المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكنز.. واللصوص!!!!!!!!



Zuluf
13-03-2002, 09:16 AM
قصر قامته، وتختصر قوامته.. كل من يحاول الحصول علي شيء من مدخول الزوجة.. فقدر ما ينال هنا يتنازل هناك.. فاذا فوجيء يوما ما، بانه لم يعد له رصيد من الهيبة، والسيطرة، والوقار عند الزوجة، وانها خرجت وهذه العناصر من يده الي حيث لا يعلم.. فلا يلومن الا نفسه.. فقد باع أثمن ما في الزوجية. مقابل حفنة من الجنيهات.. بكل أسف كثيرون يعتبرونها صفقة رابحة!!

***
هذا الخاطر الغبي لا يريد أن يتركه.. فشلت كل محاولاته أن يتخلص منه.. انهمك مع الزمرة في التهام الانفاس الزرقاء.. تحداهم في القاء النكت، والقفشات، وبدأ يطيل الضحكات، ويرفع صوته بها، ويعيد النكتة بعنصرها ضاحكا، ويدعوهم لان يضحكوا معه.. رغم كل هذه المظاهرة الصاخبة.. الا أن ذلك الخاطر اللئيم، يغافله، ويسرح في عروقه، ويصل الي مخه، ويسري في جلده فيتقلص جلده، ويركب الحزن جبهته، ويهبط منها علي بقية ملامحه ويستلفت صمته الرفاق.. فيصيحون فيه.. الي أين ذهب وتركهم، ويخجل هو من فعلته ويصر علي أنه معهم، مغرقا في الضحك بلا سبب.. وقد خيل له انهم عرفوا وادركوا ماذا يعذبه وتلك هي الكارثة.. فيبالغ في الضحك حتي لا يضبط متلبسا بالحزن المصدر اليه من شعوره بالخزي من مأساته التي لم يكن يشعر بها منذ يومين فقط!
الحقيقة أن هذا الشعور الاحمق. لم يكن مفاجأة له.. كان يزوره بين الحين والحين، الا انه كان يتغلب عليه ويطرده.. فهو لا يريده، ولا يقبله، وكيف يقبله؟ اذ مجرد قبوله أو الاذن له بالقبول، يعني انه كان مخدوعا، وأن التي اختارها وفضلها علي زوجته القديمة، ومن أجلها دمر بيته الذي كان، واصر علي طلاق زوجته، وتقدم الي هذه المرأة التي كانت مطلقة، والحارة كلها تتحدث عن سوء حظها وجمالها وأخلاقها.. وكيف أن زوجها السابق طلقها مرغما وانطباعا لاوامر والدته التي هي صاحبة الكلمة في حياته، وانه مازال يبكيها ويتمني أن تعود اليه.. لكن شرطها أن يوجد لها منزلا بعيدا عن أمه وهذا هو المستحيل في حي مثل حيهم 'البساتين' علي أطراف المعادي.. ولا يدري حتي الآن كيف كان اللقاء الاول لكن علي سبيل الظن، يتذكر انه ملأ بصره منها، يوم أن وجدها مع والدتها.. كانت أمه متوعكة، واستدعتها لكي تعطيها حقنة.. فهي تعمل ممرضة في احد المستشفيات وعند أحد الاطباء بعد الظهر وبهرته دفعة واحدة.. كل ما فيها كامرأة.. حديثها نضجها، تناسق ملامحها، أنوثتها التي تلمع مطلة من عينيها... ورنة الحزن في صوتها وحدثته وداعبته وجن بها ولكنها لم تجن به.. وجدت فيه فقط الرجل الذي يمكن أن يكون 'بدل فاقد' انه زوج مطيع.
وعاشق، وقابل للترويض، وليس له أولاد من زوجته القديمة، وكذلك هي.. الذي أفزعها، وكان محور رفضها أنه يريدها أن تعيش مع أمه، وهي قد أخذت درسا من السكن مع الحماة لن تنساه، ولكن العشق تمكن، وتعددت اللقاءات، وكلاهما عاجز عن الحصول علي غرفة وصالة بالمبلغ الذي وفره من مهنته فهو يعمل 'نجار أثاث' ويحصل كل أسبوع علي مبلغ محترم، لكنه لا يبقي عليه، فالحياة نار.. وكلام الناس هؤلاء الجيران الذين لا يتركون أحدا دون أن يتكلموا ضده.. اذا اغتني زعموا انه لص، واذا افتقر قالوا النعمة زالت عنه لانه لا يستحقها.. وهم يحسدونهما علي حبهما رغم انهما لا يجدان 'عشا' لغرامهما، وحتي تقطع السنة الناس وأمام التعهد بانه سوف يخلق سكنا بعيدا عن أمه خلال شهر واحد من زواجهما، رضيت أن يقيم مع أمه، ورسبت في نفسه انها تقبل علي مضض، ومن أجل عيونه، وكتب الكتاب، وجاء بها الي البيت، وفرحت أمه بها، لانها سوف تعالجها من أمراض الشيخوخة المتصلة، وتنازلت لهما عن الغرفة الاخري، وقنعت بغرفة تنام بها، واحس هو انه حقق حلم حياته!
ادرك لاول مرة في حياته، وقد بلغ الثانية والثلاثين، لماذا يتزوج الرجال بالموظفات.. النظام.، والنظافة، والطاعة والامتثال.. أشياء كان يفتقدها.. حتي وهو يعيش مع والدته، ولكن الشهر مضي، وجاءت بعده عدة شهور، والسكن لم يتحقق وكان عليها أن تتنازل مقابل هذا العطف الذي تلقاه، ومعاملة حماتها التي آلت علي نفسها أن تجعلها أقرب اليها من ابنتها وتدعو لها ليل نهار الا تفترق عن زوجها، وأن يرزقهما بالخلف الذي تفرح به، وترعاه، وهي غائبة في عملها، ولكن الدعوات كلها استجابت الا دعوة الخلفة، فقد تأخرت مع أن كليهما صالح للانجاب، بعد الفحص الذي قامت به واصرت عليه بعد مضي العام الاول، وبدأت السعادة تتخلخل عند كلاهما.. لاحظ أن المواعيد التي كانت لعودتها مضبوطة كما ساعة الراديو تتغير، وكثرت معاذيرها، وكذلك مشاوير العمل وارتفع صوتها في النقاش، وبدت حدتها لحظات العتاب، ورددت الف مرة.. انه كان يعلم جيدا أنها تعمل ليل نهار وأن ذلك من أسباب تعلقه بها، وليس جمالها وحسنها كما يزعم، وأن من أجل حملها مصروفات لم تكن تحملها كالنور والماء، والفاكهة، والفراخ، ولم يعد يدفع سوي ثمن الخبز، وأجرة السكن بدلا عن أمه، وذات مرة كان يجلس علي المقهي، ولم تكن وصلت، وقبيل منتصف الليل جاءت علي ناصية الحارة سيارة فاخرة هبطت منها، وهي تتكلم مع السائق، وكان رجلا فاخرا، وكانت السيارة تحمل علامة الاطباء، وحينما خرج من المقهي ليلقاها في الطريق الي البيت قالت للعلم لا للاعتذار أن العمل كان كثيرا في العيادة وتفضل الطبيب لان يوصلها ليطمئن عليها.. ولم يكن أمامه الا أن يعلق بان هذا الطبيب علي خلق كريم، لكن الناس في الحارة لا يرحمون، وكان أليق بها أن تجيء في تاكسي تدفع أجرته.. ولم ينبس بحرف بعدها، ولكن بدا عليها الامتعاض. فقد وضح أنها استقبلت ملاحظته بضيق صدر!
وشكت للام علي الافطار ملاحظته بالامس، وانبرت الام تلومه، وتبصره بأنه تزوج من سيدة شريفة مخلصة لعملها ولبيتها، ولا يجب أن يفكر كالآخرين، الذين يحركهم الحقد علي الناجحين، ويعذبهم الفشل الذي يعانونه، والمعاناة في حياتهم الزوجية، فلا يجدون منفسا الا سيرة الاخرين، وحقيقة حماس الحماة، هو أنها تريد أن تبقي علي فرحة الابن بزوجته الجميلة، والموظفة، والتي رفعت عن كاهلها اعباء كثيرة في عمل البيت، وحذرته من أن يلقاها بملاحظة أخري في المستقبل.. فالسيدة تعمل ليل نهار في سبيل ألا تطلق مرة أخري، وحتي لا يميل بختها.. وعليه الا يستفزها أو يكرهها علي أن تغضب منه الغضب الذي يأخذها الي التفكير في تغيير حياتها أو علي الاقل تندم علي ما اقدمت عليه، حينما فضلته علي كثيرين.. والأم اذ تتحدي بهذا الدفاع عن اخطاء زوجة الابن لا تتحري الحقيقة فحسب وانما ترد ولدها من افكار سوداء بدأت تراود خواطره، لانه ترك زوجته تسيطر علي البيت، حينما تخلي عن بعض واجبه نحو البيت، وحملها مالا يجب أن تتحمله من مصروفات، ودون أن يدري أعطاها الحق في أن تكون صاحبة الكلمة النافذة وبالتالي فليس من حق أحد أن يناقش تصرفاتها خيرا أو شرا.
فالذي يعطي يأخذ المقابل، والذي يأخذ عليه الخضوع، ولم تشأ الام أن تصفعه بالحقيقة أمام زوجته، وانتهزت أول فرصة انفردت به، وهمست أن يكون أعقل من يسمع فيها كلام بعض أهل الحارة. بعضهم حاقد، وبعضهم حاسد، وبعضهم يكره آثار النعمة علي غيره!
وكانت علي لسان أمه عبارات أخري لم تقلها.. لكنه ادرك معانيها في عينيها.. لماذا يسألها، وقد رقد، وسره أن تقوم تقريبا بالانفاق؟
وأحس بالخزي، لكن انتصر لنفسه. فأيام العمل لم تعد متصلة في الايام الاخيرة، وسوق الاثاث توقف، والورش اضطرت الي الاستغناء عن العمال غير المهرة، والمهرة خفضوا يومياتهم الي حد مفزع، هو خير من البطالة. وفي المقابل زادت أسعار السجائر والمزاج، والاشياء الاخري زيادة فاحشة.. وسوف يعوضها في المستقبل لكي يسترد رجولته التي يشعر انها مرهونة عندها.. لكن متي يجيء التعويض، هذا كله في عالم الغيب..!
عصفت العاصفة بالبيت في الشهور الاخيرة.. دون أن يتعمد وجد نفسه يسهر في خارج المنزل حتي لا ينتظرها بل يتركها هي تنتظره، وساءها ذلك، وعاتبته في ذلك علي مرأي من أمه التي وقفت في صفها، وبالغت في لومها له، وقال انه لا يطيق البيت بدونها، وقالت له الام، وما ذنبي أنا؟ وتمني لو اعترف لامه انه يغير عليها، وادركت أمه امنيته مما ارتسم علي ملامحه من مشاعر قهر، فقالت له اذا كنت تغير عليها بهذا القدر. فكان يجب أن تجعلها ربة بيت منذ أول يوم في زواجكما.. ألم تتزوجها لانها جميلة؟ ولانها تعمل؟ لا تغضب اذا حام اللصوص حول 'الكنز'.. تلك طبيعة الاشياء.. فصاحب 'الكنز' هو الذي عليه أن يكون قادرا علي حمايته من اللصوص!
ماذا تقصد الام بهذا اللوم العنيف؟ انها تدافع عنها لانها بارة بها، تقربت منها أكثر منه، وعرفت كيف تكسب ودها بالهدايا الصغيرة، والمعاملة الحسنة.. وما حكاية اللصوص التي تحوم حول 'الكنز'؟ هل لاحظت شيئا؟.. أم انها ترسخ فيه الشعور بأن عليه أن يثق في زوجته، فلا يعطي أذنيه للحساد، والحاقدين؟
منذ أيام خلال هذا الاسبوع. لم تعد من عمل العيادة الليلة حتي الصباح، وحينما وصلت وهو يستعد للذهاب الي عمله. قالت إنها صاحبت الطبيب في عملية ولادة متعسرة في مستشفي خاص، وأنها سوف تأخذ اجازة اليوم من المستشفي الحكومي، ومع ذلك عرضت أن تجهز له الافطار، لكنه رفض معلنا غضبه، ودخلت هي تنام، والام تصر علي القيام بدلا منها، لانها متعبة يبدو عليها الارهاق، وكانت بالفعل مرهقة.. لكنه لم ير ما رأته أمه.. الذي شعر به يقينا.. أنها تتسرب من قبضته، وانه ينخلع عن رجولته وزوجيته.
وكان يؤلمها، ويقلقها أنها تبذل جهودا مضاعفة، وتقسو علي نفسها من أجل الابقاء علي البيت، وهو ينفق كل دخله علي 'مزاجه' ودون أي تقدير لمجهوداتها.. يشكو من اهمالها له، ويتهمها في ظنونه، ويستمع فيها كلام الناس، يعلن ذلك لوالدته التي تتصدي مدافعة عنها ولكنه لا يجرؤ أن يواجهها بهذه الظنون فهي تأمل أن يقف عند هذا الحد.. لانه يعلم جيدا اذا لمح جادا بهذا الاتهام فسوف تترك له البيت، وتصر علي الطلاق..! وعقب معركة صغيرة بينهما ألقت في وجهه بأنها تحمد الله أنها لم تنجب منه حتي الآن معني ذلك انها بدأت تندم، وتلك مشاعر خطيرة علي زوجية من هذا النوع.. وحينما كانت تغضب منه، تترك فراشه الي غرفة والدته.. لاسيما في الاوقات التي تكون الام في السوق، وتتعلل بأن غرفة الام أقل حرارة من غرفتها.. لكنه في كل مرة تفعل ذلك يدرك أنها غاضبة..!
وعقب كل غضبة كانت تتدخل الام بحزم، وتعود المياه الي مجاريها.. لكن الصمت يغلب وتسود الكلمات المقتضبة.. كلاهما في حالة عجز عن النقاء الزوجي، الذي لا تشوبه شائبة. كما كانا في الشهور الاولي.. هناك صراع فرض نفسه. لكنه الصراع الاخرس الذي لا يذهب، ولا يفصح عن نفسه!
واليوم جاءه أحدهم، وهو من قدامي الحارة، والذين يكن لهم احتراما، وأكد له في هدوء أنه 'لا دخان بلا نار' وأن الزوجة بذكائها كسبت صداقة الحماة. حتي تغطي ما يمكن ان يكون اثما في حق الزوجية واعتذر له الرجل بان في وسعه أن يتأكد من ذلك، قبل أن يقدم علي خطوة يندم عليها!
وسكت الرجل، وانصرف هو، وكأنه ابتلع حفنة من 'الشطة' في جوفه.. امتلأت جمجمته بشرر من اللهب.. الآن ادرك لماذا تتصدي أمه للدفاع عنها بهذه الحمية والحماسة.. هناك هدايا مستمرة، ولولا أن هناك اخطاء ما كانت الهدايا بين الزوجة والحماة؟!
انه يشعر منذ شهور بشعور المخدوع.. ان اهمالها المتكرر له، واصرارها علي أن تنام أكثر الوقت في فراش أمه، ليس له سوي انها كرهته، وزهدت فيه، وطردته من حياتها، فقط تنتظر الاعلان، وطلب الطلاق، الذي لن يعطيه لها!
الآن فقط تأكد أن كل الخواطر التي كانت تناوشه، ويطردها كانت علي حق.. انها اخطأت، واستمرت في الخطأ، وبداية الخطأ يوم أن لفت نظرها الي حضورها في منتصف الليل في السيارات الملاكي.. لكنه لم يكن يومها يستطيع أن يخلعها من حياته أو يستغني عنها.. أما الآن فهو لن يستغني عنها فقط، وانما لابد أن ينتقم منها عقابا لها علي خيانتها له!
وحاول أن يهرب من الصراع الذي في داخله.. فمضي الي جلسة دخان أزرق، وراح يعب الانفاس، ويضحك، ويضحك الاخرين.. ولكن الخاطر لم يتركه، واتجه الي البيت.. كانت تنام في غرفة والدته، ورفضت أن تذهب الي غرفته، وتوسلت اليه أمه أن يتركها، وفي الصباح سوف يذهب غضبها.. ونام حتي الصباح اذ قام من نومه، وخرج الي عمله معلنا غضبه.. لكنه كان يهرب من مواجهتها حتي لا يضعف أمامها ويصفح عنها.. كان مصرا علي أن يظل حريصا علي غضبه، حتي يتمكن من الانتقام منها!
بعد ساعتين قضاهما في رعاية الغضب الذي ينمو داخله.. ترك العمل، وذهب الي البيت.. فتح الباب تحسس المطواة قرن غزال التي يحتفظ بها دائما في حيبه.. نادي علي أمه لم يجدها فذلك موعد خروجها الي السوق.. تقدم من غرفتها.. رأي زوجته متكورة داخل الغطاء الخفيف.. اقترب في حذر، واضطراب.. خشي أن يحدث صوتا.. فتقوم فيري وجهها فيضعف.. ازداد اقترابا من السرير حتي سمع أنفاسها تحت الغطاء.. أغمض عينيه، وانهال بالمطواة من عند العنق حتي كل جسدها.. قد تكون صرخت.. لكنه لم يسمع.. ويده تصعد وتهبط.... قفزت الجثة تعتدل لكنها فشلت.. وتناثرت الدماء.. ازداد هياجا وزدادت يده صعودا وهبوطا.. حينما انزاح الغطاء والجثة تتخبط.. ادرك انها أمه.. كانت الزوجة قد ذهبت الي عملها!!