المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية حتىلاتتحول مبادرةالاميرعبد الله إلىطوق نجاةلشارون ومصدرابتزازأميركي جديد للسعودية!!!



Black_Horse82
02-03-2002, 10:38 PM
حتى لا تتحول مبادرة الامير عبد الله إلى طوق نجاة لشارون ومصدر ابتزاز أميركي جديد للسعودية


بقلم: أسامة أبو ارشيد

مبادرة ولي العهد السعودي مليئة بالمفاجآت. لكن نتائجها قد تحمل مفاجآت اكبر.


أثارت مبادرة ولي العهد السعودي، الأمير عبد الله بن عبد العزيز، زوبعة من التفاعلات المتوقعة، سواء لناحية القبول بها، كما في الموقفين الأردني والمصري الرسميين، أم لناحية رفضها، من قبل قوى المقاومة الفلسطينية الإسلامية والوطنية، وغالب الأحزاب القومية والإسلامية في العالم العربي.

هذه المبادرة التي نشرتها صحيفة النيويورك تايمز، في مقال للصحفي الأميركي المعروف توماس فريدمان، في السابع عشر من شهر شباط/فبراير الماضي، تضمنت عددا من المفاجآت غير المتوقعة من العربية السعودية، بشكل عام، ومن الأمير عبد الله بشكل خاص، والذي ينظر إليه من قبل الكثيرين، كمسؤول ذو مواقف شجاعة مقارنة بمسؤولين عرب آخرين، خصوصا في ظل مواقفه الثابتة، في دعم انتفاضة الشعب الفلسطيني، وعباراته القوية-النادرة الصدور من المسؤولين العرب- في نقد الدولة العبرية، وتجريم رئيس وزرائها آرييل شارون، خصوصا ذلك التصريح، الذي قال فيه الأمير عبد الله قبل سنة تقريبا خلال زيارته للعاصمة السورية، دمشق، أن عجلة الزمان تدور، وأن كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ستدفع ثمنها يوما ما، حيث لا بقاء لقوي قويا، ولا لضعيف ضعيفا..

وحسب مقال الصحفي الأميركي، توماس فريدمان، المعروف بتأييده الشديد للدولة العبرية، وصاحب المواقف المحرضة على الدول العربية والإسلامية، من خلال مقالاته التي كان يصيغها على شكل رسائل موجهة من الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون لهذه الدول وشعوبها معنفا ومرشدا لها!، ويتابعها الآن على لسان الرئيس بوش، فإنه التقى الأمير عبد الله بمكتبه على مأدبة عشاء، وأن مبادرة ولي العهد السعودي، جاءت خلال حديث عام وبشكل غير رسمي، قبل أن يعود مكتب الأمير ويتصل على فريدمان للسماح له بنشر وقائع اللقاء والخطوط العامة لهذه المبادرة، التي قال فريدمان، أن الأمير أخبره، أنه أعد خطابا كان ينوي إلقاءه في اجتماع القمة العربية يومي 27 و28 مارس/ آذار الحالي، يتضمن مبادرة للخروج من الأزمة المتفجرة في الساحة الفلسطينية، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.

ولعل أولى مفاجئات مبادرة الأمير عبد الله، التي تنص على انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية، مقابل تطبيع كامل بين الدول العربية والدولة العبرية، تمثلت في أنها خرجت من السعودية، المعروفة بسياستها التحفظية، في قضية التطبيع مع الدولة العبرية، نظرا لطبيعة التركيب المؤسسي الحساس للدولة السعودية، القائم على التحالف بين آل سعود، والمؤسسة الدينية الوهابية، وهو الأمر الذي من شأن مثل هذه المبادرة أن تهدد هذه التوليفة الحساسة والحذرة.

ثاني المفاجآت، وأشرنا إليها من قبل، أنها صدرت عن الأمير عبد الله الذي يحظى باحترام عربي واسع، نتيجة عدد من المواقف الجريئة التي اتخذها في السنوات الأخيرة، والتي كان أهمها، نقده العلني للسياسات الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، وتحيزها الأعمى لإسرائيل، بل وصل الأمر، إلى حد أن يرفض دعوة الرئيس جورج بوش الابن له لزيارة واشنطن، بعد نجاحه في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، ولم يشفع تدخل بوش الأب في إقناع الأمير عبد الله بزيارة الولايات المتحدة، وبقي الأمير مصرا على أنه لن يزور الولايات المتحدة، ما لم تكبح جماح الجنون والإجرام الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.

المفاجئة الثالثة في مبادرة الأمير عبد الله، أنها ربطت التطبيع الكامل مع الدولة العبرية، بالانسحاب من المناطق الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967، وهي وإن تضمنت بعدا إيجابيا نسبيا، تأسيسا على الواقع العربي المترهل والمخجل، باشتراط تضمين القدس في مثل هذا الانسحاب، إلا أنها من ناحية ثانية حملت تنازلا خطيرا آخر، ألا وهو إغفال الحديث عن اللاجئين وحقهم في التعويض والعودة إلى أراضيهم التي شردوا منها، وقضية عودة المشردين الفلسطينيين بسبب العدوان الصهيوني، مسألة جوهرية في هذا الصراع.

المفاجئة الرابعة، تمثلت في حجم التنازل الذي قدمته المبادرة، واتساع المطلوب عربيا، مقابل الانسحاب الصهيوني. حيث تنص المبادرة على تطبيع عربي شامل مع الدولة العبرية، في حال حققت شرط الانسحاب على أساس القرار الأمميّ 242، والمشكلة هنا أن الأمير عبد الله، تحدث باسم العرب جميعا، بمن فيهم سوريا ولبنان-اللذان لا يزالان في حالة صراع رسمي مع الدولة العبرية-بمعنى أن المبادرة، تجعل من شأن التطبيع مع الدولة العبرية، في حال تحقق شرط الانسحاب، مسألة جماعية لا ثنائية، في حين أننا نتمنى رؤية قضية واحدة في صالح هذه الأمة، يجمع عليها قادتنا العرب الأشاوس!

المفاجئة الخامسة، أن هذه المبادرة، تجيء على أبواب القمة العربية المرتقبة في بيروت يومي 27 و28 مارس/ آذار من الشهر الحالي، في وقت تتصاعد فيه وحشية الاحتلال وإجرامه بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وكان من المؤمل-لدى الطوباويين والخياليين-أن تخرج تلك القمة، ولو حتى بدعم لفظي لانتفاضة الشعب الفلسطيني تعزز صموده.. بل إنه حتى أكثر الطوباويين والحالمين لم يكن ليتوقع أكثر من ذلك ويرتجيه، ولكن وبعد المبادرة أصبح كل الحديث منصبا الآن-خصوصا وأن ثمة دول عربية تسعى لذلك-على مناقشة هذه المبادرة، وإجهاض الانتفاضة الفلسطينية.

والغريب، هنا، هو ما تجسد به رد الفعل الصهيوني الرسمي-من شارون ورئيس الدولة العبرية موشيه كتساف، الذي دعى الأمير عبد الله لزيارة القدس، أو أن يزور هو شخصيا الرياض، ووزير الخارجية شمعون بيرز الذي اعتبرها مبادرة تستحق البحث-والذي يلاحظ عليه، أنه وإن رحب بالمبادرة، إلا أنه تحدث عن تفاوض على أساسها، أي أن الموقف الصهيوني الرسمي لا يزال في مربعه الأول، نتفاوض حول طبيعة قرارات الأمم المتحدة، ومدى الانسحاب وعمقه، ومدته الزمنية..بمعنى آخر، فإن إسرائيل تريد أن تعيد تجربة أوسلو مرة أخرى مع الفلسطينيين، وتجزئة أقل القليل من حقوقهم المجتزأة وابتسارها من جديد..وهي مصرة على أنه لا انسحاب أبدا إلى حدود ما قبل الرابع من حزيران عام 1967، فضلا عن الرفض القاطع لتقسيم القدس وتقاسم السيادة على ما يسمى بشطريها، الشرقي والغربي.

والأغرب من هذا وذاك، هو أن هذه المبادرة تجيء في وقت تتصاعد فيه انتفاضة الشعب الفلسطيني وقدرات فصائله المقاومة الردعية، الأمر الذي أحال أوراق حكومة شارون المتطرفة إلى قطار التعجيل بإسقاطها، وهو الأمر الذي عبر عنه خطاب شارون الأخير، والذي رأى فيه كل المراقبين أنه تعبير عن حالة اليأس والإحباط والترهل التي يعيشها الشارع الصهيوني، والأزمة المصيرية (كما يسميها كل من بيرز وكتساف) للدولة العبرية، خصوصا في ظل فشل شارون في جلب الأمن الذي انتخب على أساسه، والانهيار الواضح للاقتصاد الإسرائيلي، وهي الأمور التي تجد التعبير عنها في الشارع الصهيوني وقواه السياسية بالمطالبة بإسقاط حكومة شارون "الفاشلة"، والانسحاب من طرف واحد من الضفة الغربية وقطاع غزة، كما جاء في المظاهرة التي ضمت أكثر من خمسة عشر ألفا من ناشطي اليسار أمام مبنى رئاسة الحكومة الصهيونية في القدس قبل أسابيع…ولا يخفى أن سقوط حكومة شارون جراء ضربات المقاومة الفلسطينية، وفشله في سحق الانتفاضة الفلسطينية، سيدخل إسرائيل في دوامة من الأزمات والتخبط، ومسائلة الثوابت في الإيديولوجية الصهيونية، حيث أن شارون يمثل السهم الأخير والأشرس في الكنانة الصهيونية، وفشله في تحقيق الهدف من انتخابه، يعني رحيل عامل القوة والوحشية الصهيونية في ردع الشعب الفلسطيني إلى غير رجعة.

وبناء على ذلك، فإن مبادرة الأمير عبد الله، تلقي بطوق النجاة لشارون-من حيث لم تقصد-لتكرسه زعيما صهيونيا صلبا، عرف كيف يسحق الانتفاضة، ويكسر شوكة الشعب الفلسطيني الثائر من أجل كرامته وحقوقه، التي ضيعها الفاسدون من "أهل أوسلو". فضلا عن ذلك، فإنه لا شك أن هذه المبادرة هدفت في ما هدفت إليه، إلى امتصاص حدة الحملة الغربية-الصهيونية على المملكة بعد الحادي عشر من سبتمبر، إلا أنه من الملاحظ أنه ورغم هذه المبادرة إلا أن الإعلام الغربي، وخصوصا منه الأميركي، لم يتوقف قط عن توجيه الاتهامات للمملكة والعائلة السعودية والمؤسسة الدينية في المملكة، بل وحتى للإسلام نفسه، بل أن الأمر تصاعد حتى بعد هذه المبادرة، فقد نشرت صحيفة موسكوفسكي نوفوستي (أنباء موسكو) الأسبوعية، الأسبوع الماضي، مقاطع قالت إنها من محضر مشاورات روسية أميركية جرت في موسكو سرا .

ووفقا لما نشرته الصحيفة من محضر الاجتماع فقد اعتبر الأميركيون أن السعودية "موطن الوهابية ومنبع الإسلام المتطرف المصدر الرئيس لجميع الإرهابيين". وقالت الصحيفة إن أميركا ترغب في أن تتحول روسيا إلى المصدر الرئيسي للنفط مثل السعودية"، ووفقا لما جاء في محضر اللقاء "فمشكلة أميركا ليس مع روسيا بل مع السعودية". وقال الأميركيون إن المملكة العربية السعودية على روابط قريبة من المنظمات الإسلامية التي تدعم "الإرهاب". ووفقا لما تناوله الاجتماع فإن السعودية تمول المساجد في أميركا وأوروبا الغربية وتمول المدارس في باكستان وتعتبر المصدر الرئيسي "للشكل المتطرف للإسلام" الذي أصبح المصدر الأساسي لجميع الإرهابيين، كما تقول الصحيفة. واعتبر الأميركيون خلال هذه المشاورات-حسب ذات الصحيفة-أن روسيا وأميركا تستطيعان مقارعة "الإرهاب الإسلامي" في الشرق الأدنى، وهذا يعني تغيير طبيعة الأنظمة التي تدعم "الإرهاب". وأضاف الوفد الأميركي أن تنفيذ ذلك مستحيل بدون إسقاط النظام الحاكم في طهران وإجراء تغيير جذري في أنظمة دول الخليج والمملكة العربية السعودية، بحسب الصحيفة.

إذن، والحال كذلك، فإن مبادرة ولي العهد السعودي، قد تتحول دون قصد من الأمير-في رأيي الشخصي-إلى طوق نجاة لشارون الآيل إلى السقوط في مزبلة التاريخ، كما أنها قد تتحول إلى مصدر ابتزاز متزايد للمملكة، على عكس القصد من وراء طرحها، بتفادي الضغوط والابتزازات الأميركية في أعقاب الحادي عشر من سبتمبر.


أسامة أبو ارشيد-رئيس تحرير صحيفة الزيتونة-واشنطن

alzaitonah@aol.com