في عاصمة الاستشهاديين .. لكل شهيد حكاية بطولة ينحني السامع امامها اجلالا
عندما اتحدت المقاومة في مخيم جنين تحطمت اسطورة الجيش الذي لا يقهر
مخيم جنين ـ القدس العربي ـمن علاء بدارنة:
مصطلح اسطورة هو ما يطلقه الكثيرون الآن علي مخيم جنين برغم الدمار الكبير الذي اصابه بعد انسحاب الغزاة الاسرائيليين، مخلفين مجزرة جديدة اضيفت الي سجل المجازر الطويل التي لحقت بالشعب الفلسطيني.
وبرغم الدمار، الا ان حكايات النضال وصمود مقاتليه كانت اكبر من كل الجراح.
المقاومون الفلسطينيون الذين قاتلوا تحت راية واحدة القوا كل المسميات وقرروا القتال بخندق واحد ومصير واحد، وهذه الوحدة عززت من صمودهم وكبدت الاحتلال خسائر كبيرة باعتراف قادته وجنرالاته. وقاد المقاومون معركة قال عنها الكثيرون انها الاقوي، وجعلت من مخيم جنين يستحق لقب الاسطورة .
والآن وبعد الانسحاب لم يعد المخيم مجرد مكان شهد مقاومة وانما اصبح يسمي بعاصمة الاستشهاديين، وصار عنوانا رئيسيا في وسائل الاعلام المتعددة لان قصص المقاومة التي حدثت هنا قلبت موازين القوي وجعلت منه مادة اعلامية خصبة.
ولا شك ان الوسائل القتالية التي استخدمها المقاتلون الفلسطينيون من نصب الكمائن واستخدام الحيل في مقاومتهم للمحتل برغم امكانياتهم المحدودة جدا بالمقارنة مع ما استخدمه الاحتلال من تكنولوجيا عسكرية متطورة لاقتحام المخيم، الا ان المقاتلين الفلسطينيين اكدوا ان موازين القوي تصبح ضعيفة امام الارادة والصمود، واصرارهم علي القتال حتي الشهادة جعل الكل هنا في المخيم ينحني اجلالا لارواحهم الطاهرة. فلكل شهيد حكاية وقصه يسردها الصغير والكبير.
ولحارة الحواشين التي بقيت اسما في الاخبار لثلاثة اسابيع متتالية وهي المكان الذي شهد تفاصيل المعركة وحكايات النضال.
وعندما فشل الاحتلال باقتحامه لاكثر من مرة حتي هدمه علي من فيه مستخدما الجرافات تحت غطاء الطائرات لعدة ايام متتالية صمد المقــــــاتلــــون في ازقته الضيقة واستشهدوا تحت انقاضه ومن بينهم قادة كبار طالما اتهمتهم اسرائيل بالمســـــؤولية عن عمليات استشهادية عديدة داخل اسرائيل وتلاحقهم منذ فترة طــــــويلة. وكان المخيــــم يعتبـــر بنظــــر الاسرائيليين معقل الاستشهاديين فمــــنه خـــرج عشرات الاستشهاديين من مختلف الفصائل.
الا ان الاسرائيليين خرجوا من المخيم مخلفين وراءهم بين الانقاض اجزاء كبيرة من دباباتهم وهي دليل واضح علي شراسة المعركة التي حدثت.
الشهيد محمود طوالبة والذي تتهمه اسرائيل منذ سنوات بالوقوف وراء العمليات الاستشهادية العديدة التي ادت الي مقتل عشرات الاسرائيليين والوقوف وراء ارسال الاستشهاديين الي داخل اسرائيل، بضمنهم شقيقه الأصغر محمود، لا يذكره اهل المخيم الا بوضع لقب الجنرال قبل اسمه.
محمود حاولت اسرائيل اغتياله اكثر من مرة وآخرها كانت محاولة التصفية في المخيم من قبل قوات اسرائيلية خاصة فشلت بالنيل منه.
استشهد محمود وهو يفتخر بالوحدة الوطنية ولم يتم العثور الي الآن الا علي اجزاء من جثمانه تحت انقاض المنزل الذي قيل انه استشهد داخله تاركا وراءه طفلة وزوجة حامل.
معنويات المقاتلين والتي جسدتها الوحدة الوطنية كانت عالية للغاية، فلم يكن يهدف اي منهم لجني اية مكاسب حزبية من وراء النضال، كان امامهم هدف واحد، وهو النضال من اجل فلسطين التي احبوها منذ الصغر وترعرعوا علي حبها.
حكايات الشهداء هنا جعلت من المخيم، وبرغم الدمار، حديقة جميلة يزورها الكثيرون، يستمعون الي تفاصيل الدقائق الاولي والاخيرة للمعركة، والدمار شاهد علي بشاعة المجزرة وشاهد علي صمود من قاوم هنا.
اثار الدمار ما زالت باقية علي ما تبقي من جدران في المخيم. سقطت الجدران وبقيت رايات المقاومة ترفرف عاليا لتعلن ان النصر كان حليف من قاوم واستشهد هنا، اما من بقوا علي قيد الحياة، فهم يصرون علي انهم مغروسون بهذه الارض برغم الدمار والقتل، يرفضون الركوع او الرحيل وسيواصلون مسيرة من سبقوهم الي الشهادة حتي رحيل المحتل عن ارضهم.
www.alquds.co.uk
