المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية لماذا يتأخر النصر



Black_Horse82
19-02-2002, 05:06 PM
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
هذه كلمات حق لها أن تكتب بماء الذهب .. كتبها الشهيد سيد قطب ـ نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا ـ ينبغي لكل مسلم يهتم بدينه ، ويتمنى له النصر والتمكين أن يتدبرها ويعقلها ..

لماذا يتأخر النصر

(( إن الله يدافع عن الذين آمنوا ))

قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله في كتابه في ظلال القرآن (2424ـ2427)
إن قوى الشر والضلال تعمل في هذه الأرض ، والمعركة مستمرة بين الخير والشر ، والهدى والضلال ، والصراع قائم بين قوى الإيمان وقوى الطغيان منذ أن خلق الله الإنسان .
والشر جامــح .. والباطل مسـلح .. وهو يبطش غير متحرج .. ويضرب غير متورع .. ويملك أن يفتن الناس عن الخير إن اهتدوا إليه ، وعن الحق إن تفتحت قلوبهم له ، فلا بد للإيمان والخير والحق من قوة تحميها من البطش ، وتقيها من الفتنة وتحرسها من الأشواك والسموم .
ولم يشأ الله أن يترك الإيمان والخير والحق عزلاً تكافح قوى الطغيان والشر والباطل ، اعتمادًا على قوة الإيمان في النفوس وتغلغل الحق في الفطر ، وعمق الخير في القلوب ، فالقوة المادية التي يملكها الباطل قد تزلزل القلوب وتفتن النفوس وتزيغ الفطر ، وللصبر حد وللاحتمال أمد ، وللطاقة البشرية مدى تنتهي إليه ، والله أعلم بقلوب الناس ونفوسهم ، ومن ثَّم لم يشأ أن يترك المؤمنين للفتنة ، إلا ريثما يستعدون للمقاومة ، ويتهيئون للدفاع ، ويتمكنون من وسائل الجهاد ، وعندئذ أذن لهم في القتال لرد العدوان .

وقبل أن يأذن لهم بالانطلاق إلى المعركة آذنهم أنه هو سيتولى الدفاع عنهم فهم في حمايته ((إن الله يدافع عن الذين آمنوا)) ..
وأنه يكره أعداءهم لكفرهم وخيانتهم فهم مخذولون حتمًا (( إن الله لا يحب كل خوان كفور )) ..
وأنه حكم لهم بأحقية دفاعهم وسلامة موقفهم من الناحية الأدبية فهم مظلومون غير معتدين ولا متبطرين (( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا )) .. وأن لهم أن يطمئنوا إلى حماية الله ونصره إياهم (( وإن الله على نصرهم لقدير )) .
وأن لهم ما يبرر خوضهم للمعركة فهم منتدبون لمهمة إنسانية كبيرة ، لا يعود خيرها عليهم وحدهم ، إنما يعود على الجبهة المؤمنة كلها ، وفيها ضمان لحرية العقيدة وحرية العبادة ، وذلك فوق أنهم مظلومون أخرجوا من ديارهم بغير حق (( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله )) .. وهي أصدق كلمة أن تقال .. وأحق كلمة بأن تقال .. ومن أجل هذه الكلمة وحدها كان إخراجهم ، فهو البغي المطلق الذي لا يستند إلى شبهة من ناحية المعتدين ، وهو التجرد من كل هدف شخصي من ناحية المعتدى عليهم ، إنما هي العقيدة وحدها من أجلها يخرجون ، لا الصراع على عرض من أعراض هذه الأرض ، التي تشتجر فيها الأطماع ، وتتعارض فيها المصالح وتختلف فيها الاتجاهات وتتضارب فيها المنافع .
ووراء هذا كله تلك القاعدة العامة .. حاجة العقيدة إلى الدفع عنها ((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا ))
والصوامع أماكن العبادة المنعزلة للرهبان ، والبيع للنصارى عامة وهي أوسع من الصوامع ، والصلوات أماكن العبادة لليهود ، والمساجد أماكن العبادة للمسلمين .
وهي كلها معرضة للهدم ـ على قداستها وتخصيصها لعبادة الله ـ لا يشفع لها في نظر الباطل أن اسم الله يذكر فيها ، ولا يحميها إلا دفع الله الناس بعضهم ببعض .. أي دفع حماة الحقيقة لأعدائها الذين ينتهكون حرمتها ، ويعتدون على أهلها .. فالباطل متبجح لا يكف ولا يقف عن العدوان إلا أن يدفع بمثل القوة التي يصول بها ويجول .. ولا يكفي الحق أنه الحق ليقف عدوان الباطل عليه ، بل لا بد من القوة تحميه وتدفع عنه .. وهي قاعدة كلية لا تتبدل ما دام الإنسان هو الإنسان !
ولا بد من وقفة أمام هذه النصوص القليلة الكلمات العميقة الدلالة ، وما وراءها من أسرار في عالم النفس وعالم الحياة .
إن الله يبدأ الإذن بالقتال الذين قاتلهم المشركون ، واعتدى عليهم المبطلون ، بأن الله يدافع عن الذين آمنوا ، وأنه يكره المعتدين عليهم من الكفار الخائنين .

(( إن الله يدافع عن الذين آمنوا .. إن الله لا يحب كل خوان كفور ))
فقد ضمن للمؤمنين إذن أنه هو تعالى يدافع عنهم ، ومن يدافع الله عنه فهو ممنوع حتمًا من عدوه ، ظاهر حتما على عدوه .
xxففيم أذن يأذن لهم بالقتال ؟ .. وفيم إذن يكتب عليهم الجهاد ؟ .. وفيم أذن يقاتلون فيصيبهم القتل والجرح والجهد والمشقة ، والتضحية والآلام .. والعاقبة معروفة .. والله قادر على تحقيق العاقبة لهم بلا جهد ولا مشقة ، ولا تضحية ولا ألم ، ولا قتل ولا قتال ؟
والجواب أن حكمة الله في هذا هي العليا .. وأن لله الحجة البالغة .. والذي ندركه نحن البشر عن تلك الحكمة ويظهر لعقولنا ومداركنا من تجاربنا ومعارفنا أن الله سبحانه لم يرد أن يكون حملة دعوته وحماتها من ((التنابلة)) الكسالى ، الذين يجلسون في استرخاء ، ثم يتنزل عليهم نصره سهلاً هينا بلا عناء ، لمجرد أنهم يقيمون الصلاة ويرتلون القرآن ويتوجهون إلى الله بالدعاء ، كلما مسهم الأذى ووقع عليهم الاعتداء !
نعم إنهم يجب أن يقيموا الصلاة ، وأن يرتلوا القرآن ، وأن يتوجهوا إلى الله بالدعاء في السراء والضراء ، ولكن هذه العبادة وحدها لا تؤهلهم لحمل دعوة الله وحمايتها ، إنما هي الزاد الذي يتزودونه للمعركة ، والذخيرة التي يدخرونها للموقعة ، والسلاح الذي يطمئنون إليه وهم يواجهون الباطل بمثل سلاحه ويزيدون عنه سلاح التقوى والإيمان والاتصال بالله .
لقد شاء الله تعالى أن يجعل دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم كي يتم نضجهم هم في أثناء المعركة ، فالبنية الإنسانية لا تستيقظ كل الطاقات المذخورة فيها كما تستيقظ وهي تواجه الخطر ، وهي تدفع وتدافع ، وهي تستجمع كل قوتها لتواجه القوة المهاجمة عندئذ تتحفز كل خلية بكل ما أودع فيها من استعداد لتؤدي دورها ، ولتساند مع الخلايا الأخرى في العمليات المشتركة ، وتتولى أقصى ما تملكه ، وتبذل آخر ما تنطوي عليه ، وتصل إلى أكمل ما هو مقدور لها وما هي مهيأة له من الكمال .
والأمة التي تقوم على دعوة الله في حاجة إلى استيقاظ كل خلاياها ، واحتشاد كل قواها ، وتوفر كل استعدادها ، وتجمع كل طاقاتها ، كي يتم نموها ، ويكتمل نضجها ، وتتهيأ بذلك لحمل الأمانة الضخمة والقيام عليها .
والنصر السريع الذي لا يكلف عناء ، والذي يتنزل هينًا لينًا على القاعدين المستريحين ، يعطل تلك الطاقات عن الظهور ، لأنه لا يحفزها ولا يدعوها .
وذلك فوق أن النصر السريع الهين اللين سهل فقدانه وضياعه
أولاً : لأنه رخيص الثمن لم تبذل في تضحيات عزيزة .
وثانيًا : لأن الذين نالوه لم تدرب قواهم على الاحتفاظ به ولم تحتشد للدفاع عنه .
وهناك التربية الوجدانية والدربة العملية تلك التي تنشأ من النصر والهزيمة ، والكر والفر ، والقوة والضعف ، والتقدم والتقهقر ، ومن المشاعر المصاحبة لها .. من الأمل والألم .. ومن الفرح والغم .. ومن الاطمئنان والقلق .. ومن لا شعور بالضعف والشعور بالقوة . ومعها التجمع والفناء في العقيدة والجماعة والتنسيق بين الاتجاهات في ثنايا المعركة وقبلها وبعدها وكشف نقط الضعف ونقط القوة ، وتدبير الأمور في جميع الحالات .. وكلها ضرورية للأمة التي تحمل الدعوة وتقوم عليها وعلى الناس .
من أجل هذا كله ، ومن أجل غيره مما يعلمه الله .. جعل الله تعالى دفاعه عن الذين آمنوا يتم عن طريقهم هم أنفسهم ، ولم يجعله لقية تهبط عليهم من السماء بلا عناء .

والنصر قد يبطئ على الذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ، فيكون هذا الإبطاء لحكمة يريدها الله .
قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها ، ولم يتم بعد تمامها ، ولم تحشد بعد طاقاتها ، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادت .. فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكًا لعدم قدرتها على حمايته طويلاً !
وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة ، وآخر ما تملكه من رصيد ، فلا تستبقى عزيزًا ولا غاليًا ، لا تبذله هينًا رخيصُا في سبيل الله .
وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها ، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر ، إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله .
وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله ، وهي تعاني وتتألم وتبذل ، ولا تجد لها سندًا إلا الله ، ولا متوجهًا إلا إليه وحده في الضراء ، وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله ، فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها الله .
وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه ، أو تقاتل حمية لذاتها أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها ، والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله ، بريئًا من المشاعر الأخرى التي تلابسه ، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل ليرى .. فأيها في سبيل الله .. فقال صلى الله عليه وسلم ((من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ))
كما قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير ، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصًا ، ويذهب وحده هالكًا ، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار !
وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تمامًا ، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارًا من المخدوعين فيه ، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله ، فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة ، فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عاريًا للناس ، ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية !
وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة ، فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار ، فيظل الصراع قائمًا حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر ، ولاستقباله !
من أجل هذا كله ، ومن أجل غيره مما يعلمه الله ، قد يبطئ النصر ، فتتضاعف التضحيات ، وتتضاعف الآلام ، مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية .

walsal
19-02-2002, 10:14 PM
جزاك الله كل خير