Re: ضوابط العبادة الصحيحة
سادساً: أن العبادة لا تسقط عن المكلف من بلوغه عاقلاً إلى وفاته، قال تعالى: وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وقال: واعَبدَ ربَكَ حتَى يأتِيك الَيقِين [الحجر:99].
والعبادة لها أنواع كثيرة فهي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة.
فالصلاة والزكاة والصيام والحج من أعظم أنواع العبادة وهي أركان الإسلام، وكذلك الصفات الحميدة، والأخلاق الفاضلة هي من أنواع العبادة، كصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهد، والنصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد والإحسان إلى الجار واليتيم، والمسكين والمماليك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأعمال القلوب من حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه، فالدين كله داخل في العبادة، وأعظم أنواع العبادة أداء ما فرضه الله وتجنب ما حرمه الله تعالى، قال فيما يرويه عن ربه عز وجل: { وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه }.
فأداء الفرائض أفضل الأعمال كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( أفضل الأعمال أداء ما افترض الله، والورع عما حرم الله وصدق الرغبة فيما عند الله )، وذلك أن الله تعالى إنما افترض على عبده الفرائض ليقربهم عنده، ويوجد لهم رضوانه ورحمته، وأعظم فرائض البدن التي تقرب إليه الصلاة كما قال تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ [العلق:19]، وقال النبي : { أقرب ما يكون العبد من ربه هو ساجد }.
وقال: { إذا كان أحدكم يصلي فإنما يناجي ربه }، ولكن هذه الصلاة خف ميزانها اليوم عند كثير من الناس كما قال تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً [مريم:60،59].
والعجب أن بعضهم يأتي ببعض النوافل أو كثير منها، وهو مضيع للصلاة فتراه يحج ويعتمر وهو مضيع للصلاة، ومنهم من يكثر من الصدقات والتبرعات وهو لا يؤدي الزكاة المفروضة، ومنهم من يحسن أخلاقه مع الناس وهو عاق لوالديه قاطع لرحمه سيء الخلق مع زوجه، ولاشك أن العدل في الرعية من الفرائض الواجبة سواء كانت رعيته رعية عامة كالحاكم أو رعية خاصة كالرجل مع أهل بيته، قال : { كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته }، وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال: { إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا }.
وأعظم رعاية الأهل والأولاد أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وإلزامهم بأداء الصلاة، ومنعهم من سماع الأغاني والمعازف والمزامير ومشاهدة الأفلام الخليعة والمسلسلات التي تحمل أفكاراً مسمومة أو تشغل عن طاعة الله وذكره، وبعض الآباء الذين هم أشباه الرجال وليسوا برجال يجلبون هذه الآفات إلى بيوتهم، ويتركونها تفتك في أخلاق أولادهم ونسائهم.
إن عباد الله حقاً هم الذين يعمرون بيوتهم بطاعة الله، ويربون أولادهم ونساءهم على عبادة الله والذّينَ يَبِيتُونَ لِرَبّهِم سُجّداً وقَياماً (64) والذّينَ يَََقُولُونَ رَبّنَا اصرِفَ عَنّا عَذَابَ جَهَنّمَ إن عَذابَها كَانَ غَرَاماً (65) إنّها سَاءَت مستَقَراً ومُقَاماَ [الفرقان:64-66]. إن عباد الله هم الذين يدعون الله أن يصلح أزواجهم وذريتهم والذّينَ يَقُولُون رَبّنا هِبَ لنا مِن أزوَاجِنَا وذُرِيَاتنَا قُرّة أعيّن واجَعَلنَا للمُتَقِين إمَامَا [الفرقان:74]. إن العبادة لا تنحصر في حد ضيق، ولكنها تشمل كل ما شرعه الله من الأقوال والأعمال والنيات فهي تشمل أقوال اللسان، وحركات الجوارح، ومقاصد القلوب، بل تشكل كل حياة المسلم حتى أكله وشربه ونومه، إذا نوى بذلك التقوى على طاعة الله بل حتى معاشرته لزوجته إذا نوى بها التعفف عن الحرام. كما قال النبي : { إن بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة }. قالوا: يارسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: { أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزره فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر }.
وفي حديث أبي هريرة عن النبي قال: { كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته صدقة فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعة صدقة والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة } [رواه البخاري ومسلم].
فاتقوا الله عباد الله واعبدوه كما أمركم.
قال تعالى: ياأيها النَاسُ اعبُدُا ربّكُمُ الذي خَلقَكُم والذّينَ مِن قَبلِكُم لعلَكُم تَتّقٌونَ (21) الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرضَ فِراشاً والسَمَاءَ بِنَاءً وأنَزَلَ مِنَ السَمَاءِ مَاءً فأخَرجَ بِهِ مِنَ الثمَراتِ رِزقاً لَلُم فَلا تَجعَلُوا لِلهِ أندَاداً وأنتُم تَعلَمُونَ [البقرة:22،21].
كتبه : صالح الفوزان حفظه الله