المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المزوِّر



holly_smoke
04-03-2001, 08:44 PM
المزوِّر

كثرت شكاوى صوفي في الآونة الأخيرة، من تغيب زوجها عن البيت، ووجدت أن الوضع لم يعد يحتمل.. فهي ترى نفسها متزوجة مع وقف التنفيذ!! وكان الأمر كذلك، بالنسبة لابنتها التي صارت تلتقي بوالدها في مناسبات قليلة.. وحتى الأوقات التي كان يوجد خلالها في البيت، والتي يفترض أن يكرسها لعائلته، كان يقضي الجزء الأكبر منها على الهاتف أو أمام جهاز الكمبيوتر، يتابع من خلالهما أحوال العمل.. فاتحته صوفي قائلة: إما أن تتحمل مسؤوليتك كزوج وأب، أو أن تعترف بعجزك عن ذلك، وعندها سنعالج الأمر بطريقة أخرى!!

صدم هوك، الذي يعمل مهندساً في إحدى شركات الإنشاءات الهندسية، من وضعه أمام ذاك الخيار. فهو وإن كان غارقاً في عمله، وملقياً بالمسؤولية كاملة على كاهل زوجته، إلا أنه لم يفكر يوماً بالتخلي عن عائلته التي يحبها!!

كان عليه أن يعالج المشكلة بحكمة.. وخاصة أنه في فترة يحتاج خلالها إلى الاستقرار، للانتهاء من مشروع يخص عمله وحياته!!

سألته صوفي: ما هو قرارك؟

قرر هوك أن يوضح لها سبب انشغاله غير العادي، وخاصة في الفترة الأخيرة.. أجاب بهدوء: ليس انشغالي بسبب كوني المهندس المسؤول عن قسم التخطيط في الشركة التي أعمل بها، بل لأنني كما تعلمين، أمتلك نسبة من أسهم الشركة، وأرغب في بيعها، وأتابع لذلك، حركة سوق الأسهم، لأتحين الفرصة المناسبة للبيع بأعلى سعر.. وأعدك ما إن أنتهي من هذا الموضوع، حتى أكون جاهزاً لما تطلبيه مني..

سألت ساخرة: وهل سأنتظر حركة الأسهم صعوداً وهبوطاً، لكي أنظم علاقتنا وحياتنا بناءً عليها؟

أجاب هوك بثقة: لن يطول الوقت، فقد بدأت فعلاً، منذ أيام قليلة تتحسن أسعار أسهم الشركة، والإقبال على شرائها واضح..

ثم تابع يقول: وعندما يصل السعر إلى المستوى المطلوب، سأبيع، وعندها سأحصل على إجازة، ونقوم برحلة إلى جزر الهاواي، كما وعدتك سابقاً، ولم تسنح لي الفرصة لتنفيذه حتى الآن..

ابتسمت صوفي، وهي تقول بلهجة لا تخلو من التهكم:لم يتبق إذاً، سوى تحضير الحقائب؟!

رد هوك: أعتقد أن ذلك سيكون قريباً!

رأت صوفي أن مستقبل عائلتها يستحق فرصة أخرى، لعل زوجها يكون صادقاً فيما يطرحه.. توجهت إلى الله ترجوه أن يساعدها..فيما كان زوجها قد توجه مسبقاً إلى إنترنت لتساعده.. فهل تفعل؟!

أنشأ هوك على إنترنت، موقعاً متخصصاً بأخبار الشركات وأحوالها الاقتصادية، ضمنه مقالات ومعلومات عن كثير من الشركات التجارية، ومن ضمنها الشركة التي يعمل فيها. كانت تلك خطوته الأولى، أما الثانية، وهي الأهم فقد كتب تقريراً نسبه لإحدى أكبر الشركات الأمريكية المتخصصة في تحليل أسواق الأسهم المالية، وتقييم أداء الشركات، بين فيه أن أداء شركة الإنشاءات الهندسية التي يعمل فيها ممتاز، وأن من المتوقع أن ترتفع أسعار أسهمها نتيجة لذلك..

ولكن كيف سيجذب هوك الناس، وخاصة المهتمين بالشركات التجارية، والذين يتاجرون بالأسهم إلى هذا الموقع، لكي يطلعوا على هذا المقال ويتحمسوا للشراء؟

وجد الحل في لوحة الرسائل والمنتديات الخاصة بأحد أشهر المواقع على الشبكة، وهو موقع ياهو (www.yahoo.com).. زارها مراراً، وكتب فيها عدة رسائل يدعو مرتاديها لزيارة موقع ممتاز لكل المهتمين والمتعاملين في سوق الأوراق المالية، ولم ينس أن يخبرهم أن هذا الموقع يتضمن مقالات وتحليلات وتقارير صادرة عن أشهر الشركات الموثوقة في هذا المجال، من بينها الشركة التي نسب تقريره الكاذب إليها.

كان هوك يعلم أن معظم الراغبين في شراء وبيع الأسهم، ينقبون عن آراء و تقارير الجهات المتخصصة في هذا المجال، قبل أن يتخذوا قراراتهم.. وبالفعل، ارتفع فجأة عدد زوار موقع ويب الذي أنشأه، وبدأت تظهر النتائج الطيبة للتقرير الكاذب الذي لفقه ونشره في الموقع، ونسبه لشركة موثوقة في تحليل أداء الشركات وأسعار الأسهم. لم تمض سوى بضعة أيام، حتى لاحظ هوك ارتفاعاً في أسعار أسهم شركته، فشعر بالسعادة لنجاحه الكبير، وطبعاً لأن أرباحه ستزداد.. هل يبيع؟

لا داعي للعجلة، فأسعار الأسهم ستستمر في الارتفاع، وسيجلب قليل من الانتظار، كثيراً من الأرباح..! هذا ما قاله هوك لنفسه. وما هي إلا أيام قليلة، حتى عاد إلى البيت وهو يكاد يقفز من الفرح وأخبر زوجته أن الأسعار قفزت إلى أكثر مما كان يطمح، حيث ارتفعت بنسبة مقدارها ثلاثون بالمائة..

قالت صوفي تشاركه فرحته: لابد أن الله استجاب لرجائي.

أجاب بخبث: لا شك في ذلك. بدأ هوك يجري مداولاته ومفاوضاته تمهيداً لبيع أسهمه في الشركة، فيما كانت زوجته تحضر نفسها للإجازة السعيدة المنتظرة!!

اتفق مع المشتري، ولم يبق سوى عقد الصفقة..

إذا كانت إحدى ميزات إنترنت، تتمثل في توصيل المعلومات إلى المستخدمين على مدى اتساع الشبكة، والتي هي باتساع فضاء كرتنا الأرضية! وهي الميزة التي استفاد منها هوك، ودبر بناء عليها خطة ذكية للوصول إلى ما أراد .. فكيف غاب عن ذهنه إذاً، أن يصل الأمر إلى الشركة التي زوّر المقال باسمها؟! وقد بادرت الشركة المعنية على الفور، إلى رفع شكوى إلى المدعي العام، الذي أمر بفتح تحقيق بالموضوع.

بدأ التحقيق من شركة الإنشاءات الهندسية، والتي كان واضحاً أنها المستفيد الأول من المقال المنسوب إلى شركة التحليلات المالية، وارتفاع أسهمها دليل واضح على ذلك. نفى مدراء الشركة علمهم بالموقع، فيما اعترف بعض العاملين باطلاعهم عليه، وأضافوا أنهم كانوا يعتقدون أن المقال حقيقي، ولم يخامرهم الشك أبداً أنه مزور، على الرغم من أنهم يعرفون تماماً الأوضاع الحقيقية لشركتهم!!

وعندما سئل بعضهم، والذين يملكون أسهماً في الشركة، عما حققوا من أرباح نتيجة ارتفاع أسعار الأسهم، اعترفوا أن ذلك حصل فعلاً، ولكن هذا لا يعني علاقتهم بتزوير المقال..

أما هوك، فقد أنكر إطلاعه على المقال، كما أنكر معرفته بالموقع أصلاً! أثار اضطراب هوك وإنكاره الحاد، شكوك أحد المحققين.. فأمسك خيط الشك هذا، واتبعه بتأنٍ، فوصل إلى النهاية التي أثبت فيها العلاقة المباشرة لهوك..

رفعت شركة التحليلات المالية المتضررة دعوى ضده، اتهمته فيها بالاحتيال والتزوير، مما يضر بسمعة الشركة، ويهز ثقة المستثمرين بها، وهذا يؤدي بدوره إلى خسارتها مادياً. وطالبت بناءً على هذا بتعويض مالي قدره مليون دولار!!

هذه القضية، تعتبر الأولى من نوعها في تاريخ قضايا التزوير والاحتيال وانتحال صفة الغير لتحقيق الفائدة المالية..

ومن المنتظر محاكمة هوك في 30 آب/أغسطس 1999 .. ويتوقع الخبراء في مثل هذه القضايا أن ينال عقوبة بالسجن لمدة تتراوح بين عشرة أشهر إلى ستة عشر شهراً.. إضافة إلى غرامة مالية كبيرة..

كان وقع القضية سيئاً على شركة الإنشاءات الهندسية التي هبطت أسعار أسهمها بنسبة عشرين بالمائة عن متوسط السعر السنوي، وفقدت ثقة بعض المتعاملين معها.. أما صوفي زوجة هوك فلم تتخذ قرارها بعد بشأن ما ستفعله، ما عدا أنها أعادت فتح حقائبها التي كانت حزمتها استعداداً للرحلة المنتظرة، وجهزت حقيبة صغيرة لزوجها فقط! وتنتظر نتيجة المحاكمة كي تقرر..