مشاركة: يا أخي إيمان بلا جهاد
------------------ تتمه --------------
ومنها أن الشهادة تُكفر ما عليه من الذنوب التي بينه وبين الله!.
فعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فيهم، فذكر: أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال.
فقام رجل فقال: يا رسول الله: أرأيت إن قُتلت في سبيل الله، أتُكفّر عني خطاياي؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إن قُتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر!
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟
قال: أرأيت إن قُتلت في سبيل الله، أتُكفّر عني خطاياي؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر. إلا الدَّين، فإن جبريل قال لي ذلك) .
فأين أنت يا من كُثرت ذنوبه وعُظمت خطاياه!.
ومنها أن الملائكة تظلله بأجنحتها حتى يُرفع إلى السماء!.
فعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: جيء بأبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد مُثّل به، فوضع بين يديه، فذهبت أكشف عن وجهه، فنهاني قوم!
فسمع صوت نائحة فقيل: ابنة عمرو
فقال صلى الله عليه وسلم: (لمَ تبكين؟ ما زالت الملائكة تُظله بأجنحتها) .
ومنها أنه يدخل الجنة قطعاً !.
قال عز وجل: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} (محمد : 4 , 5 , 6 ) .
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأيت الليلة رجلين أتياني، فصعدا بي الشجرة، فأدخلاني داراً هي أحسن وأفضل، لم أرَ قط أحسن منها.. وقالا لي: أما هذه الدار فدار الشهداء) .
جعلني وإياك يا أخي ممن يصيب هذه الدار.
ومنها أن روحه تُجعل في جوف طير أخضر في الجنة!.
فعن مسروق قال: سألنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن هذه الآية: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} ؟
فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة في العرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل!
فاطلع إليهم ربهم اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئاً؟
قالوا: أي شيء نشتهي، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟
ففعل بهم ذلك ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يُتركوا من أن يسألوا، قالوا: يارب نريد أن تُرد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى.
فلما رأى أن ليس لهم حاجة تُركوا) .
ومنها أنه لا يُفتن في قبره، فلا يمتحنه منكر ونكير، ولا يتعرض للسؤال!.
فعن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال: يارسول الله ما بال المؤمنين يُفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) .
نعم والله كفى بقصف الطائرات؛ وضرب المجنزرات؛ والقنابل الذكية والغبية؛ والعنقودية والإنشطارية؛ كفى بها على رأس المجاهد فتنة.
إن من وقف لقتال الكفرة في هذه الحالة، ورأى الأشلاء تتمزق، والرؤوس تتطاير، والدماء تسكب، والناس ما بين جريح وقتيل، ثم ثبت ولم يولَّ الدُبر؛ فجاد بنفسه لله إيماناً به، وتصديقاً بوعده، إنما يكفيه هذا امتحاناً لإيمانه، وهذا والله الاختبار الذي ما بعده اختبار؛ والفتنة التي ما بعدها فتنة!.
ومنها أنه يشفع في سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجب النار!.
عن نمران بن عتبة الذماري قال: دخلنا على أم الدرداء ونحن أيتام فقالت: ابشروا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته) .
ومنها أن الله يختصه بسبعة أمور جاءت في حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن للشهيد عند ربه سبع خصال:
أن يُغفر له في أول دفعة ممن دمه؛ ويرى مقعده من الجنة.
ويُحلى حلية الإيمان.
ويُجار من عذاب القبر.
ويأمن من الفزع الأكبر.
ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها.
ويُزوج ثنتين وسبعين من الحور العين.
ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه.) .
ومنها أنه لا يجد من ألم الموت إلا كما يجد الرجل من ألم القرصة!.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة) .
ومنها أن الأنبياء لا يسبقون الشهداء إلا بدرجة واحدة!.
فعن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (... رجل مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله، حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يُقتل، فذلك الشهيد المُمتحن، في جنة الله تحت عرشه لا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة....) .
* * *
وبعد هذا يا أخي ما الذي يصدك عن نيل هذه الكرامات؟! بالله قل لي ما الذي يصدك؟!.
أيصدك كراهية الموت ومُر مذاقه؟!.
فوالذي نفسي بيده أن الموت لا بد منه؛ فهو كأس أنت شاربه لا محالة {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (آل عمران: من الآية 185 ) .
واعلم أن ساعة الأجل لا تقديم فيها ولا تأخير، وإن الإقدام لا ينقصُ من عمرك شيئاً؛ ولا الإحجام يزيد فيه شيئاً {وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا} (المنافقون: من الآية 11 ) .
وإن كنت تخشى من الألم؛ فعليك بطلب الشهادة؛ فإنك لن تجد حينها للموت ألماً؛ إلا كألم القرصة!.
وإن كان الذي يصدك شدة فراق العيال والمال!.
فاعلم أنهم لن يقربوك إلى الله شيئاً {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} (سـبأ: من الآية 37 ).
وإنما هم زينة الدنيا فلا يغرنك ذلك {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} (آل عمران: 14 ) فا بحث عن حُسن المآب.
إن كنت أخي ممن يؤمن بالغيب، فما أعد الله لك من الجنة خير من الدنيا بحذافيرها، وخير مما أنت فيه من الأمن والأمان، ورغد العيش في الأوطان.
فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما فيها) .
فاستبدل يا أخي هذه القصور الفانية، بدار باقية، قصورها عالية، وأنوارها زاهية، وأنهارها جارية، وقطوفها دانية، وأفراحها متوالية.
ويح حالي لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، لا تعب فيها ولا نصب.
ويح حالي ترابها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ والجوهر، أنهارها نهرٌ من لبن، ونهر من عسل، وفيها نهر الكوثر.
القصر من لؤلؤة مجوفة، طولها سبعين ميلاً في الهواء، وللمؤمن في كل زاوية من زواياه أهل وخدم، لا يبصر بعضهم بعضا.
ويح حالي فيها موائد موضوعة، ثمارها لا ممنوعة ولا مقطوعة، بل فاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون.
ويح حالي لا يتغوط أهلها، ولا يبولون، ولا يبصقون، ولا يمتخطون.
وفوق هذا كله ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وأهلها فيها خالدون، أحياء لا يموتون، شباب لا يهرمون، أصحاء لا يسقمون، فرحون لا يحزنون.
فيا أخي كيف قدمت هذا النعيم الزائف على ذلك الملك العظيم الكبير؟!.
انظر يا رعاك الله بعين عقلك، إذا فارقت ما أنت فيه بالشهادة في سبيل الله، إلى ماذا تصير؟!.
وإن كان الذي يصدك خشيتك على ابنك من الضياع!.
فاعلم أن الله أرحم بالولد من أمه وأبيه، كيف لا؟ وهو الذي قد رباه في أحشاء أمه، ولاحظه بعنايته وهو يتحرك في الظلمات في رحمها، ولم يكن لك في ذلك تقديم ولا تأخير.
كيف أسلمت لله تدبير السماوات والأرض ولم تُسلم له تدبير ابنك من بعدك؟!.
فامض يا أخي على رشدك؛ فإن كان ولدك صالحاً فستجمع بينكما الجنان، وإن كان طالحاً فليكن الفراق من الآن، ولعلك إذا رزقك الله الشهادة أن تكون فيه شافعاً فتنقذه من النيران.
وإن كان الذي يصدك هو فراق زوجتك الحسناء!.
فاعلم أنها لو كانت أجمل نساء هذا الزمان، أليس أولها نطفة قذرة؟! وآخرها جيفة نتنة؟! وهي فيما بين ذلك تحمل العذرة؟!.
حيضها يمنعك من وصالها، وعصيانها لك أكثر من طاعتها، إن لم تتزين شانت، وإن لم تتطهر أجيفت، تتنكر لك عند أدنى دني (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك قالت: ما رأيت منك خيراً قط) .
تريد منها أقذر ما فيها، وتخاف غضبها وتجافيها، وبالجملة فقد خُلقت من ضلع أعوج.
فيا لله العجب؟! كيف تُقعدك هذه عن وصال من خُلقت من نور، ونشأت في القصور، والله لا يجف دم الشهيد حتى تلقاه.
حوراء عيناء، جميلة حسناء، بكر عذراء، كأنها الياقوت، لم يطمثها إنس قبلك ولا جان.
جفنها فاتر، وحسنها باهر، وجمالها زاهر، ودلالها ظاهر، كحيل طرفها، عذب نطقها، كثيرة الوداد، عديمة الملل، قد قصرت طرفها عليك، فلم تنظر إلى سواك.
لو برز ظفرها لطمس بدر التمام، ولو ظهر سوارها ليلا لم يبق في الكون ظلام، ولو اطلعت بين السماء والأرض، لملأ ريحها ما بينهما، ولو تفلت في البحر المالح، عاد كأعذب الماء.
كلما نظرت إليها ازدادت في عينك حسنا، وكلما جالستها زادت إلى ذلك الحسن حسنا، أيجمل بعاقل أن يسمع بهذه ويقعد عن وصالها، كيف وله في الجنة من الحور العين أمثال أمثالها.
وإن كان يصدك الرغبة في طول العمر وكثرة العمل!.
فهذا والله من مصايد إبليس، وليس من مقاصد أولياء الله الصالحين، أليس أصحاب رسول الله أولى بذلك المقصد منك؟!.
فلو ركن أصحاب رسول الله إلى ذلك، لما فتحوا الديار والأمصار، ولو فعلوا ذلك لما جاهدوا المشركين والكفار وكفى بها آية {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} (النساء: من الآية 95 ) .
وإن كان الذي يصدك تفقه المثبطين!.
فأنقل لك هذا الكلام:
(لا شَكَّ أنَّ صُوَرَ تَعْطِيْلِ الجِهَادِ كَثِيْرَةٌ جِدًّا، لا تَنْتَهِي عِنْدَ السُّلْطَانِ؛ بَلْ تَتَعَدَّاه إلى شُذُوْذَاتِ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ مِنْ خِلالِ تَفَقُّهَاتٍ مَغْلُوْطَةٍ، فَمِنْ ذَلِكَ:
1ـ الاشْتِغَالُ بأمُوْرِ الدُّنْيا، وعِمَارَتِها عَنِ الجِهَادِ، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ في أهْلِ زَمَانِنا.
2ـ إيْذَاءُ، وحَبْسُ المُجَاهِدِيْنَ.
3ـ سَدُّ طُرُقِ الجِهَادِ أمَامَ المُجَاهِدِيْنَ.
4ـ إبرامُ العُقُوْدِ والعُهُوْدِ السِّلْمِيَّةِ (المُطْلَقَةِ !) مَعَ جَمِيْعِ الكُفَّارِ؛ تَحْتَ ظِلِّ المَصَالِحِ الدُّوَلِيَّةِ.
5ـ تَشْوِيْهُ الجِهَادِ سَوَاءٌ بوَصْفِه: إرْهَابًا، أو حَمَاسًا، أو تَهَوُّرًا، أو طَيَاشًا … إلخ، وقَدْ قِيْلَ: لا تَغْزُو إلاَّ بغُلامٍ قَدْ غَزَا !
6ـ السُّكُوْتُ عَنْ ذِكْرِ فَضَائِلِ الجِهَادِ، وأهَمِيَّتِه، سَوَاءٌ فِي الخُطَبِ، أو النَّدَوَاتِ، أو المُحَاضَرَاتِ، أو الفَتَاوَى السّائِرَةِ.
7ـ القَوْلُ بأنَّ الجِهَادَ المَشْرُوْعَ، هُوَ مَا كَانَ دِفَاعِيًّا لا طَلَبِيًّا.
8ـ عَدَمُ الإعْدَادِ للجِهَادِ، وتَضْيِيْقُ سُبُلِه: كَنَزْعِ السِّلاحِ مِنْ عُمُوْمِ المُسْلِمِيْنَ، ومُصَادَرَةِ كُلَّ مَا مِنْ شَأنِه سِلاحًا للجِهَادِ.
9ـ إطْلاقُ القَوْلِ بأنَّ الأمَّةَ الإسْلامِيَّةَ: لَيْسَتْ مُؤهَّلةً للجِهَادِ هَذِه الأيَّام.
10ـ القَوْلُ بوُجُوْبِ الكَفَاءةِ فِي العُدَّةِ، شَأنُه شَأنَ مَا عِنْدَ الكُفَّارِ الآنَ.
11ـ مَنْعُ الشَّبَابِ عَنِ الجِهَادِ، والإعْدَادِ لَه: بحجَّةِ التَّرْبِيَةِ والتَّصْفِيَةِ.
12ـ عَدَمُ التَّفْرِيْقِ بَيْنَ جِهَادِ الطَّلَبِ، وجِهَادِ الدَّفْعِ، مِمَّا جَنَحَ بَعْضُهم إلى القَوْلِ: بشَرْطِ إذْنِ وَلِيِّ الأمْرِ، ووُضُوْحِ الرَّايَةِ، ووُجُوْبِه الكِفَائِي دَوْمًا، وتَحْرِيْمِ العَمَلِيَّاتِ الجِهَادِيَّةِ (الاسْتِشْهَادِيَّةِ)، … ومِنْ آخِرِ مَا سَمِعْنَاهُ عَنْ بَعْضِهِم: القَوْلُ بعَدَمِ الإعْدَادِ الفَرْدِي للجِهَادِ؛ لِمَا فِيْه مِنَ الفَوْضَوِيَّةِ والخَطأ … إلخ، كُلُّ هَذا وغَيْرُه يَصُبُّ رَأسًا فِي تَعْطِيْلِ الجِهَادِ الدِّفَاعِي فِي أكْثَرِ بِلادِ المُسْلِمِيْنَ الآنَ!
يَقُوْلُ ابنُ تَيْمِيَّةَ ـ رَحِمَهُ اللهُ ـ: (وأمَّا قِتَالُ الدَّفْعِ فَهُو أشَدُّ أنْوَاعِ دَفْعِ الصَّائِلِ، ودَفْعُ الصَّائِلِ عَنِ الحُرْمَةِ والدِّيْنِ، وَاجِبٌ إجْمَاعًا، فالعَدُوُّ الصَّائِلُ الَّذِي يُفْسِدُ الدِّيْنَ والدُّنْيا لا شَيْءَ أوْجَبَ بَعْدَ الإيْمَانِ مِنْ دَفْعِه، فَلا يُشْتَرَطُ لَه شَرْطٌ؛ بَلْ يُدْفَعُ بِحَسَبِ الإمْكَانِ، وقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ العُلَمَاءُ، أصْحَابُنا وغَيْرُهُم، فَيَجِبُ التَّفْرِيْقُ بَيْنَ دَفْعِ الصَّائِلِ الظَّالِمِ الكَافِرِ، وبَيْنَ طَلَبِه فِي بِلادِه) .
13ـ التَّفْرِيْقُ (الوَطَنِيُّ) بَيْنَ بِلادِ الحَرَمَيْنِ، وغَيْرِها مِنْ بِلادِ المُسْلِمِيْنَ مِمَّا دَفَعَ بَعْضًا مِنْ أهْلِ العِلْمِ إلى عَدَمِ الاهْتِمَامِ بشَأنِ الجِهَادِ، والاعْدَادِ لَه، والتَّفَاعُلِ مَعَ إخْوَانِهم المَنْكُوْبِيْنَ هُنَا وهُنَاكَ، فِي حِيْنَ يَعْلَمُ الجَمِيْعُ أنَّه لَو هَاجَمَ كَافِرٌ بِلادَ الحَرَمَيْنِ (حَفِظَها اللهُ مِنْ كُلِّ سُوْءٍ) لطَارَتِ الفَتَاوَى الشَّرْعِيَّةُ مُقرِّرَةً فَرْضِيَّةَ الجِهَادِ العَيْنِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بشَرْطِه، وهَذَا حَقٌّ، (ولَيْسَتْ أزْمَةُ الخَلِيْجِ عَنَّا ببَعِيْدٍ) !
14ـ إغْفَالُ الخِلافَةِ الإسْلامِيَّةِ مِمَّا جَعَلَ الاهْتِمَامَ بالجِهَادِ وأحْكَامِه عِنْدَ كَثِيْرٍ مِنْ أهْلِ العِلْمِ مَحْصُوْرًا بحُدُوْدٍ ضَيِّقَةٍ (جُغْرَافِيَّةٍ !)، لا تَتَعَدَّى أحْكَامُه فِي جَمِيْعِ الحَالاتِ مِنْ كَوْنِه فَرْضَ كِفَايِةِ، وبأذْنِ وَلِيِّ الأمْرِ، وفِي جَمْعِ الأمْوَالِ، والدُّعَاءِ للمُسْلِمِيْنَ … إلخ.
15ـ عُزُوْفُ أكْثَرِ عُلَمَاءِ الأمَّةِ الإسْلامِيَّةِ عْنِ المُشَارَكَةِ فِي أرْضِ الجِهَادِ، وهَذَا فِي حَدِّ ذَاتِه عَارٌ فِي تَارِيْخِ الأمَّةِ الجِهَادِيِّ، كَمَا أنَّه يُعَدُّ مِنْ صُوَرِ تَعْطِيْلِ الجِهَادِ المَعْنَوِيِّ؛ لِذَا نَجِدُ كَثِيْرًا مِنْ أهْلِ العِلْمِ لا يَسْتَنْكِفُ مِنْ ذِكْرِ المُجَاهِدِيْنَ بأسْمَاءَ تَحْمِلُ فِي مَثَانِيْها الغَمْزَ واللَّمْزَ بطَرِيْقٍ أو آخَرَ: كشَبَابِ الجِهَادِ، وأصْحَابِ الجِهَادِ، وهَؤلاءِ المُجَاهِدِيْنَ، والجِهَادِيِّيْنَ، والعَاطِفَةِ الجِهَادِيَّةِ، والحَمَاسِ الجِهَادِي.
وكَذَا اتِّهَامُ المُجَاهِدِيْنَ بقِلَّةِ التَّرْبِيَةِ، وقِلَّةِ العِلْمِ … إلى غِيْرِ ذَلِكَ مِنَ العِبَارَاتِ الَّتِي مَا وَرَاءها !
16ـ رَبْطُ الجِهَادِ الشَّرْعِيِّ بِحُكْمٍ بِدْعِيِّ: كرَبْطِ الجِهَادِ بالتَّكْفِيْرِ، وبالهَجْرَةِ والتَّكْفِيْرِ، وبالخُرُوْجِ عَلَى وَلِيِّ الأمْرِ، وبالتَّخْرِيْبِ، وبتَرْوِيْعِ الآمِنِيْنَ …إلخ.
17ـ اتَّهَامُ الجِهَادِ (والمُجَاهِدِيْنَ) بأنَّه سَبَبٌ فِي تَأخِيْرِ الدَّعْوَةِ إلى اللهِ تَعَالَى، وفِي نَشْرِ الإسْلامِ، فِي غَيْرِ ذَلِك مِنْ صُوَرِ تَعْطِيْلِ الجِهَادِ الإسْلامِي؛ المُغَلَّفَةِ باسْمِ (فِقْهِ الوَاقِعِ)، ومَا هِي فِي الحَقِيْقَةِ إلاَّ (الفِقْهُ الوَاقِعُ)، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا مِنْ عَوَاصِمَ لِهَذِه القَوَاصِمِ ؟!) .
وتأمل يا أخي بارك الله فيك النقطة ( 13 و 16 ) .
* * *
وختاماً: اعلم يا أخي أنه لا ينال فضلاً؛ ولا يُقبلُ منه عمل؛ من كان أمره لغير الله.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله) .
اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة؛ ولوجهك خالصة؛ ولا تجعل لأحدٍ فيها شيئاً، اللهم املأ حياتنا بالسعادة؛ واجعل موتنا في سبيلك شهادة؛ واكتب لنا الحسنى وزيادة، اللهم إنا نسألك شهادة في سبيلك ترضى بها عنا ياحي ياقيوم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه أبو أحمد البرقاوي
قال الشيخ حامد العلي بعد قراءته لهذه الرسالة: (بارك الله فيك وسددك، هذا كلام سديد نافع موافق لما جاء في الكتاب والسنة وفقك الله)
انتهى