المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية تحليل مسؤول سابق في 'السي آي إي': 6 أسباب لعداء المسلمين لأمريكا



MandN
14-03-2002, 10:41 PM
بقلم: بيل كريستسان، محلل سياسي و مستشار سابق في السي آي إي :
أقتطع من خطاب المدعي العام ( وزير العدل ) جون آشكروفت يوم 15 يناير الماضي بمناسبة الإعلان عن التهم الموجهة للمقاتل الأمريكي في حركة طالبان جون والكر، قوله:" إن الولايت المتحدة لا تتهم عادة أحد مواطنيها بتهمة دعم إرهابيين. لكننا مدعوين اليوم لفعل ذلك بناء على تداعيات أحداث 11 سبتمبر، التاريخ الذي ذكرنا بأن لدينا أعداءا عبر العالم يسعون إلى تدميرنا." إنني أقول ببساطة أن هذا الإقرار ليس صحيحا. و حجتي على ذلك أن الهدف الحقيقي للمسلمين المتطرفين الذين يقودهم أسامة بن لادن هو تخليص العالم الإسلامي من الهيمنة الأمريكية. إنهم لم يسعوا إلى تدمير أمريكا بقدر ما سعوا إلى إخراجها من أرضهم.
لقد أراد إبن لادن و أتباعه - و لا زالوا - توحيد البلدان الإسلامية وراء تصور حاد للإسلام معتقدين أن العالم الإسلامي سيعيش في ظروف أحسن لو تحكم بمصيره بنفسه. إنني أرى أنهم يدركون تماما أن ليس هناك مجالا ل"تحطيم" أمريكا و أن هدفهم، مع أنه كبير للغاية، أقل من ذلك بكثير. غرضهم، مثلما قرأت في تحليل نشر في مجلة "رفيو أوف بوكس" التي تصدر في نييورك، "إنشاء عالم إسلامي موحد.. إنه نداء من أجل تنقية العالم الإسلامي من عبدة الغرب و ضرب رمز ضريح المعبد الأمريكي و إظهار، بطريقة استعراضية، ثغرة أمريكا على أنها نمر من ورق." بهذا المفهوم، هؤلاء الإسلاميون المتطرفون ليسوا طيبين و أن من بقي حيا منهم سيستمر في السعى لقتل أشخاص أبرياء في الولايات الأمتحدة و في أماكن أخرى. لكن هؤلاء يرون أن ما هم بصدد فعله يهدف إلى وضع حد لمسار أمريكا نحو الهيمنة الكاملة على العالم الإسلامي. أرى أنه من الأهمية بمكان إدراك هذه النقطة، لأن إذا اعتقد الأمريكيون أن عدوا ما يسعى لتحطيم الولايات المتحدة، و أنه توصل في هذا الوقت بالذات إلى وسيلة تمكنه من ذلك، فإن يسهل تبرير خيار الحرب الشاملة ضد هذا العدو. لكن ماذا لو أن الولايات المتحدة ليست بصدد حماية نفسها من الدمار، بل تسعى عكس ذلك، إلى الحفاظ على هيمنتها على العالم، بل و توسيعها ؟
أعتقد أن علينا في هذه الحالة الرجوع قليلا إلى الخلف و البدء في مطالبة حكومتنا بفتح نقاش جاد حول سياساتنا الخارجية. إن علينا أن نناقش بجد إلى أي مدى يعتقد شعبنا أن على الحكومة الإستمرار في سياسية الهيمنة السياسية و الإقتصادية و العسكرية على الخارج. فعندما يتحدث آشكروفت عن العدو الذي يسعى إلى "تدميرنا" إنما يريد تسهيل إقصاء أي حدود قد تفرض على "الحرب ضد الإرهاب" من قبل رأي عام مطلع.و نفس الغرض يسعى إليه خطاب بوش عندما يصف أعداء أمريكا ب"الأشرار"، فهو لا يحتاج إلى مثل هذا الوصف إلا لتبرير استبعاد أي نقاش حول السياسة الخارجية الأمريكية.
إن أساس ما أنا مقتنع به اليوم هو أن العمل العسكري لن ينجح أبدا في حل مشكل الإرهاب ضد الولايات المتحدة. إن أكثر ما يحققه أنه يتوقع أو يفشل أعمالا إرهابية مؤقتا فقط. و مثلما أشرت في مناسبات أخرى، أشك في إمكانية قتل أو القبض على ابن لادن و مساعديه. لقد دمرت أفغانستان و قتلت القوات الأمريكية عددا غير محدد من المدنيين الأبرياء، مع أنه يبدو أن الحكومة ليست مهتمة بإحصاء كم قتلت منهم، و الراجح أن عددهم يفوق عدد ضحايا احداث 11 سبتمبر. و رغم ذلك، سيخرج علينا بعد سنوات أشخاص مثل ابن لادن في أماكن أخرى في العالم و سيضربون أمريكا بقوة أكبر. لهذا علينا أن ندرك أعماق المشكلة و أن نبدأ في دراستها حالا و قبل أن تنتهي العمليات العسكرية مثلما يقترح البعض.
إنني أبدأ بتحديد ستة عناصر أساسية تشكل مجموعة الأسباب الخلفية للهجمات على أمريكا. و سأبدأ بالنقاط التي أرى أنها الأصعب من حيث سبيل مواجهتها، و التي قد تثير أشد الخلافات حولها في واشنطن و في أماكن أخرى.
أولا: الدعم الذي تقدمه أمريكا لإسرائيل منذ سنوات و الشعور السائد بين العرب و المسلمين و الذي مفاده أن الولايات المتحدة معرضة للوم مساو للوم الموجه إلى إسرائيل. إن حكومة إسرائيل و غالبية أنصارها في الولايات المتحدة لا يريدون إثارة هذه النقطة كما يرفضون التوجه إلى الأسباب الخلفية لما حدث يوم 11 سبتمبر. و يفضل زعماء البلد، من الذين يؤيدون إسرائيل بقوة، الحديث بصفة عامة و غامضة عن "لا عقلانية الإرهابيين الذين يهاجمون الحرية نفسها." و مؤخرا فقط عندما زاد الضغط لإثارة المسألة، إجتهد هؤلاء بقوة لرفض أي ربط بين دعم أمريكا لإسرائيل وما حدث عندنا. و عندما ألح عليهم لإثارة الأسباب العميقة للأحداث راحوا يتحدثون عن "كره الإسلام للغرب و لتكنولوجيته" و عن الأنظمة العربية و مشاكلها الداخلية.
و حقيقة الأمر أن في مثل الوضع الذي يفترض وجود عدة عوامل لظاهرة الإرهاب، ليس في مصلحة أي بلد أن يشار إليه كأحد المتسببين فيها. و قد لاحظنا خلال الأشهر الأخيرة حملة دعائية مكثفة ضد العربية السعودية التي أشير إليها على أنها أهم متسبب في أحداث 11 سبتمبر. و إنني أشتبه في الأطراف المناصرة لإسرائيل أنها تحرض بقوة على الحملة المذكورة بغرض إقناع بقية العالم بأن موضوع فلسطين ليس عنصرا هاما من بين مسببات الأحداث. و يوجد على رأس هؤلاء المعلق على صفحات نيويورك تايمز توماس فريدمان. و أعتقد بقوة أن سياستنا تجاه إسرائيل عامل أساسي مغذ للإرهاب و أن علينا إعادة النظر فيها إذا أردنا تقليص مخاطر مواجهة ضربات جديدة.
ثانيا: سعي الولايات المتحدة لبسط هيمنتها على العالم و فرض نموذج العولمة الذي تراه يخدم مصلحتها أكثر بينما يزداد فقر الشعوب ليس فقط في العالم العربي و الإسلامي بل في العالم الثالث كله، و يشكل ذلك قضية عالمية هامة. و قد توسعت الهوة بين الفقراء - دولا و شعوبا - خلال العشرين سنة الأخيرة أي منذ بدأت هيمنة النموذج الأمريكية للعولمة على العالم. و قد أدى هذا إلى زيادة حدة الكراهية في أوساط فقراء العالم تجاه أمريكا التي ينظروا إليها كقوة وسعت هيمنتها و نوع العلمنة الذي يلائم نظامها الإقتصادي الخاص و لا يستفيدون هم منه البتة. و قد توسعت الهوة بين الطرفين إلى درجة أصبح من المستحيل تداركها. و تشير الإحصائيات مع نسبية صحتها إلى أن 2,8 مليار شخص في العالم - من بين 6 مليار إنسان على الأرض - يقل دخلهم اليومي عن دولارين. و في مقابل ذلك، 1% من السكان يحصلون على دخل يساوي دخل 57% في حين أن 25 مليون أمريكي - من الأغنياء - يفوق دخلهم مجموع دخل مليارين من سكان العالم الفقراء. و يضاف إلى الأسباب المختلفة التي تجعل العالم يحقد علينا و التي ترتبط اساسا بالهيمنة الأمريكية، غطرستنا و تبجحنا واعتقادنا بأن كل ما نريده ينبغي أن يتحقق مع رفضنا احترام المواثيق الدولية دون نقاش أو محاولة تبرير موقفنا. ضف إلى ذلك إستغلال شركات متعددة الجنسيات الأمريكية لليد العاملة الرخيصة في العالم الثالث من أجل العيش الأمريكي الرغيد. و أعتقد أن هذه العوامل مجتمعة تشكل مبررا واسعا لتراكم الحقد تجاه أمريكا. و عليه، ينبغي أن تبادر الولايات المتحدة بتشكيل ما يشبه "مخطط مارشال" جديد واسع و طويل المدى بمشاركة الإتحاد الأوروبي و الأمم المتحدة. و قد بدأت في طرح المسألة منذ شهر أكتوبر الماضي مع منظمات السلام، في حين اقترح مسؤول بنكي بريطاني الأمر نفسه و تحدث عن برنامج ب100 بليون دولار سنويا على مدى أربع سنوات. و طرحي الخاص أن تكون القيمة في حدود 350 بليون دولار على مدى ثلاث سنوات. و لنتذكر أن القيمة المذكورة قد تنفقها الحكومة الأمريكية على برنامجها العسكري في إطار ميزانية السنة المقبلة. و اعتقد أن الذين يعارضون مثل هذا المخطط بدعوى عدم إمكانية التحكم في الأموال التي ستمنح، إنما يفعلون ذلك لأسباب أخرى. و أقول فقط أن خطورة الوضع تفرض التخلي عن مثل هذا النقد مثلما تقتضي التخلي عن وسائط على شاكلة البنك الدولي و صندوق النقد الدولي.
ثالثا: العقوبات المفروضة على العراق تشكل أحد الأسباب التي تقف وراء تراكم الحقد على أمريكا. و مهما قلنا، من البديهي أن العرب و المسلمين لا ينتقدون صدام بل يلومون في ذلك سياسة الولايات المتحدة خاصة أن المتضرر الوحيد من ذلك هو الشعب العراقي و ليس صدام حسين. و الحل واضح و بسيط فيما يتعلق بهذه النقطة أي رفع العقوبات عن العراق و وقف الحصار و القصف الجوي عليه.
رابعا: التواجد العسكري الأمريكي في السعودية. لقد كان هذا العامل أهم دافع لمواجهة ابن لادن مع أمريكا. و باستثناء التخطيط لضرب العراق، ليس هناك مبررا للإبقاء على القواعد العسكرية هناك، فإنني أدعو بالتالي إلى إجلائها. أعرف أن هناك من سيرد و يقول لي: أأصم أنت أم أعمى، بالتأكيد هناك من المسؤولين السامين في الإدارة الأمريكية من يريد بقوة ضرب العراق. لكن كل ما أستطيع قوله أنني أتمنى ألا يأتي يوم يمكن هؤلاء من تنفيذ مخططهم. إنني لا أستطيع مجرد التفكير في فكرة تحويل الحرب "ضد الإرهاب" إلى حرب يهودية-مسيحية ضد الإسلام مهما ادعت الحكومة عكس ذلك.
خامسا: دعم الإدارة الأمريكية لأنظمة عربية و إسلامية فاسدة و ديكتاتورية. و أرى أن أسامة بن لادن يشكل مثالا واقعيا لدور هذا العامل فيما يحدث. إذ أن نقده مقسم بنفس الحدة تقريبا بين أمريكا و السعودية. وربما كان ذلك السبب الرئيسي وراء نسبة التأييد الكبيرة التي يحظى بها بين الشباب السعودي و العربي و الإسلامي. و حتى إذا أفل نجم ابن لادن كقائد، فإن احتمال بروز قادة آخرين من بين الجيل الجديد قوي كما أن احتمال وصول البعض منهم إلى سدة الحكم في بعض الدول على الأقل سيجعل عداوتها للولايات المتحدة أشد. و ربما تحدث البعض عن التقليل من ارتباطنا بالنفط الخليجي كبديل و اقتراح استبداله بحلول تقنية أخرى تحمل في طياتها سلبيات ربما كانت نتائجها كارثية إقتصاديا و استراتيجيا. كما أنني أرى أنه ليس من الذكاء نقل دعمنا للدكتاتوريات من المشرق إلى وسط آسيا. أرى أن الحل الأنسب أن نقلل من علاقات الدعم بالأنظمة الحالية و تشجيع عوامل تطوير التفاهم مع مجموعات معارضة لها. و ربما أحسن ما نتوصل إليه أن نربط علاقات نظيفة و محترمة مع بلدان إسلامية في المستقبل تسمح بالحد من الدعم الذي سيتلقاه "أسامة بن لادن القادم" إنطلاقا من غضب الشعوب تجاه حكوماتها.
سادسا: يتعلق العنصر الأخير بالحرب "ضد الإرهاب" التي تقودها أمريكا حاليا. فقد قادت الجيوش الأمريكية آخر حروبها في العراق و في كوسوفا و انتصرت بخسائر محدودة جدا و معتمدة بصفة كاملة على تفوق سلاحها الجوي. و بينما يفتخر الأمريكان بقوة جيشهم، نجد أن التفوق الطاغي للهيمنة العسكرية الأمريكية يولد مزيدا من الكراهية و الإحباط في أوساط الناقمين عليها في العالم الثالث خاصة. و أتصور أن فكرة سلاح الإرهاب تنشأ من هنا على أساس أنه السلاح الوحيد الذي يواجه الهيمنة الأمريكية بصورة فعالة. و هذه في نظري قضية تستدعي نقاشا كبيرا لم يتم إلى الآن، كما أنها في قلب سياساتنا الخارجية في المستقبل.
أتصور أن القوة العسكرية ستشجع الحكومات المقبلة على اللجوء إليها كحل سهل يغني عن التفكير في اتخاذ قرارات صعبة لكنها ضرورية للتوصل إلى السلم. غير أن مثل هذا الإحتمال سيجعل العلاقات المثمرة المتوخاة مع العالم النامي مستحيلة على المدى الطويل خاصة إذا لم تحل قضية إسرائيل مع الفلسطينيين و مشكل الفقر و الهوة بين المجتمعات الغنية و الفقيرة بالطرق السلمية. و كإجراء فوري، أقترح أن يجري تخلي الولايات المتحدة طواعية عن استعمال قوتها الجوية في القصف و وقف جميع العمليات العسكرية التي تتضمن مخاطر قتل مدنيين أبرياء.
ترجمة من الأنجليزية لتدخل نشر على الأنترنت
* عمل كريستسان في دائرة التحليلات التابعة لوكالة السي آي إي بين عامي 1950 و 1979 كما شغل منصب مستشار مدير الوكالة في السبعينات.
Alasr (http://152.160.23.131/alasr/content/C14BF08F-F89F-4C89-81BA-CF7604A1B65D.html)