المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية تجار الدين والعلماء!



MandN
21-02-2002, 06:46 PM
لا أدري لماذا اختصر بعض "طلبة العلم" الدين والإصلاح في إثبات شرعية الحاكم، و أن الخروج على الحاكم من "الكبائر"، ويتكلف في نقل الإجماع المدعى على حرمة الخروج، ويروج الولاء للحاكم وأن لا ينصح إلا سرا، وما فوقه ولو بالهمس لا يجوز، وينفقون الأوقات وتغدق على كتاباتهم الأموال والصدقات لطباعة ما جعلوه من المسلمات، وكأن حفظ الحكم مقدم على حفظ الدين.
وفي زمن القصور وقلة التميز والنبوغ، يعتري بعض المحسوبين على الأوساط العلمية، ما يعتري أمثالهم في عصور الضعف والهوان، من المتاجرة بالدين، وإلزام الخلق بما يروه حقا، الحق الذي ليس بعده إلا الضلال!
إنها شهوة الحاكم، حُفت ببعض الشبهات والمغريات، فالسلطان في الغالب، لا يرى الحياة إلا متماثلة متطابقة، لا اعوجاج فيها ولا نتوءات، الحكم عنده كالأرض المستوية، الكل يرى رأيه ويهتف باسمه، وخلاف هذه الصورة، خروج ومروق، ويأتي المتاجر بالدين ليزين له المقام، ولا يخرج عن فلك شهوته.
كثر التجار في زماننا هذا، وصار "طلب العلم" – عند هؤلاء- و كتابة الرسائل والتحقيقات تحت مسمى بيان الحق، من مداخل هذه الحرفة، وإن طلب العلم الشرعي عند الأوائل ومن سار على هديهم، يعني " المرتقى الصعب"، وقوامه التصدي للباطل أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، وأن تكون صاحب موقف ورأي مستقل، توجه وتصون رفعة الدين واستقلاله من استغلال الحاكم، وتواجه الانحراف وتحارب الظلم، لا أن تخيط الأحكام والمواقف على مقاس "ولي الأمر".
وصارت المتاجرة بالدين والتترس بالشريعة سوقا رائجة، لها روادها وصناعها، وحرفة ذات أصول وقواعد، فالموضوع: تعزيز مناعة الحاكم وتحصين "شرعيته"، ومجاله يتسع يوما بعد يوم، بحسب النوازل ورغبات السلطان وبمقتضى الزمان والمكان، و الكاتب يستنفر من أكابر العلماء، من تثق الأمة في علمهم وديانتهم، لقراءة "الرسالة" أو "الكتاب"، أو للإجابة عن فتاوى تخدم موضوعا معينا، بمعزل عن الظروف والواقع والملابسات، وغالبا ما يكون العالم أسير المستفتي، ويُطبع في حلة بهية، وأسماء العالم أو العلماء تزين غلافه، لينشر بكميات هائلة، على أنه الدين الحق الذي لا مرية فيه؟!
ومنهم من تدرج في سلم "الحرفة" وأسس مركزا للمتاجرة بعلم أحد الأعلام في الحديث الشيخ الألباني رحمه الله. وأظن أنه لم يتاجر بعلم شيخ في زماننا هذا، مثلما توجر بالمحدث الألباني.
وطفت على السطح شريحة في أوساط الإسلاميين تفننت في الدعاية والترويج لمشروعاتها وأنشطتها، عبر الاستعمال المفرط لاسم شيخ أو صورته أو كتاباته، ففي أوربا وأمريكا، إذا أراد البعض أن يقتحم الساحة الدعوية بمشروع ومؤسسة، يستصحب معه هذا القالب: عنوان بالبنط العريض :" الرئيس الشرفي الشيخ العلامة يوسف القرضاوي".
وفي الجزائر، يتقاسم سوق التجارة بالدين والدعاة، صنفان، صنف ممن تعرضنا لهم في بداية المقال، وآخر خروج لهم كتاب سماه صاحبه ( عبد المالك رمضان الجزائري) :" فتاوى العلماء الأكابر فيما أُهدر من دماء الجزائر"، والكتاب بإيجاز، انتقاء للفتاوى وتحيز لجهة معينة، وانتصار للحاكم على الرعية، واختصار أزمة الجزائر في خروج جماعات عن النظام الحاكم، وتكلف في نقل لإحماع مُدعى، وصدَر غلاف الكتاب بأسماء العلماء الأفاضل: ابن باز، العثيمين والألباني، وذيله بـ: "وقرأه العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين"، وهو ثاني كتاب له بعد بلواه : "مدارك النظر في السياسة بين التطبيقات الشرعية والانفعالات الحماسية" الذي أتى فيه بالطامات، والكتاب الثاني تم استيراده بكميات ضخمة، وبيع بأسعار لا تناسب حجمه وتكاليف طبعه.
والصنف الثاني، أوغلوا في المتاجرة بالقضايا الإسلامية خاصة في العشرية الحمراء، وصنعوا أمجادهم على أنقاض إخوانهم واستغفال مناصريهم، وجعلوا من الشيخ الداعية أبو سليماني (الذي اغتيا سنة 1994وكان رئيسا لجمعية الإرشاد والإصلاح الجزائرية)قميص عثمان يعلقونه في المنابر والمحافل والمؤتمرات، ليستميلوا عواطف المسلمين، ويفتحوا لهم أسواقا مغرية، ومنافع جديدة، وآخر صفقة باسمه، ملتقى وطني لتخليد ذكرى اغتياله، لتعلن بعدها بأيام شقيقة الشيخ أبو سليماني في إحدى الصحف اليومية الرائجة، أن والدته العجوز المريضة المبتلاة بداء عضال، في حاجة ماسة وملحة إلى عملية جراحية، وتسأل أهل البر والإحسان أن يغطوا مصاريف العلاج، فواعجباه لهذا التناقض؟! تخلد ذكرى الابن، بينما الأم تسأل المسلمين لفاقتها وحاجتها؟! أم كان الأولى بأن تصرف أموال الملتقى على علاج أم من تُخلد ذكراه؟؟!
ولم أقرأ في السنوات الأخيرة، وصفا دقيقا لحرفة المتاجرة بالدين والعلم الشرعي، وبيان الخلل عند بعض أهل العلم وطلبته، ودعوة صريحة وجريئة للرجوع إلى سمت العلماء الأوائل في محاربة الباطل والتعفف عن استغلاله لحساب نزوات الحاكم، وتجاوز دور ومرحلة الحاشية إلى القيادة والريادة، من كتاب (عجل الله فرجه)لم يطبع بعد لمؤلفه المفكر والأديب محمد الأحمري سماه "أزمة العلماء"، نسأل الله تعالى أن يعجل بصدور هذا الكتاب وطباعته.

Alasr (http://152.160.23.131/alasr/content/9DDD1A1D-2EE6-47DC-8008-EEDD2EF3EFD1.html)