سيارات متفاعلة مع الجسم البشري
أبحاث فورد لحماية المشاة
سيارات متفاعلة مع الجسم البشري؟
غالباً ما تركز إهتمام صانعي السيارات، وخصوصاً زبائنها، على عناصر الحماية الساكنة passive safety (الحماية البنيوية الضابطة للجسم والمخمدة للصدمات) والأخرى الفاعلة active safety التي تساعد في الحؤول دون وقوع الحادث أساساً، كأجهزة منع الإنزلاقات الكبحية والدفعية وبرامج التحكم بالثبات ومنع إنحراف الهيكل، وكل منها يلعب دوره طبعاً ضمن حدود القوانين الفيزيائية الطبيعية ووعي السائق لحالة السيارة والإطارات والمكابح وأسطوانات التخميد وحدود قدرتها حسب طبيعة الطريق والحمولة.
http://www.motiontrends.com/2002/tec...destrians1.jpg
إلا أن طبيعة الإنسان الميالة غالباً الى بدء الإهتمام من الذات egocentric لا تعني بالضرورة غياب إهتمام الصانعين، وقسم متزايد من المستهلكين، بوسائل الحماية الممكنة للمشاة، أطفالاًَ كانوا أو بالغين شباب، أو كهولاً تدنت قدرات سمعهم (للسيارات المقبلة) وبصرهم وسرعة ردود فعلهم.
وإن بدت حماية السائق وركاب السيارة في مختلف سيناريوهات الحوادث الممكنة، مسألة كافية التعقيد نسبة الى تباين أحجام الأجسام وأوزانها ومتانة العظم والجلد والعضلات حسب الأعمار، يتضاعف التعقيد عند البحث في حماية المشاة في الحوادث، نظراً الى زيادة إختلاف السيناريوهات الممكنة وهم ليسوا كالركاب الجالسين في مقاعد محددة المواقع نسبياً. أضف الى ذلك تباين مواضع وقوع الصدمة الفعلية بين الجسم وبين مقدم السيارة، حسب قامة الجسم المصدوم وعمر صاحبه، وسرعة السيارة وتصميم مقدمها ومصابيحها ومصدها وزجاجها الأمامي وقسوة معدنها وطريقة إنثنائه، ثم طبيعة الطريق التي يعود الجسم الى الإرتماء عليها بعد إصطدامه بالواجهة وغطاء الصندوق والزجاج الأمامي أحياناً.
لذلك ترتدي الأبحاث التي كشفتها فورد Ford Motor Company حديثاُ في هذا المجال، والعائدة الى مركزها الألماني في مدينة آخن Aachen، أهمية ملفتة في تفنيدها لمختلف مراحل الحوادث في سيناريوهات كثيرة، بالتعاون بين الهيئات الطبية والمهندسين والمصممين، لدرس التفاعلات الكثيرة الممكنة بين الجسم البشري (بل الأجسام البشرية، لأن مقاومة إبن 18 عاماً تختلف عن قدرات تحمل إبن 6 أو 90 عاماً) وبين مختلف عناصر مقدم السيارة.
http://www.motiontrends.com/2002/tec...destrians4.jpg
ومع أن الأرقام تشير بوضوح الى هبوط نسبة ضحايا الحوادث قياساً بنمو عدد السيارات المستخدمة، منذ أواخر السبعينات (مع التذكير بأن تحديد السرعة القانونية القصوى بدأ أيضاً في السبعينات في معظم الدول الصناعية)، يبقى أنه من أصل نحو 43 ألف وفاة سنوية (إحصاءات حوادث الطرقات في العام 1997) من جراء حوادث السير في أوروبا (والرقم الفعلي أعلى، لأن تصنيف الوفاة من جراء حادث يفترض حصولها، حسب البلدان، حتى بعد فترة معينة من وقوع الحادث، فإن حصل بعده، لا تحسب في إحصاءات ضحايا الحوادث)، يشكل المشاة 16 في المئة من القتلى، أو نحو 6900 ضحية، مع تباين النسب بين الدول، إذ تبلغ مثلاً 10.4 في المئة في بلجيكا و27.5 في إيرلندا.
لكن الأرقام الأقسى تظهر عند أخذ مجموع ضحايا الحوادث في الحسبان، وليس القتلى وحدهم. وحسب المركز الفيدرالي الألماني للإحصاءات في فيسبادن، أصيب أكثر من نصف مليون شخص بجروح من جراء حوادث السير في ألمانيا في العام 1998. وبين هؤلاء، بلغ عدد القتلى نحو 7800 شخص (بينهم 1084 من المشاة) الى جانب أكثر من 108 آلاف حالة بجروح بالغة (منها 13153 حالة لدى المشاة)، ونحو 390 ألف حالة أخرى بجروح طفيفة (منها 25659 لدى المشاة). وسجل ثلثا إصابات المشاة في المدن، كما أشارت الإحصاءات ايضاً الى تركز معظم حوادث المشاة مع الأولاد دون العاشرة من العمر، بينما وقعت أعلى نسب وفيات المشاة لدى البالغين أكثر من ستين عاماً.
ويحدد خبراء مركز فورد الألماني للأبحاث أربعة مواقع صدم اساسية مع المشاة، وهي:
- المصد الأمامي،
- مقدم غطاء الصندوق الأمامي والمصباحين،
- القسم المتبقي من غطاء الصندوق الأمامي،
- الزجاج الأمامي ومحيطه.
http://www.motiontrends.com/2002/tec...destrians3.jpg
ويلحظ تقرير المركز الألماني الذي عمم في الربيع الحالي على مراكز فورد الأخرى في العالم، تأثير جهود صانعي السيارات في خفض إستهلاك الوقود والتلويث وزيادة إنسيابية السيارات، في تقلص الهوامش بين الألواح الخارجية (مثل غطاء الصندوق الأمامي) وبين القطع الميكانيكية القاسية مثل المحرك وغطائه وتوابعه من أجهزة التكييف والتحكم الإلكتروني ووسائل منع الإنزلاق وغيرها، وأعلى دعامتَي نظام التعليق، خصوصاً مع تزايد الطلب الإستهلاكي على وسائل الراحة والرفاهية. وهو ما يساهم ايضاً في تقليص هامش إمتصاص الصدمات وتخميد أثرها على الجسم البشري في الحوادث.
وعوضاً عن البحث عن توسيع الهامش تحت غطاء الصندوق الأمامي، يدرس مهندسو فورد أسلوباً أبسط وأذكى، ويقضي بأرتفاع الغطاء الأمامي بعض الشيء عند وقوح حادث، لتوسيع هامش التخميد من جهة، ولتجنب إرتطام رأس الجسم المدهوس بالزجاج الأمامي أو بإطارَيه (راجع الصورة).
السيناريو الإجمالي
في معظم حوادث السير مع المشاة، يقع المترجل في نهاية الحادث على الأرض، ما يخلط بعض الأوراق لدى محاولة التعرف على مصدر بعض الرضوض أو الكسور: هل هي نتاج الإصطدام بالسيارة أو الوقوع على الأرض؟ وهي نقطة مهمة لأنه إذا أمكن تعديل تصاميم مقدم السيارات لتخفيف حدة الصدمات على الجسم البشري، لا يستطيع المصممون التأثير في طبيعة الطريق التي سيحصل عليها الحادث.
وبعد عقود من الإختبارات على دمى من أحجام مختلفة، أصبحت مراكز الأبحاث المتقدمة، مثل مركز فورد المذكور، تعتمد برامج كومبيوتر أكثر دقة في تقويم تأثير حدة الصدمات حسب السرعات وحسب معدلات مقاومة العظام البشرية في مختلف الأعمار، إضافة خصوصاً الى تبدل مستويات التخميد أو الضرر، وفقاً لتصاميم القطع المعنية (الألواح أو المصابيح أو المصد)، ولموادها ولطريقة تفاعلها مع الضغط المفروض عليها.
ويرتكز قسم كبير من الأرقام والمعادلات المدخلة في برمجة سيناريوهات الحوادث، على معلومات دقيقة مستقاة من أقسام المستشفيات، عن مقاومة الأنسجة البشرية المختلفة للصدمات، بعدما كانت تلك المعلومات تبنى في الماضي على الأبحاث التشريحية التي لم تكن تعكس فعلاً صورة واضحة عن تفاعل الأجسام الحية.
بناء على ذلك، يمكن تكرار الإختبارات الوهمية على الكومبيوتر، مع تعديل المعايير المتبدلة في القامة والوزن والعمر والوضعية والسرعة وغيرها، مع المواد والتصاميم الممكن إعتمادها في المستقبل.
http://www.motiontrends.com/2002/tec...destrians5.jpg
أولى نتائج تلك الجهود تطوير مركز فورد في آخن ثلاثة أنظمة متكاملة لتحسين فرص حماية المشاة في الحوادث، في غطاء الصندوق الأمامي والمصابيح والمصد.
غطاء الصندوق: يستغل أول تلك الأنظمة قسماً من الضغط الناتج عن صدم الجسم البشري في بداية الحادث، لرفع غطاء الصندوق الأمامي نحو 15 سنتم، ميكانيكياً بواسطة نابض مثلاً، أو بواسطة صاعق صغير كالذي يطلق الوسادة الهوائية أو نظام شد حزام الحماية عند وقوع الحوادث. بذلك يتحوّل غطاء الصندوق الأمامي الى شبه درع مرن ومخمد تحت الجسم، ويبعد الأخير خصوصاً عن العناصر المعدنية القاسية تحت الغطاء، كما يحوّل وجهة إرتماء الجسم في المرحلة التالية، قدر الإمكان، عن الزجاج الأمامي وإطاره القاسي. ولا ينطلق نظام رفع الغطاء في الحوادث الواقعة بين السيارات أو إذا كانت السيارة متوقفة مثلاً.
المصد: أما المصد الذي تختبره فورد أيضاً فهو يتضمن مواد بلاستيكية مختلفة الكثافة حسب موقعها، مع تصميم يتلاءم مع شكل القدمين عند تعرضهما للحادث، فيتحول (المصد)، قدر الإمكان طبعاً، الى وسيلة داعمة للقدمين عوضاً عن تحوله الى "مطرقة" تحطمهما فور صدمهما.
المصابيح: وفي الذهنية ذاتها، يمكن ايضاً تصميم المصباحين الأماميين على نحو يساهم، مع المصد، في إمتصاص نسبة معينة من الصدمة المفروضة على الفخذين إجمالاً (في اجسام البالغين)، وبتجانس مع الأداء التخميدي الذي سيمارسه المصد السابق الذكر، فينتج غطاء المصابيح من مواد بلاستيكية يتبدل شكلها تحت وقع الصدمة، عوضاً عن تحطمها وجرح الجسم بنثرها. بتلك الطريقة، يمكن تصور لعب المصد والمصباح دور دعم وتوجيه (نسبيين طبعاً) للساقين، وبطريقة حاملة أكثر مما هي صادمة، قدر الإمكان طبعاً.
http://www.motiontrends.com/2002/tec...destrians6.jpg
طبعاً، لا تجهل فورد، ولا أي صانع سيارات آخر، حدود الحماية الممكنة في حوادث تختلف فيها السرعات والقامات والقدرات الصحية وغيرها من العوامل. لذلك يذكر مركز فورد الألماني أيضاً بأن أية تدابير وتحسينات ممكنة لن تزيل الطابع المؤلم لحوادث السيارات، بسبب فارق الوزن بين الجسمين البشري والمعدني، وفارق القسوة وما الى هنالك. ولا بأس من التذكير ايضاً بأن أية تكنولوجيا لن تغني عن وعي السائق من جهة، والمشاة من جهة أخرى.
لذلك توضح فورد خصوصاً أن الغاية الحقيقة من تلك الأبحاث والتحسينات التي ستطبق في الموديلات المقبلة من ماركاتها المختلفة، فورد Ford وميركوري Mercury ولينكولن Lincoln وجاغوار Jaguar ولاند روفر Land Rover وأستون مارتن Aston Martin ومازدا Mazda (تملك 34 في المئة من الأخيرة)، هي تخفيف الأضرار البشرية الى أقل درجة ممكنة، من دون الإدعاء بمنع حصولها تماماً.
http://www.motiontrends.com/2002/tec...destrians2.jpg
فوق ذلك، لا بد من التذكير ايضاً بأن تلك الأبحاث تشكل قسماً من مجموع وسائل الحماية الخاضعة للدرس والتطوير، بما فيها تلك الإلكترونية الممكن تطورها الى وسائل إنذار مبكر من وجود جسم متحرك في إتجاه السيارة، مع إمكان تدخل وسائل الحماية في السيارة ذاتها لمنع وقوع الحادث... أو لتنبيه المشاة أوتوماتيكياً مثلاً من وصول سيارة مخفية عنهم.
وماذا يمنع مثلاً تضمين ساعاتنا يوماً ما، أجهزة بث مستمر لإشارات محددة تتلقاها السيارات المارة وتحلل معلوماتها عن سرعة المشاة ووجهة حركتهم وقامتهم، وتقارنها بسرعة السيارة ووجهتها، لتنبيه الطرفين فور إلتقاء ظروف تهدد بوقوع حادث؟