المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية حقيقة القمة العربية



MandN
25-03-2002, 12:57 PM
عبد الباري عطوان:

لا يحتاج ارييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي لبذل اي جهد لحضور القمة العربية التي ستبدأ اعمالها الاربعاء في بيروت، لان هذه القمة تنعقد اصلا من اجل استرضائه، ونيل تعاطفه وتعطفه، والقبول بسلام تطبيعي ساخن كامل شامل مع العرب.
شارون هو الزعيم الاكثر تأثيرا في القمة العربية، والذي يملك مفاتيح فشلها او نجاحها، اما الباقون فمجرد ارقام وسيارات فارهة، واجنحة ضخمة في فنادق بيروت وجيش من المرافقين والطباخين والمهرجين، ولا مبالغة في ذلك.
فالزعماء العرب يستجدون رئيس الوزراء الاسرائيلي، من خلال الولايات المتحدة، للسماح للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بالانضمام اليهم في بيروت، والتوقيع علي البيان الختامي الذي سيعرض علي اسرائيل التطبيع الكامل مقابل الانسحاب الكامل. ولكن شارون يتدلل ويراوغ، ويستمتع بابتزاز الزعماء العرب، لانه يعرف مدي ضعفهم وقلة حيلتهم.
ويؤسفنا ان تختلف مع السيد عمرو موسي امين عام جامعة الدول العربية في وصفه طلب شارون حضور القمة العربية بأنه نكته ، ونقول بان ما يمكن وصفه بهذا التوصيف هو الموقف العربي المخجل تجاه الانتفاضة، والقضايا العربية الاخري.
فالقمة العربية المقبلة هي اكثر من نكته لانها قمة بلا معارضة، والزعماء العرب يشاركون فيها، وكل منهم شاهر ابهامه من اجل البصم علي قراراتها المعدة سلفا من قبل توماس فريدمان الصحافي الامريكي اليهودي، الذي وضع الخطوط العريضة لمبادرة الامير عبد الله ولي العهد السعودي.
صحافي امريكي يهودي يعدّ جدول اعمال القمة العربية، بينما الف شهيد فلسطيني وثلاثون الف جريح ومئات المنازل المهدمة، لا يستحقون قرارا بالدعم في القمة المقبلة حتي لا يغضب شارون والمعلم الاكبر جورج بوش رضي الله عنه!
ومثلما هو متوقع، سيجتهد فقهاء علم الكلام في اروقة القمة للبحث عن صياغات للمبادرة السعودية تنقذ ماء وجه اصحابها والمصادقين عليها، مثل استبدال كلمة التطبيع الكامل، بكلمة علاقات طبيعية، والاشارة بغموض الي حق العودة للاجئين الفلسطينيين بالمطالبة بحل عادل لقضيتهم.
ولكن جميع هذه الصياغات لن تخفي واقع الحال العربي الرسمي، وزحفه المتسارع نحو التطبيع مع الدولة العبرية، لتجنب الغضب الامريكي، والحفاظ علي انظمة الحكم الحالية وبقائها.
الزعماء العرب لا يخشون مواطنيهم، ولا يؤمنون بوجود رأي عام، وكل ما يتطلعون اليه هو نيل رضا البيت الابيض فقط، وتجنب اغضابه او غضبه، ولهذا يذهبون الي بيروت وهم عاقدون العزم علي تقديم التنازلات الاكبر لتسوية خلافاتهم الطارئة مع واشنطن، وعلي حساب الانتفاضة وشعبها وشهدائها.
اتمني ان لا يسمح شارون للرئيس عرفات بمغادرة رام الله الي بيروت، واصلي من اجل ذلك، لانني اعرف ان الرئيس الفلسطيني، مثل الزعماء العرب الاخرين، لا يستفتي شعبه ولا يستمع لاراء غير المنافقين، فهو قطعا سيهرول الي بيروت للبصم علي المبادرة السعودية، مثل الاخرين، ولو كنت مكانه لما ذهبت، وبقيت في مكتبي وسط شعبي، فالرئيس الذي يخرج من بيته بعد الحصول علي اذن من عدوه، وبعد مسلسل طويل من الاستجداءات يفقد الكثير من مصداقيته واهميته وتمثيله لشعبه.
فالزعماء الذين يصمتون علي عمليات الذبح المتواصلة لشعب اعزل، ويشددون الحراسة علي حدودهم لمنع وصول اسلحة اليه للدفاع عن نفسه، ويعجزون عن تأمين مشاركة كريمة لزعيم هذا الشعب في قمتهم، هؤلاء لا يستحقون شرف التمثيل الفلسطيني في اجتماعهم، مثلما هم غير مؤهلين، وغير مفوضين، في الوقت نفسه، للتقدم بمبادرة نيابة عن شعب يقاتل ويواجه الدبابات، ويقدم مئات الشهداء، ولا يصرخ مطلقا، ولا يستعطف احدا.
وليست صدفة ان تكون الادارة الامريكية هي الاكثر حماسا وتأييدا لانعقاد هذه القمة، وهي التي عارضت جميع القمم العربية السابقة، وأخرت، او بالأحري عطلت، كل محاولات المصالحة وجمع الشمل العربي.
القمة العربية المقبلة هي الاهم امريكيا لسببين: الاول يتلخص في كونها ستعتمد مبادرة ستخفض سقف المطالب العربية الي مستوي متدن، والثاني في كونها ستعمل علي تحويل الانظار عن الاستعدادات الامريكية المتصاعدة لتوجيه عدوان ساحق الي العراق في غضون الاشهر الستة القادمة.
رجل الشارع العربي يراقب هذا السيرك السياسي دون مبالاة، ويتابع اخبار القمة من منطلق التسلية لا اكثر ولا اقل، فهذا زعيم يقاطع خوفا علي حياته، وآخر حردا علي عدم مناقشة مبادرته، وثالث يشارك طمعا في المكافأة المالية السعودية، ورابع املا في لقطة او مقابلة تلفزيونية عابرة تؤكد انه مازال موجودا علي الساحة.
اما ابطال الانتفاضة فمنشغلون بما هو اهم، وهو الدفاع عن الكرامة العربية، والتمسك بالخيار العسكري الذي اسقطه من حساباته من انفقوا مئات المليارات من الدولارات علي صفقات الاسلحة الامريكية والاوروبية الحديثة.
مواكب جنائز الشهداء ستتواصل، وستتزامن مع مواكب الزعماء العرب التي ستخترق شوارع مدينة بيروت، معطرة، فارهة، محاطة بأضواء سيارات الشرطة وابواق دراجاتها النارية، بينما يجلس الزعيم مزهوا بنفسه في المقاعد الخلفية، معدلا من هيئته وابتسامته مع كل حزمة ضوء تنبعث من كاميرا مصور صحافي او تلفزيوني.
مدن الصفيح، ومخيمات اللجوء، وكل نزلاء حزام الفقر المحيط بالعاصمة اللبنانية، سيراقبون المشهد ايضا، ويتمنون لو ان باستطاعتهم التقاط حجر من الرصيف، وقذفه علي احد المواكب، أو جميعها نيابة عن الامة بأسرها.
www.alquds.co.uk (http://www.alquds.co.uk/display.asp?fname=/alquds/articles/data/2002/03/03-25/g24.htm)