MandN
08-03-2002, 11:37 PM
- لبول كندي -عن جريدة لوموند الفرنسية ليوم 05-03-02
ترجمة ليلى أحمد :
بول كندي مؤرخ وأستاذ في جامعة يال الأمريكية.
عندما نحتاج إلى المساعدة نعمل في فوج واحد، وعندما لا تهمنا المشاريع الدولية ننسحب من الجماعة . "بأي حق يقوم الأمريكيون بالتأثير بقوة على أرض الله " تساءل بغضب رجل من حماة الطبيعة والمحيط في إحدى محاضراته.
نحن نمثل 5 % من سكان العالم، ولكن نستعمل 27 % من البترول الذي ينتجه العالم كل سنة. نحن ننتج ونستهلك قرابة 30 % من المنتوج الخام العالمي، والأخطر من هذا كله أن حصتنا من مجموع نفقات التسلح في هذا الكون تبلغ 40 %.
وحسب حسابات بسيطة، تبين لي أن ميزانية البنتاغون الحالية تعادل تقريبا ميزانية 9 أو 10 أمم أخرى مجتمعة من الذين ينفقون كثيرا في هذا المجال، وهذا الأمر لم نرى له مثيلا في التاريخ. و يعتبر هذا الأثر ذو حجم كبير فعلا . كيف يمكن شرح هذا الأمر للآخرين وحتى لأنفسنا ؟ و ما العمل لو كان بإمكاننا فعل شيئا ما ؟ .
أطرح هذه الأسئلة النابعة من أسفاري الأخيرة في الخليج الفارسي، في أوروبا، في كوريا و المكسيك، وكذا من الكم الهائل للرسائل و البريد الإلكتروني الذي أتلقاه من شتى بقاع العالم التي أظهرت لي جليا أن هذه الديمقراطية الأمريكية التي ننسبها إلينا لا تعجب و لا تروق للآخرين مثلما كنا نعتقد دائما .
تعاطف العالم معنا بعد هجومات 11 ديسمبر 2001 حتما صادقا، لكنه كان يعني المفقودين الأبرياء من الذين كانوا يشتغلون بمركز التجارة العالمي من الشرطة، ورجال الإطفاء، لكن هذا الإحساس لم يتضمن أبدا حبا أو سندا لا مشروطا للعم سام، بل بالعكس الذين يجيدون الإستماع يعلمون عن يقين حقيقة الأمر، إذ أن إنتقادات الكثير من شتى بقاع العالم لسياسة الحكومة الأمريكية و البلاغات العديدة ضد الأثر الأمريكي على أرض الواقع لم تأت جزافا .
و بينما أنا أكتب هذه السطور تلقيت بريدا إلكترونيا آخر لطالب شاب لدي، يدرس حاليا في جامعة كومبريج البريطانية والذي قص علي الصعوبات التي يتلقاها من جراء الإحساس المضاد المعمم لكل ما هو أمريكي، يحدث هذا في بلد توني بلير! و لحسن حظ هذا الطالب أنه لايدرس بأثينا، أو ببيروت أو بكالكوتا . كثير من الأمريكيين ممن سيقرؤون وجهة نظري هذه لا يهمهم أمر إنشغالات و انتقادات الأجانب المتزايدة يوما بعد يوم . بالنسبة لهم الحقيقة المطلقة التي لا تحتمل أي جدل هي أن الولايات المتحدة الأمريكية هي رقم واحد في العالم، وما على الآخرين – أوروبا، روسيا الصين، العالم العربي – إلا تقبل هذه البدهية.
في نفس الوقت أسمع إلى الكثير من الأمريكيين المنتمين إلى صنف المتطوعين من أجل السلام، رجال الأعمال الذين أقاموا روابط متينة خارج الوطن، رجال الدين و حماة الطبيعة و المحيط الذين أعربوا عن قلقهم العميق عن الأثر الذي تتركه أمريكا في العالم، وعن الإنتقادات التي تأتي من أفق بعيدة عنا .
ما يشغلهم هو عزلتنا عن بقية العالم واعتراضنا عن مختلف التحديات في هذا الكون الذي نعيش فيه في ظل ما يسمى بالعولمة و ما يقلقهم فعلا هو سياسة وطنهم الخارجية التي لا تحسن فعل شيئ إلا إرسال ترسانات الجيش لإبادة ما تعتبرهم شياطين أو وحوش مثل الطالبان .
ما العمل إذن ؟ ربما لتوضيح الرؤية يجب تصنيف المواقف الخارجية إلى ثلاثة أقسام :
- هناك من يحب أمريكا .
- هناك من يكره أمريكا .
- هناك من يشغله وتقلقه تصرفات أمريكا .
فيما يخص القسم الأول فيسهل التعرف عليهم دون أي حرج، وهم ينتمون إلى الوجوه السياسية المعروفة، مثل السيدة مارغريت تاتشر، أو ميخائيل غورباتشوف
أو حتى رجال الأعمال من قوم تبع للإقتصاد الأمريكي، وكذلك المراهقين و المعجبين بنجوم هوليود و موسيقى البوب، و الجينز الأزرق .
بالإضافة إلى المجتمعات التي تعتقد أن أمريكا حررتها من إستبداد أنظمتهم الحاكمة .
أما عن القسم الثاني المنتشر كثيرا فهم الذين يكرهون أمريكا، و أنا لا أعني سوى الإسلاميين و إنما أيضا الأنظمة غير الديمقراطية، المناضلين المتطرفين لأمريكا اللاتينية، وكذا الجمهوريين اليابانيين، وحتى معارضي الرأس مالية في شتى أنحاء المعمورة. كما نصادف هؤلاء في الصالونات الثقافية الأوروبية سيما بفرنسا، التي تعتبر الثقافة الأمريكية خاوية، تافهة، وغير مزدهرة تماما .
نحن لا نستطيع تغيير رأي هذين القسمين فينا، ما يهمنا هو القسم الثالث الذي رغم أنه يحترم أمريكا وتعجبه كثيرا مواقفها المحبة للديمقراطية، إلا أنه أصبح يرى الأمر بمنظار آخر، ولا يقلقهم المنحى الذي يأخذه مفهوم الجمهورية .
هم لا يوجهون الإنتقادات إلى أشخاصنا و إنما إلى الفشل الذريع الذي منيت به الولايات المتحدة الأمريكي للتعايش مع المبادئ التي طالما أقرتها، وافتخرت بالإنتماء إليها، و التي تتلخص في : الديمقراطية، روح العدالة، التسامح ، واحترام حقوق الإنسان .
إن السياسة الأمريكية الأحادية الإتجاه فيما يخص إنشغالات وقضايا العالم، تأسيس محكمة عدل دولية أو حتى فيما يخص بروتوكول كيوتو لحماية المحيط، بعيدة كل البعد عن تحقيق آمال الآخرين الذي اقتنعوا أنه إذا كان الأمر لا يخدم مصالح أمريكا فهم لا ينتظرون الشيئ الكثير و حتى القليل من طرفها .
و الدليل على ما يقولون وهم صادقون فيما يرون، إعراض الولايات المتحدة الأمريكية في تمويل هيئة الأمم المتحدة بالقدر المستحق أو المساهمة في تمويل مؤتمر مونتيري المزعم عقده هذا الشهر من أجل دراسة مختلف ملفات تطوير العالم، فيما ترتفع ميزانية الدفاع بـ 48 مليار دولار إضافية . أليس هذا إنفاقا بواحا، أهي ثقافة البناء أم حضارة الدمار ؟
www.Alasr (http://152.160.23.131/alasr/content/BDFA3D09-9F20-41E5-BF46-BF925667FC93.html)
ترجمة ليلى أحمد :
بول كندي مؤرخ وأستاذ في جامعة يال الأمريكية.
عندما نحتاج إلى المساعدة نعمل في فوج واحد، وعندما لا تهمنا المشاريع الدولية ننسحب من الجماعة . "بأي حق يقوم الأمريكيون بالتأثير بقوة على أرض الله " تساءل بغضب رجل من حماة الطبيعة والمحيط في إحدى محاضراته.
نحن نمثل 5 % من سكان العالم، ولكن نستعمل 27 % من البترول الذي ينتجه العالم كل سنة. نحن ننتج ونستهلك قرابة 30 % من المنتوج الخام العالمي، والأخطر من هذا كله أن حصتنا من مجموع نفقات التسلح في هذا الكون تبلغ 40 %.
وحسب حسابات بسيطة، تبين لي أن ميزانية البنتاغون الحالية تعادل تقريبا ميزانية 9 أو 10 أمم أخرى مجتمعة من الذين ينفقون كثيرا في هذا المجال، وهذا الأمر لم نرى له مثيلا في التاريخ. و يعتبر هذا الأثر ذو حجم كبير فعلا . كيف يمكن شرح هذا الأمر للآخرين وحتى لأنفسنا ؟ و ما العمل لو كان بإمكاننا فعل شيئا ما ؟ .
أطرح هذه الأسئلة النابعة من أسفاري الأخيرة في الخليج الفارسي، في أوروبا، في كوريا و المكسيك، وكذا من الكم الهائل للرسائل و البريد الإلكتروني الذي أتلقاه من شتى بقاع العالم التي أظهرت لي جليا أن هذه الديمقراطية الأمريكية التي ننسبها إلينا لا تعجب و لا تروق للآخرين مثلما كنا نعتقد دائما .
تعاطف العالم معنا بعد هجومات 11 ديسمبر 2001 حتما صادقا، لكنه كان يعني المفقودين الأبرياء من الذين كانوا يشتغلون بمركز التجارة العالمي من الشرطة، ورجال الإطفاء، لكن هذا الإحساس لم يتضمن أبدا حبا أو سندا لا مشروطا للعم سام، بل بالعكس الذين يجيدون الإستماع يعلمون عن يقين حقيقة الأمر، إذ أن إنتقادات الكثير من شتى بقاع العالم لسياسة الحكومة الأمريكية و البلاغات العديدة ضد الأثر الأمريكي على أرض الواقع لم تأت جزافا .
و بينما أنا أكتب هذه السطور تلقيت بريدا إلكترونيا آخر لطالب شاب لدي، يدرس حاليا في جامعة كومبريج البريطانية والذي قص علي الصعوبات التي يتلقاها من جراء الإحساس المضاد المعمم لكل ما هو أمريكي، يحدث هذا في بلد توني بلير! و لحسن حظ هذا الطالب أنه لايدرس بأثينا، أو ببيروت أو بكالكوتا . كثير من الأمريكيين ممن سيقرؤون وجهة نظري هذه لا يهمهم أمر إنشغالات و انتقادات الأجانب المتزايدة يوما بعد يوم . بالنسبة لهم الحقيقة المطلقة التي لا تحتمل أي جدل هي أن الولايات المتحدة الأمريكية هي رقم واحد في العالم، وما على الآخرين – أوروبا، روسيا الصين، العالم العربي – إلا تقبل هذه البدهية.
في نفس الوقت أسمع إلى الكثير من الأمريكيين المنتمين إلى صنف المتطوعين من أجل السلام، رجال الأعمال الذين أقاموا روابط متينة خارج الوطن، رجال الدين و حماة الطبيعة و المحيط الذين أعربوا عن قلقهم العميق عن الأثر الذي تتركه أمريكا في العالم، وعن الإنتقادات التي تأتي من أفق بعيدة عنا .
ما يشغلهم هو عزلتنا عن بقية العالم واعتراضنا عن مختلف التحديات في هذا الكون الذي نعيش فيه في ظل ما يسمى بالعولمة و ما يقلقهم فعلا هو سياسة وطنهم الخارجية التي لا تحسن فعل شيئ إلا إرسال ترسانات الجيش لإبادة ما تعتبرهم شياطين أو وحوش مثل الطالبان .
ما العمل إذن ؟ ربما لتوضيح الرؤية يجب تصنيف المواقف الخارجية إلى ثلاثة أقسام :
- هناك من يحب أمريكا .
- هناك من يكره أمريكا .
- هناك من يشغله وتقلقه تصرفات أمريكا .
فيما يخص القسم الأول فيسهل التعرف عليهم دون أي حرج، وهم ينتمون إلى الوجوه السياسية المعروفة، مثل السيدة مارغريت تاتشر، أو ميخائيل غورباتشوف
أو حتى رجال الأعمال من قوم تبع للإقتصاد الأمريكي، وكذلك المراهقين و المعجبين بنجوم هوليود و موسيقى البوب، و الجينز الأزرق .
بالإضافة إلى المجتمعات التي تعتقد أن أمريكا حررتها من إستبداد أنظمتهم الحاكمة .
أما عن القسم الثاني المنتشر كثيرا فهم الذين يكرهون أمريكا، و أنا لا أعني سوى الإسلاميين و إنما أيضا الأنظمة غير الديمقراطية، المناضلين المتطرفين لأمريكا اللاتينية، وكذا الجمهوريين اليابانيين، وحتى معارضي الرأس مالية في شتى أنحاء المعمورة. كما نصادف هؤلاء في الصالونات الثقافية الأوروبية سيما بفرنسا، التي تعتبر الثقافة الأمريكية خاوية، تافهة، وغير مزدهرة تماما .
نحن لا نستطيع تغيير رأي هذين القسمين فينا، ما يهمنا هو القسم الثالث الذي رغم أنه يحترم أمريكا وتعجبه كثيرا مواقفها المحبة للديمقراطية، إلا أنه أصبح يرى الأمر بمنظار آخر، ولا يقلقهم المنحى الذي يأخذه مفهوم الجمهورية .
هم لا يوجهون الإنتقادات إلى أشخاصنا و إنما إلى الفشل الذريع الذي منيت به الولايات المتحدة الأمريكي للتعايش مع المبادئ التي طالما أقرتها، وافتخرت بالإنتماء إليها، و التي تتلخص في : الديمقراطية، روح العدالة، التسامح ، واحترام حقوق الإنسان .
إن السياسة الأمريكية الأحادية الإتجاه فيما يخص إنشغالات وقضايا العالم، تأسيس محكمة عدل دولية أو حتى فيما يخص بروتوكول كيوتو لحماية المحيط، بعيدة كل البعد عن تحقيق آمال الآخرين الذي اقتنعوا أنه إذا كان الأمر لا يخدم مصالح أمريكا فهم لا ينتظرون الشيئ الكثير و حتى القليل من طرفها .
و الدليل على ما يقولون وهم صادقون فيما يرون، إعراض الولايات المتحدة الأمريكية في تمويل هيئة الأمم المتحدة بالقدر المستحق أو المساهمة في تمويل مؤتمر مونتيري المزعم عقده هذا الشهر من أجل دراسة مختلف ملفات تطوير العالم، فيما ترتفع ميزانية الدفاع بـ 48 مليار دولار إضافية . أليس هذا إنفاقا بواحا، أهي ثقافة البناء أم حضارة الدمار ؟
www.Alasr (http://152.160.23.131/alasr/content/BDFA3D09-9F20-41E5-BF46-BF925667FC93.html)