امريءالقيس
29-03-2002, 06:13 PM
كتب - مصطفى عبد الجواد
" اضبط .. هذا داعية لكنه يتخفى في ثوب عصري ، خلع الجلباب وحلق اللحية وارتدى الجينز والكرافته ، وجمع حوله جمهورا غفيرا من شباب الطبقة الوسطى والراقية ، يسحر افئدتهم بكلامه المعسول عن العودة الى الله والتوبة والجنة " .. هكذا حولت بعض الصحف والمجلات ظاهرة " الدعاه الجدد " الى مطاردة بوليسية ، واصبح المشتغلون بالدعوة الاسلامية في قفص الاتهام سواء ارتدوا الجلباب واطلقوا اللحية أو حلقوا اللحية وارتدوا الملابس العصرية . ففي التسعينات كان دعاة الجماعات الاسلامية تطاردهم اوصاف كثيرة : انهم مكفهرو الوجه ، رثوا الثياب ، معقدون نفسيا بسبب اوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية المتدنية ، اما دعاة الالفية الثلاثة فتهمتهم انهم ينافسون مطربي الاغنية " الشبابية " ويجرون وراء القنوات الفضائية وتقنيات شبكة الانترنت ، وقد وصف البعض هؤلاء الدعاة بانهم " دعاة خمس نجوم " يقتصر نشاطهم على اندية الصفوة ومساجد الاحياء الراقية ، اضافة الى الجلسات الخاصة في منازل الاثرياء .هكذا تم تجاهل مضمون ما يقدمه هؤلاء الدعاة من فكر ودين ، وتم تسطيح القضية في ما يلبسونه وما يأكلونه ، وكيف انهم يتابعون احدث صيحات الموضة ، ويركبون احدث موديلات السيارات ، ويسكنون في احياء راقية ، وتحولت بعض التحقيقات الصحفية التى تناولت تلك الظاهرة الى ما يشبه البلاغات الامنية ، واخذ محرروها في التنقيب داخل الملفات القديمة لهؤلاء الدعاة للبحث عن سقطات اخلاقية او صلات محتملة لهم بجماعات الاسلام السياسي - على حد وصف تلك الصحف - ، مع ان التناول الموضوعي لتلك الظاهرة كان يوجب عليها التنقيب في افكار هؤلاء الدعاة ومدى صلاحيتهم للدعوة والافتاء وليس في شكلهم وملبسهم ، وكان عليها ان توجه خطابها الى علماء ورجال المؤسسة الدينية الرسمية ـ الازهر الشريف ـ فهم الاقدر على تحديد مدى احقية وكفاءة هؤلاء في العمل في مجال الدعوة .
دعاة ولكن ليسوا جددا
ويرى العديد من المحللين ذوي الصلة بالشان الاسلامي ان الحديث عن " دعاة جدد " يبدو غير دقيق ، فالشئ الجديد في تلك الظاهرة يتمثل فقط في امرين : اولهما صغر سن هؤلاء الدعاة والامر الثاني هو حجم التناول الاعلامي المكثف لنشاط هؤلاء الدعاة . اما عن وجود دعاة يرتدون البدلة ويجيدون اللغات الاجنبية فليس بالامر الجديد ، فمعظم اساتذة جامعة الازهر في مصر يفعلون ذلك ، والشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - كان يجيد الانجليزية والفرنسية بطلاقة ، وكان يطلع بشكل واسع على الصحف الانجليزية والفرنسية ويحرص على تضمين كتبه إحالات وإشارت عديدة لموضوعات لتلك الصحف ، وفيما يتعلق بالظهور على القنوات الفضائية فان الداعية الاسلامي الدكتور يوسف القرضاوي - وهو لا يصنف في خانة الجدد - يعد الارسخ قدما في هذا المضمار ، وله برامج اسبوعية ثابتة في بعض القنوات ، اضافة الى ذلك فان مريدي الشيخ قاموا باطلاق العديد من المواقع التى تضم كتبه ومؤلفاته وخطبه على شبكة الانترنت ، واما فيما يتعلق بارتداء الملابس العصرية فان الدكتور عبد الله شحاته يعد الاطول باعا في ذلك المجال ، وهو على الرغم من كبر سنه يحرص على اداء رياضته اليومية على الدراجة مرتديا بدلة وحذاء رياضيين وقبعة للحماية من اشعة الشمس ، ويتميز د. عبد الله بشياكة واناقة لا تخطئها العين .
عمرو خالد داعية ام صوفي
ويعد الشيخ عمرو خالد الاكثر شهرة بين الدعاة " المودرن " ، وتلقى دروسه اقبالا كبيرا من جانب مختلف الطبقات والاعمار السنية ، وفي كل مرة كان ينتقل فيها عمرو خالد من مسجد لاخر كان يتبعه جمهوره الى حيث يستقر به المقام ، وعلى الرغم من انه لم يبلغ بعد الخامسة والثلاثين ، الا ان عمرو خالد يتمتع بقدرة كبيرة على فهم دخائل مريديه خاصة الشباب من الجنسين ، وذلك من خلال لغة سهلة تبدو اقرب للعامية منها الى الفصحى ، وغالبا ما يناقش خلال دروسه قضايا اخلاقية واجتماعية معاصرة ، وهو ما يشعر الشباب بقربه منهم وتفهمه لمشاكلهم ومعاناتهم .
ويشدد عمرو خالد على انه ليس مفتيا ، ويرفض الاجابة الى الاسئلة الفقهية التى توجه اليه ، ويحيلها الى لجان الفتوى في الازهر الشريف ، ويبدو هذا امرا طبيعيا ، فالرجل تخرج من كلية التجارة 1988 ثم التحق بالعمل باحدى مكاتب الحسابات ، قبل ان يستقل بمكتب خاص به ، ولكي يعمق معرفته واطلاعه الديني ، التحق عمرو خالد باحدى معاهد الدراسات الاسلامية ، كما انه يحضر للحصول على درجة الماجستير في الاقتصاد الاسلامي .
ويلخص عمرو خالد اسلوبه في الدعوة في عرض الدين بشكل مبسط يحرك القلوب ويحسن الصلة بالله ، وذلك من خلال احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وحكايات السيرة وقصص الصحابة ، ويرفض عمرو خالد وصفه بـ " شيخ الشباب " ، مؤكدا ان جمهوره من مختلف الشرائح العمرية ، وان كان صغر سنه وقربه من مشاكل الشباب يجعله قادرا على فهم مشاكلهم وفتح مجالات للحوار المبسط وايصال المعلومات بكلام علمي بعيدا عن لغة الامر والنهي ، وهذا ما يجعله يلقى قبولا لدى الشباب .
ويحرص عمرو خالد من خلال برامجه التى تذاع عبر القنوات الفضائية على استضافة نماذج لشباب انتظموا في الالتزام بالشعائر والفروض وشابات ارتدين الحجاب بعد سماعهن لدروسه ، وهو ما يوضح مدى قوة الارتباط بينه وبين جمهوره ، الامر الذي دفع البعض لوصف العلاقة بين عمرو خالد ومريديه بانها اشبه بالعلاقة بين القطب الصوفي واتباعه .
ولكن عرض نماذج لـ " التائبين " جعل البعض يتهم عمرو خالد بمحاولة محاكة فكرة " الاعتراف " في العقيدة المسيحية ، ويرى هؤلاء ان عمرو خالد يروج بين الشباب انه بسماع عدة دروس من الحكم والمواعظ وقليلا من الدموع فانهم يتخلصون من ذنوبهم ، اضافة الى ان الشيخ لا يحظر ملابس بعينها ولا ينفر الشباب من حياتهم المترفة ومتعها كما يفعل الدعاة الاخرون .
خالد الجندي والافتاء عبر الهاتف
والى جانب عمرو خالد ، يعتبر الشيخ خالد الجندي احد ابرز الدعاة الشبان ، خاصة انه يتميز عن الاول بانه احد ابناء الازهر الشريف ، حيث يحمل شهادة الليسانس من كلية اصول الدين ، وبعد تخرجه التحق بالعمل خطيبا واماما بوزارة الاوقاف ، كما انه واصل دراسته العليا في كلية اصول الدين وقسم الفلسفة الاسلامية بكلية دار العلوم .
ويفخر الشيخ خالد الجندي بانه تلقى العلم على يد رجاله في جامعة الازهر ، ويروي في احاديثه كيف انه كان يجوب طول البلاد وعرضها سعيا وراء درس لاحد هؤلاء العلماء الاجلاء ، وساعده حرصه على طلب العلم على اعتلاء المنبر مبكرا وقبل ان يفرغ من دراسته الثانوية في الازهر .
ويرفض خالد الجندي اتهام الدعاة الجدد بالسعي وراء النجومية ، ملخصا منهج هؤلاء الدعاة في التحدث باللغة التى يفهمها المجتمع ، ولان لسان المجتمع بتغير من جيل الى جيل ، ومن مكان الى مكان ، ومن مستوى فكري الى اخر ، فقد بات ضروريا ان تتغير لغة واسلوب الداعية لتناسب جمهوره ، فالتبسيط في العبارة هو الذي يجذب الناس الى الدعوة .
ويفند خالد الجندي الاتهام الذي يوجه لمعظم الدعاة " المودرن " بالتيسير الزائد ، والذي يصل احيانا الى حد التنازل في حقوق وحدود الدين ، مؤكدا انه لا احد يملك فتح اوكازيون الهي للعباد ، وان الفتوى لا تقدم وفق مبدأ " ما يطلبه المستمعون " ، فالتيسير منهج اتبعه الرسول في الدعوة ، وشتان الفارق بين التيسير والتفريط .
ويعتبر خالد الجندي صاحب تجربة جديدة في مجال الدعوة ، وهي " الهاتف الاسلامي " ، وذلك من خلال تخصيص خدمة تليفونية مدفوعة الاجر لتلقي الفتاوى وتقديم الاجوبة عليها ، ويتحمل طالب الفتوى قيمة المكالمة ، ويقسم عائد المكالمات بين شركة الاتصالات والشركة مقدمة الخدمة وفريق الدعاة الذي يتولى الاجابة على الفتاوى ويحصل على 25 % من ثمن المكالمة .
ويتلقى الهاتف الاسلامي شهريا ما يقرب من 15 الف سؤال ، وتتعلق معظم الاسئلة بفتاوى اسرية وجنسية وغيرها من القضايا التى قد يجد السائل حرجا في طرحها بشكل مباشر على لجان الفتوى . ولكن فكرة الفتاوي مدفوعة الاجر اثارت الكثير من الانتقادات ، فالدكتور يحيي اسماعيل الاستاذ بجامعة الازهر يؤكد انه لا يليق أن يتاجر البعض بالفتاوى، وتقبل المال مقابل الفتوى يعتبر إثما ومعصية ، فالفتاوى هي من اختصاص أهل الفتاوى وأصحاب العلم والمعرفة العميقة في مفهوم الدين الإسلامي .
وينفي خالد الجندي ان يكون ما يتقاضاه من قيمة المكالمة هو مقابل اعطاء الفتوى ، بل مقابل استعمال التكنولوجيا ووقت العلماء الذين يتولون الرد على الاسئلة ، ويتعجب الجندي من صمت الجميع عندما تم تخصيص هواتف للاغاني والنكت وحظك اليوم ، في حين ان الدنيا قامت ولم تقعد عندما خصص هاتف لتلقي الفتاوى والاستشارات الدينية .
الدعوة بين الهواة والمتخصصين
ويدافع الدكتور يوسف القرضاوي عن شباب الدعوة الاسلامية ، مشيرا الى انه استمع الى احدى حلقات الشاب " الصالح " عمرو خالد في قناة " إقرأ " ، ووجده يتكلم كلاما طيبا في الرقائق والاخلاقيات ليست ضد الدوله لا تدعو الي ارهاب ولا عنف ، وتساءل : " فلماذا نضيق بهذا ذرعا ؟ ! " . ويحذر القرضاوي من احتمال " وجود بطانه سوء هي التي تخوف من هولاء الناس وتضخم بعض الاشياء " .
ويبدى الدكتور يحيى اسماعيل تحفظا على ظاهرة الدعاة الجدد ويصفهم بـ " الهواة " ، مشددا على ان الاسلام يسع الجميع ووجود هؤلاء خير من عدمه ، لكن الفقه والفتوى لهما اهلهما ، واذا تغيب الدعاة المتخصصون فان الهواة سيتقدمون لملء الفراغ الناتج عن غيابهم ، وهنا موطن الخطورة ، حيث سيتقدم للفتوى من ليس اهلا لها .
ويحمل د. اسماعيل وسائل الاعلام مسئولية تشويه صورة المسجد ورجل الدين التقليدي في نظر الشباب ، وهو ما جعل افراد الطبقات الوسطى والراقية يفضلون ان ياتي اليهم العلماء في النادي او المنزل بدلا من ذهاب اولادهم الى المسجد باعتبار ذلك بداية التطرف والارهاب . ويحذر الدكتور يحيي اسماعيل من خطورة غياب الدعاة المتخصصين عن ميدان الدعوة ، مشيرا الى ان ذلك تسبب في ظهور جرائم من عبدة الشيطان وجماعات الشواذ .
التدين الدمث والتدين الجهادي
ولفتت ظاهرة الدعاة الجدد انتباه الدكتور يحيى الرخاوي استاذ الطب النفسي ، وخصص مقاله الاسبوعي في صحيفة " الوفد " القاهرية لتناول الظاهرة ، وجاء عنوان المقال - " المغزى السياسي لظاهرة عمرو خالد " - معبرا مدى تشعب الظاهرة وتغلغلها داخل المجتمع .
ويرى الرخاوي ان حالة العزل الاجباري للمصريين عن ممارسة السياسة ، دفعتهم الى البحث عن بدائل وقضايا اخرى يلتفون حولها ، وبما ان الشعب المصري بطبيعته متدين فان المد الديني شكل بديلا وعلاجا لحالة الاغتراب السياسي ، واكتسبت حلقات " العلم والايمان " التى كان يقدمها الدكتور مصطفى محمود للتليفزيون المصري شعبية هائلة بين المشاهدين ، وعلى نفس النهج تسير الحلقات التي يقدمها الدكتور زغلول النجار و هي تتناول الاعجاز العلمي في القران . وفي مجال الدعوة المتخصصة حظي الدرس الاسبوعي للداعية الشيخ محمد متولى الشعراوي بقبول تعدى حدود مصر والعالم العربي الى مختلف دول العالم الاسلامي ، وليكتسب صاحبها بجدارة لقب " إمام الدعاة الى الله " .
وبرغم اشادة الرخاوي بالمضمون الديني والاخلاقي الذي تقدمه دروس الشيخ عمرو خالد ، وفرحته بالتفاف الشباب حولها بدلا من التفافهم حول " الجوزة او حلقات ذكر الشيطان " ، الا انه يطرح عدة تساؤلات تبدو جديرة بالاهتمام والدراسة من جانب علماء الدين ورجال الدعوة ، فالرخاوي يخشى ان يتصور البعض امكانية الهاء الشباب بهذا الجانب المتصوف من الاسلام عن حقهم في المشاركة ومسئوليتهم في الوجود وضرورة الكدح والسعي لتعمير المجتمع ومكافحة الظلم ، اضافة الى الخوف من ان ينسي هذا التدين الدمث ، حقائق اساسية في الاسلام مثل الجهاد والاستشهاد وبذل النفس والمال .
ويحذر الرخاوي من خطورة ان تتصور الدولة أنها يمكن أن تروج لجرعة دينية بالقدر الذي يناسبها، وللغرض الذي تضمره ، فالسادات دفع حياته ثمنا لهذا الخطأ .
ويعد تاريخ الدعوة في الاسلام احدى العلامات المضيئة في تاريخ وانتشار هذا الدين ، فوسائل الدعوة تختلف من مكان لاخر ، ونفس الامر ينطبق على لغة الدعوة والدعاة ، ولكن تبقى المبادئ ثابتة واصيلة وغير قابلة للتعديل او التبديل ، فرخص ابن عباس لم تنفر الناس من شدائد ابن عمر ، وزهد ابي ذر الغفاري لم يثير الغبار حول ثراء عبد الرحمن بن عوف . كذلك الامر بالنسبة لتجدد اساليب ووسائل الدعوة والدعاة ، طالما تم الحفاظ على جوهر ومبادئ الاسلام .
نقلا عن شبكة المعلومات العربيه ( محيط )
" اضبط .. هذا داعية لكنه يتخفى في ثوب عصري ، خلع الجلباب وحلق اللحية وارتدى الجينز والكرافته ، وجمع حوله جمهورا غفيرا من شباب الطبقة الوسطى والراقية ، يسحر افئدتهم بكلامه المعسول عن العودة الى الله والتوبة والجنة " .. هكذا حولت بعض الصحف والمجلات ظاهرة " الدعاه الجدد " الى مطاردة بوليسية ، واصبح المشتغلون بالدعوة الاسلامية في قفص الاتهام سواء ارتدوا الجلباب واطلقوا اللحية أو حلقوا اللحية وارتدوا الملابس العصرية . ففي التسعينات كان دعاة الجماعات الاسلامية تطاردهم اوصاف كثيرة : انهم مكفهرو الوجه ، رثوا الثياب ، معقدون نفسيا بسبب اوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية المتدنية ، اما دعاة الالفية الثلاثة فتهمتهم انهم ينافسون مطربي الاغنية " الشبابية " ويجرون وراء القنوات الفضائية وتقنيات شبكة الانترنت ، وقد وصف البعض هؤلاء الدعاة بانهم " دعاة خمس نجوم " يقتصر نشاطهم على اندية الصفوة ومساجد الاحياء الراقية ، اضافة الى الجلسات الخاصة في منازل الاثرياء .هكذا تم تجاهل مضمون ما يقدمه هؤلاء الدعاة من فكر ودين ، وتم تسطيح القضية في ما يلبسونه وما يأكلونه ، وكيف انهم يتابعون احدث صيحات الموضة ، ويركبون احدث موديلات السيارات ، ويسكنون في احياء راقية ، وتحولت بعض التحقيقات الصحفية التى تناولت تلك الظاهرة الى ما يشبه البلاغات الامنية ، واخذ محرروها في التنقيب داخل الملفات القديمة لهؤلاء الدعاة للبحث عن سقطات اخلاقية او صلات محتملة لهم بجماعات الاسلام السياسي - على حد وصف تلك الصحف - ، مع ان التناول الموضوعي لتلك الظاهرة كان يوجب عليها التنقيب في افكار هؤلاء الدعاة ومدى صلاحيتهم للدعوة والافتاء وليس في شكلهم وملبسهم ، وكان عليها ان توجه خطابها الى علماء ورجال المؤسسة الدينية الرسمية ـ الازهر الشريف ـ فهم الاقدر على تحديد مدى احقية وكفاءة هؤلاء في العمل في مجال الدعوة .
دعاة ولكن ليسوا جددا
ويرى العديد من المحللين ذوي الصلة بالشان الاسلامي ان الحديث عن " دعاة جدد " يبدو غير دقيق ، فالشئ الجديد في تلك الظاهرة يتمثل فقط في امرين : اولهما صغر سن هؤلاء الدعاة والامر الثاني هو حجم التناول الاعلامي المكثف لنشاط هؤلاء الدعاة . اما عن وجود دعاة يرتدون البدلة ويجيدون اللغات الاجنبية فليس بالامر الجديد ، فمعظم اساتذة جامعة الازهر في مصر يفعلون ذلك ، والشيخ محمد الغزالي - رحمه الله - كان يجيد الانجليزية والفرنسية بطلاقة ، وكان يطلع بشكل واسع على الصحف الانجليزية والفرنسية ويحرص على تضمين كتبه إحالات وإشارت عديدة لموضوعات لتلك الصحف ، وفيما يتعلق بالظهور على القنوات الفضائية فان الداعية الاسلامي الدكتور يوسف القرضاوي - وهو لا يصنف في خانة الجدد - يعد الارسخ قدما في هذا المضمار ، وله برامج اسبوعية ثابتة في بعض القنوات ، اضافة الى ذلك فان مريدي الشيخ قاموا باطلاق العديد من المواقع التى تضم كتبه ومؤلفاته وخطبه على شبكة الانترنت ، واما فيما يتعلق بارتداء الملابس العصرية فان الدكتور عبد الله شحاته يعد الاطول باعا في ذلك المجال ، وهو على الرغم من كبر سنه يحرص على اداء رياضته اليومية على الدراجة مرتديا بدلة وحذاء رياضيين وقبعة للحماية من اشعة الشمس ، ويتميز د. عبد الله بشياكة واناقة لا تخطئها العين .
عمرو خالد داعية ام صوفي
ويعد الشيخ عمرو خالد الاكثر شهرة بين الدعاة " المودرن " ، وتلقى دروسه اقبالا كبيرا من جانب مختلف الطبقات والاعمار السنية ، وفي كل مرة كان ينتقل فيها عمرو خالد من مسجد لاخر كان يتبعه جمهوره الى حيث يستقر به المقام ، وعلى الرغم من انه لم يبلغ بعد الخامسة والثلاثين ، الا ان عمرو خالد يتمتع بقدرة كبيرة على فهم دخائل مريديه خاصة الشباب من الجنسين ، وذلك من خلال لغة سهلة تبدو اقرب للعامية منها الى الفصحى ، وغالبا ما يناقش خلال دروسه قضايا اخلاقية واجتماعية معاصرة ، وهو ما يشعر الشباب بقربه منهم وتفهمه لمشاكلهم ومعاناتهم .
ويشدد عمرو خالد على انه ليس مفتيا ، ويرفض الاجابة الى الاسئلة الفقهية التى توجه اليه ، ويحيلها الى لجان الفتوى في الازهر الشريف ، ويبدو هذا امرا طبيعيا ، فالرجل تخرج من كلية التجارة 1988 ثم التحق بالعمل باحدى مكاتب الحسابات ، قبل ان يستقل بمكتب خاص به ، ولكي يعمق معرفته واطلاعه الديني ، التحق عمرو خالد باحدى معاهد الدراسات الاسلامية ، كما انه يحضر للحصول على درجة الماجستير في الاقتصاد الاسلامي .
ويلخص عمرو خالد اسلوبه في الدعوة في عرض الدين بشكل مبسط يحرك القلوب ويحسن الصلة بالله ، وذلك من خلال احاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وحكايات السيرة وقصص الصحابة ، ويرفض عمرو خالد وصفه بـ " شيخ الشباب " ، مؤكدا ان جمهوره من مختلف الشرائح العمرية ، وان كان صغر سنه وقربه من مشاكل الشباب يجعله قادرا على فهم مشاكلهم وفتح مجالات للحوار المبسط وايصال المعلومات بكلام علمي بعيدا عن لغة الامر والنهي ، وهذا ما يجعله يلقى قبولا لدى الشباب .
ويحرص عمرو خالد من خلال برامجه التى تذاع عبر القنوات الفضائية على استضافة نماذج لشباب انتظموا في الالتزام بالشعائر والفروض وشابات ارتدين الحجاب بعد سماعهن لدروسه ، وهو ما يوضح مدى قوة الارتباط بينه وبين جمهوره ، الامر الذي دفع البعض لوصف العلاقة بين عمرو خالد ومريديه بانها اشبه بالعلاقة بين القطب الصوفي واتباعه .
ولكن عرض نماذج لـ " التائبين " جعل البعض يتهم عمرو خالد بمحاولة محاكة فكرة " الاعتراف " في العقيدة المسيحية ، ويرى هؤلاء ان عمرو خالد يروج بين الشباب انه بسماع عدة دروس من الحكم والمواعظ وقليلا من الدموع فانهم يتخلصون من ذنوبهم ، اضافة الى ان الشيخ لا يحظر ملابس بعينها ولا ينفر الشباب من حياتهم المترفة ومتعها كما يفعل الدعاة الاخرون .
خالد الجندي والافتاء عبر الهاتف
والى جانب عمرو خالد ، يعتبر الشيخ خالد الجندي احد ابرز الدعاة الشبان ، خاصة انه يتميز عن الاول بانه احد ابناء الازهر الشريف ، حيث يحمل شهادة الليسانس من كلية اصول الدين ، وبعد تخرجه التحق بالعمل خطيبا واماما بوزارة الاوقاف ، كما انه واصل دراسته العليا في كلية اصول الدين وقسم الفلسفة الاسلامية بكلية دار العلوم .
ويفخر الشيخ خالد الجندي بانه تلقى العلم على يد رجاله في جامعة الازهر ، ويروي في احاديثه كيف انه كان يجوب طول البلاد وعرضها سعيا وراء درس لاحد هؤلاء العلماء الاجلاء ، وساعده حرصه على طلب العلم على اعتلاء المنبر مبكرا وقبل ان يفرغ من دراسته الثانوية في الازهر .
ويرفض خالد الجندي اتهام الدعاة الجدد بالسعي وراء النجومية ، ملخصا منهج هؤلاء الدعاة في التحدث باللغة التى يفهمها المجتمع ، ولان لسان المجتمع بتغير من جيل الى جيل ، ومن مكان الى مكان ، ومن مستوى فكري الى اخر ، فقد بات ضروريا ان تتغير لغة واسلوب الداعية لتناسب جمهوره ، فالتبسيط في العبارة هو الذي يجذب الناس الى الدعوة .
ويفند خالد الجندي الاتهام الذي يوجه لمعظم الدعاة " المودرن " بالتيسير الزائد ، والذي يصل احيانا الى حد التنازل في حقوق وحدود الدين ، مؤكدا انه لا احد يملك فتح اوكازيون الهي للعباد ، وان الفتوى لا تقدم وفق مبدأ " ما يطلبه المستمعون " ، فالتيسير منهج اتبعه الرسول في الدعوة ، وشتان الفارق بين التيسير والتفريط .
ويعتبر خالد الجندي صاحب تجربة جديدة في مجال الدعوة ، وهي " الهاتف الاسلامي " ، وذلك من خلال تخصيص خدمة تليفونية مدفوعة الاجر لتلقي الفتاوى وتقديم الاجوبة عليها ، ويتحمل طالب الفتوى قيمة المكالمة ، ويقسم عائد المكالمات بين شركة الاتصالات والشركة مقدمة الخدمة وفريق الدعاة الذي يتولى الاجابة على الفتاوى ويحصل على 25 % من ثمن المكالمة .
ويتلقى الهاتف الاسلامي شهريا ما يقرب من 15 الف سؤال ، وتتعلق معظم الاسئلة بفتاوى اسرية وجنسية وغيرها من القضايا التى قد يجد السائل حرجا في طرحها بشكل مباشر على لجان الفتوى . ولكن فكرة الفتاوي مدفوعة الاجر اثارت الكثير من الانتقادات ، فالدكتور يحيي اسماعيل الاستاذ بجامعة الازهر يؤكد انه لا يليق أن يتاجر البعض بالفتاوى، وتقبل المال مقابل الفتوى يعتبر إثما ومعصية ، فالفتاوى هي من اختصاص أهل الفتاوى وأصحاب العلم والمعرفة العميقة في مفهوم الدين الإسلامي .
وينفي خالد الجندي ان يكون ما يتقاضاه من قيمة المكالمة هو مقابل اعطاء الفتوى ، بل مقابل استعمال التكنولوجيا ووقت العلماء الذين يتولون الرد على الاسئلة ، ويتعجب الجندي من صمت الجميع عندما تم تخصيص هواتف للاغاني والنكت وحظك اليوم ، في حين ان الدنيا قامت ولم تقعد عندما خصص هاتف لتلقي الفتاوى والاستشارات الدينية .
الدعوة بين الهواة والمتخصصين
ويدافع الدكتور يوسف القرضاوي عن شباب الدعوة الاسلامية ، مشيرا الى انه استمع الى احدى حلقات الشاب " الصالح " عمرو خالد في قناة " إقرأ " ، ووجده يتكلم كلاما طيبا في الرقائق والاخلاقيات ليست ضد الدوله لا تدعو الي ارهاب ولا عنف ، وتساءل : " فلماذا نضيق بهذا ذرعا ؟ ! " . ويحذر القرضاوي من احتمال " وجود بطانه سوء هي التي تخوف من هولاء الناس وتضخم بعض الاشياء " .
ويبدى الدكتور يحيى اسماعيل تحفظا على ظاهرة الدعاة الجدد ويصفهم بـ " الهواة " ، مشددا على ان الاسلام يسع الجميع ووجود هؤلاء خير من عدمه ، لكن الفقه والفتوى لهما اهلهما ، واذا تغيب الدعاة المتخصصون فان الهواة سيتقدمون لملء الفراغ الناتج عن غيابهم ، وهنا موطن الخطورة ، حيث سيتقدم للفتوى من ليس اهلا لها .
ويحمل د. اسماعيل وسائل الاعلام مسئولية تشويه صورة المسجد ورجل الدين التقليدي في نظر الشباب ، وهو ما جعل افراد الطبقات الوسطى والراقية يفضلون ان ياتي اليهم العلماء في النادي او المنزل بدلا من ذهاب اولادهم الى المسجد باعتبار ذلك بداية التطرف والارهاب . ويحذر الدكتور يحيي اسماعيل من خطورة غياب الدعاة المتخصصين عن ميدان الدعوة ، مشيرا الى ان ذلك تسبب في ظهور جرائم من عبدة الشيطان وجماعات الشواذ .
التدين الدمث والتدين الجهادي
ولفتت ظاهرة الدعاة الجدد انتباه الدكتور يحيى الرخاوي استاذ الطب النفسي ، وخصص مقاله الاسبوعي في صحيفة " الوفد " القاهرية لتناول الظاهرة ، وجاء عنوان المقال - " المغزى السياسي لظاهرة عمرو خالد " - معبرا مدى تشعب الظاهرة وتغلغلها داخل المجتمع .
ويرى الرخاوي ان حالة العزل الاجباري للمصريين عن ممارسة السياسة ، دفعتهم الى البحث عن بدائل وقضايا اخرى يلتفون حولها ، وبما ان الشعب المصري بطبيعته متدين فان المد الديني شكل بديلا وعلاجا لحالة الاغتراب السياسي ، واكتسبت حلقات " العلم والايمان " التى كان يقدمها الدكتور مصطفى محمود للتليفزيون المصري شعبية هائلة بين المشاهدين ، وعلى نفس النهج تسير الحلقات التي يقدمها الدكتور زغلول النجار و هي تتناول الاعجاز العلمي في القران . وفي مجال الدعوة المتخصصة حظي الدرس الاسبوعي للداعية الشيخ محمد متولى الشعراوي بقبول تعدى حدود مصر والعالم العربي الى مختلف دول العالم الاسلامي ، وليكتسب صاحبها بجدارة لقب " إمام الدعاة الى الله " .
وبرغم اشادة الرخاوي بالمضمون الديني والاخلاقي الذي تقدمه دروس الشيخ عمرو خالد ، وفرحته بالتفاف الشباب حولها بدلا من التفافهم حول " الجوزة او حلقات ذكر الشيطان " ، الا انه يطرح عدة تساؤلات تبدو جديرة بالاهتمام والدراسة من جانب علماء الدين ورجال الدعوة ، فالرخاوي يخشى ان يتصور البعض امكانية الهاء الشباب بهذا الجانب المتصوف من الاسلام عن حقهم في المشاركة ومسئوليتهم في الوجود وضرورة الكدح والسعي لتعمير المجتمع ومكافحة الظلم ، اضافة الى الخوف من ان ينسي هذا التدين الدمث ، حقائق اساسية في الاسلام مثل الجهاد والاستشهاد وبذل النفس والمال .
ويحذر الرخاوي من خطورة ان تتصور الدولة أنها يمكن أن تروج لجرعة دينية بالقدر الذي يناسبها، وللغرض الذي تضمره ، فالسادات دفع حياته ثمنا لهذا الخطأ .
ويعد تاريخ الدعوة في الاسلام احدى العلامات المضيئة في تاريخ وانتشار هذا الدين ، فوسائل الدعوة تختلف من مكان لاخر ، ونفس الامر ينطبق على لغة الدعوة والدعاة ، ولكن تبقى المبادئ ثابتة واصيلة وغير قابلة للتعديل او التبديل ، فرخص ابن عباس لم تنفر الناس من شدائد ابن عمر ، وزهد ابي ذر الغفاري لم يثير الغبار حول ثراء عبد الرحمن بن عوف . كذلك الامر بالنسبة لتجدد اساليب ووسائل الدعوة والدعاة ، طالما تم الحفاظ على جوهر ومبادئ الاسلام .
نقلا عن شبكة المعلومات العربيه ( محيط )