المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية المبادرة السعودية ضخت دماء في شرايين الارهاب الصهيوني



Black_Horse82
25-02-2002, 04:45 AM
محمد عبد الحكم دياب.
مبادرة الأمير عبد الله بن عبد العزبز للتطبيع الكامل مع الدولة الصهيونية مقابل الانسحاب عن الأراضي المحتلة سنة 1967، لا تعد من المفاجآت، فهي لا تختلف كثيرا عن مبادرة الملك فهد الذي أطلقها من واحد وعشرين عاما، ومن يسترجع مبادرة السادات لزيارة فلسطين المحتلة التي مضي عليها ما يقرب من خمسة وعشرين عاما، فسوف يتأكد من شيء هام هو أن السادات مات سياسيا في ذلك اليوم الخريفي من سنة 1977، وهو اليوم الذي وطأت فيه أقدامه مطار بن غوريون في فلسطين المحتلة، وإن كان موته الجسدي قد حل بعد ذلك في يوم خريفي آخر، بعد أربع سنوات، ومن يتذكر تلك الأيام، سوف يجد أن الأوضاع لم تستقر يوما واحدا له، وهو الذي أطلق علي نفسّه آخر الفراعنة حتي لقي حتفه، في أول حادث من نوعه في التاريخ المصري القديم والوسيط والحديث. فهو الحاكم المصري الوحيد في التاريخ الذي قتل بأيد مصرية، جهارا نهارا، وعلي مرأي ومسمع من العالم كله. لم يكن ضحية انقلاب، أو مؤامرة قصر، أو صراع علي سلطة، بل كان مصرعه تصفية حساب، بين من فرط ورافض للتفريط. كان شتاء عام 1977 شديد السخونة، أشعر السادات بالخطر، افتقد فيه الأمان بعد أن أعد طائرته، في مطار أسوان، للرحيل عن مصر، فعندما رأي الدخان يتصاعد علي البعد من مدينة أسوان، وكان في جلسة دردشة مع الإعلامية الراحلة همت مصطفي، لم يكن أحد من رجاله قد جرؤ، حتي ذلك الوقت من مساء 18 كانون الثاني (يناير) علي إبلاغه بالانتفاضة، التي غطت مصر من أقصاها إلي أقصاها، وهو يستجم في أسوان، بعيدا عن برد القاهرة، وكانت رد فعل علي القرارات، التي صدرت صباح نفس اليوم، برفع أسعار المواد التموينية والخبز، ومع تراجعه الفوري في القرارات إلا أن احساسه بالامان فارقه إلي غير رجعة، وبعد أن تولي الجيش الزمام وخمدت الانتفاضة، كان السادات قد تغير بشكل كامل، وبعد أن كان يتصنع الود، ويضع نفسه في مكانة الأب، ويخاطب المصريين دائما بشعبي وجيشي وأبنائي، لم يجد غير وصف الحرامية ليصف هذا الشعب العظيم، عندما وصف الانتفاضة بأنها انتفاضة حرامية .
عداء السادات للشعب ازداد. وارتبط هذا العداء باستمرار بشعبية عبد الناصر، بعد سبع سنوات من رحيله، ولم يفقده هتاف، من بين مئات الهتافات، صوابه وثقته بنفسه، قدر هتاف الذين وقفوا أمام قبر عبد الناصر يرددون قوم يا وحش شوف الـ.... بيعمل إيه . وصفة الوحش ليست مسبة، إنما يطلقها المصريون، رجالا ونساء، علي الشخص كامل الرجولة، وهي غير الكلمة المقابلة في الهتاف، التي تعني العكس تماما، وزادت عقدته بعجزه عن التعامل مع الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي استفحلت، وفشل جهوده المستميتة في تصفية التيارات القومية واليسارية، والتي ظهرت قوتها وعمق تأثيرها في الانتفاضة وبجانب فقدان الثقة بالنفس، بدأ يفقد ثقته في قدرة التيارات الاسلامية التي لم تحقق النجاح الذي كان يأمله في تصفية التيارات القومية واليسارية، ويبدو أنه قرر الانتقام من الجميع.
حسم موقفه نهائيا، وبدلا من الغوص في الأسباب الحقيقية لغضبة الشعب، بحث عما يرضي الإدارة الأمريكية، وكانت الدولة الصهيونية هي المفتاح، فاتخذ قراره بزيارتها. كانت علاقته قد ساءت بالاتحاد السوفييتي، وهو الذي كان قد وقع معه معاهدة صداقة وتعاون فور رحيل عبد الناصر، وعندما ازداد اختناقا لم ير حلا إلا القبول بالشروط الأمريكية، وخلف الكواليس نشطت الاتصالات، من خلال الملك الحسن الثاني، ملك المغرب الراحل، وتمت لقاءات قصر الصخيرات الشهيرة، بين مسؤولين صهاينة ومسؤولين مصريين، كان أشهرها لقاء موشيه ديان، وحسن التهامي مساعد السادات، وكمال حسن علي مدير المخابرات العامة المصرية، وكذلك الاتصالات التي تمت عن طريق رومانيا ودور شاوشيسكو، الذي تم التخلص منه بطريقة لا تقل مأساوية عن اغتيال السادات، فيبدو أنه كان يحمل أسرارا ما كان يجب أن تقع في يد الثائرين علي نظامه، توجت اللقاءت المصرية الرومانية بلقاء منفرد بين السادات وشاوشيسكو، قبل ساعات من أعلان المبادرة، وإخراجها بالشكل الذي أشار فيه السادات إلي أن هاتفا - ليس بمعني التليفون إنما بمعني الالهام - جاءه في طائرته العائدة من بوخارست، وأوحي له بالمبادرة.
حرص السادات، وهو يعلن مبادرته أمام مجلس الشعب، أن يكون الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات بجانبه، وذهب إلي القدس، وألقي خطابا في الكنيست. وجاءت التطورات لتزيد من تعقيد موقفه، فإذا كانت الانتفاضة أفقدته الثقة بالمصريين، فالموقف العربي من مبادرته أفقده الثقة في العرب، وعاش سنواته الأربع بعد المبادرة وهو علي درجة عالية من التوتر الذي وصل إلي الجنون، فاتخد قرارات باعتقال رموز مصر السياسية والدينية والفكرية، ولم يمر شهر علي هذا الاجراء حتي أصبح السادات الميت سياسيا معزولا تماما، وقد وصفت الرصاصة التي أودت بحياته برصاصة الرحمة، التي طوت واحدة من الصفحات السوداء في تاريخ مصر والعرب. لم يمش المصريون في جنازة السادات. وسار فيها، ثلاثة رؤساء أمريكيين، ورئيس وزراء العدو مناحيم بيغن، ومسؤولون أمريكيون سابقون، مع مساعديه الذين بقوا علي قيد الحياة بعد حادث المنصة.
هذه بعض ظروف أحاطت بمبادرة السادات التي أوصلته إلي القدس، ثم إلي كامب ديفيد فيما بعد، وتأتي ظروف مبادرة الأمير عبد الله مصاحبة لهجوم أمريكي شديد ضد المملكة العربية السعودية، ولأزمة اقتصادية داخلية، ولعلاقة متوترة مع التيارات والقوي الاسلامية، مع بوادر فك ارتباط وشرخ بين السلطة السياسية الدنيوية لأسرة آل سعود، والسلطة الدينية لأئمة المذهب الوهابي، وضغط خانق سببه وجود القواعد وقوات الاحتلال الأمريكية، وارتباك لقرب موعد العدوان علي العراق، ناهيك عن تأثير ما يجري ضمن التركيبة السعودية نفسها، سواء علي مستوي المواطنين، وانتشار البطالة بين الشباب والمتعلمين، وكذلك الطموحات التي بدأت تنتشر بين الأجيال الجديدة التي تعلمت في الخارج، وتطلع المثقفين للمشاركة في الحكم، والرغبة في إجراء اصلاحات راديكالية علي مؤسسات الدولة.
هذه الظروف لم تأت نتيجة الهجوم علي الولايات المتحدة، في أيلول (سبتمبر) الماضي، إنما كانت سابقة عليه، وما فعله هذا الهجوم هو أن رفع وتيرة الضغوط، وزاد من معدل الأزمات وتأثيرها، وأحدث صدمة في البناء السياسي السعودي، لوجود خمسة عشر شخصا يحملون الجنسية السعودية، كانوا بين ركاب الطائرات المخطوفة التي قامت بالهجوم.
يصبح السؤال ماذا تريد السياسة السعودية من وراء إطلاق هذه المبادرة، المنشورة في صحيفة نيويورك تايمز يوم الأحد الماضي؟. الأمر علي أرض الواقع أعقد بكثير من الرد المباشر علي هذا السؤال، فالسياسة السعودية لا تقوي علي مواجهة الضغط الأمريكي، ولا تتحمل الضربات الموجعة التي تلقتها في أوساط الرأي العام الأمريكي، ولن يخفف منها الرغبة الملحة في تهدئة الجبهة الأمريكية، ولا النصيحة الأمريكية لشارون بعدم تحريك جماعات الضغط اليهودية ضد السعودية، فهي حسب نص النصيحة السعودية ليست ضدكم، وهي وإن كانت متزمتة دينيا إلا أنها معتدلة سياسيا !!.
هذه المبادرة قد تكون موجهة للداخل. فالسياسة السعودية في حاجة لتحويل الأنظار عما تمر به البلاد، وقد يكون السفير السعودي الأمير بندر بن سلطان له دور فيها، فهو يعمل منذ مدة علي تحسين الصورة السعودية في واشنطن، واستعان بشركة للعلاقات العامة كورفيس كوميونيكيشن لهذا الغرض، لكن عندما نتعمق في الأمر نجد أن السؤال الجدير بالرد هو ماذا يطلب الأمريكان من السعوديين؟.
الإدارة الأمريكية تنظر إلي ما قدمته السعودية في حربها ضد الارهاب بأنه أدني مما كان متوقعا، سواء علي صعيد استخدام قاعدة الأمير سلطان، أو غير ذلك من المطالب التي تشعبت، ودخلت إلي صلب البنيان الديني والسياسي والاجتماعي السعودي، وتغيير المناهج التعليمية والدينية، والحد من نفوذ المؤسسة الوهابية، وفك الارتباط بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الدينية، واعداد الأراضي والأجواء والمياه وتطوير العلاقة السعودية الكويتية، وتصفية الأجواء الملبدة بين البلدين قبل بدء العمليات العسكرية ضد العراق، وتجميد العلاقة النامية مع ايران، والحذو حذو السياسة الرسمية المصرية في الضغط علي سورية، وقطع العلاقات مع المنظمات الفلسطينية خاصة حماس والجهاد الاسلامي.
يضاف إلي ذلك اثر معلومات، لم تتأكد بعد، عن دور أمريكي لاحياء الصراع الهاشمي السعودي، وأن الأمريكيين وعدوا الملك عبد الله الثاني، مقابل تأييده الكامل للجهد الأمريكي، واستمرار قوة العلاقات الأردنية الاسرائيلية، باعادة الهاشميين إلي الحجاز، ضمن خطة لتقسيم السعودية، يتم بها تخفيف الضغط علي شارون بجعل الأردن الوطن البديل للفلسطينيين.
كنا نتصور في المناخ البطولي الراهن، أن نشد من أزر الأشقاء الفلسطينيين، بمبادرة من نوع آخر. في وقت يستعد فيه القادة العرب لشد الرحال إلي القمة الدورية الثانية في بيروت، نهاية الشهر القادم . مبادرة تحيي المقاطعة ضد العدو، وضد كل من يسانده ويؤيده، وتطلب من العرب، الذين وقعوا معاهدات، أو أقاموا علاقات أو اتصلوا بالعدو، أن يلغوا كل هذا، وأن تقوم العلاقة مع الولايات المتحدة علي غير الإذعان، مع تزكية العمل العربي الجماعي، والترابط الاسلامي، ليستعيد العرب التأثير علي العالم، الذي فرطوا فيه ففرط فيهم.
هناك كثير يمكن أن يقال، وحولنا من يضرب المثل، وقد تكون إمكانياته أقل من إمكانيات العرب. ماذا كان الرد الإيراني علي الوقاحة الأمريكية؟، وصفة الوقاحة ليست من عندي، بل من عند الزعيم الايراني رفسنجاني، خرست الإدارة الأمريكية، لأنها تعلم أن إيران تعني ما تقول، وحتي الموقف الاسرائيلي من الإدارات الأمريكية المتعاقبة. كلما أمعن في إذلالها، كلما حقق مكاسب لم يكن يحلم بها، حتي شعب لبنان الصغير، وحزب الله الأصغر، تحسب لهما الإدارة الأمريكية والدولة الصهيونية ألف حساب، فهم يقولون ويفعلون.
هذه المبادرة، أيا كانت الظروف والملابسات المحيطة بها، ضخت دماء جديدة في شرايين الارهاب الصهيوني، فهي من جهة تؤكد النظرية الصهيونية، منذ بن غوريون مؤسس الدولة، وهي أن اليهود كلما أمعنوا في العرب ذبحا وتنكيلا، كلما رضخ العرب. وهذه النظرية ارتطمت بصلابة عبد الناصر، في الماضي، وترتطم بموقف شعبي عربي من أقصي القارة العربية إلي أقصاها، في الحاضر، يؤيد الفلسطينيين، ويشد علي أيديهم، ولو واتت الفرصة، فلسوف نري قوافل الشباب تتجه نحو فلسطين.
هناك حاجة أمريكية لمبادرة من هذا النوع، من بلد يتمتع بمكانة دينية، بهدف الحد من التأييد العربي للانتفاضة، وكما كانت مبادرة السادات سحبا لمصر من الرصيد العربي، فإن مبادرة الأمير عبد الله هي سحب السعودية من الرصيد الاسلامي، وكلاهما يكمل الآخر. والهجوم الأمريكي الذي أرعب السياسة السعودية، كان في زمن العزة دليلا علي مصداقية المواقف. كان عبد الناصر يقلق في اليوم الذي لا تهاجمه أمريكا، فمعناه أنه مارس شيئا غلطا علي حد تعبيره. وكان الهجوم الأمريكي يقوي الجبهة الداخلية المصرية، ويصلب التضامن العربي، ففي ذلك الوقت كانت السياسة الأمريكية مصنفة بشكل صحيح، ضمن السياسات المعادية، ومنذ أن أصبحت صديقة للعرب انهارت جبهات العرب الداخلية، وزادت أزماتهم، وصاروا أذلاء مهانين، ومن هانت عليه نفسه هان علي الناس، وأولهم العدو الأمريكي والصهيوني.