المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية في وثيقة لهم : ستون مثقفا أمريكيا يؤيدون الحرب على المسلمين



MandN
19-02-2002, 05:45 PM
الثلاثاء:2002/2/19
الرسالة التي وجهها، منذ أيام، ستّون مثقفاً وأكاديمياً أميركياً إلى العالم الإسلامي، مطلعها حربي قتالي، وختامها ودي وأخوي، وبين البداية الشاهرة سيفها والنهاية التي تمد يد المصافحة والمصالحة، ثمة إنذارات جادة بمعارك ضارية وصدامات فكرية وخلافات، لا بد تتساءل ما سيكون حال العالم خلالها، وكيف تراه سيصبح بعدها؟
و تقول صحيفة الشرق الأوسط في تعليق لها : اللهجة صادقة بقدر ما هي مراوغة، ومحبّة بقدر ما هي مبغضة، وتسامحية بقدر ما هي حاقدة. وبين الظاهر والباطن وما يعرض عليك وما تكتنزه ذاكرتك من خلفيات مريرة تنسف قدرتك على الإيمان ببراءة الكلمات، تتلبسك بلبلة أمام هذا البيان العسكري ـ الثقافي، الذي ينظّر للقتل، ويؤدلج الحرب، ويفلسف حملة عسكرية مساحتها الأرض بطولها وعرضها (إذ لا حدود جغرافية محددة لها باعتراف المثقفين) باسم حقوق الإنسان والكرامة والمساواة والحرية. وبمعنى آخر باسم القيم الأميركية التي أصبحت «الإرث المشترك للبشرية، وبالتالي عليها يؤسس لأملٍ ممكن ببناء أمة كونية يسودها السلام والعدل». لا بد أن تصيبك البلبلة أمام جهابذة من المفكرين بينهم مشاهير، من وزن فرنسيس فوكوياما صاحب مقولة «نهاية التاريخ» وصموئيل هنتنغتون كاتب «صدام الحضارات» عندما تجد ان ما سطروه ومهروه بتواقيعهم لا يختلف ضمناً عما يمكن أن يصرّح به أي من صقور الإدارة الأميركية.
وقبل أن تفترض بحكم حدسك العالمثالثي وإسقاطاتك المتسرعة ان هؤلاء المثقفين وأصحاب المناصب الأكاديمية ما هم إلا أبواق للسلطة الأميركية، تجدهم ينبهونك إلى نقطة في غاية الأهمية: «في ديمقراطية كديمقراطيتنا، حيث سلطة الحكام تنبعث من موافقة وقبول المحكومين، تجد السياسة جذورها، ولو جزئياً، في الثقافة وفي القيم وفي خصوصيات المجتمع ككل». أي ان هذه النخبة تعتبر نفسها مشاركة في صنع القرار السياسي. والمجتمع بأسره ـ كما هو بيّن في الرسالة ـ مسؤول عن النهج السياسي الأميركي. والرسالة تخبرنا بوضوح، لا يقبل اجتهاداً في التفسير، ان الشعب الاميركي، لا الإدارة وحدها، يشن مصمماً «حرباً عادلة» لا هوادة فيها. أما الهدف منها فهو «تأسيس مجتمع مدني دولي قائم على العدل». وإياك وان تظن بان ثمة دوافع غزو، أو طمع، أو أية مصلحة سياسية يمكن أن تشوب هذه الخطة النبيلة، والنظيفة بنقاء الثلج، والتي تعد الإنسانية بالجنة على الأرض شرط ان تنصاع إلى شروطها.
كل هذا جميل لو رأى المثقفون الأميركيون خطراً واحداً في العالم، يحول دون أحلامهم البديعة، يضيفونه إلى «الإسلام الأصولي»، وهم يصورونه لنا وكأنه العائق الأوحد المتبقي أمام الإنسانية للوصول إلى سن النضج الأميركي. هل هذا معقول؟
والكارثة الأخلاقية في رسالة المثقفين المنافحين عن الأخلاق، ولا شيء غير الأخلاق، ليست فقط في أنهم يدافعون برومانسية مريبة وخطيرة عن نظرية «الحرب العادلة» التي تبرر لكل من يدعي صلاح مشروعه الآيديولوجي ان يعلن حرباً على الآخرين، وليست فقط في أنهم يحصرون سبب الشر في العالم بفئة الإسلاميين الأصوليين، وإنما هي أيضاً في مجموعة من الادعاءات المشينة، والقرارات القاطعة التي تضمر غطرسة، ونية مبيتة في استبعاد بقية الخلق عن المشاركة في صنع مصير هذا الكوكب. ومن هذه المواقف وأشدها فوقية وتطرفاً، رفضهم الاحتكام لمنظمة الأمم المتحدة قبل شن هجوم عسكري وذلك لأسباب منها: أن المنظرين، تاريخياً، لـ«الحرب العادلة» لم يأخذوا في الاعتبار الموافقة الدولية كضرورة «ثم ان لا شيء يثبت ان منظمة دولية كالأمم المتحدة هي الأجدر باتخاذ قرار، متى وفي أي ظروف يكون استعمال السلاح مبرراً، دون ان ننسى ان الجهود التي تبذل من أجل تطبيق قراراتها تعرّض للخطر، مهمتها الأولى، التي هي إنسانية». ثم يستشهد موقعو الرسالة بمقولة لمساعد سابق للأمم المتحدة يعتبر فيها ان لجوء دولة لجهة دولية لتنظيم استخدامها للقوة «قد يكون مشروعاً انتحارياً».
ولا يغرنك ان يتحدث الموقعون عن انحراف في السياسة الخارجية، أو عيوب في المجتمع الأميركي لأنها تأتي موجزة ومن باب رفع العتب، إذ رغم المزاعم الأخلاقية، لا تعثر في الرسالة على ذكر ولو عابر لفلسطين، أو أي قضية أخرى محقة في العالم غير ما جرى لأميركا يوم الحادي عشر من سبتمبر، وما على الأميركيين فعله لقطع دابر «الشر»، وكأنما كرامة العالم وحريته التي يتحدثون عنها بإسهاب إنشائي ممل تختزل باسترداد الكرامة الأميركية لهيبتها. وهي لدهشتنا ـ حسب ما يفهم من الرسالة ـ ما تزال مقهورة ومجروحة، وكأن حرب أفغانستان لم تقع وحركة طالبان لم تفكك، وعناصر تنظيم القاعدة لم يقتلوا ويؤسروا ويطاردوا في أنحاء البسيطة.
مقلقة هذه الرسالة التي توحي بأنها كتبت يوم الثاني عشر من سبتمبر على وقع أنين القتلى والجرحى، ومخيفة للغاية النزعة التطرفية والتفردية فيها والتي لا تخفف من حدتها دعوة المسلمين إلى صداقة وأخوة إنسانية مع الأميركيين. إنها رسالة استفزازية ودكتاتورية الرؤيا.

islammemo.com (http://www.islammemo.com/news/america/19_2_02/2.htm)