يعنى هذا أن نتجاهل أى دراسة حالة ونركز على الإحصاءات فقط لنكون موضوعيين ومحايدين؟ بالطبع لا، فالإحصائيات لا تعنى شيئاً دون فهم الحالات الفردية التى تمثلها تلك الإحصائيات.. فلن يفهم أحد دلالة معاناة 17% من سكان الأرض من الجوع ما لم يقرأ ويسمع عن وقع الجوع النفسى والبدنى. لكن العكس أيضاً صحيح.. فما فائدة مشاهدة عشرات الأفلام التسجيلية وقراءة مئات الدراسات العلمية عن ألم الجوع دون معرفة درجة انتشاره لنقارنه بدرجة انتشار غيره من المصائب كالأوبئة والحروب والتعذيب؟ ثم ماذا عن إحصائيات التخمة؟ وما هى الأمراض التى تسببها التخمة وهل هى أفضل أم أسوأ من تلك التى يسببها الجوع؟ لابد من أخذ كل ذلك فى الحسبان لتقدير حجم المشكلة الحقيقى وبالتالى تحديد أولويتها بين المشاكل الأخرى، لا التركيز فقط على صورة طفل يتضور جوعاً وترك الباقى.

ولذا فلا تُعتبَر دراسة حالة فردية ركّز عليها إعلامنا العربى طويلاً -وهى مقتل الطفل محمد الدرة على أيدى قوات الاحتلال- من قبيل التهويل الإعلامى أو البروباجندا كما ادعى الصهاينة. لماذا؟ لأن الإحصائيات تقول أن إسرائيل قتلت وأصابت أكثر من خمسة آلاف طفل فلسطينى منذ اندلاع الإنتفاضة الثانية وحتى اليوم، بينما يقابل هذا العدد بحوالى العُشر على الجانب الإسرائيلى. ولذا فكان حرياً بالإعلام الموضوعى أن يركز على الحالة التى تمثل 90% من الحوادث، وحرياً بالإعلام الموجّه والمنحاز أن يركز على تلك التى تمثل 10% فقط.

وكما اعتدنا فى نهاية كل مقال عن الإعلام أن نذكر طريقة لمكافحة حيله فنصيحة اليوم لتحصين نفسك يا عزيزى القارىء شديدة البساطة.. وهى أن تنظر للحالات الفردية فى إطار الإحصاءات الجماعية وليس خارجها. فإن لم تتوفر الأخيرة -ولو بشكل تقريبى وغير رسمى- فعليك بتجاهل الأولى تماماً حتى تعرف محلها من الإعراب.. فما أسهل التركيز على عدة أشجار فاسدة وتجاهل الغابة.

حسام حربى - مدونة «أَبْصِرْ»
https://ubser.wordpress.com

chris
05-10-2013, 12:31 AM
اهلا بيك يا اخي العزيز حسام حربى
وشكرا لك لما تخطه يداك
وتعجبني كتاباتك كثيرا ً

اخي للقد تابعنا عبر مواضيعك السابقة و تقارير اخبارية وضعتها الجزيرة هذا النمط الاخباري القذر الذي تستغله القنوات الاعلامية
لاثارت قضية ما بطريقة مضللة و لتشويه الحقائق وقلبها
فتظهر القاتل مظلوما ً و المقتول مجرما ً
وتحول قتل شخص جريمة وقتل الملايين احصائية
و تتلاعب بالكلمات كيما تشاء وتستغل وجود نسبة كبيرة من المشاهدين الذين لا يمكن ان نقول عنهم الا انهم مشاهدون فقط لا يفكرون بالخبر و طبيعته و حقيقته بل يرى ثم ينطلق ليعيد ما سمعه
والمدهش ان الاعلام يهمش كليا ً اصحاب العقول الكبيرة و التي يدركون كذب و خطورة ما يجري فيتم تهميشهم ولا يتم المقابلة معهم ليسمحوا لهم بالحديث واذا عقدوا مؤتمرات للحديث عن قضية ما لا يتم تغطية تلك الفعاليات انظروا لمصر مثلا مظاهرات ضد الانقلاب و تطالب بالشرعية لا نراها الا على قناة او اثنتان فقط بينما البقية وكان لا شيء يحصل

انها لعبة الاعلام وانه عصر الاعلام فالاعلام هو سلاح اقوى بملايين المرات من الاسلحة التي صنعت لقتل البشر
فالاعلام سلاح لقتل العقول





سلام chris