المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أخبار سياسية شارون انتصر بمساعدة عربية



MandN
22-04-2002, 08:44 AM
عبد الباري عطوان:

نعترف ان آرييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي انتصر علي الانتفاضة من خلال المجازر التي ارتكبها في جنين ونابلس وبيت لحم، وحملة الاعتقالات الواسعة التي استهدفت اكثر من اربعة آلاف شخص من القيادات والكوادر الميدانية في العمل الاستشهادي الفلسطيني، لكنه انتصار مكلف جدا سياسيا وعسكريا، علاوة علي كونه مؤقتا وقصير الامد.
نتوسع اكثر ونقول ان الانتفاضة لم تهدف ابدا الي هزيمة الجيش الاسرائيلي الجبار وما يملكه من احدث الاسلحة من طائرات ودبابات وصواريخ، فهذا الشاب الاستشهادي الذي لف خصره باحزمة بدائية من الديناميت والبراغي والمسامير يخوض معركة غير متكافئة علي الاطلاق، علاوة علي كونه لا يستطيع، ولا يحلم، ان يكون ندا للجيش الاقوي والاحدث، ليس في المنطقة العربية بل وربما في العالم باسره.
الانتفاضة جاءت تمردا من قبل الضحية علي الجلاد وسكاكينه، ورفضا لواقع سياسي مريض يتمثل في مفاوضات مهينة، ووطن عربي راكد، وانظمة ديكتاتورية فاسدة ومتسلطة، وهي بهذه المقاييس نجحت نجاحا كبيرا.
نجافي الحقيقة اذا قلنا ان هذه الانتفاضة لم تضعف، ولم تتعرض الي كبوة كبيرة، فقد تلقت ضربة قاصمة، ووقفت وحيدة في مواجهة العدوان الاسرائيلي التخريبي الدموي، بينما اختارت معظم الحكومات العربية الاخري وجيوشها موقف المتفرج المتسول، تشحذ بنود مبادراتها السلمية وتهييئها بما يتناسب مع المزاج الامريكي ـ الاسرائيلي، لعلها تنال الرضاء والمباركة.
مخيم جنين قد يكون دفع ثمنا باهظا لخروجه علي التقاليد العربية ورفضه الاستسلام، ولكن حملة شارون الدموية هذه حققت العديد من الانجازات للشعب الفلسطيني، والشعوب العربية باسرها، يمكن اختصارها في النقاط التالية:
اولا: الارهاب الدموي لم ينجح مطلقا، جغرافيا او سياسيا، في انهاء انتفاضات الشعوب، فبعد كل حملة ارهابية تستعيد المقاومة زمام المبادرة وتواصل عملياتها بشكل اقوي واكثر فاعلية، وهذا ما حدث في كل بقاع العالم وفي كل حقب التاريخ، والانتفاضة الفلسطينية ليست استثناء، وان كان الاستثناء يتلخص في دموية الهجمة الاسرائيلية، وطبيعة الكيان الاسرائيلي الاستيطانية الارهابية.
الانتفاضة ستستعيد قواها وزخمها، بصورة اقوي، والمسألة مسألة وقت، لا اكثر ولا اقل.
ثانيا: لاول مرة في تاريخ الصراع العربي ـ الاسرائيلي باتت الولايات المتحدة الامريكية تشعر ان امنها وامن مواطنيها بات مهددا بصورة مباشرة بسبب انحيازها الكامل للعدوان الاسرائيلي، ولم ينجح اي زعيم اسرائيلي آخر قبل شارون في كشف هذا الانحياز في صوره الابشع، وربما تكابر الادارة الحالية وتحاول القفز علي هذه الحقيقة، ولكن الادارات المقبلة لن تتصرف التصرف نفسه.
ثالثا: اتفاقات اوسلو، ومن قبلها اتفاقات وادي عربة وكامب ديفيد، نجحت في اعادة تقديم الدولة العبرية الي العالم كديمقراطية طبيعية، ذات وجه انساني محب للسلام والتعايش، مثلما اعطت انطباعا كاذبا في امكانية التعاون الاقليمي اقتصاديا وسياسيا بين العرب والاسرائيليين علي ارضية اتفاقات مفروضة بسبب الضعف العربي، وجاءت الانتفاضة لتكشف مدي زيف هذه الانطباعات، ولتبرز الوجه الحقيقي الارهابي للدولة العبرية.
رابعا: الانتفاضة لم تحرر فلسطين، وصمود مخيم جنين لعشرة ايام لم يهزم الجيش الاسرائيلي، ولكنهما سويا حررا جزءا كبيرا من الشارع العربي من عقدة الخوف، وهزا هيبة الانظمة الحاكمة امام شعوبها، ووضعا المنطقة باسرها علي اعتاب عملية التغيير المنتظرة.
خامسا: اجهزت الانتفاضة علي ما تبقي من التصنيف التقليدي للحكومات العربية، اي انظمة ثورية واخري محافظة، واوضحت ان ما يسمي بالانظمة الثورية هي اكثر استسلاما وخوفا من الدولة العبرية واكثر امركة من الانظمة الاخري المتهمة بالرجعية. فسورية كانت الاقل دعما للانتفاضة، وليبيا لم تشارك العراق في خطوة حظر النفط، اما ايران فقد كشفت عن ازدواجية خطابها عندما نسيت حكومتها انها صاحبة حقوق النشر والتأليف لفكرة وقف الصادرات النفطية احتجاجا علي العدوان الاسرائيلي، وتحتاج الي جهود عملية كبيرة لابعاد هذه التهمة اي الازدواجية عنها فيما هو قادم من ايام.
سادسا: صعّبت الانتفاضة الفلسطينية من تنفيذ المخططات الامريكية لضرب العراق، واحرجت انظمة عربية كانت ستتعاون سرا مع هذه المخططات، لانها، اي الانتفاضة، عبأت الشارع العربي ضد الولايات المتحدة، واحيت اساليب المقاومة الشعبية السلمية لها مثل مقاطعة بضائعها، وتصعيد حملات الكراهية لسياساتها الخارجية.
سابعا: جرائم شارون حققت المصالحة بين الشعوب العربية، فقد تساوي العراقيون المحاصرون من قبل امريكا مع ابناء الشعب الكويتي المحررة بلادهم من قبلها في التظاهر ضد الولايات المتحدة وحرق اعلامها، جنبا الي جنب مع اعلام اسرائيل، واستطاع الكويتيون ان يتساموا علي جراحهم ويتنافسوا علي جمع التبرعات لاشقائهم في فلسطين المحتلة، وهو انجاز كبير فشلت في تحقيقه جهود دبلوماسية عربية خارقة علي مدي السنوات العشر الماضية.
ثامنا: استعادت القضية الفلسطينية مكانتها كعنصر توحيد للعرب، والمسلمين، مثلما استعادت الكوفية الفلسطينية مكانتها كرمز للثورة والمقاومة في مواجهة العولمة الامريكية ـ الاسرائيلية الظالمة.
تاسعا: يسجل لشارون انه حقق انجازا كبيرا للعرب عندما وسع من الشرخ الكبير بين الولايات المتحدة واوروبا، وفضح عنصرية السياسة الخارجية الامريكية وانانيتها، فالرأي العام الاوروبي بات في غالبيته متعاطفا مع العرب والفلسطينيين، واصبح معظم السياسيين الاوروبيين يعارضون اي عدوان امريكي جديد علي العراق.
عاشرا: فضح صمود ابناء جنين وبطولاتهم في مواجهة الاحتلال قيادات الجيوش العربية، وعدم تجهيز هذه الجيوش للدفاع عن الامن القومي العربي، بل للدفاع عن الانظمة، حتي بات هناك انطباع بان هذه الجيوش، باتت عبئا علي كاهل الشعوب العربية، بدلا من ان تكون خط الدفاع الاول عن كرامتها وعزتها.
وما لا يقل اهمية عن كل النقاط السابقة في اعتقادنا هو سقوط مقولة ان الانظمة العربية اختارت السلام، لان الفلسطينيين اختاروه، وانهم لن يكونوا فلسطينيين اكثر من الفلسطينيين انفسهم، فها هم الفلسطينيون تمردوا علي سلام الشجعان، وقاوموه بالدم، فهل تنقلب المعادلة او المقولة، ويصبح النظام العربي فلسطينيا اكثر من الفلسطينيين في النضال، وهل يكف الذين امتهنوا انتقاد الاستسلام الفلسطيني كحرفة ومهرب من اداء واجباتهم القومية بعد ان غسلوا عن انفسهم عار اوسلو واخواتها؟
نسأل ونعرف الاجابة مقدما.