المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية فاقد الشيء لا يعطيـه



MandN
17-03-2002, 03:53 AM
بقلم : وليد رباح :
تطالعنا فضائية الجزيرة في كل يوم عما يفعله الصهاينة بالشعب الفلسطيني من خلال تغطية تحمد .. فهي القناة العربية الوحيدة التي تشعر بعمق الجرح الفلسطيني وتحاول ان تداوي هذا الجرح من خلال عرضه على الشاشة .. كيما يشعر المواطن العربي (قبل غيره) مدى ما يعانيه هذا الشعب من ظلم تحاول اجهزة الاعلام الغربية ان تصوره ارهابا ضد(شعب) منحه الله ارض الميعاد ومغروس فيها بحكم أوامر الهية لا يجوز نكرانها ..
ومع ثقتنا في عدل الله وعدم تمييزه أحد على آخر الا بالتقوى .. فاننا لا نود الخوض في امور دينية قد يعتبرها البعض مسلمات دينية.. والدين في نظرنا عدل ورحمة ايا كانت صفته .. والصاق تهمة العنف به أمر لا يقبله العقل ولا حتى الشرائع سواء كانت الهية او وضعية ..
ولكن الذي يؤلمنا حقا وتنفجر حناجرنا بالصراخ منظر امرأة فلسطينية عجوز او صبيه تصرخ بملء فمها تنادي على امة العرب لانقاذها.. في وقت لا تتحرك فيه عضلة واحدة في وجه أي زعيم عربي امام ذلك النداء.. وكأنى بهم قد فقدوا الاحساس حتى بالالم او الفرح .. فغدو مسيرين اشبه بالانعام التي تساق الى حتفها دون اسئلة ..
ومع تمزقنا ازاء هذا النداء وذلك التجاهل .. فاننا لا نلوم زعماء العرب وحكامهم على عدم احساسهم او حتى سماع ذلك النداء لأن فاقد الشىء لا يعطيه .. ولان الخوف والرعب الذي يتملكهم ( استنادا الى تجارب سابقة) يجعلهم يضعون (قطنا معقما) في آذانهم حتى لا يؤذيهم الصراخ والنداء ..
فالحروب التي خاضها العرب ضد اسرائيل علمتهم ان التجربة ليست بالسهولة التي يتصورها البعض .. فلا ينكر احد ان اسرائيل دولة متقدمة تكنولوجيا.. وان ما يستخدمه الجيش الامريكي في عملياته يستخدمه الجيش الاسرائيلي ايضا ..
ولكن تلك التكنولوجيا العالية التي صممت خصيصا لجيش مقابل جيش آخر .. تعجز عن ان تكتشف داخل الانسان الذي يريد ان يقاتل .. وتعجز عن فهم النيات فالنية لا يعلمها سوى الله .. وتعجز عن وضع حد لمقاتل اراد ان يموت بالطريقة التي تعجبه .. وتعجز عن مجابهة حفنة من الرجال يقاتلون بين الاحياء والبيوت وبين الاشجار والتلال يريدون انتزاع حريتهم .. فيلجأ العدو ايا كان شكله الى تدمير البنية التحتية لاولئك المقاتلين والتوجه نحو المدنيين لايذائهم ظنا منه ان ذلك يمكن ان يوقف القتال .. وامامنا من الشواهد ما جرى في العراق وافغانستان .. فقد عمدت القوات الامريكية الى تدمير البنية التحتية للعراق في حرب الخليج الثانية .. كما لجأت الى تدميرها في افغانستان .. ( مع ما يرافق ذلك من اخطاء تبررها القوة المعتدية بانها اخطاء تأسف لها ) وقد ينجم عن هذا التدمير وذلك الاعتداء امران :
اولاهما : ان يستمر الشعب في العناد أملا في تحقيق نصره مع تحمل الاضرار الناجمة عن هذا القصف وذلك التدمير .. ( كما يحدث الان في فلسطين ) .
وثانيهما : ان يستسلم المقاتلون لارادة القوة فيوقفون القتال ( كما حدث في العراق وافغانستان) .
وهذا يعني بالضرورة ان حرب الشعب التي يختارها الناس امام القوة الطاغية هي الفيصل بين النصر والهزيمة .. وان الجيوش مهمها بلغت درجة استخدامها للتكنولوجيا الحديثة يمكن ان تنهزم امام اصرار شعب على نيل حريته .. ( كما حدث في فيتنام وفي جنوب لبنان مثلا ) .
والذي يعنينا في هذه الكلمة .. أن عدم تلبية نداء الشعب الفلسطيني من قبل حكام العرب مرده الى أن البنية الاقتصادية والعسكرية وبنية الدولة اجمالا .. مبنية على العيش وقت السلم دون النظر الى ما يمكن ان تأتي به الحرب .. بمعنى ان المصانع مكشوفة للقصف الجوي .. والمرافق الحيوية لا تعتمد السرية بشكل كامل .. والمطارات ظاهرة للعيان .. والطائرات الحربية ليس لها مرائب لاخفائها .. اضافة الى ان وسائل الدفاع الجوي تستورد من الدول الغربية وبالخصوص امريكا التي لا تمنح الدول المشترية سلاحا يمكن ان يكون فاعلا ضد القوات الجوية .. في وقت تمنح فيه اسرائيل اعلى مراتب التكنولوجيا العسكرية الفاعلة ..
وفي الوقت الذي تحتمل فيه اسرائيل الخسائر المادية الباهظة التي يمكن ان تدفعها وقت الحرب .. فان الدول العربية لا تحتمل مثل هذه الخسائر.. ذلك ان امريكا تزود العدو بما يقرب من خمسة مليارات دولار سنويا كمساعدات .. اضافة الى خمسة اخرى لتركيز اقتصادها .. اضافة الى القوة المادية الضخمة التي تقف وراء الاستثمارات اليهودية المنتشرة في دول هذا العالم .. اضافة الى الدعم الاعلامي الذي يقلب الاسود ابيضا والابيض اسود ..
ولكن كل هذا الدعم يقف عاجزا امام الخسائر البشرية التي تصيب اسرائيل نتيجة القتال .. فالدولة العبرية لها من الاستعداد للقتال ما ليس لدولة اخرى .. ولكنها تقف عاجزة امام الخسائر البشرية الباهظة .. وهذا هو السبب الرئيس الذي يجعل الجيش الاسرائيلي مبني على سرعة الحركة وانهاء المعارك في وقت قصير نسبيا .. فاسرائيل تحتمل الخسائر المادية لانها تعلم مبلغ تعويضها السريع .. ولكنها لا تحتمل الخسائر البشرية لأن البشر هو العنصر الرئيس في بناء الدولة .. وفقدانه يعني ان الدولة في طريقها الى الانهيار .. ويمكن ان يفسر هذا الامر ( جنون ) شارون في قصفه للمرافق المدنية الفلسطينية وقصف المدنيين وازهاق الارواح وترويع الامنين في وقت تعلم فيه الفلسطينيون جيدا هذا الدرس فاخذوا ينفذونه على المدنيين الاسرائيليين ايضا .. بمعنى ان الاستنزاف البشري قد اصاب الطرفين .. والمنتصر في هذه المعارك من يتوجع اكثر فيوقف القتال ..
وظاهر هذا الامر يقول .. ان الانسان الاسرائيلي المرفه لا يمكن ان يستمر في وضع يخاف فيه على امنه ومستقبله .. اما الانسان الفلسطيني .. فيبدو ان ظهره للحائط .. وانه فقد كل شىء فامكانية احتماله للخسائر اكبر .. ومن هنا فالتوجه الى أن يأخذ الانسان الفلسطيني حقه بالقسر والقوة اكبر ..
وعكس هذا الامر ينسحب على الدول العربية .. فقد افقدها تدفق النفط وعائداته ومشاريع العمران والبناء كل اسباب الصمود والمقاومة .. وتحضرني في هذا المقام كلمة قالها مسؤول سياسي اسرائيل كبير ابان فترة السبعينات عندما كانت المقاومة الفلسطينية في اوج قوتها .. فقد قال بالحرف الواحد في محاضرة بجامعة تل ابيب : انتظروا سنوات قصيرة فقط .. فان دول النفط العربية تزود( المخربين) باحتياجاتهم المادية .. ولسوف يتوقفون تلقائيا عندما يصبح المقاوم في رفه من العيش الاقتصادي الذي يمنعه من المقاومة ويجبره على الحفاظ على هذه المكتسبات ..
ولقد نجحت مقولة هذا السياسي الى حد ما .. فقد ترهلت بعدها المقاومة الفلسطينية .. ولم تعاود عافيتها الا عندما واجهت العدو وجها لوجه في عقر الاراضي الفلسطينية المحتلة .. بعد ان انقطع الدعم المادي عنها بعد حرب الخليج الثانية لسنوات طويلة . ونشأ جيل (النكبة ) الجديد الذي عاش عمره ضمن الاحتلال الاسرائيلي لاراضيه .. وضمن العسف والجور الاسرائيلي الذي ارتكب غلطة شنيعه في التضييق عليه .. مما ولد في نفسه الحقد وغرس فيه روح المقاومة ومجابهة احتمال الخسائر ..
ولقد اعترف بذلك المحللون الاستراتيجيون والعسكريون الصهاينة .. ففي محاضرة القيت في جامعة ( بار ايلان ) بفلسطين المحتلة بعيد الانتفاضة الاولى للشعب الفلسطيني .. قال زئيف شيف أن اسرائيل ارتكبت غلطة مدمرة بتضييقها على الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية .. اذ لو فتحت لهم اسباب الرزق والرفاهية لما جابهنا هذا المد الكبير من الكراهية التي يضمرها لنا سكان هذه الاراضي .. ولكنا اليوم نعيش في أمن وفي صحبة مع اولئك الذين نقهرهم يوميا ثم نطلب اليهم ان يهدأوا .
ما يهمنا في هذا الامر أن حكام العرب بل ويمكن ان ندرج هنا بعض شعوبهم .. لن يحركوا ساكنا ازاء الاستنجاد الذي يبديه ابناء الشعب الفلسطيني .. فكما قلنا فاقد الشىء لا يعطيه .. ولا نعدم في هذا الامر مظاهرة هنا واضراب هناك .. ثم دعوة بالمقاطعة حينا وخرقها احيانا .. بعض البطانيات هنا والقليل من وسائل العيش في ناحية اخرى .. ليس اكثر من ذلك .. فالكلمات والمظاهرات والاضرابات لن تعيد للشعب الفلسطيني شهيدا فقده .. ولن تجعله يصمد أمام الة الحرب الاسرائيلية اكثر ..
ظاهرة اخرى انتشرت في الوطن العربي اضافة الى سلبيته .. فقد عمد دعاة التطبيع مع اسرائيل الى التنظير وتوجيه النصائح بوقف المقاومة .. في وقت هم فيه في موضع لا يمكنهم من ان يفرضوا رأيا او يوجهوا نصيحة .. لأنهم متخاذلون ويفضلون رفه العيش على الكرامة والحرية ..
ويبقى في كل ذلك الانسان الذي يقاتل دفاعا عن حريته وكرامته .. فمهما بلغ الصراخ اوجه من هذه الجهة او تلك .. فان الذي يحكم الامور ليس حكام العرب .. ولا السيد ياسر عرفات .. ولا شارون او بيريز او حتى امريكا .. الذي يحكم الامور هم الذين يقاتلون دفاعا عن انفسهم وعن حريتهم .. ولا حل في كل ذلك الا ان يرحل المستوطنون والجيش الاسرائيلي عن الاراضي الفلسطينية المحتلة .. وعندها فقط .. فان لكل حادث حديث .
www.watan.com (http://www.watan.com/Article41.htm)