MandN
15-03-2002, 08:54 PM
القدس العربي
عبد الباري عطوان:
الهجمة الدبلوماسية الامريكية الحالية في المنطقة العربية ليست دليل حسن نوايا تجاه العرب، وانعكاساً لرغبة خالصة في تسوية الصراع العربي ـ الاسرائيلي، بقدر ما هي مقدمة واضحة وصريحة لعدوان جديد علي العراق.
فليس صدفة ان تتحرك الادارة الامريكية وتقدم مشروع قرار الي مجلس الامن الدولي ينص للمرة الاولي علي قيام دولة فلسطينية مستقلة، وترسل مبعوثها الجنرال انتوني زيني، في الوقت الذي يطوف فيه مبعوث آخر اكثر اهمية وهو ديك تشيني نائب الرئيس في تسع عواصم عربية لتوزيع الادوار، وتحديد مهام كل نظام عربي في الحرب الجديدة ضد العراق.
الرئيس الامريكي جورج بوش اعلن امس ان العراق مشكلة سنتعامل معها، وانه لن يترك الاسلحة الكيماوية في يد زعيم استخدمها ضد شعبه، وهذا التهديد ليس بحاجة الي توضيح، وما هو بحاجة الي توضيح فعلا هو موقف الانظمة العربية الرئيسية من هذه المسألة ونقصد بذلك مصر وسورية والمملكة العربية السعودية.
فمن المؤسف اننا لم نسمع زعيما عربيا واحدا قال للادارة الامريكية ان اسلحة الدمار الشامل العراقية، هذا ان وجدت فعلا، لا تشكل خطرا علي العرب، وان ما يشكل هذا الخطر هو الاسلحة النووية الاسرائيلية، والتهديدات الامريكية باستخدام قنابل نووية في الهجوم علي سبع دول من بينها أربع دول عربية واسلامية هي العراق وايران وسورية وليبيا.
لم نسمع مسؤولا عربيا واحدا يلفت نظر الرئيس الامريكي او نائبه ديك تشيني الي ان الولايات المتحدة، الدولة الديمقراطية الغربية هي الوحيدة في التاريخ التي استخدمت الاسلحة النووية في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان، وهي التي استخدمت كل انواع الاسلحة الاخري ضد الشعب الفيتنامي.
ہ ہ ہ
المسؤولون العرب يتحدثون في العلن غير ما يتفقون عليه في السر مع المبعوثين الامريكيين، والا كيف نفسر اللقاءات المغلقة التي عقدها تشيني مع الزعماء العرب في الاردن ومصر واليمن. ولماذا تتم هذه الاجتماعات في غياب حضور اي من المسؤولين الاخرين في الجانبين؟
ونستطيع من الان ان نؤكد بان جولة تشيني حققت معظم اهدافها في الحصول علي دعم الانظمة العربية الرسمية للعدوان الجديد علي العراق، رغم التصريحات العلنية التي تتحدث عن معارضة هذا العدوان باعتباره كارثة.
فتصريحات الرئيس حسني مبارك التي ادلي بها في مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد لقائه مع تشيني كانت تصب في هذا الاطار، اي تأييد العدوان، وان بدت ملتوية وغير مباشرة، وهذا هو دليلنا علي ذلك:
اولا: لم يعلن الرئيس مبارك معارضته للضربة الامريكية المقبلة للعراق، ولم يطالب برفع الحصار الاقتصادي عنه، ولم يبد معارضة مصر ايضا لمبدأ التدخل العسكري لتغيير نظام الحكم بالقوة في اي بلد عربي، فمثل هذه الثوابت في السياسة المصرية جري تجاهلها بالكامل، وخلت منها تصريحات الرئيس مبارك.
ثانيا: طالب الرئيس مبارك العراق بالقبول دون تأخير بعودة المفتشين الدوليين باعتبارها امراً حتمياً لتجنب الضربة، وهذا هو اول موقف عربي رسمي يوفر الغطاء الشرعي للعدوان المقبل علي العراق. وغدا سيقول الرئيس مبارك انه نصح الرئيس العراقي بعودة المفتشين. ولكنه رفض هذه النصيحة، ولذلك يستحق ما يلحق به وبلاده. تماما مثلما وجه النصائح نفسها قبيل العدوان الاول علي العراق في عام 1991. وهكذا اصبح دور زعيم اكبر دولة عربية، هو توجيه النصائح فقط وبجهاز التحكم عن بعد (الروموت كونترول) الي العراق ورئيسه.
ثالثا: كشف الرئيس مبارك عن مضمون مباحثات الرئيس العراقي مع عمرو موسي امين عام جامعة الدول العربية حول اعادة المفتشين، عندما قال ان الرئيس العراقي ابلغ موسي بموافقته علي عودتهم، وهو كشف يضعف موقف العراق التفاوضي، كما انه يمثل انتهاكاً للتقاليد الدبلوماسية، حيث لا يفترض ان يكشف طرف ثالث عن مضمون محادثات سرية بدون موافقة مسبقة من الطرفين المعنيين. والرئيس مبارك اقدم علي سابقة مماثلة اثناء وساطته بين العراق والكويت قبل الاجتياح، حيث اكد الرئيس العراقي لنظيره المصري بأنه لن يهاجم قبل انتهاء المفاوضات بين نائبه عزة ابراهيم وولي العهد الكويتي سعد العبد الله التي كانت مقررة في الطائف. وقام الرئيس مبارك بنقل فحوي محادثاته الي الكويتيين، رغم طلب الرئيس صدام منه عدم الاقدام علي ذلك. وقال له بالحرف ارجوك يا ابا علاء ان لا تخبر الكويتيين بذلك ، ولكنه اخبرهم وطمأنهم ودفعهم للتصلب في المفاوضات بطريقة او بأخري.
ہ ہ ہ
ديك تشيني يقول لحلفائه في الانظمة العربية: ساعدونا للاطاحة بالنظام العراقي ونعدكم بقيام دولة مستقلة في فلسطين، وبعد ان ينتهي العدوان، بتدمير العراق، ومقتل مئات الالاف من ابنائه، سيضع تشيني العرب جميعا تحت الانتداب الاسرائيلي، ولن يجرؤ زعيم عربي واحد علي الاعتراض، فكلهم مرتشون بالمساعدات الامريكية المالية، ومحكومون بالقواعد العسكرية الامريكية في عواصمهم واطراف مدنهم.
قرار مجلس الامن الدولي بقيام دولة فلسطينية، الذي قوبل بالترحاب من قبل الاعلام الرسمي العربي باعتباره فتحا عظيما، لا يحدد حدود هذه الدولة، ولا عاصمتها، ولا شعبها، ولا يقول كلمة واحدة عن حقوق اللاجئين، قرار مبهم غامض يحتاج الي مئة عام من التفاوض لتطبيقه. وفوق كل هذا وذاك انه قرار غير ملزم، اي لا يتحتم استخدام القوة لتطبيقه، مثل القرارات الاخري الصادرة في حق العراق.
المؤلم ان جميع هذه التطورات الكارثية، سواء في الارض المحتلة، او علي صعيد التحضير لضرب العراق، والامة العربية منومة ومخدرة، ولا يوجد اي امل بحدوث معجزة تحركها واسماع صوتها للانظمة المتآمرة او للولايات المتحدة، ومثلما قال سعد زغلول غطيني يا صفية ما فيش فايدة .
عبد الباري عطوان:
الهجمة الدبلوماسية الامريكية الحالية في المنطقة العربية ليست دليل حسن نوايا تجاه العرب، وانعكاساً لرغبة خالصة في تسوية الصراع العربي ـ الاسرائيلي، بقدر ما هي مقدمة واضحة وصريحة لعدوان جديد علي العراق.
فليس صدفة ان تتحرك الادارة الامريكية وتقدم مشروع قرار الي مجلس الامن الدولي ينص للمرة الاولي علي قيام دولة فلسطينية مستقلة، وترسل مبعوثها الجنرال انتوني زيني، في الوقت الذي يطوف فيه مبعوث آخر اكثر اهمية وهو ديك تشيني نائب الرئيس في تسع عواصم عربية لتوزيع الادوار، وتحديد مهام كل نظام عربي في الحرب الجديدة ضد العراق.
الرئيس الامريكي جورج بوش اعلن امس ان العراق مشكلة سنتعامل معها، وانه لن يترك الاسلحة الكيماوية في يد زعيم استخدمها ضد شعبه، وهذا التهديد ليس بحاجة الي توضيح، وما هو بحاجة الي توضيح فعلا هو موقف الانظمة العربية الرئيسية من هذه المسألة ونقصد بذلك مصر وسورية والمملكة العربية السعودية.
فمن المؤسف اننا لم نسمع زعيما عربيا واحدا قال للادارة الامريكية ان اسلحة الدمار الشامل العراقية، هذا ان وجدت فعلا، لا تشكل خطرا علي العرب، وان ما يشكل هذا الخطر هو الاسلحة النووية الاسرائيلية، والتهديدات الامريكية باستخدام قنابل نووية في الهجوم علي سبع دول من بينها أربع دول عربية واسلامية هي العراق وايران وسورية وليبيا.
لم نسمع مسؤولا عربيا واحدا يلفت نظر الرئيس الامريكي او نائبه ديك تشيني الي ان الولايات المتحدة، الدولة الديمقراطية الغربية هي الوحيدة في التاريخ التي استخدمت الاسلحة النووية في الحرب العالمية الثانية ضد اليابان، وهي التي استخدمت كل انواع الاسلحة الاخري ضد الشعب الفيتنامي.
ہ ہ ہ
المسؤولون العرب يتحدثون في العلن غير ما يتفقون عليه في السر مع المبعوثين الامريكيين، والا كيف نفسر اللقاءات المغلقة التي عقدها تشيني مع الزعماء العرب في الاردن ومصر واليمن. ولماذا تتم هذه الاجتماعات في غياب حضور اي من المسؤولين الاخرين في الجانبين؟
ونستطيع من الان ان نؤكد بان جولة تشيني حققت معظم اهدافها في الحصول علي دعم الانظمة العربية الرسمية للعدوان الجديد علي العراق، رغم التصريحات العلنية التي تتحدث عن معارضة هذا العدوان باعتباره كارثة.
فتصريحات الرئيس حسني مبارك التي ادلي بها في مؤتمره الصحافي الذي عقده بعد لقائه مع تشيني كانت تصب في هذا الاطار، اي تأييد العدوان، وان بدت ملتوية وغير مباشرة، وهذا هو دليلنا علي ذلك:
اولا: لم يعلن الرئيس مبارك معارضته للضربة الامريكية المقبلة للعراق، ولم يطالب برفع الحصار الاقتصادي عنه، ولم يبد معارضة مصر ايضا لمبدأ التدخل العسكري لتغيير نظام الحكم بالقوة في اي بلد عربي، فمثل هذه الثوابت في السياسة المصرية جري تجاهلها بالكامل، وخلت منها تصريحات الرئيس مبارك.
ثانيا: طالب الرئيس مبارك العراق بالقبول دون تأخير بعودة المفتشين الدوليين باعتبارها امراً حتمياً لتجنب الضربة، وهذا هو اول موقف عربي رسمي يوفر الغطاء الشرعي للعدوان المقبل علي العراق. وغدا سيقول الرئيس مبارك انه نصح الرئيس العراقي بعودة المفتشين. ولكنه رفض هذه النصيحة، ولذلك يستحق ما يلحق به وبلاده. تماما مثلما وجه النصائح نفسها قبيل العدوان الاول علي العراق في عام 1991. وهكذا اصبح دور زعيم اكبر دولة عربية، هو توجيه النصائح فقط وبجهاز التحكم عن بعد (الروموت كونترول) الي العراق ورئيسه.
ثالثا: كشف الرئيس مبارك عن مضمون مباحثات الرئيس العراقي مع عمرو موسي امين عام جامعة الدول العربية حول اعادة المفتشين، عندما قال ان الرئيس العراقي ابلغ موسي بموافقته علي عودتهم، وهو كشف يضعف موقف العراق التفاوضي، كما انه يمثل انتهاكاً للتقاليد الدبلوماسية، حيث لا يفترض ان يكشف طرف ثالث عن مضمون محادثات سرية بدون موافقة مسبقة من الطرفين المعنيين. والرئيس مبارك اقدم علي سابقة مماثلة اثناء وساطته بين العراق والكويت قبل الاجتياح، حيث اكد الرئيس العراقي لنظيره المصري بأنه لن يهاجم قبل انتهاء المفاوضات بين نائبه عزة ابراهيم وولي العهد الكويتي سعد العبد الله التي كانت مقررة في الطائف. وقام الرئيس مبارك بنقل فحوي محادثاته الي الكويتيين، رغم طلب الرئيس صدام منه عدم الاقدام علي ذلك. وقال له بالحرف ارجوك يا ابا علاء ان لا تخبر الكويتيين بذلك ، ولكنه اخبرهم وطمأنهم ودفعهم للتصلب في المفاوضات بطريقة او بأخري.
ہ ہ ہ
ديك تشيني يقول لحلفائه في الانظمة العربية: ساعدونا للاطاحة بالنظام العراقي ونعدكم بقيام دولة مستقلة في فلسطين، وبعد ان ينتهي العدوان، بتدمير العراق، ومقتل مئات الالاف من ابنائه، سيضع تشيني العرب جميعا تحت الانتداب الاسرائيلي، ولن يجرؤ زعيم عربي واحد علي الاعتراض، فكلهم مرتشون بالمساعدات الامريكية المالية، ومحكومون بالقواعد العسكرية الامريكية في عواصمهم واطراف مدنهم.
قرار مجلس الامن الدولي بقيام دولة فلسطينية، الذي قوبل بالترحاب من قبل الاعلام الرسمي العربي باعتباره فتحا عظيما، لا يحدد حدود هذه الدولة، ولا عاصمتها، ولا شعبها، ولا يقول كلمة واحدة عن حقوق اللاجئين، قرار مبهم غامض يحتاج الي مئة عام من التفاوض لتطبيقه. وفوق كل هذا وذاك انه قرار غير ملزم، اي لا يتحتم استخدام القوة لتطبيقه، مثل القرارات الاخري الصادرة في حق العراق.
المؤلم ان جميع هذه التطورات الكارثية، سواء في الارض المحتلة، او علي صعيد التحضير لضرب العراق، والامة العربية منومة ومخدرة، ولا يوجد اي امل بحدوث معجزة تحركها واسماع صوتها للانظمة المتآمرة او للولايات المتحدة، ومثلما قال سعد زغلول غطيني يا صفية ما فيش فايدة .