أستمع إلى شكواي أبثها أليك يا أبتي
أستمع إلى شكواي أبثها أليك يا أبتي
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى أما بعد 0
كم هي الحقوق التي في أعناقنا لإبنائنا وكم هي تلك الأمانة التي لطالما ضيعت وكم هي تلك الزهور التي ذبلت وما أسقيت بماء الصلاح والتقوى وتركت لعوامل التعرية في الحياة فنحتت فيها كل قبيح نقول لكل أبً تمنى أن يرزق فرزق من رضي بالله ربا وبالإسلام ديننا وبمحمد نبينا ورسولا لمن يتمنى أن يرى بر ولده عند كبره خذ معاناة إبناً قاسى في الحياة عقوق الوالد لولده فعاش محزوناً كسيراً حسيراً يجر آهات اليتم مع وجود الوالد وآهات فقد الحنان مع وجود الأم فأقرأها وصغ منها حياة جديدةً لفلذات كبدك لعل الله أن يقر بهم عينك وعين تلك الأم الحنون 0
رسالة من إبن إلى أبيه
والدي الغالي :
استمع إلى شكواي أبثها إليك ، ومشكلتي أضعها بين يديك …فمشكلتي … يا والدي … أنك مشكلتي …
فأين أنت .. يا أبتاه ؟!
بيتك الذي بنيته … يناديك … عشك الذي رعيته … يناجيك .. أبنك الذي نسيته .. يبحث عنك .. ليدنوا منك 0
أعمالك ..شركاتك .. عقاراتك .. رفاقك .. إنهم جميعاً ألد أعدائي .. لأنهم أخذوك مني وأبعدوك عني ، بالرغم من علمي إنك لا تعمل بها ولا فيها إلا من أجلي واخوتي ..
ولكن يا والدي (( إن لربك عليك حقاً ، ولنفسك عليه حقاً ، ولأهلك عليك حقاً ، ولولدك عليك حقاً فأعط كل ذي حق حقه )) (( وكفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت )) فأنا أريدك يا والدي .. أتمنى أن أضع رأسي على صدرك وأبثك همي وحزني .. أحلم أن أدس وجهي بين أصابعك ، وأعبر عن حبي لك ، وشوقي إليك ولهفتي عليك ... أرغب في أن أحس إنك معي ولي وبي .. فأين .. أين أنت يا أبتاه .. ؟!
ليس اليتيم من أنتهى أبواه من ــ هم الحياة وخلفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له ــ إما تخلت أو أبا مشغولا 0
والدي الغالي :
دعني أقدم لك الشكر كله على ما بذلته من أحلي وفي سبيل راحتي وسعادتي ..فأنت قد جلبت لي أفضل المطايب والمشارب والمراكب .. وأسكنتني أجمل وأهنا المساكن .. وبذلت لي أسباب الراحة والرفاهية على قدر جهدك وطاقتك ..
ولكنك – يا والدي – قد قصرت في أهم الجوانب وأعظم المطالب ..
إنها مطالب الروح والقلب والإيمان ، وكل هذه الأمور غذاؤها الطاعة وزادها التقوى ووقودها العبادة ، وبلسمها العلم الصالح فهل قمت بحقوقها كما قمت بحقوق الجسد ؟!
فمتى أخذت بيدي يوماً وذهبت بي إلى محاضرة قيمة يزداد فيها علمي وعملي ..؟!
ومتى أدخلت علي يوماً بشريط إسلامي مفيد يعمر به وقتي وتكثر به حسناتي ؟!
ومتى أهديتني كتاباً دينياً يأخذ بيدي ونير لي دربي في هذا الزمان الذي كثرة فيه ظلماته وادلهمت شبهاته وشهواته ؟!
ومتى ألصقت قدمي بقدمك وكتفي بكتفك لأداء الصلاة امتثالاً لأمر الله ( وأمر أهلك بالصلاة وأصطبر عليها ) ومتى حفظتني القرآن ؟! ومتى علمتني السنة ؟! ومتى فقهتني في الدين ؟!
قال صلى الله عليه وسلم ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته )
والدي الغالي :
هل رأيت يوماً قارباً صغيراً تصارعه أمواج البحر في عتو واستكبار ؟!
أو أبصرت زهرة ندية تقاوم – على ضعفها – سطوة إعصار ؟!
أو لمحت طائراً ضعيفاً مكسور الجناح تطارده سباع وضباع في نهم وسعار ؟!
إني يا والدي _ أضعف من هؤلاء جميعاً في جو الفتن والشهوات والشبهات الذي أعيشه ليلاً ونهاراً ..
فالعين لا ترى إلا ما يسحرها .. والأذن لا تسمع إلا ما يطربها .. والجوارح لا تعيش إلا ما يغريها .. والقلب لا يشعر إلا بما يفتنه .. والعقل لا يدرك إلا ما يضله ..
ومن رعى غنما في أرض مسبعة ــ ونام عنها تولى رعيها الأسد 0
لقد هيأت لي – يا والدي – جو المعصية وأحطتني بسياج الخطيئة ، فتنفست رائحة الشهوة في الشهيق فأخرجت ذلك معصية لله تعالى مع الزفير ..
إن قنوات التلقي عندي لا تلتقط إلا ما يفتن فأصبح البث ممزوجاً بالخطايا والرزايا والبلايا ..
القيتني – يا والدي – في بحر الشهوات ولم تلبسني طوق نجاة ثم تريدني بعد ذلك أن أكون ملكاً معصوماً !!!
هيهات .. هيهات ..
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له ــ إياك إياك أن تبتل بالماء
والدي الغالي : إني أمانة في عنقك .. وأنت مسؤول عني أمام ربي وربك .. قال صلى الله عليه وسلم (( كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته )) فأشغلني بطاعة الله حتى لا أشغل نفسي بمعصيته ..
والدي الغالي :
إني أرتضع منك كل مبدأ تحمله ، وكل هدف تعيش له وكل خلق تتحلى به ، وكل صفة تتزين بها ، وما احسبني إلا في شجرة أنت أصلها 0
ينشأ الصغير على ماكان والده ــ إن العروق عليها ينبت الشجر
قال صلى الله عليه وسلم (( كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ))
فلماذا – يا والدي – ربيتني على مفاهيم مغلوطة وموازين مقلوبة ومقاييس مختلة ، فعشت عليها ووزنت الناس بها وتعاملت مع الأشياء من خلالها .. ؟!
فقد علمتني أن التعامل بالحسنى والأخلاق الطيبة إنما هي سذاجة وحماقة تجر على صاحبها الخسارة والفاقة 0
وأن الكذب في الحديث والنفاق في المعاملة والتلون في المخاطبة إنما هي سياسة وكياسة 0
وأن التحايل على الناس وغشهم وسلب ممتلكاتهم نوع من الذكاء والدهاء 0
وأن الألفاظ الساقطة والحركات البذيئة إنما هي دعاية ولباقة لا ضير فيها ولا تثريب عليها 0
وأن صدق اللهجة وبذل المهجة إنما هو خبال ويجر إلى وبال 0
وأن بذل النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهر بالحق إنما هي سلب للحريات وهدر للكرامات وتدخل في حياة الآخرين 0
فنشأت – ويا للأسف – ذكيا غير زكي ، وترعرعت – ويا للحسرة – قوياً غير نقي 0
وما ذاك إلا لبذرة فاسدة غرست في أرض طاهرة فأنتجت ثمرة كاسدة 0
رأيت صلاح المرء يصلح أهله ــ ويعديهم داء الفساد إذا فسد
ويعظم في الدنيا بفضل صلاحه ــ ويحفظ بعد الموت في الأهل والولد 0
نسأل الله الكريم بمنه وفضله وكرمه أن يوفقنا وإياكم لتربية أبنائنا على حب كتابه وسنة نبيه ورعايتهم حق الرعاية حتى نرى فيهم ملحمة الأبطال يحترقون من أجل هذا الدين سداً منيعاً في وجه أعداء الدين وكما قال صلى الله عليه وسلم (( كلكم على ثغر من ثغور الإسلام فحذار أن يؤتى الإسلام من قبل أحدكم ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم 0
منقول للعبره
