المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل هذه بداية الاصلاح او نهايته



الرحال2001
25-03-2002, 03:53 AM
حين اندلع الحريق في مدرسة البنات في مكة تتابعت المقالات في الصحف كل يدلي بدلوه في محاولة -فيما يزعمون- لتشخيص المشكلة وتحديد المسؤول وطرح حل لها ومنع أمثالها في المستقبل. لكن ليس غريبا في بلادنا أن تكون هذه المقالات محصورة بسقف منخفض جدا يستحيل ان يصل فيه الكاتب مهما أوتي من القدرة التحليلية إلى التشخيص الصحيح. وقبل أن نتحدث عن مسؤولية جهة معينة نشير إلى بعض المعلومات المهمة في معرفة المشكلة في أبعادها الحقيقة:



أولا: خلافا للعدد المنشور للوفيات فقد تجاوز عدد الوفيات الستين ثلاثة من المدرسات والبقية من الطالبات.



ثانيا: مات عدد كبير بنتائج الحريق التقليدية وهي النار والدخان بخلاف المزاعم أن معظمها من الزحام.



ثالثا: كانت تبلغ سعة المدرسة أربعمائة وخمسين طالبة فقط بينما يدرس فيها ثمانمائة طالبة.



رابعا:تقع المدرسة بين عمارتين في مكان ضيق ولها باب واحد فقط على الشارع الجانبي الضيق ومفتاح الباب عند الحارس ولا توجد نسخة عند شخص آخر.



خامسا: بدأ الحريق الساعة الثامنة صباحا وتم إبلاغ الدفاع المدني فورا ولم يصل الدفاع المدني إلا الساعة الثامنة وخمس وثلاثين دقيقة، بعد أكثر من نصف ساعة من بداية الحريق.



سادسا: لم يمر على المدرسة ولا على غيرها من المدارس أي جهاز فحص لإجراءات السلامة لأن ذلك لا يعتبر من نظام المدارس. ومع ذلك اجتهدت إدارة المدرسة وبلغت رئاسة تعليم البنات عن عيوب أساسية في المبنى يمكن أن تؤدي بكارثة في أي وقت.



سابعا: سبق حادث الحريق في مكة حادث انهيار مبنى في مدرسة أخرى في المملكة وتبعه كذلك حادث انهيار مبنى لمدرسة أخرى في جيزان وحريق آخر كبير في الجوف.



ثامنا: تتبلغ رئاسة تعليم البنات بشكاوى وخطابات تحذير من معظم مدارس البنات في المملكة وتقوم الرئاسة بإحالتها على شكل تقرير جماعي ومطالب بدعم مادي وتحسين ميزانية الرئاسة ولكن بلا استجابة.



تاسعا: تبلغ نسبة المدارس المستأجرة في رئاسة تعليم البنات ثلاثة أرباع العدد الكلي للمدارس التابعة لها.



عاشرا: يبلغ معدل عدد الطلاب لكل فصل في المدارس الحكومية للبنين والبنات في المملكة حوالي خمسين طالب أو طالبة لكل فصل وهذا الرقم هو مرتين ونصف المرة لأقصى معدل مسموح به عالميا.



حادي عشر: تبلغ ميزانية كل المرافق التعليمية في المملكة مجتمعة بما فيها المعارف وتعليم البنات والجامعات والمعاهد ومحو الأمية أقل من ثلاث أرباع ميزانية الدفاع خلال كل السنين الفائتة. هذا بالنسبة للرقم الرسمي المنشور أما الرقم الحقيقي فأقل من ذلك بكثير.



ثاني عشر: تبلغ تكاليف رحلة أي أمير من الأمراء الكبار أو صيانة قصر واحد من قصورهم أكثر من ميزانية منطقة تعليمية كبرى في المملكة لسنة كاملة.



ثالث عشر: تعيش المدارس من ناحية توفر مستلزمات التدريس والنظافة والصرف الصحي والتكييف وضعا مزريا جدا، وفي المقابل يذهب أبناء الأمراء لمدارس لا تقل رفاهية عن اوضاع قصورهم.



رابع عشر: يتم اختيار وزير التعليم ورئيس تعليم البنات ووزير التعليم العالي والمسؤولين الآخرين عن مرافق التعليم الأخرى بناء على أسس ومواصفات تناسب العائلة الحاكمة فقط وليس بناء على مصلحة التعليم في بلادنا. كما يتم تحديد السياسة التعليمية وميزانية التعليم كذلك بناء على قرارات الأسرة الحاكمة فقط ولا يرأس المجلس الأعلى للتعليم إلا أمير.



خامس عشر: قبل أسابيع قررت المملكة وبدون مقدمات أن تتبرع لمصر بمبلغ مئتي مليون دولار لتحسين أوضاع المدارس في مصر ولم تخجل السلطات السعودية أن كررت الخبر بارسال الدفعة الأولى قبل يومين.



سادس عشر: إن كانت مشكلة الحريق قد كشفت انهيار وسائل السلامة وفشل الدفاع المدني في سرعة الحضور وكشفت سوء التدبير من الجميع فإن الوضع التربوي والأداء الأكاديمي يكشف أوضاعا مأساوية للمدرسين وتأهيلهم وقدراتهم ومع ذلك لا يوجد أي وسيلة لمتابعة هذا الأمر وضبطه وقياسه.



أين المشكلة إذن؟

مع هذه المعطيات يتضح جليا أن أؤلئك الذين حملوا رئاسة تعليم البنات المسؤولية أو حملوا هيئة الأمر بالمعروف المسؤولية هم غاية في السذاجة والبساطة أو إنهم يتعمدون تبرئة المسؤول الأول الذي أدى لأن يصبح التعليم أولى ضحايا الفساد الإداري والمالي. وحين تصير ميزانية التعليم جزءا صغيرا فقط مما ينتهي في جيوب الأمراء ويصير حق الأمير وحاشيته أغلى من كل مدارس المملكة وطلابها وطالباتها فلا غرابة أن تنتهي القضية لما انتهت إليه.

لكن المدراس لم تكن ضحية التقصير في الدعم المالي فقط بل إنها أصبحت بذاتها ميدانا للفساد الإداري من قبل الأمراء. فقد أعلن قبل أقل من عام أن شركات أمريكية قد نجحت بعقود تبلغ قيمتها 13 مليار ريال لبناء مجموعة من المدارس تضاربت الأرقام والمعلومات عنها، وتبين أن المستفيدين من هذه العقود أشخاص فوق مستوى وزير التعليم وأن القيمة الحقيقية أقل بكثير من القيمة المرصودة والزيادة المرصودة إنما رصدت لجيوب المنتفعين. بل إن الشركات الأمريكية لم تجد صعوبة في تحويل العقد كله لشركات الباطن وأخذ معظم العمولة الكبيرة مع ممثليها الكبار في المملكة. شكل آخر مخجل من أشكال الفساد المالي هو استيلاء الأمراء على شركات تشغيل مقاصف المدراس حيث أسست شركات خاصة من قبل الأمراء لتشغيل هذه المقاصف وألزمت المناطق التعليمية بهذه الشركات بالذات.



من المسؤول؟

تتحمل رئاسة تعليم البنات ولا شك مسؤولية كبيرة سواء في منع الكارثة أو في حسن التعامل معها. ولا تعذر الرئاسة في أنها كانت تطالب بدعم مادي ولم يحصل هذا الدعم لأنه لو كان هناك حرص حقيقي لأمرت الرئاسة بإيقاف الدراسة في المدرسة إلى أن يتوفر الدعم. كما إن هناك إجراءت وقائية أو في التعامل مع الحادث ليس لها علاقة بالدعم المادي ولا بسياسة الدولة كان يمكن أن تخفف المصيبة على الأقل لو أخذتها الرئاسة بالحسبان.

ويتحمل الدفاع المدني جزءا كبيرا من المسؤولية، ولا يمكن أن يفسر التأخر لخمس وثلاثين دقيقة إلا بعجز هائل في أداء هذا الجهاز. نعم نقر بأن الدولة تتعامل مع الدفاع المدني وكأنه مؤسسة منسية لكن هذا لا يعفي المسؤولين في الدفاع المدني من القيام بواجبهم بقدر ما لديهم من إمكانيات.

أما ما يقال عن الهيئات فهراء أثاره أحدهم واستفادت منه الدولة حين انقلب الجدل في البلد كله إلى مسألة اتهام ودفاع عن الهيئات. وللعلم فإن الدفاع المدني لديه أوامر مبنية على قواعد شرعية بأن يقتحم أي حاجز ويكسر أي باب بدون استئذان أحد في حالة الحريق.

لكن مع أخذ المعطيات أعلاه بالحسبان فإن مسؤولية الرئاسة ومسؤولية الدفاع المدني تتضائل أمام مسؤولية الأسرة الحاكمة متمثلة في أصحاب القرار الكبار الذين يرسمون سياسة البلد ويمسكون بزمام المال والقرار والتعيين. هؤلاء هم المسؤولون حقا عن العجز عن منع الكارثة وعن سوء التعامل معها. وإن كان هناك محاسبة فإنما توجه لهم بشكل رئيسي وليس للرئاسة ولا للدفاع المدني.

وأما قول الأمير عبد الله بأنه بريء ممن تسبب بهذه الكارثة فهو إنما يبريء نفسه من نفسه فهو المسؤول الأول عن هذا الحادث لكنه لا يدرك أو لا يريد أن يدرك أنه هو المسؤول.

ما العمل؟

لو كان الحال في بلادنا يسمح بالمحاسبة النظامية للمسؤول لكان الحل هو أن تشكل لجنة عليا يرأسها قضاة من أفضل القضاة نزاهة وأمانة وبعضوية أخصائيين في الحريق والتعليم والمالية وغيرها من الجهات المعنية، وتعطى اللجنة الحرية الكاملة لتحديد المسؤولية والتوصيات. لكن من البديهي أن الحال في بلادنا لا تسمح بذلك، ولذا يبقى السؤال الأهم: هو ما الحل أمام استحالة تشكيل مثل هذه اللجنة المثالية؟ الحل مرتبط بمشروع الإصلاح الأشمل وهو ضرورة السعي لتغيير سياسي يصبح فيه للأمة كلمتها ودورها في القرار والمحاسبة، وعندها فقط يمكن تعيين القوي الأمين ورصد ما يكفي من الأموال لشؤون التعليم ورسم سياسة واستراتيجية تعليمية تضع مصلحة البلد والأمة قبل مصلحة الأفراد والمنتفذين