المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية اهلا بك في ارض الاحلام.. سجناء بلا اسماء ولا عناوين.. ومعتقلون يبحثون عن فتوي تحلل ..



Black_Horse82
27-02-2002, 08:11 PM
لندن ـ القدس العربي :

جاؤوا في الليل، فتحوا كل شيء، هدايا العيد التي كانت تنتظر الصباح، مزقوا الاثاث، وصادروا كوميبتر العاب للاطفال، ولم يظهروا لنا اي امر بتفتيش البيت ، حكاية قد تكون مناسبة لدولة قمعية، ولكنها حدثت وتحدث في امريكا.
انها شهادة واحدة من الاف الشهادات المقموعة للعرب والمسلمين الامريكيين الذين احتجزوا، بدون اتهامات، في زنازين مغلقة، وسجون كبيرة، تحرسها قوات الشرطة والكلاب، وحظر عليهم الكلام مع اهاليهم الا بالقطارة.
والشهادة هذه هي التي قدمها محمد شحادة احد العاملين في مؤسسة الاغاثة الدولية التي تتخذ من شيكاغو مقرا لها، حيث قررت وزارة العدل الامريكية وبناء علي تداعيات الهجمات علي نيويورك وواشنطن في ايلول (سبتمبر) الماضي اغلاقها، تحت ذريعة علاقة لم تثبت بعد في المحكمة بتنظيم القاعدة واسامة بن لادن. ولكن معاناة شحادة تتقاصر مع معاناة الالوف من العرب الامريكيين الذين اعتقلوا في موجات ذعر قام بها مكتب التحقيقات الفدرالي (اف بي اي) عقب الاحداث، ومنذ تلك الفترة لا يعرف احد اي شيء عن هؤلاء المعتقلين، اعدادهم، هوياتهم جريمتهم الحقيقية التي ارتكبوها. والمثير للامر ان عملية الاعتقال الجماعية، حدثت بناء علي مواقفة الاغلبية الصامتة الراي العام الامريكي، الذي دعم اي خطوة قام بها المستوي السياسي لمنع هجمات جديدة علي امريكا. وفي داخل هذه العملية، التي تشير الي الاساليب القمعية، وتجاوز الاجراءات القانونية، وخرق الدستور، تكمن قصة عن وزير العدل الامريكي، السياسي الشديد المحافظة، جون اشكروفت لاستخدام كل مواد الدستور الامريكي التي تسمح له بمحاكمة واعتقال من يريد، دون حاجة لابراز ادلة او وثائق ادانة للمعتقلين. فقد اصبح جون اشكروفت، القانون الذي يحرم ما يشاء ويحلل من يشاء، فقانون الوطنية وغيرها من القوانين التي شرعت علي عجلة بعد الهجمات بفترة غير قليلة اعطي اشكروفت الحرية في التصرف، وقام والحالة هذه بفرض جو من السرية والتعتيم علي المعتقلين، الذين تقول منظمات حقوق الانسان والحريات المدنية الامريكية انهم اعتقلوا لارتكابهم جرائم طفيفة وثانوية، معظمها تتعلق بانتهاء تأشيرة الاقامة في الولايات المتحدة، وهي الحالة التي لا تتعلق بالعرب او المسلمين الامريكيين، بل باكثر من 300 الف حالة. وفي الغالب يتم التصدي لهذه المشاكل عبر الاجراءات القانونية والمحامون المتخصصون في مجال الهجرة. ففي السابق، كانت رسالة واحدة من المحامي كفيلة بحل الامر مع سلطات الهجرة، والتي كانت تطالب في العادة الشخص الذي اقام بطريقة غير شرعية في امريكا بدفع غرامة مالية، ومطالبة بالتقدم بطلب جديد لتجديد اقامته.
ونظرا للسرية التي تحاط بها سجلات المعتقلين العرب والمسلمين، فلا توجد ارقام حقيقية عن اعدادهم. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، اعترفت وزارة العدل الامريكية، بوجود 1200 كمعتقل من اصل عربي واسيوي في السجن، ولكنها توقفت بعد ذلك عن نشر معلومات. وتعتقد منظمات حقوقية ان اعداد المعتقلين قد تصل الي الفي شخص. ومن بين الحالات التي اثارت غضب منظمات الحريات المدنية وحقوق الانسان، والجالية العربية، الطريقة التي تمت فيها معاملة رابح حداد، الامريكي من اصل لبناني، والذي اعتقل في الرابع عشر من كانون الاول (ديسمبر) الماضي، لكونه احد العاملين في مؤسسة الاغاثة العالمية، التي قررت وزارة العدل تجميد اموالها، واغلاق مكاتبها.
وقبل ذلك كان حداد من الشخصيات المحترمة في اوساط الجالية العربية والمسلمة باعتباره من اهم المؤسسين للاغاثة العالمية التي تعتبر اكبر ثالث منظمة خيرية اسلامية في امريكا. ولم يشفع لحداد، حملته التي قام بها بالتعاون مع المنظمات المسيحية واليهودية لشجب الاحداث. فقد تعرض حداد للحجز الانفرادي في زانزنة لم يسمحو له بالخروج منها الا ساعة واحدة.
وفي السابق كانت سلطات السجن تسمح لعائلته برؤيته لمدة اربع ساعات في الاسبوع، ولكنها خفضت لاربع ساعات في الشهر. ويضاف للقيود التي تفرضها ادارة السجن علي اتصالات حداد مع عائلته ومحاميه، فهي تمارس عليه ضغوطا في السجن، حيث لا تسمح له بالخروج من زنزانته الا بعد تعصيب عينيه، وربط الاغلال حول قدميه ويديه باحكام، وحتي في الاجراءات القانونية في المحكمة لم يسمح لحداد بالحضور، حيث شاهد الوقائع من خلال عدسة فيديو. كل هذه الاجراءات حدثت دون ان توجه اليه تهمة سوي انتهاء تأشيرة اقامته التي كان يخطط لتجديدها، بعد العفو الذي اصدره الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون في الايام الاخيرة من فترته، واعطي فيها كل الذين يقيمون بطريقة غير شرعية فرصة لترتيب اوضاعهم.
وعلي الرغم من الحملات التي قام بها محامون نيابة عنه، وزوجته سلمي الرشيد الا ان وضعه لا يزال غير مؤكد، ولم تقم ادارة السجن باية تحسينات علي وضعه. وفي تحقيق صحاف اجراه الصحافي اندروا غامبل لصالح صحيفة الاندبندنت البريطانية، اشار الي تعاون الرأي العام الصامت مع الاجراءات التي تعتبر خرقا للدستور الامريكي، واشار الي ان الامريكيين اعتبروا حالات الموت والتعذيب والمعاملة اللانسانية التي لقيها العرب والمسلمين، علي انها اخطاء تحدث في حالات الطواريء وان هذا هو الثمن الذي يجب ان يدفع لمنع الهجمات. ولكن الصمت العام لا يعني وجود اصوات معارضة للعملية، فحسب السناتور عن منطقة ميتشغان جون كونيرز فان معاملة حداد القاسية من قبل سلطات الهجرة والجنسية في الاسابيع القليلة الماضية ظللت كل الاجراءات اللاقانونية والدستورية وعمليات الانتهاك التي تقوم بها حكومتنا. وقارن الصحافي غامبل حالة حداد بحالة الباحث العلمي التايواني وين هو لي، الذي اتهم بنقل معلومات علمية سرية للصين، وتبين فيما بعد كذب الادعاء الامريكي حيث اطلق سراحه وبريء من كل التهم التي وجهت اليه تقريبا، وحالة حداد، حسب احد محامي حداد، فان كل القضية لا علاقة لها بتهم، بل تتعلق بامور سياسية. ولكن ما يخيف المحامون الذين يرافعون في قضايا لها علاقة بقوانين الهجرة والاقامة في امريكا، هو ان تكون معاملة حداد، مثال صغير، ومذاق عن الاجراءات القاسية التي ستأتي فيما بعد. فالتشديد الذي تقوم به وزارة العدل حول اعداد المعتقلين او الذين رحلوا من امريكا ربما له علاقة بطبيعة التهم الموجهة لهم والتي لا علاقة لها بالارهاب، بل بالاقامة غير الشرعية في امريكا. ولان الحالات التي تحدث عنها الاعلام الامريكي، لا تتعدي اصابع اليد، فمن الصعب الاشارة الي حجم الظلم والاضطهاد الذي عاناه المسلمون والعرب.
فالصحافة الامريكية تحدث عن حالة الشاب السعودي الذي يدرس الاشعة في تكساس بدر الحازمي، الذي اعتقل لمدة اسبوعين، قبل ان يعترف مكتب التحقيقات الفدرالي بخطئه، حيث اطلق سراحه دون اعتذار. وتحدثت واشنطون بوست عن حالة باكستانيين اقاما بطريقة غير شرعية في امريكا، واعتقلا في حبس انفرادي لمدة 49 يوما قبل ان توجه اليهما التهم. وتحدثت وول ستريت جورنال عن حالة طبيب الاسنان المصري طارق محمد فايد الذي التقط في فترة الذعر، ولم يستطع محاميه معرفة مكان وجوده الا بعد شهر من البحث والاتصالات مع الجهات الحكومية.
واضطرت عائلة سائق تاكسي باكستاني انصير محمد بيع كل ما تملك بعد ان اختفائه لمدة ثلاثة اشهر، حيث كان معتقلا وبطريقة سرية في سجن امريكي، والعائلة الان في طريقها لكراتشي، بعد ان حرمتها الشرطة الامريكية من المصدر الرئيسي للرزق، الاب وسيارته. وفي 23 تشرين الاول (اكتوبر) الماضي توفي محمد رفيق بات في السجن بعد معاناته من ازمة قلبية. ولم يتغير شيء منذ فترة الذعر والرعب التي تبعت الاحداث، فباستثناء مجموعات ضغط ومساعدة امريكية شكلت لمتابعة قضايا المعتقلين، الا ان العرب ما زالوا معتقلين منسيين في سجون امريكا. ويتعامل المحامون مع المعتقلين العرب والمسلمين، باعتبارهم حالات بدون اسماء وعنوانين موجودين في السجون الامريكية.
فما يثير الهيئات القانونية الامريكية هو تزايد اعتماد وزارة العدل علي الاجراءات القضائية السرية، ومنع المحامين او هيئات الضغط من الاتصال او الحديث مع المعتقلين، حيث اصبح القانون اداة يتلاعب فيها وزير العدل اشكروفت، وصار بمثابة الحكم النهائي علي هذه الحالة او تلك. وكان اشكروفت نفسه قد اثار غضب منظمات الحقوق المدنية حينما وجه انذارا في الخريف الماضي لما اسماهم الهاربين.
ومبادرة الاعتقال لستة الاف عربي ومسلم تجاوزوا الاقامة القانونية لهم في امريكا، حيث اعتبرت تصريحات اشكروفت عنصرية لان هناك في امريكا اكثر من 300 الف مقيم غير شرعي. بالنسبة لاعداد المتعقلين بتهم لها علاقة بالهجمات، فهو ينقص كل مرة، ففي الأونة الاخيرة، اعترفت وزارة العدل بوجود 237 شخص لهم علاقة بالهجمات، ومن المتوقع ان ينقص العدد كل مرة. وفي الاسبوع الماضي تحدثت نيويورك تايمز عن قيام وزارة العدل بمنع ترحيل 89 شخصا، بعد ان اعطت السلطات القضائية امرا بترحيلهم، وجاء قرار المنع او تأجيل الترحيل حتي يعطي السلطات الامنية فرصة لمواصلة فحص ملفاتهم وهوياتهم وتاريخهم الشخصي. تمثل حالة مؤسسة الاغاثة الدولية، وحالة مؤسسة الارض المقدسة صورة عن المدي الذي ذهب فيه المستوي السياسي والقضائي لتجاوز كل مبادئ الدستور الامريكي. ففي حالة حداد ومؤسسته لم يتوقف القمع والتعذيب علي المقيمين في امريكا، بل قامت وحدات كي فور التابعة للناتو في كوسوفو، بمداهمة مكتب المؤسسة في بريشتينا، الذي كان يستخدم كمدرسة لتعليم اللغة الانكليزية، حيث قام جنود الناتو، باعتقال عراقيين عاملان في المؤسسة.
وتعرض احدهما للتعذيب والضرب المبرح لاسابيع كاملة، لدرجة انه فقد القدرة علي التحكم ببوله ، وحسب محامي الاغاثة الدولية روجر سيمسون ان وضعه وصل حياة مأساوية لدرجة تفكيره بالانتحار، وطلب من شيخ تقديم فتوي له بهذا الصدد. وظل المعتقلان في حجز انفرادي مدة طويلة، حيث طلب منهما التوقيع علي اوراق مكتوبة بالانكليزية، مع انهما لا يعرفان شيئا، ولم يعتذر الناتو علي المعاملة السيئة التي وجهت لهما. وقبل اسابيع ارجعت وحداث كي فور كل اوراق والاجهزة التي صادرتها من مكتب الاغاثة الدولية، حيث قالت للمسؤولين ان بامكانهم اعادة فتح المكتب والعمل من جديد، وهو الامر المتعسر لان شريان الحياة للمكتب في امريكا جمد. ويعترف الكثير من المراقبين ان ما حدث للاغاثة الدولية، وللمعتقلين المسلمين امر غير معقول، ولم تسلم المؤسسة من مقالات القدح والاتهام التي صدرت في الصحافة الامريكية. وعليه فالمؤسسة تخوض معارك قضائية ضد شركات تلفزيونية وصحافية علي خلفية مقالات قدح صدرت فيها.