المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية ثقافة العمليات الاستشهادية



MandN
01-04-2002, 11:39 PM
عبد الباري عطوان:

اتهام ارييل شارون الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بزعامة تحالف ارهابي ، وتوعده بشن حرب لا هوادة فيها علي الارهاب ، واقتلاعه من جذوره، يعني ان الرجل قرر البدء في عملية ترحيل واسعة النطاق للشعب الفلسطيني، بدءاً بكوادر السلطة الوطنية ورئيسها وعائلاتها.
نحن الآن علي ابواب كارثة لاجئين جديدة قد تكون اخطر من تلك التي تزامنت مع نكبة عام 1948 وما تلاها، اذا لم تتحرك الحكومات العربية وجيوشها للتصدي لهذا المخطط الخطير والعمل علي منعه قبل حدوثه.
التهجير القسري للفلسطينيين لن يحل مشكلة اسرائيل، ولن يخرج شارون من مأزقه الحالي، ولكنه قطعا سيخلق مشاكل اضافية للدول العربية المحيطة، وخاصة في مصر والاردن اقرب حلفاء الولايات المتحدة، والدولتين اللتين وقعتا معاهدتي سلام مع الدولة العبرية.
اسرائيل تقف علي حافة الانهيار، ومستقبلها كدولة استيعاب لليهود، وتوفير الرخاء والامن لهم، بات موضع شكوك الكثيرين في العالم الغربي، الذي مدها باسباب البقاء وفي اوساط الاسرائيليين انفسهم.
ثقافة العمليات الاستشهادية اصبحت تتمتع بقوة دفع متسارعة في الاراضي العربية المحتلة، وتتحول الي اسلوب نضالي تقليدي ولم تعد استثناء، وهي مرشحة للامتداد الي مختلف دول الجوار وربما يكون لها امتدادات في بقاع اخري من العالم.
ومثلما دخلت ثقافة انتفاضة الحجر معظم المعاجم اللغوية كاسلوب احتجاج في مواجهة آلات القمع الجبارة، فان العمليات الاستشهادية باتت الرد علي اسلحة الدمار الشامل واصحابها، والاداة الامثل للتصدي لهيمنة العولمة الامنية والسياسية الامريكية المنحازة للظلم والديكتاتورية والفساد.
الحكومة الامريكية الحالية تعتبر القتل بالدبابات والصواريخ امراً مشروعاً ومحللاً، بينما تري في العمليات الاستشهادية، التي ينفذها شبان وشابات يعيشون احباطا من عدم تكافؤ المواجهة العسكرية ارهابا يجب اعطاء الضوء الاخضر لشارون لمواجهته والقضاء عليه بكل الطرق والوسائل الوحشية.
فهذه الحكومة لا تملك خطة متوازنة لايجاد تسوية مقبولة للأزمة، وكل ما يسعي اليه مبعوثها الجنرال زيني هو وقف اطلاق النار وفق الشروط الاسرائيلية، ودون ربط ذلك ببرنامج سياسي يستند الي قرارات الشرعية الدولية ومجلس امنها.
والنتيجة التي يمكن ان تترتب علي هذا الانحياز الامريكي الصارخ للعدوان الاسرائيلي، وتلكؤ ادارة الرئيس بوش في القيام بأي دور لاحلال سلام حقيقي، تتلخص في عدة امور، اولها فشل حملتها الحالية ضد ما يسمي بالارهاب، وانفراط عقد التحالف الذي تقوده في هذا الصدد.
والاخطر من ذلك ان الصمت الامريكي علي الجرائم الاسرائيلية في الاراضي المحتلة وترويع المواطنين وارهابهم بالطريقة التي نراها جزئيا عبر شاشات التلفزة سيؤدي حتما الي تصاعد التطرف، وانحسار الاعتدال ورواده، وتحول اشخاص مثل الشيخ اسامة بن لادن واتباعه الي ابطال في نظر الشعوب العربية والاسلامية المقهورة واتساع دائرة انصارهم ومؤيديهم بشكل متسارع.
اعادة احتلال شارون وقواته لمناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة لم يوقف العمليات الاستشهادية بل اعطاها زخما جديدا تماما، مثلما ادي اجتياح لبنان بقيادة شارون نفسه الي صعود المقاومة الاسلامية والوطنية التي جاءت اكثر شراسة واقوي فاعلية من سابقتها المقاومة الفلسطينية.
اسرائيل ربحت معظم حروبها السابقة مع الانظمة العربية الرسمية، ولكنها خسرت كل حروبها مع حركات المقاومة، وهي قطعا ستخسر حربها الحالية، وستـضطر للانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة من جانب واحد ودون شروط، مثلما فعلت في جنوب لبنان.
بقي ان نقول انه من العار علي كل الجيوش العربية ان يهرع متطوعون اجانب الي مقر الرئيس الفلسطيني المحاصر في رام الله، وان يتحولوا الي دروع بشرية لحمايته، بينما ينشغل قادة هذه الجيوش في تلميع اوسمتهم ونياشينهم ومتابعة اعمالهم التجارية.
ونضيف ايضا بانه من العار علي كل الزعماء العرب، خاصة اولئك الذين يدعون التقدمية ويعايرون الاخرين بالاستسلام ان تتقدم فتيات مثل وفاء ادريس وآيات الاخرس ويضحين بحياتهن من اجل شرف هذه الامة وكرامتها وعزتها، بينما يستجدي هؤلاء الرئيس بوش للتدخل نيابة عنهم، ويتوسلون الي شارون للعطف عليهم، والرحمة بوضعهم المخجل والمحرج امام مواطنيهم، بل وحتي زوجاتهم واطفالهم.
ابعاد الرئيس الفلسطيني او حتي استشهاده، لن ينهي الانتفاضة، بل سيزيدها اشتعالا وسيحول الدولة العبرية الي ارض محروقة فعلا، ولكن الاخطر من هذا وذاك ان حصانة الانظمة العربية في مواجهة التغيير وغضب الشعوب وثوراتها ربما تنهار وبسرعة قياسية، والايام بيننا.
www.alquds.co.uk (http://www.alquds.co.uk/display.asp?fname=/alquds/articles/data/2002/04/04-01/m103.htm)