المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية أسامة بن لادن ................ادخل الاّن (معلومات سريه)



سيدو
27-02-2002, 01:07 AM
ولد أسامة بن لادن سنة 1377 هجرية 1957 ميلادية لأم سورية دمشقية و كان السابع بين خمسين تقريبا من الأخوان و الأخوات أبناء المقاول المشهور محمد عوض بن لادن.

والده

كان والد أسامة محمد عوض بن لادن قد وصل إلى جدة من حضرموت في حدود سنة 1930 ميلادية، و يذكر عنه من عرفه أنه كان قمة في المثابرة و العصامية و الاعتماد على النفس و لذلك لم تمض سنين قليلة حتى تحول محمد بن لادن من مجرد حمال في مرفأ جدة البسيط إلى اكبر مقاول إنشاءات في المملكة. إضافة إلى مثابرته فقد كان جريئا و مستعدا للمجازفة حيث تمكن من خلال هذه الجرأة من إقناع الملك سعود أنه الأقدر على المشاريع الصعبة و ذا ت طابع التحدي و تمكن خلال فترة الملك من بناء علاقة جيدة مع كبار العائلة الحاكمة بما فيهم فيصل الذي كان أميرا آنذاك. و عندما حصل الخلاف المشهور بين فيصل و سعود كان من ضمن من أقنع الملك سعود بالتنحي لصالح فيصل.

لم يقف فضل محمد بن لادن على فيصل عند دوره في تنحي سعود بل إن بن لادن أمن رواتب كل موظفي الدولة تقريبا لمدة تقترب من ستة أشهر بعد مغادرة سعود حين كانت الخزينة فارغة تماما. و لرد الجميل أصدر الملك فيصل مرسوما بتحويل كل عقود الإنشاءات على محمد بن لادن و كلفه عمليا بوزارة الإنشاءات.

و في سنة 1969 ميلادية تكفل محمد بن لادن بإعادة بناء المسجد الأقصى بعد الحريق الذي تعرض له و كان قد ساهم في التوسعة السعودية الأولى للحرمين و لذلك يقول آل بن لادن أنهم تشرفوا ببناء المساجد الثلاثة.

كان محمد بن لادن رجلا متدينا كريما متواضعا رغم ما آل إليه حاله من يسر و غنى، وكان قد احتفظ بالكيس "القفة" التي كان يستخدمها عندما كان حمالا و علقها في مجلس منزله للافتخار بمثابرته و لتذكير نفسه و أبناءه أنه كان أمرءا بسيطا قبل أن يصبح أكبر مقاول في المنطقة. و توفي محمد بن لادن فى منتصف 1386 هجرية (سنة 1970 ميلادية) في حادث سقوط طائرة يقال أنه كان يتفقد فيها مشروع طريق الهدى المشهور.

كانت شخصية محمد بن لادن شخصية قوية و كلن يبقي جميع أبنائه في سكن واحد و كان شديدا في الحرص على انضباطهم و التزامهم من الناحية الشرعية و الأخلاقية.

توفي محمد بن لادن عندما كان عمر أسامة تسع سنين ونصف، و كان أقوى شخص في العائلة بعد الأب هو الابن الأكبر سالم من لادن و الذي كان ذو شخصية قوية كذلك و هيبة و يقال أن الملك فهد لم يتمكن من إجبار العائلة على إدخاله شريكا إلا بعد وفاة سالم في حادث سقوط طائرة كذلك حيث لم يتمكن بكر بن لادن من ملئ الفراغ الذي تركه سالم.

دراسته و زواجه

نشا أسامة نشأة صالحة و كان متدينا منذ صغره و تزوج عندما كان سنه سبعة عشر عاما زواجه الأول من أخواله من الشام. كانت دراسته الابتدائية و الثانوية و الجامعية في جدة. و كانت دراسته في الجامعة في علم الإدارة العامة. و خلال دراسته اطلع على أنشطة التيارات الإسلامية المشهورة و تعرف على كثير من الشخصيات الإسلامية و لم يكن هناك أمر متميز خلال دراسته.

و خلافا لما تزعم بعض الصحف العربية و الغربية فلم يسافر أسامة لأي بلد غير دول الجزيرة العربية و باكستان و أفغانستان و سوريا و السودان. و كل ما يقال عن رحلات لسويسرة و لندن و الفليبين ليس لها أساس من الصحة. و لا تصح كذلك المزاعم بأن أسامة لم يتدين إلا بعد مرحلة من الانحراف فهذه المزاعم ليس لها اصل.

كيف تشكلت عقلية بن لادن؟

بالإضافة إلى الجو المحافظ الذي نشأ فيه أسامة كان محمد بن لادن والد أسامة يستضيف أعدادا كبيرة من الحجاج كل عام بعضهم من الشخصيات الإسلامية المعروفة، و قد استمرت هذه العادة على يد أخوان أسامة بعد وفاة والده مما ساعد في استمرار توفر الفرصة له للاستفادة من بعض الشخصيات المتميزة بين أؤلئك الضيوف.

لكن في الجامعة كان هناك شخصيتين كان لهما أثر متميز في حياته هما الأستاذ محمد قطب و الشيخ عبد الله عزام، حيث كانت مادة الثقافة الإسلامية إجبارية لطلاب الجامعة.

إبن لادن يبدأ الجهاد

بدأت علاقة أسامة مع أفغانستان منذ الأسابيع الأولى للغزو الروسي لذلك البلد، فلقد صدمه خبر احتلال بلد مسلم و تشريد أهله بهذه الطريقة من قبل الملحدين الشيوعيين. أحب أسامة في وقت مبكر أن يطلع على الوضع بنفسه فرتب مع الجماعة الإسلامية رحلة إلى باكستان حيث أصطحب من كراتشي إلى بيشاور من قبل الجماعة و هناك قابل مجموعة من قيادات المجاهدين أمثال سياف و رباني ممن لم تكن أسماؤهم غريبة عليه حيث أن بعضهم كان ممن يحضر إلى مضافة والده في الحج و المواسم. حرص أسامة أن يبقي أمر تلك الرحلة في البداية طي الكتمان لأنه لم يكن يعلم توجه الدولة كما حرص أن يعطيها طابعا استكشافيا قبل أن يتخذ قرارا بخصوص ذلك الموضوع. استغرقت الرحلة شهرا و أقتنع من خلالها أن القضية تستحق أن تعطى جل اهتمامه.

بعد عودته إلى المملكة و اطمئنانه إلى إمكانية البوح بخبر الرحلة بدأ يتحدث مع إخوانه و أقاربه و زملائه في الدراسة حول مشاهداته و تمكن من تنفيذ حملة علاقات عامة لصالح المجاهدين. كانت نتيجة تلك الحملة كمية هائلة من التبرعات المالية و العينية للمجاهدين. حمل أسامة تلك التبرعات و ذهب في رحلة أخرى إلى باكستان مصطحبا معه عددا كبيرا من الباكستانيين و الأفغان الذين يعملون في مؤسسة بن لادن. بقي أسامة هناك لمدة شهر مرة أخرى. كرر أسامة هذه الرحلات حاملا معه التبرعات و مصطحبا عددا من الناس من جنسيات مختلفة مكتفيا بمناطق المعسكرات و المخيمات دون الدخول غلى أفغانستان. إلى عام 1982 ميلادية.

في عام 1982 قرر أسامة اجتياز الحدود و الدخول إلى أفغانستان و المشاركة في الجهاد. رأى أسامة الطبيعة الجبلية الصعبة لأفغانستان فقرر الاستفادة من تجربته في المقاولات و جلب عددا هائلا من المعدات و الجرارات و الحفارات لمساعدة المجاهدين على تمهيد الجبال و شق الطرق و إنشاء المعسكرات. و تكررت زيارة أسامة إلى أفغانستان و إشرافه على نقل الأموال و السلاح و المعدات و مساهمته بعض الأحيان في بعض المعارك لكن بشكل غير منتظم. و كان بعض أهل الجزيرة قد تأثروا بزيارات أسامة و بدأوا يتقاطرون على أفغانستان لكن بأعداد قليلة حيث لم تتحول القضية بعد إلى حملة شعبية و تنتظم في مؤسسات و مكاتب و معسكرات.

في عام 1984 ظهر أول نموذج لعمل مؤسسي لجهاد العرب في أفغانستان و هو بيت الأنصار في بيشاور. أسس بيت الأنصار كمحطة نزل أولي أو استقبال مؤقت للقادمين للجهاد قبل توجههم للتدريب و من ثم للمساهمة في الجهاد. و رغم تأسيس بيت الأنصار فلم يكن عند أسامة جهازه الخاص أو بنية تحتية من معسكرات و مخازن و إمداد و اتصال، و لم تكن له جبهة خاصة به، بل كان يرسل الشباب القادمين إلى أحد الأحزاب المقاتلة مثل حكمتيار و سياف أو رباني.

تزامن تأسيس بيت الأنصار مع تأسيس مكتب الخدمات في بيشاور من قبل الشيخ عبد الله عزام رحمه الله. و قد أدى تأسيس المكتب إلى نوع من التكامل مع بيت الأنصار حيث يؤدي المكتب المهمة الإعلامية و جمع التبرعات و حث المسلمين و خاصة العرب على الجهاد بالنفس والمال و يؤدي البيت المهمة العملية في استقبال و توجيه الراغبين في الجهاد أو الاطلاع على أوضاع الأفغان. و خلال تلك الفترة توثقت علاقة الشيخ عبد الله بأسامة لكن رأى الاثنان أنه ليس من المصلحة دمج عملهما و من الأفضل تعدد الواجهات مع التنسيق الجيد.

في سنة 1986 قرر أسامة أن يتوسع في تنظيم العملية الجهادية و يكون له معسكراته و خطوط إمداده. و فعلا تمكن أسامة من تشييد ستة معسكرات و تمكن من خلال خبرته في الإنشاءات من تحريكها و نقلها أكثر من مرة تبعا لظروف الحرب. و بعد تجربة المعسكرات و بعد تمكن أسامة من تبني المجاهدين العرب منذ وصولهم إلى تدريبهم إلى إشراكهم في المعارك أصبحت فكرة المشاركة في الجهاد ذات جاذبية شديدة لأن الشباب أصبحوا يتناقلون أخبار بساطة الفكرة و تقليل هيبة المشاركة في الجهاد كون الذي يستقبل و يدرب و يقود كلهم من العرب.

و في تلك الفترة تقاطر على بيت الأنصار و المعسكرات عدد هائل من المجاهدين العرب كان من بينهم طالب الثانوية و الطالب الجامعي أو ربما الأمي أو التائب من بعض الكبائر و كان من بينهم المهندس و الطبيب بل و الضابط القدير المتمرس في القتال.

شارك المجاهدون العرب في مناوشات عديدة و قتال محدود في البداية ثم دخلوا في معارك طاحنة كان أشهرها معركة جاجي في نهاية ذلك العام و التي هزم على يد المجاهدين العرب فيها وحدات من أفضل الروس تدريبا و أفضلهم تسليحا و قتل فيها عدد من ذروة رجال الكوماندس الروس.

و منذ عام 1986 إلى عام 1989 دخل المجاهدون العرب في خمسة معارك كبرى مع الروس و مئات من المواجهات و المناوشات الصغيرة. و كانت تلك الفترة من أجمل الفترات للمجاهدين بسبب توفر الفرصة للقيام بالجهاد دون مضايقات من حكام المملكة أو الحكومة الباكستانية. و خلال تلك الفترة لم يكن أسامة يعود للملكة إلا قليلا و يقضي معظم أيام السنة في أفغانستان جهادا و تدريبا و أشرافا على المجاهدين، و مع ذلك فقد بارك الله في الشركة رغم بعده و انشغاله عنها.

الـقـــــــــاعدة

في نهاية الثمانينات و بالتحديد في سنة 1988 لاحظ أسامة إن حركة الجاهدين العرب قدوما و ذهابا و التحاقا بالجبهات بل و حتى كثرة الإصابات والاستشهاد قد ازدادت دون أن يكون لديه سجل عن هذه الحركة رغم أهميتها و كونها من ألف باء الترتيب العسكري. و كان نقص هذه المعلومات سببا لإحراج أسامة في أحايين كثيرة مع بعض العوائل التي تسأل عن أبنائها بالهاتف أو حتى من خلال إرسال مندوب عنها للتعرف على مصير عضو العائلة الذي التحق باأسامة، حيث أحس أسامة أن نقص هذه المعلومات أمر مخجل فضلا عن إنه خطأ إداري مبدئي. من هنا قرر أسامة ترتيب سجلات للأخوة المجاهدين العرب.

و وسعت فكرة السجلات لتشمل تفاصيل كاملة عن كل من وصل أفغانستان بترتيب من مجموعة الشيخ. و رتبت السجلات بحيث تتضمن تاريخ وصول الشخص و التحاقه ببيت الأنصار ثم تفاصيل التحاقه بمعسكرات التدريب و من ثم التحاقه بالجبهة. و أصبحت السجلات مثل الإدارة المستقلة و كان لا بد من إطلاق اسم عليها لتعريفها داخليا، و هنا اتفق أسامة مع معاونيه أن يسمونها سجل القاعدة، على أساس أن القاعدة تتضمن كل التركيبة المؤلفة من بيت الأنصار و معسكرات التدريب و الجبهات.

هذه هي القاعدة إذن، فالقاعدة ليست ذلك البعبع الذي صوره الأمريكان بطريقة أقرب إلى أفلام هوليود. بالطبع استمر استعمال كلمة القاعدة من قبل المجموعة التي استمر ارتباطها بأسامة و هنا خرج الأمريكان -و غيرهم من الجهلة بطريقة عمل الجماعات الجهادية- بانطباع أنها اسم للتنظيم الإرهابي.

عــــــودة إلــــــــى المملــــكة

في عام 1989 ميلادية و بالتحديد بعد انسحاب الاتحاد السوفيتي من أفغانستان عاد أسامة إلى المملكة معتبرا هذه العودة واحدة من السفرات التي يتوجه فيها للملكة و يعود فور إنهاء بعض الأمور هناك. لكن هذه المرة لم تكن مثل السابقات، فقد علم أسامة بعد فترة من وصوله أنه ممنوع من السفر. ظن أسامة أن السبب هو الانسحاب الروسي و تفاهم القوى العظمى و المملكة تبعا لها، و هذا لا شك كان عاملا لاشك لكن أسامة فوجئ حين تعرف إلى السبب الرئيسي الذي لم يخطر بباله.

لقد بدأ أسامة يخطط لجبهة ضد اليمن الجنوبي و بحركة جهادية تنطلق من المملكة و اليمن الشمالي. لم يكن حكام المملكة مهتمين فقط بالإحراج الدبلوماسي لأمر من هذا القبيل لكن الذي همهم هو أن هذا التوجه من قبل أسامة كان دليلا على أن الرجل استأنس مسألة الجهاد لذات الجهاد و ليس لمجرد استغلال فرصة تقاطع مصالح مع الحكومات و القوى العظمى. هذا هو السبب الرئيسي في منعه من السفر تلك المرة و الله أعلم.

ينذر بخطر النظام العراقي

كانت تصرفات أسامة في تلك الفترة تدل على إن الرجل بدأ يتصرف تصرف المسؤول الذي يحمل هم قضية، و تضايق الحكام بشكل كبير حين تكلم علنا عن خطورة النظام العراقي و تنبأ بأنه سيغزو الخليج في محاضرات معلنة و مسجلة في وقت كان النظام العراقي من أقوى أصدقاء المملكة و الملك فهد لم يعد من زيارة للعراق إلا قبل فترة بسيطة.

نصيحة سرية للدولة

عندها لم تكتف وزارة الداخلية بمنعه من السفر بل وجه إليه تحذير بعدم ممارسة أي نشاط علني و إنه ربما يعتقل أو يوضع تحت الإقامة الجبرية إن لم ينصاع للتوجيهات. و رغم التوجه العدائي من قبل الدولة تجاهه فقد بادر أسامة بكتابة نصيحة للدولة سلمت عن طريق أحد إخوانه للأمير أحمد بن عبد العزيز. تضمنت الرسالة نصائح عامة و خاصة. العامة عن المطالبة بإصلاح شامل و الخاصة كانت تكرارا لتوقعاته بأطماع صدام حسين في المنطقة و ضرورة الاستعداد لها. و كان الأمير نايف قد حرص على مقابلة أسامة حين بلغه تقرير عن محاضرته حول أطماع صدام.

بعد غزو الكويت

ما أن سمع أسامة بغزو الكويت في الأخبار حتى تصرف بطريقة تدل على أنه يشعر بجزء كبير من المسؤولية حيث بادر بكتابة رسالة أخرى إلى الدولة يعرض فيها وجهة نظره حول الطريقة المثلى لحماية البلد من الخطر العراقي بمجموعة اقتراحات حول السبيل الأمثل لتعبئة الأمة ضد هذا الخطر و من ثم السبيل الامثل عمليا لمواجهته. و أضاف لهذه الاقتراحات عرضا بجلب كل المجاهدين العرب الذين يستمعون له للمساهمة في عملية الدفاع هذه. سلمت الرسالة بنفس الطريقة التي سلمت فيها الرسالة الأولى و كان رد فعل الدولة هو وعد بالنظر بالأمر.

و رغم توجسه من موقف النظام من القضايا الدينية و الوطنية فقد كان يتوقع نوعا من الطلب بشيء من المساهمة بعملية الدفاع عن البلد ظنا منه أن النظام رغم مخالفاته الشرعية يبقى عنده غيرة على البلد و رغبة في حمايته. لكن بدلا من أن تستعين الدولة بالعرض الذي قدمه أسامة بادرت بقرار كان السبب في أكبر تحول في حياة أسامة و هو إعلان استدعاء القوات الأمريكية. و يتحدث أسامة واصفا لحظة سماعه خبر قرار استدعاء القوات الأمريكية بأنها أكبر صدمة في حياته، لأنها بتقديره المرة الأولى منذ البعثة النبوية التي يهيمن فيها الكفار على جزيرة العرب بقواتهم العسكرية. و صدم كذلك لأن القوات الأمريكية لم تدخل باحتلال أو رغم أنف الحكام بل دخلت بطلب منهم بعد أن هرعوا مستنجدين بالأمريكان. كان شعوره بعد ذلك شعور الإحباط و القلق على مستقبل الجزيرة بعد هذا التطور الخطير. بعدها أيقن أسامة أن مخاطبة المسؤولين بالخطابات و المذكرات أسلوب عديم الجدوى و لا بد أن يفكر بأسلوب بديل.

تحرك أسامة باتجاهين، الأول تجاه استخراج فتوى بوجوب الاستعداد للقتال على كل مسلم و خاصة أهل الجزيرة و أفتى الشيخ بن عثيمين فعلا بتلك الفتوى فاستخدمها أسامة في تشجيع الشباب من جديد في الذهاب لأفغانستان و التدرب هناك، و استجاب لدعواه تلك عدد من كبير من الشباب توجهو فعلا لأفغانستان. الاتجاه الثاني كان محاولة جمع أكبر عدد من العلماء في مؤسسة شرعية مستقلة غير مؤسسة هيئة كبار العلماء حتى تكون مرجعا للناس بعد أن تحولت الهيئة في نظره لمجرد أداة بيد الدولة بعد فتيا استدعاء القوات.

و رغم أن حركة أسامة كانت مقيدة في وضع يشبه الإقامة الجبرية ألا أنه استطاع إنجاز شيء مما أراد إنجازه و خاصة الاتجاه الأول. لكن محاولاته في جمع العلماء بتجمع مستقل لم يحالفها النجاح أولا لصعوبة حركته بسبب القيود التي عليه و ثانيا لأن العلماء بما فيهم علماء الشباب لم يستوعبوا بعد فكرة المؤسسات المستقلة.

أسامة يتعرض للارهاب من قبل السلطة

و لم يكن أسامة ملتزما بالتقييد المفروض عليه حيث ألقى عددا من المحاضرات و عقد عددا كبيرا من الاجتماعات مع العلماء و الدعاة و الناشطين في مجال الدعوة. لم يكن ذلك مقبولا لدى السلطات و لذلك استدعي أكثر من مرة و وجهت له تحذيرات شديدة بوجوب الالتزام بتجميد نشاطه. و من اجل تخويفه أرسلت السلطة مفرزة من الحرس الوطني في جدة لاقتحام مزرعته الواقعة في ضواحي جدة و تفتيشها بشكل فجائي حيث لم يكن نفسه موجودا فيها لحظة الاقتحام. و قامت المفرزة باعتقال بعض العمال في المزرعة (أطلقوا بعد ذلك) و كتابة محضر عما وجدته فيها و تصوير كامل المزرعة و مخازنها ومرافقها بالفيديو. عندما أخبر أسامة بالحادث غضب غضبا شديدا و كتب رسالة احتجاج شديدة للأمير عبد الله. و استغرب أسامة حين ورده رد من الأمير عبد الله ينفي فيه علمه بالحادث و يعد بمعاقبة المسؤول عنه.

خارج البلد مرة أخرى

كان تراكم هذه الأحداث سواء على مستوى البلد أو عليه هو شخصيا سبب لأسامة في التفكير جديا بمغادرة البلد لكن أنى له ذلك و هو ممنوع من السفر و كل تحركاته تحت المجهر. لكن بن لادن استطاع أن يخرج من البلد بسهولة و بطريقة معلنة.

كيف خرج من المملكة ؟

مضت الأيام على أسامة في ذلك الوضع الذي لا يحتمله، فلقد تعود على النشاط و الجهاد و الحركة و إذا به يجد نفسه في وضع الإقامة الجبرية. أمر آخر لم يكن يتحمله هو هذه القوات المقيمة في جزيرة العرب و ظن أنه يتناقض مع نفسه إن زعم أنه جاهد الكفار في أفغانستان لاحتلالهم بلدا مسلما بينما هاهم في جزيرة العرب التي لها حرمة إضافية على باقي الأرض.

تحمل أسامة بمرارة فترة الحرب "عاصفة الصحراء" ثم و صل إلى قناعة أنه لا يمكن أن يكون صادقا مع نفسه إذا استمر في المملكة. لم يكن هروبه أمرا سهلا فهو شخصية معروفة و بيته تحت الحراسة الدائمة. و لذلك فكر أسامة بطريقة أقرب للأسلوب الطبيعي و هو ما حصل بنجاح.

كان أحد أخوته مقربا من الأمير أحمد بن عبد لعزيز نائب وزير الداخلية. تحدث أسامة مع أخيه شارحا له أن لديه التزامات مالية كثيرة في باكستان و مناطق أخرى و حقوقا ينبغي أن تدفع لأصحابها و حقوقا له ينبغي استخلاصها و أنه لا يمكن أن يحل هذه الاشكالات و كيل لأن بعضها قائم على الثقة و العلاقة  5;لشخصية جدا. اقتنع أخوه بالفكرة و وعد بشرح ذلك للأمير أحمد. كان الأمير نايف على وشك أخذ إجازة فانتظر أخوه إجازة نايف و تحدث مع الأمير أحمد فعلا و استطاع إقناعه بإعادة الجواز و السماح بالسفر. وافق الأمير أحمد و سمح له بسفرة واحدة و كلف الجهات الأمنية بمتابعته. و هكذا استغنى أسامة عن أسلوب الهرب و التخفي و تمكن من مغادرة البلد بشكل طبيعي.

حينما وصل إلى الباكستان كان أول عمل قام به هو كتابة رسالة اعتذار رقيقة لأخيه يخبره أنه لا يخطط للعودة و أنه سيسبب حرجا له أمام الأمير نايف و اعتذر له أن الثمن غال يستحق اللجوء لمثل هذا الأسلوب.

إلى أفغانستان مرة أخرى

بعد ذلك علم أن وجوده في باكستان لن يكون آمنا بسبب التعاون الأمني السعودي الباكستاني فعجل بالدخول إلى أفغانستان مرة أخرى. صادف وجوده هناك انهيار النظام الشيوعي و سقوط كابل و بداية التناحر بين الفصائل الأفغانية.

أول إجراء اتخذه للتعامل مع القضية هو إصدار توجيه للشباب العرب بعدم التورط في الصراع الدائر وكف أيديهم عن الدماء و رفض الميل لأي جهة من الجهات. و استمر مصرا على هذا الموقف إلى أن دخل الطالبان كابل حيث قرر حينها الوقوف مع الطالبان.

الإجراء الثاني الذي اتخذه هو الدخول بقوة في محاولة إصلاح بين الفصائل لكن جهوده مع الأسف لم تحرز نتيجة تذكر.

و خلال بقائه في أفغانستان كانت مخابرات بلده بقيادة الأمير المعروف تتعاون مع المخابرات الباكستانية لقتله أو اختطافه لكن كل المحاولات فشلت لأن المتعاطفين معه من جهاز الأمن الباكستاني و الدولة الأخرى كانوا يعجلون بتسريب المعلومة له فيأخذ حذره.

بقي في أفغانستان عدة أشهر مستمرا في محاولاته حل الخلاف و وصل بعد فشل متكرر إلى أنه وصل إلى طريق مسدود. شعر أسامة أن وجوده في أفغانستان عديم الفائدة خاصة و أن المتربصين به كثير و سيستمرون بمحاولات خطفه أو اغتياله. و بعد تدارس الوضع مع عدد من المقربين له قرر البحث عن مكان آخر يقدم فيه نفعا للإسلام بدلا من أفغانستان.

إلى السودان

كان التوجه إلى السودان أحد الخيارات المطروحة لأسامة ليس لأنها ستكون قاعدة جديدة لمشروع جديد و لكن لأنه سمع الكثير عن هذه الدولة الجديدة التي بدأ الإسلاميون يتحدثون عن حماسها للإسلام و المسلمين و حرصها على تطبيق مشروع إسلامي. و ظن أسامة أنه يستطيع أن يقدم شيئا لهذه الدولة من خلال قدراته التجارية و الإنشائية و علاقاته في المملكة و الخليج فضلا عن إنه يؤمن ملاذا له بديلا عن أفغانستان.

توجه أسامه فعلا إلى السودان بطيارة خاصة و برحلة سرية و ذلك في نهاية سنة 1991 ميلادية. و في تلك الرحلة اصطحب معه عددا من رفاقه إلى السودان و التحق به آخرون بطرق أخرى.

في السودان أحسنت الحكومة السودانية وفادته و لكنه في تلك المرحلة لم يكن بحاجة لأي دعم مادي لأن أمواله لا تزال تحت سيطرته و تمكن بشكل طبيعي من نقل جزء من أرصدته و معداته من المملكة إلى السودان.

لم يساهم أسامة في السودان بأي عمل عسكري لكنه ساهم بقوة في مشاريع طرق و إنشاءات و مزارع و غيرها و كان أشهرها طريق التحدي من الخرطوم إلى بور سودان.

رغم نه خرج من المملكة بالطريقة المذكورة و رغم أنه تعرض للاختطاف و القتل في أفغانستان من قبله ألا أنه لا يعلن موقفا معاديا للحكم و يحتفظ بالموقف لنفسه رغبة في أن لا ينقطع عن الشخصيات الدعوية و التجارية و بعض أهل النفوذ في المملكة. و كانت تلك السياسة نافعة فعلا حيث نجح أسامة في إقناع عدد كبير منهم بالتحرك لدعم السودان و الاستثمار فيه. و خلال تلك الفكرة عرض عليه أكثر من مرة العودة للبلد و أعطي ضمانات و لكنه لم يرحب بالفكرة أبدا.

بدأ الاهتمام يزداد به بشكل ملحوظ نهاية سنة 1992 حين صدر أمر بتجميد أمواله. بعدها تحولت قضية أسامة إلى قضية ساخنة على جدول أعمال المخابرات الأمريكية و أصبحت تثار بشكل منتظم بين الأمريكان والسلطات السعودية. إزدادت الضغوط على أسامة بالعودة و حاولت السلطة إحراجه من خلال الضغط على أهله و ابتزازه بهم دون نتيجة.

و حين أيست الحكومة السعودية من إعادته أصدر الملك فهد قرار بسحب جنسيته بداية عام 1994 ميلادية. و يقال أن أسامة ألقى دفتر النفوس في حضن أحد الذين أرسلتهم السلطات لإقناعه بالعودة قبل أن تسحب جنسيته قائلا: "لا تتعاملوا معي تعامل التابع و خذوها إن كان بقاؤها يلزمني بشيء" . تزامنت هذه التطورات التي جاءت قصية سحب الجنسية في نهايتها مع تطورات داخل المملكة كان يتابعها أسامة بعناية و هي تتابع عدد من المذكرات مطالب الإصلاح من قبل التيار الإسلامي و التي كان آخرها و كان متزامنا مع سحب الجنسية تداعيات قضية لجنة الدفاع عن الحقوق الشرعية وحملة الاعتقالات على مؤسسيها و المتعاطفين معها و ذلك قبل أن تبدأ اللجنة العمل من لندن. هذه التطورات دفعت أسامة لأن يأخذ أول مبادرة معلنة ضد الحكومة السعودية و ذلك في أوائل سنة 1994 حين أصدر بيانا شخصيا يرد فيه على قرار سحب الجنسية .

بعد هذا البيان قرر أسامة أن يتحرك علنا بالتعاون مع آخرين فأدى ذلك إلى ظهور هيئة النصيحة و الإصلاح.

هيئة النصيحة و الإصلاح:

حين رأى أسامة و عدد من المتعاونين معه الحملة التي شنتها الدولة ضد لجنة الدفاع و اعتقال عدد من مؤسسيها و آخرين من دائرتهم أشار عليه بعضهم بتكوين هيئة بديلة سماها "هيئة النصيحة و الدفاع عن الحقوق الشرعية" كتعويض عن اللجنة بعد أن قمعت. و لم يكن أسامة يعلم أن اللجنة على وشك أن تظهر في لندن مرة أخرى لاستئناف أعمالها.

و ظهرت اللجنة في لندن فعلا فأشار عليه المتعاونون معه أن يتراجع عن ذلك الاسم و يختار اسما آخر لأن اللجنة أولى باسمها و لا بد من تغيير الاسم بالكامل فتغير الاسم إلى "هيئة النصيحة و الإصلاح". و بدأت تلك المجموعة بإصدار بيانات مختلفة باسم المجموعة وليس باسم أسامة شخصيا و افتتحت هذه المجموعة مكتبا في لندن عين له الأستاذ خالد الفواز مسؤولا. و من العدل نقول أن بيانات تلك المجموعة كانت لها لغة مختلفة عن بيانات بن لادن الأخيرة.

نعود إلى إقامته في السودان حيث كان أسامة مدة إقامته في السودان مقصدا لكثير من رواد الحركة الإسلامية من جميع أنحاء العالم و الصحفيين و كذلك لرجال المخابرات و عملاء أمريكا و بعض الدول العربية. و كان أسامة في تلك الفترة على صلة بالعلماء و الدعاة و التجار داخل المملكة كما كان على صلة بكثير من زملائه القدامى في الجهاد سواء من بقي منهم في باكستان و أفغانستان أو من عاد إلى الدول العربية.

و خلال إقامته في السودان حصل تطوران هامان ربطا بأسامة الأول أحداث الصومال و اليمن و الثاني انفجار الرياض. أما أحداث الصومال فمشهورة و معروفة و كان هناك فصيل صغير يقوده مجموعة ممن سبق أن تدربوا في أفغانستان و كان لهم دور في العمليات النوعية ضد الأمريكان. أما في اليمن فقد تكتمت اليمن و أمريكا على الأحداث التي قتل فيها عدة أمريكان في أحد الفنادق في عدن. أسامة يفتخر بهذه العمليات لكنه لا ينسبها مباشرة لنفسه و إنما يعتبرها من دائرته العامة.

أما انفجار الرياض فالدلائل تشير بقوة إلى أن المجموعة التي تقف خلفه على علاقة بأسامة و لم ينكر أسامة العلاقة و لم ينكر تأييده للعمل لكنه كان دقيقا في أنه لم ينسبه لنفسه في أي حديث أو مناسبة بشكل مباشر.

بعد أحداث الصومال و انفجار الرياض بدأت تصبح إقامته في السودان بعد 1994 تسبب حرجا شديدا للحكومة السودانية و تعرضت الحكومة السودانية لضغط شديد من أمريكا و دول عربية لإخراجه أو لتسليمه. و تحمل السودانيون الضغوط لأمد لكن كان يبدو جليا أن السودانيين ليس عندهم استعداد للصبر طويلا حيث بدأ السودانيون يضغطون على الأفغان العرب للخروج من السودان. و كان أسامة على علم بالضغط الذي تعرضت له السودان لأن السودانيين كانوا يحيطونه علما بذلك بل ربما صارحوه في مرة من المرات أنه يجب أن يفكر بالخروج.

عندما أحس أسامه أن السودانيين لم يعودوا يحتملوا بقاءه و يخجلون من مصارحته بذلك بادر من تلقاء نفسه بترتيب عملية الخروج من السودان. و للإعداد لعملية الخروج اتصل أسامة بأصحابه القدامى من المجاهدين الأفغان و اختار منهم الشيخ يونس خالص و الشيخ جلال الدين حقاني الذين كان لهما نفوذ قوي في منطقة جلال آباد و كان ذلك قبل أن يمتد نفوذ طالبان خارج قندهار حين كانت مناطق أفغانستان موزعة بين الفصائل الأفغانية.

و بعد أن أمن أسامة موقعا له في جلال آباد أعد العدة لمغادرة السودان في عملية غاية في السرية. و من أجل ذلك أعد طائرة خاصة حملته مع عدد من أنصاره إلى أفغانستان حيث استقبل هناك من قبل الشيخين يونس خالص و حقاني. و بعد وصوله هناك أ رسل رسالة إلى الفصائل الأفغانية يخبرهم أنه لا يزال على التزامه بعدم الدخول في خلافاتهم و صراعاتهم. و كان ذلك قبل أن يستولي الطالبان على جلال آباد و من ثم على كابل.

و منذ أن وصل هناك بدأت الأحداث تتتابع مرة أخرى بشكل دراماتيكي من انفجار الخبر إلى استيلاء الطالبان على جلال آباد إلى محاولة خطف لأسامة إلى بيان الجهاد ضد الامريكان الذي أصدره في نوفمبر 1996.

في يونيو من عام 1996 هز مدينة الخبر انفجار كبير أودى بحياة عشرين من العسكريين الأمريكان و جرح مئات آخرين. لم يعلن أسامة أي مسؤولية له عن انفجار الخبر لكنه استخدم أسلوبا شبيها بتعليقه على انفجار الرياض فهو يؤيد الانفجار دون أن يتبناه. في المقابل حرصت السلطات السعودية على تركيب المسؤولية على عناصر شيعية مدعومة من إيران و ذلك في محاولة لمنع إعماء مصداقية لابن لادن. و بقيت السلطات السعودية تتفادى نسبة المسؤولية لابن لادن إلى أن فلت من أحد المسؤولين تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية بعد أحداث كينيا و تنزانيا قائلا إن سبب قطع العلاقة مع الطالبان هو إيواءها للمطلوبين في انفجار الخبر من المجموعة المصاحبة لابن لادن و لم يتكرر ذلك التصريح أو تصريح شبيه به بل بالعكس حاول السعوديون تضخيم قضية هاني الصايغ لتحقيق نفس الغرض.

بعد انفجار الخبر بفترة بسيطة أصدر أسامة بيانه الأول بعنوان "إعلان الجهاد لإخراج الكفار من جزيرة العرب". و لم يصدر البيان هذه المرة من هيئة النصيحة و الإصلاح بل صدر منه بشكل شخصي و باسمه. جاء البيان في اثني عشر صفحة معتبرا وضع الجزيرة بوجود القوات الكافرة فيه أنه وضع لم يمر على الجزيرة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وزع البيان بالفاكس و على شكل كتيب كما حظي باهتمام من قبل بعض الصحف و وكالات الانباء.

في تلك المرحلة حاول السفير السعودي في إسلام آباد الضغط على يونس خالص و حقاني لتسليم أسامة و حاول اغرائهم بعروض معينة لكن رد يونس خالص كان حاسما. قال يونس خالص لو لجأ إلينا عنز أو حيوان لحميناه فكيف برجل باع نفسه و ماله في سبيل الله و الجهاد في أفغانستان.

بعد ذلك اجتاح الطالبان المنطقة التي كان أسامة مقيما فيها و كان أسامة قد عرف شيئا عنهم لأن يونس خالص و حقاني كانا قد انضما إلى طالبان و اعتبرا أنفسهما من جيش الطالبان لكن لم يكن أسامة على علم بما سيصبح وضعه بعد أن أصبح في المنطقة التي تحت سيطرتهم. لم يدم انتظار أسامة طويلا حتى أرسل ملا عمر زعيم طالبان وفدا لمقابلة أسامة و طمأنته و اعتباره ضيف موروث من الذين قبله و تعهد له بالحماية، لكنه طلب منه على شكل رجاء التوقف عن اي نشاط إعلامي لان أسامة كان قد قابل محطة سي إن إن و محطة القناة الرابعة البريطانية في تلك الفترة.

التطور الآخر الذي حصل بعد ذلك و الذي اضطر أسامة للانتقال إلى قندهار هو محاولة الإختطاف التي تسرب خبرها لأسامة و أجهضت قبل أن تنفذ، حيث تم تمويل مرتزقة من القبائل على الحدود الباكستانية الأفغانية لتنفيذ هجوم سريع على المنطقة التي يقيم فيها أسامة و خطفه أو قتله و ساهمت باكستان و دول أخرى معروفة بترتيب العملية. تسرب خبر العملية بسرعة لأسامة فرتب أمره على وجه السرعة للانتقال إلى قندهار حيث أكثر أمنا حيث معقل الطالبان.

وجها لوجه مع ملا عمر

بينما كان أسامة في جلال آباد حصل تطور هام في مسيرة الطالبان و هي دخولهم كابل بلا معارك تقريبا. و قد حول دخول كابل في سلطة طالبان الأوضاع لصلح طالبان حيث أصبحت طالبان هي القوة الأكبر في أفغانستان رغم الاعتراف المحدود بها. بينما كن ذلك يحصل كان أسامة يخطط للانتقال إلى قندهار ليكون في مأمن من محاولة الاختطاف التي ذكرناها في الحلقة السابقة. جاء هذا التطور ليسهل مهمة انتقال أسامة إلى قندهار لأنه انتقل خلال كابل حيث ذهب إلى كابل بالسيارة و من كابل إلى قندهار بالطائرة. بعد أن توجه أسامة إلى قندهار حرص على أن يقابل أمير الطالبان ملا عمر شخصيا لأنه إلى حد تلك اللحظة لم يقابل ملا عمر رغم المراسلات الكثيرة بينهم. تمت المقابلة فعلا و كان جوها وديا جدا حيث إنها حصلت قبل أن يختلف أسامة مع ملا عمر الخلافات الأخيرة. رحب ملا عمر بأسامة و عبر له عن سروره باستضافته و تشرفه تشرف طالبان بالدفاع عنه أولا كضيف عربي كريم و ثانيا كمجاهد قاتل معهم في حرب أفغانستان. في نفس اللقاء تحدث ملا عمر عن التحديات الخطيرة التي تواجه الطالبان بعد دخول كابل و خاصة مواجهة قوات دوستم و قال لأسامة إنه قد يكون من الأولى تخفيف الحملة الإعلامية و أن ذلك مجرد طلب و ليس أمرا و لا إلزاما. رد عليه أسامة بأنه قرر التخفيف أو التجميد الكامل للنشاط الإعلامي لفترة حتى قبل أن يطلب منه فارتاح ملا عمر لذلك.

اعتراف سعودي

في تلك الأثناء كانت الحكومة السعودية قد اعترفت بطالبان فيما يعتقد أنه محاولة إحراج لطالبان للتعاون معها في قضية أسامة. ذهبت الحكومة السعودية شوطا أبعد حين أرسلت تدعو كل أعضاء حكومة طالبان و الملا عمر شخصيا للحج و العمرة و تستضيفهم كضيوف رسميين. بل إن أحد الشخصيات الرئيسية في حكومة طالبان و هو محمد رباني رئيس الوزراء زار المملكة فعلا لأداء الحج لكن يبدوا أن "حسن الضيافة" لم تغير من مواقفه و لا مواقف حكومته. لم يتغير موقف طالبان من أسامة و ردت بأدب عدة وفود أرسلتها الحكومة السعودية تفاوتت بين دبلوماسين و رجال أعمال و أقارب أسامة و شخصيات استخباراتية.

أسامة طرف في الحرب الأفغانية

تطور آخر حصل في تلك الأيام أدى إلى رفع أسهم أسامة عند الطالبان و هو تغيره موقف الحياد الذي التزم به في خلافات الفصائل الأفغانية و اتخاذه قرارا بالدخول بقوة مع الطالبان ضد دوستم و وجه أوامر لرجاله بالقتال مع الطالبان. و بعد أن أصر شاه مسعود أن يدخل طرفا في الحرب استصدر أسامة فتوى من طلبة العلم المرافقين له فتوى بأن قتال مسعود جهاد شرعي. كان لهذا القرار دور مهم في مساعدة الطالبان حيث إن الطالبان لم يكونوا رتبوا أنفسهم بعد، و كل انتصاراتهم الأولى حصلت تقريبا دون قتال بسبب حرص الناس عليهم و تنازل القواد الميدانيين لهم ، أما دوستم و مسعود فقواتهم أكثر تماسكا لأنهم أقنعوا أتباعهم أن الحرب عرقية و ليست دينية و ساعد على تماسكهم اعتماد دوستم على الاوزبك و مسعود على الطاجك و سعى مسعود و دوستم إلى إقناع أتباعهما أن الطالبان ليسوا إلا بشتون يريدون السيطرة عليهم. أضف إلى ذلك أن العالم الغربي لم يشعر بخطورة طالبان إلا بعد سقوط كابل و حمايتهم لأسامة و دعا ذلك إلى أن يحظى مسعود و دوستم بدعم سخي من روسيا و أمريكا و تركيا و إيران و جهات أخرى. كاد الطالبان أن ينهارون بعد أن واجهوا هذه القوات المنظمة المدعومة و المتماسكة و في مرتين على الأقل كانت الكتائب التابعة لأسامة هي التي ردت لتلك القوات عن كابل فحفظها له الطالبان و ارتفع سهمه عندهم.

قضية أخرى رفعت أسهمه عندهم هو تفريغه عدد من الشباب المتخصصين لمساعدة الطالبان في قضايا التخطيط و الإدارة و التنمية للدولة الجديدة ، حيث إنه رغم تواضع المجموعة التي مع أسامة ألا أنها بالنسبة لطالبان كانت فريقا من أساتذة الجامعات.

محاولة اختطاف أخرى

لم ييأس الامريكان و حلفائهم من محاولة الإمساك بأسامة. و بعد أن تبين أن إقناع الطالبان مستحيل فكر الأمريكان مع الباكستانيين و الدولة الثالثة بإعداد خطة لخطف أسامة عن طريق عملية كوماندز منطلقة من الأراضي الباكستانية. بدأ التدريب على العملية في نهاية ربيع عام 1997 على أن يتم التنفيذ في بداية الصيف و تم التكتم على العملية بشكل شديد لكن بسبب دخول الباكستان طرفا فقد كان حفظ السر مستحيلا لأن المخابرات العسكرية الباكستانية فيها تعاطف كبير مع أسامة. تسرب الخبر لأسامة و جهات عربية أخرى فبادرت بتسريبه للصحافة فانفضحت الخطة الأمريكية و ألغيت. الأمريكان لم يعترفوا بالقصة ابتداء و لكن اعترفوا بها بعد ذلك و أوعزوا إلغاء الفكرة إلى الخوف من وفيات في صفوف الأمريكان.

علماء طالبان مع بن لادن

في نهاية عام 1997 و بداية 1998 قرر أسامة أن يستعيد نشاطه فبدأ أولا مع علماء الطالبان و الباكستان. نجح أسامة في استصدار فتوى من حوالي أربعين عالما من علماء أفغانستان و باكستان تؤيد بيانه لإخراج القوات الكافرة من جزيرة العرب. وزعت الفتوى على نطاق واسع في باكستان و أفغانستان و سربت للصحافة حيث نشرت مقاطع منها جريدة القدس العربي. كان أسامة يهدف لشيئين من هذا البيان، الأول مشروع إسلامي شامل لتجييش لعلماء المسلمين ضد الوجود الأمريكي في جزيرة العرب على أساس أن هذه التوقيعات ستجمع من جهات و بلاد أخرى ، و الثاني الحصول على غطاء أدبي و شرعي له داخل أفغانستان لأنه قرر إعادة التحرك إعلاميا و لا يريد أن يصبح في موقف الضعيف مع ملا عمر.

الجبهة الإسلامية العالمية

صادف هذا التطور -أو ربما كان من أسبابه أو من نتائجه و الله أعلم- تجمع عدد من قيادات الجماعات الإسلامية و خاصة الجماعة الإسلامية المصرية و الجهاد الإسلامي المصرية في أفغانستان و تقاطر عدد كبير من الوفود من باكستان و كشمير على أسامة. أحد هذه القيادات تمكن من إقناع أسامة بتوسيع مفهوم الحرب مع أمريكا إلى قتال لها في كل مكان. و توسعت القناعة لتشمل بدلا من مقاتلة أمريكا قتل كل أمريكي في سن القتال في كل زمان و مكان و معهم اليهود. الذين أقنعوا أسامة بالفكرة و ضعوا لها مبررين شرعي و سياسي. مبررهم أو المخرج الشرعي هو أن الأمريكان يحتلون بلاد الحرمين و لذلك فإن كل أمريكي يعتبر داعم لاحتلال الجزيرة العربية، و بما أن الأمريكان و اليهود يقاتلون المسلمين في كل مكان و زمان و يستبيحون دم المدنيين من المسلمين فإن قتل الأمريكان و اليهود مشروع أيا كان الزمان و المكان. المبرر السياسي هو أن أمريكا أصبحت العدو الأول للإسلام و صارت تتربص بالمسلمين و الجماعات الإسلامية الدوائر و لم يعد هناك قوة تنافسها و لذا فإن من الضروري أن يشعر المسلمون أنهم أعداء لأمريكا و أن تتحول هذه القضية لقضية إسلامية أولى في كافة أنحاء العالم الإسلامي.

تحولت القناعة إلى عمل و ذلك من خلال إصدار بيان الجبهة الإسلامية العالمية في فبراير عام 1998 الذي يدعو إلى قتل الأمريكان و اليهود في كل مكان و زمان. وقع البيان مع بن لادن عن جماعة الجهاد المصرية الدكتور أيمن الظواهري و عن الجماعة الإسلامية المصرية رفاعي طه كما وقعه رئيس أحد الفصائل الكشميرية و أحد القيادات الباكستانية المشهورة. وزع البيان و نشرته الصحافة و كان علامة تحول كبيرة بالنسبة لأسامة من عدة نواحي. أولا مثل هذا البيان القفز إلى مشروع عالمي بدلا من التركيز على قضية القوات الأمريكية في جزيرة العرب. ثانيا مثل هذا البيان ما اعتبره البعض تخليا عن الحذر الذي كان يحرص عليه أسامة في الموقف الشرعي و الإصرار على توسيع دائرة إباحة الدم. الثالث دخول أسامة لأول مرة كطرف في ما يشبه تحالف إسلامي من الجماعات الجهادية بعد أن كان يعمل مع مجموعته و يرفض التحالفات المعلنة مع إقراره لفكرة التعاون و التنسيق دون حلف معلن.

خلاف مع ملا عمر

لم يكن ملا عمر راضيا عن هذه النشاطات و اعتبرها خرقا للالتزام الأدبي الذي كان بينه و بين أسامة في لقائهما المذكور. أرسل الملا عمر لأسامة يستفسر عن الذي حصل فكان رد أسامة فكان رد أسامة أن الظروف التي كانت سببا للهدوء الإعلامي قد انتهت و لا داعي للاستمرار في الصمت و استخدم أسامة ورقة العلماء لتقوية موقفه و ذلك لأن العلماء لدى طالبان لا يرد كلامهم رغم احترامهم جميعا للملا عمر. غضب الملا عمر لكن كظم غيظه و حاول الاستمرار في إقناع أسامة بالصمت. بدلا من الصمت اتخذ أسامة موقفا تصعيديا و دعا إلى مؤتمر صحفي في حدود شهر مايو 1998 رتب له سرا في منطقة قرب الحدود مع باكستان في ضواحي خوست و دعي له عدد محدود من الصحفيين. إضافة لذلك فقد كان أسامة أعطى مقابلة مطولة لمحطة ِABC الأمريكية قبيل المؤتمر بأيام. في المؤتمر و في المقابلة أشار أسامة إشارة إلى احتمال حصول حوادث ضد الأمريكان خلالا فترة قصيرة و لم يحدد أين.

أرسل الملا عمر إلى أسامة مرة أخرى يعترض على ما حصل و يطلب منه تفسيرا. لم يكن لدى أسامة أي أسلوب يقنع بع الملا عمر إلا العلماء و فعلا رد عليه إنه يقبل بتحكيم العلماء. رفض الملا عمر الفكرة ليس عدم اعتبار للعلماء لكن منعا لفتح هذا الباب بحيث كل ما بدا لشخص أن يتمرد يقول نحتكم للعلماء. توترت العلاقات بين الرجلين لكن الملا عمر الذي كان يستطيع منع أسامة من النشاط الإعلامي فضل التحمل و الاعتماد على الإقناع إلى أجل مسمى.

السفارات الأمريكية تتفجر

بعد تصريحات بن لادن بأنه سيضرب خلال أسابيع بقي الأمريكان في حالة ترقب و قد استعدوا في حالة تأهب قصوى ضد أي هجمات و لكن كل استعداداتهم كانت في المنطقة العربية و الخليج و إلى حد ما القرن الأفريقي. و بينما الأمريكان في كامل التأهب أتتهم الضربة في الموقع الذي لم يتحسبوا له، سفاراتهم في كينيا و تنزانيا و ذلك حين نسفت السفارتين شاحنتين ممتلئتين بالمتفجرات يوم السابع من أغسطس\أب 1998.

ولربما يكون من الأهم التعليق على التناول الغربي للقضية سواء من خلال جهات مسؤولة أو من خلال الإعلام ومراكز البحوث، بدلا من محاولة الغوص في حقيقة الانفجار، لأن آثار هذا الحدث سياسيا وأمنيا واستراتيجيا أهم من نفس الحدث، ويبدو أن انعكاسات مثل هذه الأحداث أهم من ذات الأحداث نفسها لما لها من تأثير خاص وطبيعة خاصة. رغم الحذر الذي ورد على لسان الناطقين الرسميين الأمريكان في وقتها عن اتهام جهات محدودة فإن الجهات الإعلامية والخبراء السياسيين والمصادر الرسمية التي ترفض ذكر اسمها تبرعت بكمية كبيرة من التعليقات والمعلومات والتحليلات التي تساعد في دراسة انعكاسات هذا الحدث. وعند تأمل ما صدر عن تلك الجهات تأملا عميقا يلاحظ الآتي:

أولا: كانت الحركات الإسلامية أو ما يسمى في الغرب بالأصولية الإسلامية في مقدمة المتهمين، بل إن كل الجهات الأخرى مثل إيران والعراق وليبيا استبعدت بسهولة وتحدثت جهات كثيرة عن الشيخ بن لادن وجماعة الجهاد المصرية، وأشير بشكل كثيف إلى تهديدات بن لادن في مقابلة مع محطة ABC الأمريكية بضربة خلال أسابيع، كما أشير إلى بيان جماعة الجهاد الذي نشر في جريدة الحياة قبل يومين من الانفجار، وربط بين بن لادن والجهاد المصرية من خلال بيان الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين الذي كانت تلك الجهتين من بين الموقعين عليه.

ثانيا: أعادت تلك التفجيرات فتح ملف انفجار الخبر ولم يعلن عن المسؤولين عنه لحد ذلك التأريخ. ولوحظ للمرة الأولى في الصحافة الأمريكية النسبة لمسؤولين أمريكان أن أمريكا تعتبر بن لادن مسؤولا عن انفجار الخبر بل وحتى عن انفجار الرياض. وكانت المصادر الأمريكية في السابق تكتفي بالتشكيك بالرواية السعودية عن تورط شيعة وإيران، وتشير إلى احتمالية وجود معارضة داخلية مسؤولة عن انفجار الخبر.

ثالثا: لوحظ في التعليقات الصحفية والدراسية أن الحادثين ربطا بالوجود الأمريكي في المنطقة عموما وفي المملكة خصوصا وربطا بسياستها مع إسرائيل والعراق ودعمها للحكومات في المنطقة وتعاونها في القبض على مطلوبين من الإسلاميين وتشجيع اعتقال آخرين. من جهة ثانية بدا لهذه القضية أهمية من خلال إحراج الأنظمة العربية المتعاونة مع أمريكا في سياستها ضد الإسلام، حيث ساد شعور لدى تلك الأنظمة أن هؤلاء الجهاديون تجاوزوهم إلى أسيادهم الأمريكان، بمعنى أن لديهم من القدرات اللوجستية أكبر من مجرد مواجهة تلك الأنظمة، وهذا فيه درجة عالية من الإحراج.

ومع كثرة القرائن على مسؤولية جهات إسلامية معينة عن الحادث إلا أن الجهات المعروفة لم تعلن مسؤوليتها عن الحادث، ولم يخرج رسميا إلى العلن إلا بيان ما يسمى "بالجيش الإسلامي لتحرير المقدسات"، وهو اسم غير معروف من قبل، لكن محتوى البيان يربط مباشرة بالجماعات التي اجتمعت حولها القرائن. فالبيان هاجم السياسة الأمريكية وطالب بمغادرة القوات الأمريكية لجزيرة العرب وطالب بإطلاق سراح الشيخ عمر عبد الرحمن وذهب البيان أبعد من ذلك في تحديد هوية من أصدره بالمطالبة بإطلاق سراح المشايخ المعتقلين في سجون المملكة من أمثال الشيخين آنذاك سلمان وسفر. ولربما تكون الجماعات التي تنفذ مثل هذه الأعمال فهمت آنذاك أن الرسالة يمكن إيصالها دون تبني العمل علنا، فالأمريكان و الأنظمة العربية عرفوا من خلا ل القراءة المخابراتية للبيان من يقف خلف القضية، وأما الجمهور فيكفيه أن يقرأ المطالب في البيان دون معرفة الجهة، وإذا كان هناك ما لا تريد هذه الجماعات أن يربط بها من آثار سلبية للحادث فإنها تكون قد تخلصت منه من خلال عدم تبني الحادث بشكل صريح ومعلن.

الاستنتاج الأخير الذي لابد من الإشارة إليه أن الجهات الإسلامية التي يعتقد أنها خلف الحادثين قد أثبتت من خلال الحادثين أن لديها القدرة اللوجستية والفنية والبشرية على تنفيذ الحادث، وأنها استطاعت استغلال عنصر المفاجأة إلى أقصاه، وأنها استطاعت كذلك التنسيق بين الحادثين وبكمية تدمير هائلة.

الأمريكان يردون

لم يتحدث بن لادن علنا بل نقل عنه –نقلا- نفي مسؤوليته عن الانفجار. لكن يبدو أن الأمريكان كان لديهم استنتاج آخر توصلوا إليه منذ الأسبوع الأول بعد الانفجار و هو أن بن لادن مسؤول مائة بالمائة عن الانفجارين سواء اعترف أم لم يعترف. و بناء على تلك المعلومات المزعومة قام الأمريكان بعمليتهم المشهورة في ضرب السودان و أفغانستان. حيث انهالت على السودان و أفغانستان عشرات صواريخ كروز موجهة لضرب هدفين محددين في السودان و أفغانستان. لكن هل كان الرد الأمريكي ذكيا؟

نظرة ثاقبة في القضية تظهر أن أمريكا أصبحت تنفذ دون أن تشعر أجزاء من فقرات برامج الجماعات الجهادية، ولعل من تقدير الله أن تضاعفت فضائح كلينتون في تلك الفترة حتى يتدخل هذا العامل في توقيت الضربة الأمريكية، ومن ثم تتحول الضربة الأمريكية إلى عامل من عوامل تنامي الغضب والعداء ضد أمريكا في العالم الإسلامي، وهو عين ما تريده الجماعات الجهادية.

مثل ما استدرجت أمريكا صدام لاحتلال الكويت، وأعطت إشارات سياسية وعسكرية تشجع صدام على دخول الكويت من أجل أن تبرر إنزال وبقاء قواتها وهيمنتها في المنطقة فقد نجحت الجماعات الجهادية في استدراج أمريكا لهذه الضربة لتحقيق ما كانت تتطلع إليه هذه الجماعات من تجييش للرأي العام الإسلامي ضد أمريكا وإثبات ندية هذه الجماعات لتلك القوة العظمى، ومن ثم تبرير صراع طويل المدى مع أمريكا بعد هذا التجييش، بغض النظر عن صحة أو خطأ تلك السياسة.

لقد كانت الضربة الأمريكية بكل تفاصيلها من حيث التوقيت ونوعية الهدف والطريقة والكمية دليلا على ارتباك وسوء تقدير من قبل الأمريكان، ولا يمكن استراتيجيا أو سياسيا أو عسكريا تفسير هذه التفاصيل. وإذا لم تكن فضيحة كلينتون مع مونيكا وراء هذا التصرف فلا تفسير آخر إلا غلبة العنجهية والغرور على التخطيط والدراسة والحكمة.

بالنسبة للتوقيت لم تعلن أمريكا قبل الضربة اتهاما صريحا لابن لادن ولم تكن لتستطيع ذلك إلا بعد شهور من التحقيقات، وحتى بعد الضربة استمر المحققون من الكينيين والأمريكان يرفضون توجيه أصابع الاتهام لأحد، ولقد دأبت أمريكا دائما قبل حالة كينيا و تنزانيا على أن لا توجه ضربة إلا بعد أن تحصل على أدلة دامغة ولا تكتفي بالقرائن، ولا يمكن توفير هذه الأدلة الدامغة خلال أسبوعين فقط من حادثي كينيا وتنزانيا. ثم أن مسألة الوقت هامة كذلك لتهيئة الرأي العام العالمي للقبول بفكرة الضربة ـ على الأقل جزئيا ـ وهذا كله لم يحصل. ولذلك فقد كانت الضربة محرجة جدا لحلفاء أمريكا في المنطقة العربية والإسلامية. قارن مثلا بين هذا الاستعجال في توجيه الضربة و بين رفض أمريكا توجيه ضربة لإيران لحد الآن بحجة عدم وجود أدلة مع إن مزاعم السعودية عن الدور الإيراني في الخبر أقوى من أدلة أمريكا عن دور بن لادن في كينيا و تنزانيا.

أما بالنسبة للأهداف التي اختارتها أمريكا فقد كانت أهدافا مضحكة بل مخجلة، ولقد تبين بعد الضربة مباشرة أن اختيار هذه الأهداف عاد بالكارثة على أمريكا. فمثلا زعمت أمريكا أن مصنع الأدوية في السودان يستخدمه ابن لادن لإنتاج السلاح الكيميائي أو على الأقل مقدمات للسلاح الكيميائي، وزعمت كذلك أن اختيار الهدف جاء بناء على معلومات استخباراتية مؤكدة. ومن المعلوم أن اتخاذ قرار بمثل هذه الضربة يعني أن الأمريكان يثقون بتقارير الاستخبارات تلك إلى درجة أنهم يتجاوزون كل المحاذير الخطيرة في هذه العملية. وهذا يعني أنه إذا استطاع السودان أن يثبت أن المصنع لا يتجاوز دوره كمصنع أدوية حقيقي-و هو ما حصل- فسوف تضرب مصداقية المخابرات الأمريكية وتضرب كذلك كل التبريرات الأمريكية لأي ضربة قادمة حيث تتابعت التحليلات عن هذا المصنع إلى أن تبين أن لا دخل له بابن لادن.

لكن بغض النظر عن دعوى المخابرات فقد كانت الضربة الأمريكية خطأ مركباً. فمن جهة كانت خرقا لدولة ذات سيادة وهذا مناقض لما يسمى بالقانون الدولي والأعراف الدولية وأساليب الأمم المتحضرة كما هي لغة أمريكا نفسها ، وهي قيم تزعم أمريكا أنها حريصة جدا على احترامها. من جهة أخرى كانت الضربة الأمريكية مفاجئة للسودان، حيث لم تصدر أي إشارات سابقة من أمريكا بوجود مثل هذا النشاط في المصنع بل أن أمريكا خففت لهجتها كثيرا ضد السودان خلال الفترة السابقة للضربة مما أعطى انطباعا بأن أمريكا آيست من ربط السودان بما تزعمه أمريكا من الإرهاب. وعلى كل حال يعلم كل المتابعين للحركات الجهادية عموما وابن لادن خصوصا أن علاقاتهم مع السودان قطعت تماما وأن هذه الجماعات غير راضية عن الحكومة السودانية وأنها تعتبرها قد تخلت عن واجب ديني لأجل دفع تهمة الإرهاب، بل أن بعض التيارات الجهادية تذهب إلى أبعد من ذلك فتصنف السودان مثل مصر والسعودية.

أما الهدف الذي ضرب في أفغانستان فهو كذلك من الأدلة على غباء أمريكي فادح في معرفة الفرق بين الدول والجماعات الإسلامية الجهادية وكذلك الفرق بين أفغانستان والعراق وليبيا. فمن المعلوم أن الجماعات المسلحة لا تعمل مثل الجيوش بمراكز خاصة للقيادة والاتصالات أو مراكز الدعم اللوجستي والذخيرة وهي أهداف تساعد في شل الجيوش إن ضربت بدقة. أما الجماعات الجهادية في أفغانستان فتجدهم أما في خندق أو نفق أو كهف أو خيمة بين الشجر، والعارفون بالوضع في أفغانستان استغرقوا في الضحك على تسمية المسؤولين الأمريكان للهدف المضروب بــ"البنية التحتية لابن لادن". وعلى كل حال فقد كان معظم أتباع بن لادن في أفغانستان موجودون حينها في شمال أفغانستان يحتفلون مع الطالبان بانتصاراتهم على دوستم. هذا مع أن عددا كبيرا من اتباع بن لادن ومؤيديه خارج أفغانستان حيث يعلن بعضهم عن وجوده في اليمن والصومال وباكستان والآخر لا يعلن عن وجوده. ولذلك فما يسمى بالبنية التحتية تهويش ومحاولة لإقناع الرأي العام الأمريكي الجاهل فقط.

من جهة أخرى فإن ضرب أفغانستان من قبل أمريكا أخطر من ضرب السودان لأنه بمثابة إثارة وإغضاب للطالبان وإدخالهم في المعركة ضد أمريكا. ويبدو أن الأمريكان قارنوا أفغانستان بالعراق وليبيا ورأوا أثر الصواريخ هناك فتوقعوا نتيجة مشابهة مع أفغانستان وحصل العكس، حيث أن الأفغان عموما والطالبان خصوصا ينحون إلى التحدي والمواجهة بدلا من الانصياع والخوف، وهذا ما جعل ملا عمر زعيم الطالبان يقسم وقتها بأن يدافع عن بن لادن ولو اجتمعت على حرب الطالبان دول العالم. ويبدو أن الأمريكان تضرروا ضررا إضافيا وغير متوقع في استهداف أفغانستان حين تبين أن معظم الضحايا من المجاهدين الباكستانيين في كشمير، وهذا ما دفع زعيمهم لأن يعلن على الملأ في مؤتمر صحفي أنه يعلن الحرب على أمريكا إضافة إلى الهند.

الطريقة التي عرض بها الأمريكان الضربة إعلاميا ورسميا كانت هي الطريقة التي تستميت من أجلها الجماعات الجهادية، وهي إظهار تلك الجماعات عموما وبن لادن خصوصا كخصم وند حقيقي لأمريكا وكقوة استطاعت أن تجبر أمريكا على التصرف بارتباك وتخبط. بن لادن لم يعد ذلك الشخص الذي تظهره بعض القنوات الأمريكية والغربية وتجادل من أجل الإقناع بأنه قوة يحسب حسابها، بل أصبح الآن البعبع الأول لأمريكا حسب تصريحات الرئيس الأمريكي والمسؤولين الأمريكان أنفسهم، ولقد شاهد الملايين في العالم الرئيس الأمريكي ووزير الدفاع ورئيس الأركان يحرصون على ذكر أسامة بن لادن في خطبهم وأجوبتهم للصحافة من أجل تبرير الضربة. هذا التصوير وتلك الطريقة أعطت زخما قويا للمحسوبين على التيار الجهادي وخاصة أتباع بن لادن و رفعت معنوياتهم و أشعرتهم كما لو كانوا قوة عظمى في مواجهة أمريكا، بل بدت تلك الضربات المستعجلة الخاطئة بمثابة دليل لهم على أنهم أفقدوا أمريكا صوابها فأصبحت تتخبط ولا تدري أين تضرب.

أما بالنسبة للرأي العام العربي والإسلامي فالقصة ليست بعيدة، حيث يعيش الناس أزمة بطولة وأزمة تضحيات وهم في انتظار من يشبع الشعور بالانتقام والتحجيم لأمريكا وإرهابها كما أرهبت المسلمين وضايقتهم في فلسطين والعراق والجزيرة وأفريقيا وتركيا وأماكن أخرى، ولذلك فقد كان منظر المسؤولين الأمريكان وهم يعترفون من خلال تلك الضربات بارتباكهم وخوفهم من بن لادن، كان ذلك بمثابة إشباع لهذا الشعور ورفع شعبية بن لادن، خاصة أن بن لادن ليس ممن يمكن أن يتهم بالعمالة مثل خصوم أمريكا المزعومين من حكام الدول العربية، فهذا الرمز الجديد تاريخه مختلف تماما عن تاريخ أولئك الزعماء أمثال القذافي و صدام، وإذا أعلن مواجهة أمريكا فلا يشك أحد في صدقية هذا الإعلان. وقد لوحظت هذه الآثار عمليا بعد الضربة حيث لم يعد من الحرج الأمني في كثير من البلاد العربية التصريح بالإعجاب بابن لادن وتأييده، أما في باكستان والمشرق الإسلامي فقد تجاوز الناس مجرد الإعجاب إلى اعتباره قائدا ومخلّصا للأمة الإسلامية من هيمنة الأمريكان، وخرجت المظاهرات بصوره المرفوعة هناك.

مما ينبغي معرفته كذلك أن الذين عاشوا مع بن لادن والمجاهدين العرب ومن تمكنوا من مقابلة بن لادن حتى من غير المسلمين يثبتون حقيقة هامة وهي أن هذا الرجل والمنضوين للجماعات الجهادية يعتبرون الموت في حربهم مع أمريكا من أعظم الأماني، ولذلك فلا يمكن اعتبار هذه الضربات ذات أثر في تخويف أو إرهاب تلك الجماعات، فلقد عاشوا سنين طويلة تحت القصف الروسي والشيوعي وخاضوا معارك كثيرة وشرسة مع الروس وغيرهم إلى درجة أنهم أدمنوا على هذه الأصوات ويجدون صعوبة في النوم بدونها كما يصفهم أحد الذين رافقوهم.

خاسر آخر في هذه المعمعة هو الحكومات العربية التي تعيش تحت كنف أمريكا، فلقد بدت هذه الحكومات حقيرة صغيرة بين قوتين عظميين أمريكا وبن لادن. وكأننا بتلك الحكومات عاشت حرجا شديداً أمام هذه الضربات الأمريكية فلا هم الذين أمكنهم تأييدها فيثبتوا العمالة المطلقة، ولا هم الذين أمكنهم استنكارها فيظهروا اعترافا غير مباشر بابن لادن. ولقد تبينت هذه المشاعر في الإعلام السعودي من خلال التجاهل الكامل من قبل التلفزيون والإذاعة و الصحافة الدخلية في المملكة حيث أورد خبر الضربات مقتضبا دون أي إشارة لابن لادن. أما الصحافة السعودية في الخارج التي لا يمكن أن تتجاهل بن لادن، فقد سمح لها بذكر بن لادن بشرط أن لا يوصف بأنه سعودي.

الطالبان من جهتهم شعروا بعد الانفجار الأول و قبل الضربة الأمريكية بحرج شديد و لكن الأمريكان أنقذوهم من الحرج من خلال الضربة الغبية خاصة و أن الضربتين تزامنت مع دخول الأفغان العرب الذين يتبع معظمهم بن لادن مع الطالبان في معركتهم ضد دوستم في شمال أفغانستان و كان لهم دور كبير في القضاء الكامل على دوستم بعد أن كان الهجوم الأول من قبل الطالبان لوحدهم غير موفق. و خلال تلك الفترة حاول الأمريكان مرة أخرى التفاوض مع طالبان حول بن لادن ورفض الملا عمر التفاوض معهم، وعندها اكتفوا بإرسال رسالة للملا عمر يشرحون فيها مطلبهم وهو حرص الولايات المتحدة على أمنها وأمن مواطنيها وأن ذلك هو سبب حديثهم مع طالبان، واكتفى ملا عمر بالرد عليهم بأنهم إن كانوا جادين في طلب الأمن لأنفسهم فليخرجوا من العالم الإسلامي وخاصة جزيرة العرب.

هل كان لدى الأمريكان خيار آخر؟

نعم كان لديهم خيار أحكم بكثير، لكن الله سبحانه لم يحرفهم عنه فحسب بل أراد لهم أن يضخموا قضية بن لادن تغطية لفضائح كلينتون. هذا الخيار الآخر الذي كان من الممكن أن يحاصر به بن لادن و الجماعات الجهادية و لم يهتد إليه الأمريكان هو الصبر و التحمل و تضخيم صورة الأبرياء الذين قتلوا في انفجاري كينيا و تنزانيا و خاصة المسلمون منهم و إظهار بن لادن و الجهاديين على شكل متعطشين للدماء نشاز بين المسلمين أنفسهم لا يهمهم حتى قتل أبناء جلدتهم من أبرياء المسلمين. و لربما كان هناك لدى الأمريكان فرصة للأستفادة القصوى من المؤسسات الدينية في مصر و المملكة لتشويه صورة هذه الجماعات من خلال ربطها بقتل العشرات من المسلمين الأبرياء فقط لأجل قتل بضعة أمريكان و إظهار تلك الجماعات كآخر من يلتزم الشرع. و لو صبر الأمريكان و تحملوا وقع الضربة و مضوا في ذلك الاتجاه لأصبح بن لادن و الجماعات الجهادية في وضع حرج مع الشعوب و مع الطالبان لأن ذلك العمل الذي يستطيع الأمريكان التشكيك في شرعيته إسلاميا من خلال المؤسسات المذكورة يقضي على جزء كبير من شعبية تلك الجماعات و يظهر أمريكا على أنها مظلومة و متحامل عليها بغير وجه حق. لكن الذي حصل أن هذا الخيار قد حرم منه الأمريكان إلى درجة لا يمكنهم التراجع و استعادته لأنهم مضوا بعيدا في تضخيم رد الفعل و تضخيم حجم بن لادن و إثبات أنه أوجعهم و آذاهم.

أمريكا تشن حملة على "أعوان بن لادن"

في الاسابيع التي تلت حادثتي التفجير و الرد الأمريكي شرعت أمريكا في حملة اعتقالات لبعض العرب و المسلمين بحجة علاقتهم بابن لادن. و كانت طريقة الإعلان التي صارت تستخدمها امريكا تشبه طريقة بعض الدول العربية التي ما إن تعتقل أو تقتل "أمير جماعة" حتى يظهر "أمير جماعة" آخر وتعتقله أو تقتله ويتبين أن الأمراء في تلك الجماعات أكثر من الأفراد!!. هذا هو الأسلوب الذي استخدمته أمريكا في تحسين صورتها في تتبع شبكة بن لادن المزعومة، فكل يوم يظهر علينا سكرتير خاص، ومدير أعمال، و"شخصية مركزية" في عمليات بن لادن. و قد استثمرت الحكومة الأمريكية جهل الشعب الأمريكي، وضخمت القضية من أجل التعويض عن عجزها في حرب "الإرهاب" ومتابعة بن لادن.أما بن لادن نفسه فقد بقي تلك الفترة تحت حماية الطالبان خوفا من عملية اغتيال أو خطف مفاجئة، وقد نفى الناطق الرسمي باسم الحركة وقتها إشاعة أن يكون بن لادن تحت الإقامة الجبرية وأكد أنه يتمتع بحرية التنقل في كافة أنحاء أفغانستان.

السعودية لم تيأس

لم تتوقف محاولات الحكومة السعودية في الضغط على طالبان بتسليم بن لادن و من أجل ذلك لجأت الحكومة السعودية إلى آخر سهم في كنانتها و هو إرسال أكثر الأمراء السعوديين خبرة بأفغانستان تركي الفيصل. توجه تركي الفيصل بصحبة عبدالله التركي وزير الشؤون الإسلامية وسلمان العمري القائم بالأعمال السعودي في كابل. في قندهار قابل الوفد الملا عمر و طلب تسليم بن لادن لأمريكا ودارت بين الوفد السعودي وبين الطالبان ملاسنة حادة قال فيها الملا عمر أنهم إذا كانوا يتحدثون باسم أمريكا فلا يلومونه إذا قال إنه يتحدث باسم بن لادن. و كانت عبارة ملا عمر هذه من باب الاحراج للوفد الذي طلب تسليمبن لادن لأمريكا و إلا فإنه لم يكن موافقا مع بن لادن فيتوجهانه الأخيرة. وفي اللقاء ادعى تركي الفيصل أنه قَدِمَ بناء على طلب من الملا عمر من أجل استلام بن لادن، فأنكر ملا عمر وجود هذا الوعد، بل انتقد شرعية مثل هذا الطلب أصلا، فاشتد النقاش بين الطرفين إلى درجة أن الملا عمر وجه كلاما خشنا للوفد السعودي تردد المترجم في ترجمته فنهره الملا عمر وأصر على ترجمته حرفيا. وقبل أن ينصرف تركي الفيصل طلب منه الملا عمر أن يصطحب معه القائم بالأعمال السعودي لأنه كذا وكذا! وبعد عودة تركي الفيصل إلى الرياض أرسل بطلب اعتذار من الملا عمر فرفض الملا عمر ورفض إعادة القائم بالأعمال السعودي فقرر السعوديون إبعاد القائم بالأعمال الأفغاني في الرياض.

السعودية تطرد ممثل طالبان

في نهاية سبتمبر من نفس العام قررت الحكومة السعودية طرد ممثل طالبان دون تبرير رسمي و لكن هذه الأسباب تبينت فيما بعد من خلال الطالبان أنفسهم و هو باختصار ما ذكر أعلاه من رفض الحركة كل المطالب السعودية بتسليم أسامة بن لادن أو تحجيم نشاطه أو تسليم غيره من "الأفغان العرب" الموجودين عند طالبان.من الناحية الرسمية لم يصدر شيء إلا تصريح يتيم خجول من مصدر مسؤول رفض ذكر اسمه حسب رواية وكالة الأنباء الفرنسية في حينها.

فلتة لسان سعودية: انفجار الخبر من عمل بن لادن

كان تصريح المسؤول سعودي المذكور لوكالة فرانس برس قد كان بمثابة زلة لسان بلعها المسؤول السعودي و علم بعد ذلك أن ذلك المسؤول تعرض لتأديب على التسريب. كان التصريح يقول أن سبب طرد ممثل الطالبان هو عدم تعاونهم مع الحكومة السعودية في تسليم مطلوبين من بعض أتباع بن لادن من المقيمين عند طالبان رغم وجود أدلة على تورطهم في حادث انفجار الخبر. و كانت هذه الزلة أول مرة تشير فيها جهة سعودية إلى أن المسؤولين عن انفجار الخبر من أتباع بن لادن بينما كانت و استمرت تدعي أن المسؤولين عن الحادث شيعة.

طرد سفير الطالبان هو الوضع الطبيعي

و لم يكن قرار الحكومة السعودية طرد ممثل طالبان غريبا بقدر ما كان اعترافهم السريع بطالبان مثيرا. و لربما كان الاعتراف الأول بالطالبان قائما على تقديرات خاطئة مفادها أن هذا الكيان الجديد يجب أن يُحتضن في النظام العالمي الجديد ويدخل كنف أمريكا، وليس هناك أفضل من المملكة لإدخاله بسبب ثقلها الروحي في العالم الإسلامي، وبسبب خبرتها ونفوذها في الجهاد الأفغاني في السابق. ولقد قررت الحكومة السعودية التعامل مع الطالبان بطريقة هي نسخة عن التعامل مع زعماء الأحزاب السابقين اعتقادا منهم أن الطالبان أفغان مثل الأحزاب السابقة والأسلوب الذي نجح مع الأحزاب سينجح معهم. ولذلك حاول حكام المملكة تجاهل قضية بن لادن في البداية وتبرعوا بلا مقابل بالاعتراف كتفضل على الأفغان الذين سيحرصون على رد هذا الفضل "الكبير". ولقد تجاوزت الحكومة السعودية تلك الخطوة إلى دعوة زعماء الطالبان للحج والعمرة كضيوف رسميين على الدولة السعودية، وعرض على عدد من قيادييهم بعض المغريات التي تستهوي البشر، كما حاولت الحكومة السعودية استخدام النفوذ الديني بإرسال بعض العلماء أو رسائل من المشايخ للتأثير على مواقف طالبان. وكان كل أمل الحكومة السعوديةأن يقبل الطالبان التعامل مع بقية العالم على أساس "باكستاني ـ سعودي"، أو على الأقل يقبلون بالمطالب الدنيا للحكومة السعودية بتسليم أو تحجيم بن لادن. أيا من ذلك لم يتحقق رغم تكرار المحاولات السعودية، لم ينقطع الأمل عند الحكونة السعودية وحاولوا التأثير من خلال بعض الشخصيات التي اعتبروها أجنحة مرنة في الطالبان لكن كانت النتيحة سلبية. ولذلك فقد تورط السعوديون فلا هم الذين احتووا طالبان ولا هم الذين سلموا من تهمة التعاون أو التعامل معهم بعد مواجهتهم لأمريكا، وكان لا بد من التخلص من هذه التهمة بعد أن أصبحت العلاقة مع الطالبان عديمة الجدوى فكان قرار الطرد، وعلى الأرجح فإن التوقيت كان له علاقة بزيارة الامير عبدالله لواشنطن حيث صدر القرار قبل وصول الامير عبدالله لواشنطن بيوم واحد، وكان القرار بمثابة تبرئة لساحة الحكومة السعودية من العلاقة مع طالبان الذين يؤوون العدو الأول لأمريكا: بن لادن، ولم يكن من اللائق أن يحل الامير عبدالله ضيفا على الأمريكان بينما تبقى بلاده راضية عن طالبان مصدر "ألارهاب".

بن لادن ينقذ كابل مرة أخرى

على مستوى بن لادن و"الافغان العرب" حصل تطور ظريف تزامن مع تلك الأحداث أدى إلى تقوية موقفهم عند الطالبان حيث تمكنوا من حماية إحدى جبهات كابل أمام أحمد شاه مسعود عند انشغال الطالبان بجبهات باميان حيث الشيعة والشمال حيث دوستم. و كان أحمد شاه مسعود الذي يعتبر قائدا ميدانيا محنكا قد لعب لعبة عسكرية ناجحة في استثمار خلو الجبهة من جنود طالبان. المجاهدون العرب كانوا خفيفي الحركة و كان لهم تجمع قريب من شمال كابل حيث الجبهة المواجهة لأحمد شاه مسعود. و لقد كان بلاء العرب في تلك المعركة لا يكاد يصدق حيث صمد في وجه مسعود و منعه من دخول كابل حوالي خمسين من العرب فقط و لعل المتابعين للشأن الافغاني لاحظوا ان مسعود منذ ذلك الحين بدأ يطلق التصريحات ضد بن لادن بينما كان يتجاهله في الماضي. وحصل تطور آخر على مستوى المجاهدين العرب هو انضمام جنسيات أخرى غير عربية من الباكستانيين وبنجلاديش وطاجيكستان وأوزبكستان ودول أخرى ومعظمهم أو كلهم تقريبا يشعر بتبعية لابن لادن.

الصحافة السعودية تقلب مع الحكومة

ما إن صدر القرار السعودي بقطع العلاقة الدبلوماسية مع طالبان حتى انقلبت الصحافة السعودية على الطالبان وفتحت قاموسها على طريقة الإعلام العربي الثوري في الستينات. وبقدرة قادر تحول من كانوا يوصفون من قبل نفس الصحافة في فترة الرضا بأنهم طلبة علم يطبقون الشريعة، تحولوا إلى مرتزقة وقطاع طرق وتجار مخدرات ومراكز للإرهاب الدولي والتخلف الحضاري. صحف أخرى لم تهتم بهذا الجانب بقدر ما اهتمت بقضية بن لادن وأبرزت طالبان كجماعة نفعية تحمي بن لادن اليوم لمصالح مؤقتة وتبيعه غدا، وزعمت جريدة الشرق الأوسط حينها أن ملا عمر قد حنث بيمينه وسوف يسلم بن لادن والقضية قضية وقت.

الطالبان يعدمون جاسوسا من قبل السعودية

توقعات جريدة الشرق الاوسط كانت خائبة إلى درجة أن طالبان فاجأوا العالم بإعدام شخص محسوب على السعودية جاء مكلفا من أحد الأمراء كما تقول مصادر طالبان لقتل بن لادن. قبضت طالبان بالتعاون مع مجموعة بن لادن على عدد من المرتزقة بينهم أشخاص من بلد بن لادن يخططون لعمليات تخريب في أفغانستان ويخططون كذلك لاغتيال بن لادن حسب رواية الطالبان. ومن بين المعتقلين أفغان وباكستانيين وعرب إضافة إلى أشخاص من بلد بن لادن. وتبين من خلال التحقيق معهم أنهم أرسلوا من قبل الامير الذي يحمل ملف أفغانستان وباكستان.

والدة بن لادن تُحشر في اللعبة

رغم فشل زيارة تركي الفيصل لم ييأس السعوديون و قرروا استخدام و سيلة أخرى ليس لها علاقة بالطالبان و هي الضغط مباشرة على بن لادن. كانت والدة بن لادن ممنوعة من السفر و حرمت من زيارته عندما كان في السودان و كانت الحكومة السعودية تعلم انه في أشد الشوق إليها فعمدت إلى ترتيب زيارة خاصة لوالدته بطيارة خاصة تقلها إلىقندهار من أجل الضغط عليه و ابتزازه بها. و فعلا نقلت والدة أسامة مع زوجها الذي كان من عائلة العطاس و هي عائلة حضرمية معروفة. و صلت الأم و قابل أسامة والدته فعلا بعد أن لم يرها سنين و لا غرابة أن كان اللقاء عاطفيا رقيقا لكن بن لادن كان واضحا تماما أن قضاياه ليست مطروحة للنقاش رغم الابتزاز. و عادت الوالدة المكلومة بعد أن كحلت عينها برؤية ابنها أسامة لكن لم تحقق لمن أرسلها مع وجها أي مطلب.

الغيبة!!

ظهر بن لادن مرة أخرى فجأة في بداية عام 1999 في بعض الجرائد الامريكية و محطتي تلفاز مما تسبب في إعادة الحرج على الطالبان. و كانت أجوبة و تعليقات بن لادنم تدل على ان لا تغيير في الموقف. بعد ذلك و بعد أن أيس الامريكان و السعوديون من استجابة الطالبان للضغوط الدبلوماسية تقرر استخدام كل الوسائل الممكنة مما حدا الطالبان إلى اتخاذ قرار بعزل بن لادن عن العالم و ذلك لتحقيق هدفين الاول حمايتة و الثاني منعه من إدخالهم في حرج جديد هم في غنى عنه خاصة أنهم غير متفقين مع بن لادن بخصوص الفتوى الأخيرة. و بقي بن لادن معزولا للحماية إلى هذه اللحظة. و خلال هذه الفترة ترددت أنباء عن مغادرته أفغانستان لم تثبت. أما برنامج قناة الجزيرة الوثائقي عن بن لادن الذي عرض في بدايات صيف 1999 فقد تم تصوير المقابلة مع بن لادن التي كانت جزءا من البرنامج في نفس الفترة السابقة و هي نهاية 1998.

إعلان الحصار علىالطالبان

كما اشتهر و أعلن قررت أمريكا استثمار نفوذها على مجلس الأمن لفرض حصار على طالبان إلى أن تسلم بن لادن. كانت إجازة مجلس الأمن للقرار دليلا على إن كيان المجلس مستعد لتنفيذ أوامر أمريكية بطريقة مخجلة و لا نريد أن نعلق كثيرا لأن مجرد انصياع العالم لأمريكا في قضية مثل هذه هو تجسيد لوضع العالم في الوقت الحاضر. المهم أن أمريكا و غيرها لم تفهم أن طالبان لا ينفع معهم هذا الاسلوب و أنهم ليس من الوارد أن يسلموا بن لادن.

الوضع الحالي

لا يزال أسامة بن لادن في مكان خاص لحمايته مع عدد لا باس به من الاخوة العرب و لم يحصل تطور ذوبال يغير وضعه و لا تزال علاقته مع طالبان على حالها من جهة احترام و تقدير و حماية و من جهة أخرى تحفظ على أعماله الأخيرة. كذلك لم يطرأ اي تغير علىعلاقاته مع الجهات الأخرى.

سيدو
28-02-2002, 03:55 AM
اسامه بن لادن