المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ذو الثوب الأبيض......



Zuluf
28-02-2002, 07:55 PM
البيت الكبير يبدو من الخارج في صمت مريب ، بابه الخشبي الكبير المزين بالكثير من النقوش والزخارف موصد على الدوام ، نوافذه المستطيلة ذات النقوش والزخارف هي الأخرى موصدة ، حتى النخلة التي تتوسطه تتمايل سعفاتها بهدوء تام .
هناك في الجانب الغربي منه ، جلست الأم قرب البركة تغسل الثياب ، وفتاتان تمرحان في فناءه الواسع .
فتح الباب بكل حذر وتوجه متلصصا كعادته نحو السلم ، وبينما هو يصعد عتباته ، رأته الفتاة الكبرى ، شابا ، وسيما، أنيق المظهر ، عليه سيماء الأدب ، الممتزج بالحياء والخوف ، ذو شعر كستنائي ، ووجه مستدير قرمزي اللون ، ذو شارب خفيف .
إنه هو .. ( قالت ذلك في سرها ) ، وأعادت لذاكرتها كل التساؤلات .. لماذا لا تخبرنا أمي عمن يكون هو ؟ لماذا لا تريد أن يعرف أحد عن زياراته المتكررة ؟ ولماذا يدخل متلصصا إلى الأعلى دائما ؟ لماذا لا توافقني بأن لا يدخل إلا بعد أن يؤذن له ؟ لماذا ترتبك عندما يزورها ؟ وتذهب إليه مصطحبة الوجل والاضطراب ! ثم لماذا لا يأتي إلا بهذا الثوب ؟ .
إني أشعر برغبة ملحة لمعرفته ومعرفة كل ما يربطه بأمي ، إني في ريب مما يفعلون ! ماذا يحدث في تلك الغرفة ؟ ، خلال الساعة والساعتين التي يقضيانها معا ، بين الجدران الأربع والباب الموصد .
وبينما ظلت الفتاة الكبرى واقفة ، دلفت الصغرى لتخبر أمها بوصوله .. ( أماه .. لقد جاء ذو الثوب الأبيض ) ، شطفت الأم يدها بصمت ، وقد بان على وجهها الاحمرار، توجهت نحو الكبرى قائلة .. ( جهزي لنا بعض الفاكهة والفستق والبسكويت مع بعض العصائر ) ، قالت ذلك ودلفت تحث الخطى نحو الأعلى .
جلست معه قرابة الساعة ولم تنزل لتأخذ ما طلبت تجهيزه من أبنتها .. ( لماذا لم تنزل ؟ ، ليس من عادتها أن تتأخر هكذا ) ، قالت البنت الكبرى ذلك ، بينما الصغرى تنظر في عينيها بصمت ، أخيرا قالت ( لماذا لا نذهب نحن إليهم ؟ ) .
في هذه الأثناء سمعتا صوت أمهما تطلب منهما الصعود بالصينية .. ( ما هذه المفاجأة ) قالت الكبرى ذلك ، بينما الصغرى تسألها باستغراب .. ( هل طلبت أمي أن نصعد إليهم ؟ ، ردت الكبر باستغراب مشوب بالخوف ( نعم قالت )
صعدتا ، وقفتا بجانب الباب ، طرقته الصغرى بينما ضلت الكبر ممسكة بالصينية ، أجابت الأم ( ادخلن ) ، نظرتا لبعضهما ، حركت الكبرى رأسها يمينا إيعازا لأختها بالدخول ، حركت الصغرى رأسها شمالا تطلب من أختها الدخول أيضا ، وقفتا توا على الباب ، كل واحدة تدعو الأخرى للدخول ، وبينما هن كذلك خرجت الأم فوضعت الكبرى الصينية في يد أمها ، غير أن الأم وضعت الصينية في يدها من جديد وطلبت منها أن تدخل بنفسها وتقدم الطبق ، قالت في نفسها ( أي أم هذه ، ألا ترى بأننا قد كبرنا ) ! ثم تقدمت وهي تنظر أليه باستحياء وريبة مجللة بالخوف .
جلست الصغرى خجلة قرب الباب ، بينما الكبرى وضعت الصينية قبالته ، مررت عينيها قرب عينية باستحياء ، ثم استدارت وجلست بجانب أختها صامته ، أعادت النظر إليه ، لقد مضى على رؤيتها له قرابة العام ، ولم تزل تخفي إعجابها به ، ولطالما ودت لو تصارح أمها بذلك .
قطعت الأم الصمت قائلة .. ( أنظر لهما لقد كبرتا .. أصبحتا الآن ناضجتين ) ، ثم التفتت نحو الكبرى وقالت بخبث .. ( أليس كذلك ) ، غير أن الكبرى لم تجب ولا حتى بالإشارة ، فهذا لا يهمها ، كان المهم لديها هو أن تعرف أجوبة لكل ما يجول في خاطرها من تساؤلات .
وفي غمرت تفكيرها ، صعقتها كلمة انطلقت من فم أمها لتنزل على مسمعها كالصاعقة : إنه أخاكما ياسر .

:6 :6 :6