قبل أيام وصلتني رسالة من القارئ إبراهيم علي القيشان جاء فيها:
"... وفي هذا الصيف كنت في عنيزة ورأيت ظاهرة غريبة لعلكم تفيدونا حولها؛ فقد تسرب الماء في حي الأشرفية من أحد الأنابيب في شارع به انحدار واضح. وبدل أن يتجه الماء إلى الأسفل - كما يحتم قانون الجاذبية - بدأ يجري إلى الأعلى حتى تفرق وتشتت في الأرض.. وقد ذكرني هذا - والكلام له - بأمر رأيته في عام 1407هـ حين كنت مسافراً من نجران إلى أبها ولاحظت في بعض المناطق أن السيارة أثناء صعودها في المنحدرات الجبلية تسير بيسر وسهولة وكأنها تنحدر للأسفل..."
- وإلى هنا كنت أظن الأخ إبراهيم (من المعهد العلمي في الخرج) يعلق على مقال قديم تحدثت فيه عن هذه الظاهرة؛ غير أنه أنهى رسالته بقوله: فهل لهذا تفسير علمي؟ وهل يوجد له نظير في مناطق أخرى من العالم!؟
.. فقبل ثلاثة أعوام تقريباً كتبت مقالاً بعنوان "أين تنحدر السيارات إلى الأعلى" استعرضت فيه (إحدى عشرة نقطة) حول العالم تلاحظ فيها هذه الظاهرة الغريبة.. وكان من ضمنها منطقة في الطائف تدعى الكر (قبل مركز التفتيش في الهدا) تتمتع بجاذبية معكوسة. فرغم أن الخط يبدو صاعداً إلا أن السيارة فيه تنحدر (إلى الأعلى) إن أطفأت محركها. ونفس الظاهرة تلاحظ في جنوب سوريا (على الطريق الواصل بين مدينة السويداء وسد الروم) حيث يوجد جزء منحدر إن أوقفت فيه سارتك تعود بمؤخرتها إلى الأعلى...
وبعد نشر المقال مباشرة وصلتني رسالة من قارئ سوري يدعى نظمي سكر يؤكد فيها وجود الظاهرة السابقة قبل سد الروم في سوريا. كما وصلتني رسالة من أخ مصري يدعى هاني سيف (مدير إدارة نظم المعلومات في اليوروماشية) يقول فيها أن هناك مكان مشابه في القاهرة في طريق صلاح سالم حيث تنحدر السيارات المتوقفة إلى الأعلى...
@ وهذه الظاهرة الغريبة قد يكون لها علاقة بظاهرة لا تقل غرابة يمكن مشاهدتها حتى اليوم في وادي الموت بكاليفورنيا. ففي هذا الوادي الجاف تتدحرج الصخور الصغيرة لوحدها وتسير لعدة أميال. وبين الحين والآخر تقفز بعض الحجارة الصغيرة متسلقة الجبال إلى الأعلى - وكأنها قطع فوشار تتطاير من قاع القدر. وهذا الأمر لوحظ لأول مرة منذ مائتي عام حين وصل الرواد الأوائل إلى كاليفورنيا بحثاً عن الذهب - وظنوا حينها أن الوادي مليء بالأشباح. ورغم أن الوادي أصبح اليوم محجاً للسياح إلا أن قلة منهم حظي بمتعة رؤية الصخور وهي تتدحرج لوحدها. غير أن هذه الظاهرة تم تأكيدها من خلال كاميرات المراقبة الدائمة - وأيضاً من خلال المسارات والأخاديد التي تتركها الصخور خلفها..
وقد كرست باولا سينغا (أستاذة الجيولوجيا في جامعة سانت خوزية) حياتها لدراسة ما أصبح يعرف بظاهرة "الصخور الراقصة". وهي على قناعة بأن تحرك الصخور لا يحدث إلا بعد هطول قدر كاف من الأمطار يدفعها للتزحلق على الطين اللزج. وتعتقد أن المنطقة برمتها تتضمن خداعاً بصرياً يظهر مسارات هذه الصخور وكأنها تصعد إلى الأعلى!!
ورغم أن هناك رأياً يفترض انعكاس الجاذبية - في بعض المناطق - بحيث تندفع الأجسام إلى الأعلى؛ إلا أنني شخصياً أعتقد أن الأمر لا يعدو فعلاً عن كونه مجرد خداع بصري؛ فبعض التضاريس تجتمع بطريقة معينة بحيث يبدو النازل صاعداً والصاعد نازلاً.. وهذه خدعة معروفة تستعمل كثيراً في الأفلام والملاهي لدرجة يبدو معها الشخص وكأنه يسير على الجدار أو حتى على السقف. وفي المناطق المذكورة سابقاً يتوفر "الخداع البصري" بشكل طبيعي فيخيل للإنسان أن الماء والسيارات والصخور تنحدر نحو الأعلى.. وما هي كذلك!!
(أقول هذا حفاظاً على ما تبقى من مفاهيمنا حول الجاذبية وقوانين الحركة)!!
منقول من مقال فهد الأحمدي
