المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مطاردة في فضاء إنترنت



holly_smoke
04-03-2001, 08:52 PM
مطاردة في فضاء إنترنت


في التاسعة والنصف مساء يوم جمعة بارد، ينذر بشتاء قاس، كان جيم جالساً في منزله، في إحدى ضواحي مدينة نيويورك، ينتظر وصول كاميرون، وهو يتابع مباراة في كرة السلة على التلفزيون.. نظر إلى ساعته، ثم رفع سماعة الهاتف، وطلب رقماً.. جاءه صوت زوجته: لا.. لن أتأخر، سأغادر خلال نصف ساعة.. نعم.. إلى اللقاء..

في مستشفى الضاحية كانت كاميرون تزور آخر مرضاها، وتعطي تعليماتها للممرضة قبل أن تنهي فترة عملها، وتغادر إلى البيت.

في العاشرة، خلعت معطفها الأبيض، وتوجهت نحو المصعد ومنه إلى الكراج، حيث توجد سيارتها.

المكان هادىء، و الطقس البارد يضفي عليه شيئاً من الوحشة.. سحبت شالاً خفيفاً وغطت به رقبتها وجزءاً من وجهها، اتقاءً للسعة هواء باردة. كل ما كانت تتمناه كاميرون في تلك اللحظة، حماماً دافئاً، وكأساً من الشاي الساخن، يزيلان عنها إرهاق يوم حافل بالعمل.

أخرجت مفاتيح سيارتها من الحقيبة.. شعور بالراحة داهمها عندما تذكرت أن غداً هو يوم السبت، فأخذت نفساً عميقاً، وهي تضع المفتاح في قفل السيارة. لم يفتح باب سيارتها! أليست هذه سيارتي؟ ثم ما هذا؟!

أحست كأن يداً ثقيلة تكتم أنفاسها!! قاتل الله التعب، إنه يزين لها أشياء غريبة! لابد أنها في طريقها للإغماء! ولكن تلك اليد الثقيلة تزيد من الضغط على فمها، ورائحة قوية ليست بغريبة عنها، تزحف إلى أنفها، اليد نفسها تصبح قوية عندما تجرها وتضعها في سيارة فان بيضاء.. نعم، إنها بيضاء، لابد أنها سيارة الإسعاف!!

ولكن، لماذا يعاملونها بهذه الخشونة؟ ألا يعرفون أنها طبيبة، وتعامل مرضاها بكثير من الاحترام والرقة. ثم هاهي تتخيل أن أحداً يجلس إلى جانبها ويقيد يديها ورجليها. لم تعد تستطيع الحركة، فيما أخذت السيارة تتحرك بدون أن تطلق صوت سيارة الإسعاف المعهود! هل هي مريضة حقاً؟ هل.. خاطر ضبابي جال في ذهنها، أليست حامل؟ هل ستفقد ما تنتظره منذ خمس سنوات؟ ياله من كابوس مزعج!! فتحت كاميرون عينيها، وبحركة لاشعورية حركت يديها ورجليها، ربما لتتأكد بأنها حرة، وبأن الكابوس قد انتهى.

وببطء، راحت تستعيد وعيها، نظرت حولها، فلم تتعرف على المكان الذي وجدته غريباً بكل ما فيه، نهضت بسرعة عن السرير، لتجد أنها مقيدة اليدين إلى طرفي السرير، جالت بعينين خائفتين في أرجاء الغرفة ذات الإضاءة الخافتة، في زاوية ينعكس عليها ضوء شاحب، جلس شخص يراقبها، وهو يدخن بشراهة سيجارة تنبعث منها رائحة غريبة وكريهة! وعندما اطمأن أنها أفاقت، ضحك بشكل هستيري، وتقدم نحوها لتتبين أنه يضع قناعاً أسوداً يخفي الجزء الأعلى فقط من وجهه، تظهر من تحته عينان كأنهما قطعتان من جمر!

دب الرعب في أوصالها، ارتجفت، اقترب قليلاً بعد أن زاد من درجة الإضاءة الشاحبة في الغرفة، ومع ذلك لم تتمكن من تبين ملامحه بوضوح. وبدأت ليلة مأساة، ستترك بصماتها المدمرة على حياة كاميرون.

العاشرة والنصف، وكاميرون لم تصل بعد إلى البيت! هل الطريق مزدحمة؟ تساءل جيم.. أمسك بالهاتف، واتصل على هاتف كاميرون الخليوي.. الهاتف يرن ولا أحد يجيب! انتظر دقائق قليلة، ثم تابع المحاولة، والنتيجة واحدة! هل اضطرت للبقاء في المستشفى لحالة طارئة؟ ممكن، قال لنفسه. كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة عندما اتصل بالمستشفى يستفسر، ليأتيه الجواب أنها غادرت منذ أكثر من ساعة.

بدأ القلق يتسرب إلى نفسه، والاحتمال الأكبر الذي زاد من قلقه، أن تكون تعرضت لحادث سير، وخاصة أنها تعاني أحياناً، من عوارض الحمل. لم يستطع الانتظار أكثر، فاتصل بقسم شرطة الطوارىء، الذي نفى وقوع أي حادث على الطريق من المستشفى إلى البيت. تصاعدت حدة القلق، فخرج يبحث عن زوجته، ولكن أين؟!

قضى جيم أسوأ ليلة في حياته حتى ذلك الحين، ولكنها لسوء الحظ لن تكون الأخيرة!

حوالي السادسة صباحاً، والضباب يلف المدينة، تتصل كاميرون بما بقي لها من خيوط واهية من القوة بزوجها، لتعلمه عن الشارع الذي ألقيت به معصوبة العينين! وقبل خروجه من البيت، اتصل جيم بالشرطة التي كان أعلمها ليلاً عن اختفاء زوجته، بعدما وجد سيارتها في كراج المستشفى. وصل جيم ورجال الشرطة إلى المكان، وحضرت سيارة الإسعاف التي وضعت فيها كاميرون وهي في حالة يرثى لها.

بقيت كاميرون أربعة أيام في المستشفى تعاني من الحمى. وعندما زالت الحمى عنها، وبدأت تسترد وعيها، تذكرت ما حصل، وعلمت أنها أجهضت. أصيبت بصدمة عصبية، وعانى زوجها مشقة بالغة في علاجها كونه طبيب أمراض نفسية، بالإضافة إلى ما عاناه هو نفسه من آلام، كان يمكن لها أن تنتهي لو أن الشرطة قبضت على المجرم، ونال الجزاء الذيçت____èè__ًٌ_k تسجل القضية بعد عجز الشرطة، ضد مجهول، وتقفل على ذلك، فهذا سيزيد آلامه، ويدفعه إلى البحث عن المجرم بنفسه. ولكن كيف؟ وأين؟

خلفت هذه الحادثة آثاراً مرعبة في حياة كاميرون، لكنها لملمت جراحها وخبأتها في أعماقها، وبدأت تتصرف بشكل تقنع فيه زوجها أنها قد تجاوزت المحنة، وعليه أن ينساها هو أيضاً. وما كان ذلك إلا بعد رؤيتها لزوجها يغرق في تفاصيل غريبة، ويصر على أنه سيتولى البحث بنفسه!

ولكن ما العلاقة بين طبيب نفسي والبحث عن مهووس؟ عاد جيم إلى سجلاته الطبية، وراجع كل الحالات التي عالج فيها رجالاً يعانون من الهوس الجنسي، الذي يصل إلى حد الاغتصاب، بالإضافة إلى أنه سأل كاميرون عن تفاصيل الحادثة عشرات المرات، ودونها في ملف خاص. وتوسلت إليه زوجته عدة مرات أن يعفيها من تكرار الأمر، كونه ينكأ جراحها، بدل أن يساعدها على تجاوز المحنة. وتوقف أخيراً عن بحث الأمر معها، ولكنه تابع العمل بصمت، وخاصة في عيادته التي راح يقضي فيها الكثير من وقته حتى في أيام العطل. وأحست كاميرون، بعد مرور سنة، واستمراره بمتابعة الأمر أنه وصل إلى حد ربما يحتاج هو نفسه إلى علاج نفسي!!

ماذا سيفعل جيم بكل تلك المعلومات التي جمعها؟ وهل استهواه الموضوع وكأنه باحث؟ أم كان لديه ثقة، أو على الأقل أمل في أن يتوصل إلى ما يفيده في مسعاه للكشف عن المجرم؟ أم أن الأمر ليس أكثر من تغطية على إحساس بالعجز عن حماية من يحب؟

انتقل جيم بمرور الوقت، من البحث في سجلاته الطبية عن سلوك الأشخاص المصابين بمثل هذه الأمراض، وكذا البحث في سجلات الشرطة عن تفاصيل حوادث الاغتصاب المبلغ عنها، إلى البحث في شبكة إنترنت. وراح يتابع ما يدور من أحاديث ومناقشات، وخاصة ضمن مجموعات "الدردشة" التي تتخذ من الجنس موضوعاً لها. ويوماً بعد يوم، أصبح لديه خبرة في اختيار المجموعة التي يرغب في التعرف على سمات شخصيات أصحابها. وبما أنه طبيب نفسي وخبير في النفس البشرية، فقد كان يتمكن بأسئلته، من الحصول على معلومات واعترافات، طبعاً، بدون أن يعرف أولئك الأشخاص أنهم أمام طبيب نفسي.

مرت سنتان، ولم يتسرب الملل أو اليأس إلى جيم، على الرغم من إخفاقه في الوصول إلى نتيجة! وانضم، أخيراً، إلى مجموعة "دردشة" يتحدث أعضاؤها عن الاغتصاب، ويشرحون التجارب التي أقدموا عليها في هذا المجال، وكان البعض منهم صادقاً في رغبته التخلص من هذه الحالة المرضية، فيما وجدها بعضهم الآخر فرصة لاستعراض ما يقومون به من أفعال، والتبجح بعدد المرات التي مارسوا فيها أفعالهم الشاذة، بدون أن يكتشف أمرهم. وكان جيم في كافة الأحوال، العنصر المحرك للجميع على الكلام. وطبعاً، وبحكم خبرته كان يعلم أن كثيراً منهم ليسوا سوى مدعين، يختلقون تلك القصص، للتعويض عن نقص يعانون منه.

خلال كل تلك الساعات التي كان يقضيها على شبكة إنترنت، يستدرج الجميع للحديث، استوقفه شخص ذكر أنه يفضل أن تكون ضحاياه من النساء المهمات في المجتمع.. وعندما سأله جيم ماذا يعني بذلك، أجاب أن تكون قوية ومشهورة في عملها!

سأله جيم: هل تعني ممثلة أو وزيرة مثلاً؟

أجاب: أتمنى ذلك، ولكن يصعب الوصول إليهن، ولذلك، أكتفي بأن تكون محامية أو طبيبة أو حتى سكرتيرة محترمة!!

توقف جيم طويلاً أمام تلك الإجابة، محاولاً البحث عن سؤال يمكن أن يكون بداية لخيط، قد توصل نهايته إلى نتيجة مفيدة.

سأله: أظن أنه ليس سهلاً الوصول إلى هؤلاء النساء أيضاً؟

أجاب بتبجح: نعم، ومع ذلك نجحت أكثر من مرة.

تابع جيم: وهل كانت آخر مرة سكرتيرة جميلة، أم طبيبة.

قال: بل كانت ممرضة جميلة.. وقبلها اصطدت طبيبة.

ازداد اهتمام جيم وشعر بأن الأمر يكاد يكون جدياً هذه المرة، فبادر بدعوة ذلك الشخص، إلى غرفة دردشة خاصة، لمناقشة أمر سري..

وعندما انفردا في الدردشة، قال جيم: لدي فكرة مثيرة، أعرف طبيبة.. ما رأيك لو نقوم بالأمر سوياً؟

أجاب: لا.. أنا لا أفضل مشاركة أحد.

قال جيم: ولكن، أعتقد أنني لا أستطيع عمل ذلك بمفردي، فالأمر صعب، ويحتاج إلى خبرة وشجاعة.

قال بتعالي: نعم، ولكن بإمكاني مساعدتك برسم خطة محكمة، وعليك تنفيذها بدقة.

رد جيم: جيد.. طالما لديك خبرة فلا بأس من الاستفادة منها.

وراح ذاك الوقح يرسم الخطة قائلاً: عليك أولاً معرفة وقت مغادرتها العيادة أو المستشفى الذي تعمل به، ويفضل أن يتم ذلك في اليوم الذي تتأخر فيه ليلاً. راقب مكان سيارتها واجعل سيارتك (ويفضل أن تكون سيارة فان)، قريبة منها، وأحضر معك مادة مخدرة وحبل، وعندما يحين الوقت كن مستعداً للانقضاض عليها بسرعة وقوة، واحملها إلى المكان الذي ترغب إنهاء الأمر فيه، واحرص أن تكون الإضاءة خافتة كي لا تتعرف عليك، وهكذا..

سأل جيم: وهل أقتلها بعد ذلك؟

رد بثقة: لا.. نحن نسعى وراء المتعة، أما الدم فلا!! نفذ ما قلته لك وأعلمني بالنتيجة.

قال جيم وهو يرتجف من الغيظ: هذا أكيد.. هذا أكيد!!

سجل جيم كل ما دار من حديث بينهما على قرص مرن، ثم فتح أحد أدراج مكتبه ووضعه فيه، وأخرج مسدساً وهو يقول لنفسه: بقي أن أعرف من هو ذاك الحقير.

عندما وصل إلى البيت لاحظت زوجته كاميرون أنه يتحدث بصفاء وحنان افتقدتهما فيه منذ ثلاث سنوات.

قالت لنفسها: يبدو أنه تمكن أخيراً من التخلص من كل الآثار السيئة، التي خلفتها تلك الجريمة.

لم يتمكن جيم تلك الليلة من النوم وهو يفكر كيف سينتقم من ذاك الوغد. وفي الصباح الباكر تأمل زوجته وهي نائمة في سريرها، شعر بحنان بالغ تجاهها.. قبلها وغادر مسرعاً إلى عيادته.. فتح درج المكتب، وأخذ القرص المرن وذهب إلى الشرطة حيث سلم ما يعتقد أنه دليل كاف، لإعادة فتح القضية. وبعد إجراء الاتصالات اللازمة بمزود خدمة إنترنت، ومعرفة اسم وعنوان الشخص المطلوب، توجهت الشرطة للقبض عليه، بتهمة القيام بعدة عمليات اعتداء واغتصاب.. اعترف المجرم بالتهم الموجهة إليه، بعد مواجهته مع كاميرون التي تعرفت على سيارته، وملامح الشقة التي اقتادها إليها. وهو يقضي الآن، عقوبة السجن لمدة خمس سنوات.

بعد ثلاث سنوات من العذاب والألم، بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها بالنسبة لجيم وزوجته كاميرون. والمطاردة الطويلة في فضاء إنترنت لم تذهب عبثاً.