المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية نهاية مؤلمة لقمة بيروت



MandN
27-03-2002, 11:30 AM
عبد الباري عطوان:

قاطع نصف الزعماء العرب اعمال القمة العربية المنعقدة في بيروت، بينما تعمد ارييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي منع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من مغادرة مكتبه في رام الله، والسفر الي بيروت للمشاركة في اعمال القمة.
هذه المقاطعة، التي بلغت ذروتها بانضمام الرئيس مبارك الي قائمة المقاطعين، تحتم علي ولي العهد السعودي الامير عبد الله بن عبد العزيز اتخاذ خطوة شجاعة امام القمة، وفي جلستها الافتتاحية، تتمثل في سحب مبادرته واعادتها الي ادراج مكتبه، لتدفن فيها الي اجل غير مسمي.
فالامير عبد الله قال انه تردد في طرح هذه المبادرة، التي كانت جاهزة في احد ادراج مكتبه، بسبب التصعيد الدموي الذي اقدم عليه شارون ضد المدنيين العزل في الاراضي العربية المحتلة.
التصعيد الدموي لم يتوقف، وهناك حديث عن خطة اسرائيلية لاعادة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، والحاق اكبر قدر من الخسائر البشرية والمادية في صفوف الشعب الفلسطيني، وسلطته الوطنية. والاكثر من هذا ان رئيس الوزراء الاسرائيلي استخف بالزعماء العرب وقمتهم، عندما رفض كل الوساطات والاستجداءات للافراج عن الرئيس عرفات والسماح له بالسفر الي بيروت.
والسؤال هو عن جدوي المضي قدما في التلويح بغصن الزيتون لزعيم اسرائيلي علي هذه الدرجة من الشراسة والوحشية، واعتماد مبادرة مصيرها الرفض المهين من طرفه؟
المدافعون عن المبادرة السعودية يقولون انها ليست مقدمة الي شارون، وانما الي الرأي العام الاسرائيلي، لتشجيع معسكر السلام في صفوفه، وعزل اليمين المتطرف، وظهور العرب امام العالم بأسره، وخاصة بعد احداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر)، بمظهر المحب للسلام والتعايش.
ووجهة النظر هذه تنطوي علي الكثير من الصحة، من الناحية النظرية، ولكنها تتضمن العديد من نواحي القصور التي تحول دون احداثها التأثير المطلوب من الناحية العملية. فالرأي العام الاسرائيلي لا يتأثر بمبادرة تتقدم بها قمة لزعماء عرب اختاروا السلام من منطلق الضعف، والادعاء بقلة الحيلة، وليس من موقع القوة.
وثبت عمليا، ان عنصر التأثير الاعظم في الرأي العام الاسرائيلي هو الانتفاضة الفلسطينية وانعكاساتها المدمرة علي الاقتصاد والامن الاسرائيليين، وصورة اسرائيل كدولة عنصرية محتلة تمارس الاضطهاد والقتل ضد شعب اعزل.
ومن المفارقة ان تأثير المبادرة السعودية الايجابي علي الرأي العام الاسرائيلي كان محدودا، بينما كان تأثيرها السلبي متعاظما في الجانب العربي، حيث احدثت انقسامات جديدة، وفاقمت خلافات سابقة، وافشلت او كادت، فكرة الانعقاد الدوري لمؤسسة القمة العربية.
ونحن لا نكشف سرا، اذا قلنا ان معظم الزعماء العرب الذين تغيبوا عن قمة بيروت، فعلوا ذلك لاسباب تعود بطريقة مباشرة، او غير مباشرة، لموقف ما من المبادرة السعودية.
فالزعيم الليبي معمر القذافي لم يتغيب عن القمة خوفا من تعرضه لحادث اغتيال في بيروت انتقاما لاختفاء الامام موسي الصدر، رغم وجاهة هذا السبب، وانما احتجاجا علي استخفاف الزعماء العرب بمبادرته التي تقدم بها الي قمة عمان السابقة. وهناك زعماء عرب تضامنوا معه في هذا الغياب ظاهريا، ولاسباب اخري مختلفة تماما. فالرئيس مبارك لم يكن سعيدا بالمبادرة السعودية التي لم يستشر فيها قبل اعلانها، ولم يعلم بتفاصيلها الا من خلال ما نشر عنها في الصحف. فهذه المبادرة تشكل في رأيه تعديا علي دوره كعراب للسلام في المنطقة، وتحرمه من اهم الاوراق الاستراتيجية التي يلعب بها علي الساحتين الاقليمية والدولية. مضافا الي ذلك ان الرئيس مبارك لم يشأ اغضاب الزعيم الليبي، واراد التعبير في الوقت نفسه عن استيائه من فشل ضغوطه علي الولايات المتحدة للمساعدة بجدية في رفع الحظر عن سفر الرئيس الفلسطيني.
النهاية المأساوية التي تقترب منها قمة بيروت تذكرنا بالنهاية نفسها التي انتهت اليها قمة فاس الاولي عام 1981، ومن المفارقة ان الاولي انهارت بسبب مبادرة سلام سعودية، والثانية للسبب نفسه ايضا، رغم تغير الظروف، والفترة الزمنية الكبيرة التي تفصل بينهما.
الامير عبد الله المعروف بشجاعته، وجرأته، يستطيع ان يقف علي منبر القمة، ويعلن امام عدسات التلفزة العربية والعالمية، انه يسحب مبادرته، ويحمّل شارون ودولته العبرية المسؤولية الكاملة عن تدهور الاوضاع في المنطقة وانجرافها بسرعة نحو الفوضي وعدم الاستقرار.
قمة بيروت لفظت انفاسها قبل ان تبدأ اعمالها، وهي تجسد بصورة دقيقة حالة افلاس النظام العربي الرسمي، وعجزه في السلم والحرب، مثلما تعكس الهوة الواسعة بين هذا النظام والشارع العربي، وهي هوة بات من الصعب تجسيرها، وتؤشر الي قرب الطلاق النهائي بين الجانبين.
www.alquds.co.uk (http://www.alquds.co.uk/display.asp?fname=/alquds/articles/data/2002/03/03-27/g28.htm)