Black_Horse82
26-02-2002, 05:39 PM
مبادرة الامير عبدالله ما زالت في طور الاختبار.. ونجاحها سيقاس بجدية السعودية لقيادة العالم العربي!!!!
قصة فريدمان بدأت بدافوس وانتهت مع الامير وحكاية الخطة في الجارور
ولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية الامير عبدالله ليس طفلا. في السعودية لا يتطرقون لعمره الدقيق. وقد جرت العادة علي القول انه بين 72 - 78 سنة. الكاتب الصحافي اللامع في النيويورك تايمز توماس فريدمان هو يهودي محب لاسرائيل وعمره 49 سنة ليست العلاقة بينهما بداية لصداقة رائعة بالضبط.
وبالرغم من ذلك تمخض اللقاء بين الاثنين في مزرعة الامير بجوار الرياض عن مبادرة دبلوماسية تهز العالم العربي كله في هذه الايام، ومعه أغلبية وزارات الخارجية في الغرب.
كل الحكومات العربية عبرت عن تأييدها المعلن او الهامس للمبادرة، باستثناء اثنين: سورية والعراق.
أمين عام الجامعة العربية تبني المبادرة. عرفات ادعي انه اعطي مؤشرا بالموافقة عليها. كولين باول رد عليها بالترحيب.
الامر الذي بدا كمناورة بديعة من مناورات العلاقات العامة تطور ليصبح خطوة دبلوماسية تملك قدرة خاصة بها علي البقاء. المتفائلون منا يستطيعون ان يستذكروا مبادرة الرئيس السادات السلمية. فهي ايضا كانت قد بدأت بتصريح ظهر في صورة مناورة في مجال العلاقات العامة. فريدمان من مكتبه في واشنطن حدّث يديعوت احرونوت في آخر الاسبوع كيف تحولت مهمته الصحافية الي كرة ثلج دبلوماسية.
كل شيء بدأ في شهر كانون الثاني (يناير) في المؤتمر الاقتصادي السنوي (مؤتمر دافوس) الذي عقد في نيويورك في هذه السنة. فريدمان قابل هناك شخصيتين بارزتين الاولي من المغرب والثانية من الاردن. كلاهما ذو تجربة غنية في الصراع الشرق اوسطي. الاثنان طرحا افكارا لاخراج الصراع من دائرة الدماء التي علقت فيها. الفكرة الفائزة كانت بسيطة: القمة العربية المنعقدة في بيروت في اواخر اذار (مارس) تعلن عن صيغة للتسوية ـ التطبيع الكامل بين العالم العربي واسرائيل مقابل الانسحاب الاسرائيلي حتي خطوط حزيران (يونيو) 1967.
نحن لا نستطيع الخروج في مثل هذه المبادرة، قال الاردني والمغربي. مصر او السعودية وحدهما هما اللتان تستطيعان ذلك.
في الخلفية يقول فريدمان كان التوجه الامريكي لشن الحرب علي العراق. ان كان الأمر الوحيد الذي سيخرجه الزعماء العرب من القمة هو معارضة الهجمة الامريكية علي صدام فانهم سيدفعون بوش الي احضان شارون. ومن هنا يتوجب عليهم ان يبتدعوا امرا مواتيا مغايرا والابراز انهم جديون .
قلت لهم هناك خطة سلام اسرائيلية هي خطة باراك، هناك خطة سلام امريكية وهي خطة كلينتون فماذا بالنسبة لكم . فريدمان اعتاد بين الحين والاخر نشر رسائل من رئيس دولة واحد الي رئيس دولة آخر في زاويته. الرسائل هي من بنات افكاره الخلاقة وتجربته السياسية.
في الدول العربية توجد قناعة بان هذه الرسائل آتية مباشرة من رسالة بوش. في اواخر كانون الثاني (يناير) نشر فريدمان رسالة للزعماء العرب ودعاهم فيها الي تبني اقتراحه.
في المقابل طلب تأشيرة دخول من السفارة السعودية في واشنطن. السعوديون اعتبروه عدوا: منذ عملية تدمير مركز التجارة العالمي قام فريدمان بمهاجمة السعودية مرة تلو الاخري لدعمهم للاسلام المتطرف ولفسادهم ونفاقهم. فريدمان لم يتوقف عن التذكير بان الخمسة عشر مشاركا في العملية كانوا من السعوديين. حملته جرّت وسائل اعلام امريكية كثيرة. السعوديون كانوا علي قناعة بان كل الامر نابع من مؤامرة يهودية. العرش السعودي اصيب بالذهول. وبعد تردد فتحوا ابواب الدولة امام المراسلين من النيويورك تايمز و الواشنطن بوست و وول ستريت جورنال .
وعندما توجه فريدمان بالطلب صدر الجواب علي الفور. بامكانك ان تسافر غدا قالوا له. وبامكانك ان تلتقي مع قيادة الدولة . انا لا استطيع غدا . رد فريدمان. فانا مسافر لأفغانستان وانا مستعد للقدوم في أواسط شباط (فبراير) . في اليوم التالي لقدوم فريدمان اخذه وزير النفط السعودي علي النعيمي في جولة في منشأة نفطية جديدة بجانب الحدود مع اتحاد الامارات العربية. النعيمي اصر علي اخذي الي منطقة كلها كثبان رملية . صحراء من الكثبان من فوق احدي هذه الكثبان شاهدت الغروب فكان أحد اجمل المشاهد التي رأيتها في حياتي. المشهد اثار في خاطري فكرتين حول السعودية. الاولي ان الاسلام كما يبدو من هناك بسيط ومباشر وتلقائي. فلا يوجد بينك وبين الرب أي شيء لا شجرة ، لا صخرة. رمال فقط.
الثانية هي اننا حلقنا مسافة ساعة ونصف في داخل لا شيء حتي نري لا شيء. ليس مهما عدد الاطباق الفضائية التي تنصب في السعودية فهي دولة معزولة مغلقة امام الغرباء .
بعد يومين من قدوم فريدمان اعلموه ان ولي العهد سيستقبله. اللقاء جري في المساء في مزرعة الامير بجانب الرياض. عادل الجبير مستشار الأمن القومي هو الذي رافق فريدمان الي ذلك اللقاء. انتظرنا ساعة وعندئذ دعينا للديوان (خيمة الضيافة) . يقول فريدمان وكان هناك ابناء العائلة المالكة ووزراء. الامير طلب ان أمر عليهم واحدا واحدا وان اقدم نفسي . كان هناك بين الموجودين الامير وليد بن طلال الذي رفض رودي جولياني رئيس بلدية نيويورك قبول تبرعه للمدينة لانه هاجم اسرائيل. فريدمان كتب عن الامير امورا شديدة الوقع ولكن الامير صافح يده بأدب في اطار البساط الاحمر الذي تقرر وضعه امام الصحافي الامريكي.
فريدمان اعطي الامير عبدالله نسخة من الطبعة العربية لكتابه حول العولمة الأبهة وشجرة الزيتون . بعد مأدبة العشاء دعاه الامير الي محادثة ثلاثية: الجبير كان بمثابة المترجم فالامير لا يتكلم الانكليزية. المحادثة تواصلت ثلاث ساعات. الشرط كان : من دون تسجيل وليس لغرض النشر. خلال اللقاء تحدثوا عن الادارة الامريكية وعن العراق وعن الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. الامير قال فريدمان بدأ في نظري شخصا موضوعيا جدا وجديا ومن دون فذلكات . تطرقت الي مقالتي التي اقترحت التطبيع مقابل الانسحاب. الجبير ترجم فاشتعلت عيون الامير. ماذا؟ سأل الجبير هل ادخلته الي غرفتي؟ وهل فتحت له الجارور كيف حدث انه سرق فكرتي؟
بدا الامر وكأننا نتجادل هو يقول انني سرقتها منه وانا اقول انه هو الذي سرقها مني . وعندئذ قال الامير هذا مضمون خطابي الذي لم اقم بالقائه بسبب ما فعله شارون .
انا منذ سنوات طويلة في هذه الحكاية. قلت له. سمعت هذه العبارة مرات عديدة من الاسرائيليين ومن العرب: لقد اوشكت علي ان افعل هذا وذاك الا ان الجانب الاخر قام بشيء ما فلم اقدم علي ذلك. من الصعب علي ان آخذ ذلك علي محمل الجد .
انا جدي قال الامير ان كنت جديا فلماذا لا تقول الامر حتي ننشره؟ ولكن شارون قال الامير. وان كان هناك وقف اطلاق نار قلت له. اتركني افكر بالامر قال الامير. في اليوم التالي صباحا اتصلوا من القصر. وطلبوا ان اقرأ عليهم كل النصوص التي انوي ادخالها الي مقالتي. فقرأتها علي اسماعهم. بعد ساعتين اتصلوا مرة اخري وقالوا تفضل انشر ذلك ولم يحذفوا أي شيء .
هذا حدث يوم الخميس. زاويتي تظهر في الصحيفة يوم الاحد. وانا لا ارسلها قبل يوم الجمعة. كنت متأكدا انني سأتلقي مكالمة هاتفية تطلب تعديل النصوص خلال اليومين المتبقيين: بدلا من ان اكتب ان الامير تحدث عن التطبيع يطلبون مني ان اكتب شيئا اقل الزاما. مساعدو الامير اوضحوا ان التطبيع يشمل التجارة والسياحة وكل شيء. الا ان احدا لم يتصل. وما حدث هو العكس اذ اتصلوا مرارا وتكرارا متسائلين عن موعد نشر المقالة. اذ انهم يريدون ان يوزعوها علي وسائل الاعلام عندهم .
تجربتي علمتني ان ما يقوله الزعماء العرب والاسرائيليون ليس ذا صلة. وهو يكون ذا صلة فقط ان صرحوا به علنا امام جمهورهم. لذلك كان لدي فضول لأعرف كيف ستعالج الصحافة السعودية ذلك، هذا ان تطرقت للمسألة اصلا .
في يوم الاثنين تصدرت القصة العناوين الصحافية وبثتها نشرات الاخبار . العنوان كان: الأمير عبدالله يقترح التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل بما في ذلك من القدس. كان بامكانهم ان يسيروا في طريق اكثر اتقانا واعطاء عناوين علي شاكلة: شارون منع مبادرة سلام. الا انهم فضلوا عناوين ملزمة. ولو كنت اسرائيليا لانتبهت الي هذه المسألة بشكل اساسي .
تلقيت اتصالات هاتفية فورا من كل وسائل الاعلام العربية. فرفضت اجراء المقابلات. قلت: المبادرة هي مبادرة الامير. وانا لست الحكاية. لم اكتب في زاويتي ان انعطافة قد حدثت وكل ما فعلته هو انني اوردت اقوال الامير وقلت هذا هو الموجود .
انا اعتقد انهم يدركون انه لن يكون هناك انسحاب 100 في المئة من حدود 1967، ما يقولونه هو انه ان توصل عرفات الي اتفاق مع اسرائيل وان ضمن الاتفاق سيطرة عربية علي الحرم فانهم سيؤيدونه. ولن يكونوا متشددين في مطلبهم من عرفات لم يضغطوا عليه من اليمين بل علي العكس، انهم يعززون من قوته من خلال اعطائهم له ورقة اخري يعرضها علي اسرائيل: التطبيع مع كل العالم العربي .
الحماس من المبادرة السعودية يشير الي أي حد يوجد تعطش لفكرة جديدة مخلصة تملأ الفراغ الذي نشأ بين الاسرائيليين والفلسطينيين. من المبكر بعد ان نعرف ان كان ذلك دليلا علي استعداد حقيقي من العرض السعودي لتبوأ الزعامة بشكل يتجاوز مستوي العلاقات العامة فقط. وبالنسبة لفريدمان فهو يكتب اربع مقالات اخري عن السعودية. ويذكر فيها بأدب ولياقة الي أي حد لا يوجد استقرار في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والي أي حد يصعب ترميمه واصلاحه.
ناحوم برنياع
(يديعوت احرونوت) ـ 25/2/2002
قصة فريدمان بدأت بدافوس وانتهت مع الامير وحكاية الخطة في الجارور
ولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية الامير عبدالله ليس طفلا. في السعودية لا يتطرقون لعمره الدقيق. وقد جرت العادة علي القول انه بين 72 - 78 سنة. الكاتب الصحافي اللامع في النيويورك تايمز توماس فريدمان هو يهودي محب لاسرائيل وعمره 49 سنة ليست العلاقة بينهما بداية لصداقة رائعة بالضبط.
وبالرغم من ذلك تمخض اللقاء بين الاثنين في مزرعة الامير بجوار الرياض عن مبادرة دبلوماسية تهز العالم العربي كله في هذه الايام، ومعه أغلبية وزارات الخارجية في الغرب.
كل الحكومات العربية عبرت عن تأييدها المعلن او الهامس للمبادرة، باستثناء اثنين: سورية والعراق.
أمين عام الجامعة العربية تبني المبادرة. عرفات ادعي انه اعطي مؤشرا بالموافقة عليها. كولين باول رد عليها بالترحيب.
الامر الذي بدا كمناورة بديعة من مناورات العلاقات العامة تطور ليصبح خطوة دبلوماسية تملك قدرة خاصة بها علي البقاء. المتفائلون منا يستطيعون ان يستذكروا مبادرة الرئيس السادات السلمية. فهي ايضا كانت قد بدأت بتصريح ظهر في صورة مناورة في مجال العلاقات العامة. فريدمان من مكتبه في واشنطن حدّث يديعوت احرونوت في آخر الاسبوع كيف تحولت مهمته الصحافية الي كرة ثلج دبلوماسية.
كل شيء بدأ في شهر كانون الثاني (يناير) في المؤتمر الاقتصادي السنوي (مؤتمر دافوس) الذي عقد في نيويورك في هذه السنة. فريدمان قابل هناك شخصيتين بارزتين الاولي من المغرب والثانية من الاردن. كلاهما ذو تجربة غنية في الصراع الشرق اوسطي. الاثنان طرحا افكارا لاخراج الصراع من دائرة الدماء التي علقت فيها. الفكرة الفائزة كانت بسيطة: القمة العربية المنعقدة في بيروت في اواخر اذار (مارس) تعلن عن صيغة للتسوية ـ التطبيع الكامل بين العالم العربي واسرائيل مقابل الانسحاب الاسرائيلي حتي خطوط حزيران (يونيو) 1967.
نحن لا نستطيع الخروج في مثل هذه المبادرة، قال الاردني والمغربي. مصر او السعودية وحدهما هما اللتان تستطيعان ذلك.
في الخلفية يقول فريدمان كان التوجه الامريكي لشن الحرب علي العراق. ان كان الأمر الوحيد الذي سيخرجه الزعماء العرب من القمة هو معارضة الهجمة الامريكية علي صدام فانهم سيدفعون بوش الي احضان شارون. ومن هنا يتوجب عليهم ان يبتدعوا امرا مواتيا مغايرا والابراز انهم جديون .
قلت لهم هناك خطة سلام اسرائيلية هي خطة باراك، هناك خطة سلام امريكية وهي خطة كلينتون فماذا بالنسبة لكم . فريدمان اعتاد بين الحين والاخر نشر رسائل من رئيس دولة واحد الي رئيس دولة آخر في زاويته. الرسائل هي من بنات افكاره الخلاقة وتجربته السياسية.
في الدول العربية توجد قناعة بان هذه الرسائل آتية مباشرة من رسالة بوش. في اواخر كانون الثاني (يناير) نشر فريدمان رسالة للزعماء العرب ودعاهم فيها الي تبني اقتراحه.
في المقابل طلب تأشيرة دخول من السفارة السعودية في واشنطن. السعوديون اعتبروه عدوا: منذ عملية تدمير مركز التجارة العالمي قام فريدمان بمهاجمة السعودية مرة تلو الاخري لدعمهم للاسلام المتطرف ولفسادهم ونفاقهم. فريدمان لم يتوقف عن التذكير بان الخمسة عشر مشاركا في العملية كانوا من السعوديين. حملته جرّت وسائل اعلام امريكية كثيرة. السعوديون كانوا علي قناعة بان كل الامر نابع من مؤامرة يهودية. العرش السعودي اصيب بالذهول. وبعد تردد فتحوا ابواب الدولة امام المراسلين من النيويورك تايمز و الواشنطن بوست و وول ستريت جورنال .
وعندما توجه فريدمان بالطلب صدر الجواب علي الفور. بامكانك ان تسافر غدا قالوا له. وبامكانك ان تلتقي مع قيادة الدولة . انا لا استطيع غدا . رد فريدمان. فانا مسافر لأفغانستان وانا مستعد للقدوم في أواسط شباط (فبراير) . في اليوم التالي لقدوم فريدمان اخذه وزير النفط السعودي علي النعيمي في جولة في منشأة نفطية جديدة بجانب الحدود مع اتحاد الامارات العربية. النعيمي اصر علي اخذي الي منطقة كلها كثبان رملية . صحراء من الكثبان من فوق احدي هذه الكثبان شاهدت الغروب فكان أحد اجمل المشاهد التي رأيتها في حياتي. المشهد اثار في خاطري فكرتين حول السعودية. الاولي ان الاسلام كما يبدو من هناك بسيط ومباشر وتلقائي. فلا يوجد بينك وبين الرب أي شيء لا شجرة ، لا صخرة. رمال فقط.
الثانية هي اننا حلقنا مسافة ساعة ونصف في داخل لا شيء حتي نري لا شيء. ليس مهما عدد الاطباق الفضائية التي تنصب في السعودية فهي دولة معزولة مغلقة امام الغرباء .
بعد يومين من قدوم فريدمان اعلموه ان ولي العهد سيستقبله. اللقاء جري في المساء في مزرعة الامير بجانب الرياض. عادل الجبير مستشار الأمن القومي هو الذي رافق فريدمان الي ذلك اللقاء. انتظرنا ساعة وعندئذ دعينا للديوان (خيمة الضيافة) . يقول فريدمان وكان هناك ابناء العائلة المالكة ووزراء. الامير طلب ان أمر عليهم واحدا واحدا وان اقدم نفسي . كان هناك بين الموجودين الامير وليد بن طلال الذي رفض رودي جولياني رئيس بلدية نيويورك قبول تبرعه للمدينة لانه هاجم اسرائيل. فريدمان كتب عن الامير امورا شديدة الوقع ولكن الامير صافح يده بأدب في اطار البساط الاحمر الذي تقرر وضعه امام الصحافي الامريكي.
فريدمان اعطي الامير عبدالله نسخة من الطبعة العربية لكتابه حول العولمة الأبهة وشجرة الزيتون . بعد مأدبة العشاء دعاه الامير الي محادثة ثلاثية: الجبير كان بمثابة المترجم فالامير لا يتكلم الانكليزية. المحادثة تواصلت ثلاث ساعات. الشرط كان : من دون تسجيل وليس لغرض النشر. خلال اللقاء تحدثوا عن الادارة الامريكية وعن العراق وعن الصراع الاسرائيلي ـ الفلسطيني. الامير قال فريدمان بدأ في نظري شخصا موضوعيا جدا وجديا ومن دون فذلكات . تطرقت الي مقالتي التي اقترحت التطبيع مقابل الانسحاب. الجبير ترجم فاشتعلت عيون الامير. ماذا؟ سأل الجبير هل ادخلته الي غرفتي؟ وهل فتحت له الجارور كيف حدث انه سرق فكرتي؟
بدا الامر وكأننا نتجادل هو يقول انني سرقتها منه وانا اقول انه هو الذي سرقها مني . وعندئذ قال الامير هذا مضمون خطابي الذي لم اقم بالقائه بسبب ما فعله شارون .
انا منذ سنوات طويلة في هذه الحكاية. قلت له. سمعت هذه العبارة مرات عديدة من الاسرائيليين ومن العرب: لقد اوشكت علي ان افعل هذا وذاك الا ان الجانب الاخر قام بشيء ما فلم اقدم علي ذلك. من الصعب علي ان آخذ ذلك علي محمل الجد .
انا جدي قال الامير ان كنت جديا فلماذا لا تقول الامر حتي ننشره؟ ولكن شارون قال الامير. وان كان هناك وقف اطلاق نار قلت له. اتركني افكر بالامر قال الامير. في اليوم التالي صباحا اتصلوا من القصر. وطلبوا ان اقرأ عليهم كل النصوص التي انوي ادخالها الي مقالتي. فقرأتها علي اسماعهم. بعد ساعتين اتصلوا مرة اخري وقالوا تفضل انشر ذلك ولم يحذفوا أي شيء .
هذا حدث يوم الخميس. زاويتي تظهر في الصحيفة يوم الاحد. وانا لا ارسلها قبل يوم الجمعة. كنت متأكدا انني سأتلقي مكالمة هاتفية تطلب تعديل النصوص خلال اليومين المتبقيين: بدلا من ان اكتب ان الامير تحدث عن التطبيع يطلبون مني ان اكتب شيئا اقل الزاما. مساعدو الامير اوضحوا ان التطبيع يشمل التجارة والسياحة وكل شيء. الا ان احدا لم يتصل. وما حدث هو العكس اذ اتصلوا مرارا وتكرارا متسائلين عن موعد نشر المقالة. اذ انهم يريدون ان يوزعوها علي وسائل الاعلام عندهم .
تجربتي علمتني ان ما يقوله الزعماء العرب والاسرائيليون ليس ذا صلة. وهو يكون ذا صلة فقط ان صرحوا به علنا امام جمهورهم. لذلك كان لدي فضول لأعرف كيف ستعالج الصحافة السعودية ذلك، هذا ان تطرقت للمسألة اصلا .
في يوم الاثنين تصدرت القصة العناوين الصحافية وبثتها نشرات الاخبار . العنوان كان: الأمير عبدالله يقترح التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل بما في ذلك من القدس. كان بامكانهم ان يسيروا في طريق اكثر اتقانا واعطاء عناوين علي شاكلة: شارون منع مبادرة سلام. الا انهم فضلوا عناوين ملزمة. ولو كنت اسرائيليا لانتبهت الي هذه المسألة بشكل اساسي .
تلقيت اتصالات هاتفية فورا من كل وسائل الاعلام العربية. فرفضت اجراء المقابلات. قلت: المبادرة هي مبادرة الامير. وانا لست الحكاية. لم اكتب في زاويتي ان انعطافة قد حدثت وكل ما فعلته هو انني اوردت اقوال الامير وقلت هذا هو الموجود .
انا اعتقد انهم يدركون انه لن يكون هناك انسحاب 100 في المئة من حدود 1967، ما يقولونه هو انه ان توصل عرفات الي اتفاق مع اسرائيل وان ضمن الاتفاق سيطرة عربية علي الحرم فانهم سيؤيدونه. ولن يكونوا متشددين في مطلبهم من عرفات لم يضغطوا عليه من اليمين بل علي العكس، انهم يعززون من قوته من خلال اعطائهم له ورقة اخري يعرضها علي اسرائيل: التطبيع مع كل العالم العربي .
الحماس من المبادرة السعودية يشير الي أي حد يوجد تعطش لفكرة جديدة مخلصة تملأ الفراغ الذي نشأ بين الاسرائيليين والفلسطينيين. من المبكر بعد ان نعرف ان كان ذلك دليلا علي استعداد حقيقي من العرض السعودي لتبوأ الزعامة بشكل يتجاوز مستوي العلاقات العامة فقط. وبالنسبة لفريدمان فهو يكتب اربع مقالات اخري عن السعودية. ويذكر فيها بأدب ولياقة الي أي حد لا يوجد استقرار في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والي أي حد يصعب ترميمه واصلاحه.
ناحوم برنياع
(يديعوت احرونوت) ـ 25/2/2002