المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في أمريكا . ينتحرون.. من فرط حبهم للدنيا! . مع قصة لينا الروسية .



happy aid
08-04-2002, 02:19 PM
ينتحرون.. من فرط حبهم للدنيا!
الانتحار أحد أهم 3 أسباب للموت في الولايات المتحدة و125 ألف مراهق روسي لجأوا إليه لوضع نهاية لحياتهم

د.طارق هشام الرافعي (@)
Tarekrafei@yahoo.com
"أنا لا أريد أن أعيش. أنا لست إنساناً.. أنا لا شيء؛ أبي يعذبني، لا يعاملني ككائن حي.. لا يعتبرني بشراً، يأتي إلى البيت سكراناً.. يعامل أمي بقسوة.. ونتخلص منه.. كم من مرة فكرت بالهروب ولكن.. إلى أين؟ آه كم أن حالتي تعيسة.. أنا لا أرى لنفسي أي مستقبل.. غدي مظلم.. أما يومي فكابوس بشع..."!
هذه السطور كتبتها فتاة روسية مراهقة عادية، حاولت مرات عدة الرحيل عن الحياة، وفي آخر محاولة ابتلعت كمية كبيرة من الحبوب المسكنة، إلا أن أطباء وحدة الإنعاش بالمستشفى استطاعوا إنقاذها بأعجوبة.
السؤال: ما الذي دفعها إلى هذه المحاولات لإنهاء محاولاتها؟ وما تفسير تلك الظاهرة من الانتحار التي تزدهر في المجتمعات غير الإسلامية؟
تشير الإحصاءات والدراسات الاجتماعية إلى أن نسبة الانتحار بين المراهقين والمراهقات في المجتمعات الغربية عالية، ويعزي علماء النفس سبب ذلك إلى التقلبات النفسية والعاطفية الحادة التي تطرأ على الإنسان في هذه المرحلة المتوسطة بين الطفولة والنضوج، وهي فترة عمرية حساسة للغاية، فالشيء الذي ينظر إليه الناضج على أنه فشل مرحلي يمكن علاجه... قد يكبر ويتضخم في عيون المراهق حتى يتخيل له أنه كارثة حقيقية لا مخرج منها.
أسباب إقدام المراهقين على الانتحار متعددة، أحد هذه الأسباب وربما أكثرها انتشاراً في هذه البلاد ما يسميه الشعب الروسي "الحب البائس" أو الفاشل أو إن شئت فسمِّه الحب "الوهم".
بعض الاستطلاعات الاجتماعية تشير إلى أن 68% من المراهقين والمراهقات عادة أو حتى دائماً تقريباً يعانون من الشعور بالوحدة، و53% من هؤلاء يحاولون التخلص من هذا الشعور عن طريق اللجوء إلى رفاق السوء وتعاطي الكحول والمخدرات والتورط في أعمال مخالفة للقانون، ومن هذه الشريحة هناك 30% من الإناث و23% من الذكور راودتهم فكرة الانتحار، و10% منهم حاولوا عملياً حرمان أنفسهم من الحياة.
وحسب التقارير الروسي، فإن عدد صغار السن ذكوراً وإناثاً الذين أنهوا حياتهم بالانتحار فعلاً في السنوات الخمس الأخيرة في روسيا الاتحادية هو 125 ألف شخص!.
ولعله من المناسب هنا ذكر أن الانتحار يدخل ضمن قائمة الأسباب الثلاثة الأولى لموت المراهقين في الولايات المتحدة، فضلاً عن كونه سبباً رئيساً من أهم أسباب ما يُسمَّى بالموت "القسري" (غير الطبيعي) في كل شرائح المجتمع الأمريكي. زيادة على ذلك، وحسب الأبحاث الأمريكية، فإن عدد المنتحرين الأمريكيين في السنوات الأربعين الأخيرة شهد ازدياداً ملحوظاً، وبعض هذه الأبحاث يشير إلى أن نحو 90% من المراهقين الذين أنهوا حياتهم بالانتحار كانت لديهم حالات عصبية ومشكلات نفسية.
وقد حصر المتخصصون الأمريكيون حسب دراساتهم الأسباب الدافعة لمحاولات الانتحار عموماً في تسعة أسباب كالتالي:
1 الرغبة في الموت.
2 عدم القدرة على تحمل ألم بدني.
3 حالة نفسية متردية.
4 محاولة الهروب من وضع صعب.
5 إظهار الإحباط وخيبة الأمل للآخرين.
6 محاولة دفع الآخرين إلى الشعور بالندم على طريقة معاملتهم.
7 محاولة بث الذعر لدى الآخرين لتغيير معاملتهم.
8 اختيار الموت كدليل على حب شخص ما.
9 اختيار الموت كطريقة لكسب المحبة والعطف والشفقة من الآخرين. ولعل السببان الأخيران متعلقان مباشرة بالحب الفاشل أو الحب الوهم الذي ذكرته آنفاً.

قصة لينا الروسية

لينا فتاة روسية ريفية قدمت إلى المدينة بهدف الدراسة.. الحياة في المدينة الصاخبة تختلف عن تلك التي في الريف الهادئ المتواضع، هنا في المدينة حرية غير محدودة وحياة مُزينة ومزدانة مزركشة.. زينة وأضواء ومجالات واسعة "للفرفشة" والترويح... ملاه ونواد ليلية... فوضى جنسية وعبث أخلاقي... هذه هي الحياة التي زينها الشيطان للشباب من أهل هذه البلاد، لذلك يسمونها "الحياة المرحة"، بل إن هذه الحياة هي التي وجد فيها العديد من شبابنا العربي المسلم مع الأسف ضالة غريزته البهيمية المضطربة.
لا أدري بالضبط ما الذي دفع لينا إلى الغرق في هذا المستنقع لدرجة أنها أصبحت تتاجر بجسدها... هل لأنها كانت نفسياً مهيأة لذلك، أو لأنها وجدت ضالتها المنشودة؟ هل أرادت أن تكسر عقدة مختبئة في مكنون نفسها، عقدة المدينة المتقدمة التي تتحدى ريفها المتخلف نسبياً، فانغمست في هذا "التقدم" إلى درجة التخبط العشوائي لإشباغ رغباتها؟!.
ربما حالها في ذلك كحال بعض الشباب العربي المسلم الذي يعقد مقارنة بين هذه البلدان وبلاد العرب والمسلمين، فيكون نصيب تلك الأخيرة التخلف والرجعية... قد أوافقهم الرأي على مستوى التقدم المدني وبعض الحريات في هذه البلدان... لكن هؤلاء الشباب واقعياً لا ينهلون من التقدم المزعوم شيئاً يُذكر، وإنما يستعيضون عن ذلك بالكلام الفارغ والنقد الهش وطبعاً بالخوض في ذلك المستنقع المظلم نفسه... مستنقع "الحياة المرحة".
"الحياة المرحة" هذه أهدت تلك الفتاة الشابة لينا هديتين قيمتين، مرضين جنسيين أحدهما الإيدز، وفي رائعة صباح أحد الأيام وجدت لينا معلقة بحبل في إحدى الزوايا المعتمة بمسكن الطالبات الذي كانت تعيش في إحدى غرفه.
دعونا منها... أنا لا أشفق عليها ولكني أشفق على والديها... لقد أرسلاها إلى هنا مصحوبة بأحلام وردية... أناس فلاحون بسطاء وابنة ينتظرها مستقبل زاهر.
الكثير ممن يقدمون على محاولات الانتحار يتم إنقاذهم، ينقذهم عادة أطباء وحدة الإنعاش إذا تيسرت عملية نقل المغامرين الفاشلين إلى المستشفى قبل فوات الأوان. أحد هؤلاء الأطباء يقول بنبرة لا تخلو من حسرة وسخرية في آن معاً: "اليوم أنقذنا شاباً أراد الذهاب إلى هناك... إلى العالم الآخر بدون أخذ الإذن! ولكن لم يحالفه الحظ! أراد أن يقتل نفسه.. لقد استطعنا إنقاذ حياته هنا لكنه أصاب نفسه إصابات بالغة في العمود الفقري مما سبب له متاعب خطيرة في جهازه العصبي، نخشى أنه لن يكون قادراً على المشي بعد الآن".

دعاية "للموت"

الشيء المثير للاهتمام أن علماء النفس يؤكدون وجود علاقة مباشرة بين الكثير من محاولات قتل النفس مع "دعاية" الموت إذا صحَّ التعبير التي تروِّج لها وسائل الإعلام بطريقة أو بأخرى، فمثلاً ما أن تنشر هذه الوسائل أخباراً عن حوادث أو نكبات طارئة أو موت شخصية شهيرة وما إلى ذلك، حتى تُسجَّل في الأيام التالية لنشر الخبر موجة من حالات ومحاولات الانتحار.
يفسر علماء النفس هذه الظاهرة الغريبة فيقولون: إن المعلومة السلبية الواحدة التي تصل إلينا عبر وسائل الإعلام، قد تكون لبعض الأفراد بمنزلة القشة التي تقصم ظهر البعير، ونقطة اليأس الأخيرة التي تهوي بهم إلى هاوية الانتحار.
شيء آخر مثير للاهتمام أيضاً يؤكده علماء النفس هو أن الإنسان الذي يُقدم على الانتحار يكون شديد الحب للحياة، بل إنه لا يقدم على الانتحار إلا المرتبط بالحياة ارتباطاً قوياً جداً؛ فإذا ما تعرَّض لصدمة أو خيبة أمل مفاجئة لا يلبث أن يُصاب بإحباط حاد ويخلص إلى استنتاج أن حياته الحبيبة قد تحطمت! فيبدأ دماغه بالتوجه بتفكيره إلى "الطرف الآخر" المعاكس من الوجود: التفكير بالموت السريع.
يبدأ هذا الشخص بتمني الموت، وغالباً ما تصبح فكرة إنهاء حياته بالانتحار رغبة ملحة.
إنه شديد الحب والتعلق والعشق لهذه الدنيا والعطش إلى ما فيها من ملذات.. هذا الإنسان هو من قد نسمع عن قتله لنفسه في ظروف نفسية معينة لكن هذا التصرف لا ينبغي أن يُسمى "عدم الرغبة في الحياة"، بل إنه يعكس في الواقع رغبة باطنية في اللاوعي عند هذا الإنسان في شيء آخر قد يلبي له حاجة ما من متطلبات مختبئة في أغوار نفسه.
قد يحدث أن إنساناً ما يزهد في حياة الواقع فيعتزل الناس ويلتجئ إلى مكان بعيد منعزل يعيش فيه منفرداً وحيداً وحدة مطلقة. وقد يكون سبب ذلك رغبة لدى هذا الشخص في الوصول إلى حقيقة ما أو في كشف سر ما أو نشوداً للحرية أو غير ذلك... بيد أن رغبته هذه التي دفعته إلى هذا النوع من الهروب، وحالة عدم الرضا التي تملكته في السابق وشوقه إلى اكتشاف ذلك المجهول الذي هرب من أجله أو تحقيق هدفه السابق عموماً... كل ذلك يبقى معه ويعيش في وجدانه حتى في البيئة الجديدة التي أوجد نفسه فيها، وهذا يعني بقاء ما عانى منه سابقاً من توتر عصبي وألم عاطفي ومعاناة نفسية وهو في وحدته المطلقة.
السؤال الذي ينبغي أن يجيب كل منا عنه هو: هل هناك فعلاً مشكلة بلا حل؟ قد يأتي الجواب تلقائياً وبدون أدنى تفكير: كلا! غير أن الكثير منا قد يجد نفسه في مواجهة مشكلة مستعصية العلاج فعلاً... وهنا يبرز سؤال آخر تنبغي الإجابة عنه: أيهما أفضل، الانكسار والتقهقر والهروب من مواجهة هذه المشكلة وتناسيها أم الوقوف حيالها بشجاعة وصبر ومحاولة إيجاد مخرج منها قد يكون البارحة عسيراً ويضحي اليوم ممكناً؟ أليست الأيام حبلى بالجديد؟ وهل يأتي الصباح المنير إلا بعد ليل مظلم؟!

العقيدة الإسلامية قدمت الحل

اليأس والقنوط لا مكان لهما في العقيدة الإسلامية، وهذا ما أدى إلى أن نسبة الانتحار قليلة جداً في المجتمعات الإسلامية عموماً.
ولقد اهتم علماء الطب النفسي بتأثير الإيمان بالله عز وجل في مواجهة المصائب والتخفيف من تأثير الصدمات النفسية والإحباط المرحلي. ولهم حول هذا الموضوع عدد من الملاحظات يمكن تلخيصها في نقاط أربع:
1 القلق والخوف واليأس كمشاعر بشرية أساسية يمكن للدين أن يضبطها أو يخفف منها من خلال الإيمان بالله واللجوء إليه، وكذلك من خلال الذكر والاستغفار والتوبة وغير ذلك.
2 الالتزام الديني يضبط شرور النفس ويهذبها ويبعدها عن الوقوع في الإثم والإضرار بالذات وبالآخرين.
3 الشعائر التعبدية مثل الوضوء والصلاة والصوم والحج وغيرها تريح النفس وتخفف القلق وتعين الإنسان على مواجهة الحياة ومتاعبها.
4 الشريعة وتوجيهاتها في مجال الحياة اليومية والمعاملات تضمن معرفة الإنسان لحقوقه وواجباته، وتنظم الحياة بما يضمن التعاون والتكافل وحل النزاعات والصراعات وضمان الحقوق كافة.
المثير للاهتمام أن علماء النفس يؤكدون حقيقة أن ضعف الوازع الديني سبب أساسي في بعض الاضطرابات النفسية والسلوكية مثل الإدمان على الكحول والمخدرات، واضطراب الشخصية المنحرفة المضادة للمجتمع، التي يقوم صاحبها بأنواع من السلوك الإجرامي مثل الكذب والغش والنفاق والسرقة والاختلاس والاغتصاب... وأن الذين يفكرون بقتل أنفسهم هم أصلاً أناس بعيدون عن الجو الديني بمفهومه الصحيح.
فالروح التي بها حياة الأبدان ليست ملكنا، وإنما هي ملك خالقها جل وعلا، والمسلم ممنوع شرعاً من مجرد المجازفة بحياته، دون سبب وجيه، ناهيك عن إنهاء هذه الحياة، لذلك نرى أن هناك أنواعاً مما يُسمّى بالرياضة مثلاً قد ينظر إليها الإسلام نظرة تحريمية ويحظرها لما تنطوي عليه من مخاطر هلاك النفس، قال تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة (البقرة:195).
فالإنسان يمضي إلى سباق سيارات مثلاً أو إلى قفز من مرتفع شاهق أو إلى نوع من أنواع المصارع وما إلى ذلك، وهو يعلم مسبقاً أن ما يقوم به قد ينهي حياته ويتسبب في هلاكه، دونما فائدة حقيقية يجنيها لمجتمعه ولأمته، فما الهدف الذي من أجله يُقحم نفسه في الخطر ويجازف بها على هاوية الموت؟ أهو دفاع عن مال أم عرض أم وطن؟ أهو إحقاق حق وإبطال باطل؟! كلا.. الهدف هو الشهرة والمال وإرضاء غرور نفسه وحسب.

قتل النفس الحلال

من ناحية أخرى، قد يتوجه الإنسان إلى موت محقق أو إلى خطر عظيم قد يودي بحياته يدفعه إلى ذلك إيمانه بالله وحبه لدينه ووطنه، رجاء إعزازهما، كأن يفجر نفسه في العدو أو يجابه بمفرده مجموعة كبيرة معادية أو غير ذلك مما نسمع عنه ونراه في فلسطين مثلاً، هذه الحالات لا تنطبق عليها مفاهيم قتل النفس المحرم ولا يمكن اعتبارها ضرباً من ضروب الانتحار لأن الأعمال بالنيات، فشتان بين من يقتل نفسه ليهرب من حياة مؤلمة صعبة ومن يفجِّر نفسه وسط جموع الأعداء بنيِّة التنكيل بهم وصد عدوانهم ورفعاً لراية دينه وإعلاء لكلمة الحق.
وإذ كان المنتحر أنانياً مضطرب النفس، مصدوم العاطفة، بعيداً عن جوهر الدين، ضعيف الإيمان أو حتى فاقده، متقوعاً على نفسه، يائساً متوحداً يعشق الحياة ويلهث وراء ملذاتها، فإن المسلم الذي يقدم بكل شجاعة على الموت فيقتحمه اقتحاماً لينزل ضربة موجعة بعدو الله وعدوه ليسمو بصفات عظيمة مناقضة تماماً لتلك التي قيلت في حق المتنحر.
إن للحياة معادلة دقيقة معقدة لا يستطيع أي عالم كيمياء أو رياضيات حلها، فحياة كل واحد منَّا غالية جداً ولا تُقدر بثمن، ولا يُعقل أن تدفعنا أي مشكلة مهما صعبت إلى التخلي عنها... إن الإنسان قادر على تجاوز الصعوبات والعراقيل وحل مشكلته أو مشكلاته العويصة عاجلاً أم آجلاً، فالحياة كما يُقال مُخططة بخطوط بيضاء وسوداء، وكل خط أسود مهما كان ثخيناً وطويلاً لابد أن يتبعه خط آخر أبيض، قال تعالى: إن مع العسر يسرا (6) (الشرح).