ليسوا ملكا لكم!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لطالما حيرتني العلاقة العجيبة التي تجمع الأبناء بذويهم، علاقة تستمر مدى الحياة شئنا أم أبينا، علاقة يشوبها الكثير من التقلبات بحيث تجتمع خلال فترة هذه العلاقة كل أنواع العواطف التي يمكن تخيلها من حب وحنان وصدق وغضب وعتاب وعطف ورجاء وصد وغيرها.
كثير من الناس يقضون أيام عمرهم في إنجاب وتربية الأولاد، يمنحونهم الحب والسعادة واملهم في هذه الحياة ان يصبح الولد كأبيه أو أفضل منه والبنت كأمها أو أفضل منها، يشبعونهم بأفكارهم علهم يصبحون في يوم من الأيام مثلهم.
ولكن..مهما فعلتم وزرعتم ((أولادكم ليسوا ملكا لكم)) كما قال جبران خليل جبران.
أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم ولكن ليس منكم.
لأولادكم أفكارهم الخاصة بهم، حياتهم التي يأملون أن يعيشوها كيفما رغبوا، امنحوهم محبتكم وعطفكم ولكن لا تحاولوا إجبارهم على الخوض فيما لا يشاءون، أضيئوا لهم الدروب ولكن لا تجبروهم على المشي فيها، اخبروهم عن تجاربكم في هذه الحياة، واتركوهم يخوضون تجاربهم الخاصة.
زمانكم غير زمانهم، فلا تثقلوا أسماعهم بكان وكنا فلهم شقاؤهم أيضا، فالحياة على الرغم من كل شئ تبقى شقية.
لا تحاولوا أن تزرعوا فيهم مبادئكم وأفكاركم وإنما علموهم كيف يكون لهم مبدأ ورأي.
هناك العديد من المواقف التي تثير الاستغراب في علاقة الأبناء بأهلهم، مثلا أب يجبر ابنته على الزواج بمن لا تريد لأنه (أدرى بمصلحتها)!.
أم تشترط على ابنها أن يقسو على زوجته (يرويها العين الحمره) لأنها ترى أن ذلك من شأنه أن يخلق منه رجلا!
أب يصر على تسمية حفيده باسم جد جده (ليحفظ اسم العائلة) ولتضرب آراء وتخطيط الزوجين لحياتهما عرض الحائط!!
الإصرار على مصاحبة فلان دون علان، الإصرار على دراسة تخصص دون آخر بحكم أن الأهل دائما يعرفون مصلحة أبنائهم وأن الأبناء دائما لا يمكنهم بسبب العمى الأبدي المصابين به أن يرسموا ملامح حياتهم، وغيرها الكثير.
على الرغم من كل شئ اعلموا أنه مهما كبر الابناء ومهما فعلوا فحاجتهم لعطفكم وحنانكم لن تتوقف، وستظل روحكم ساكنة فيهم وأصواتكم تصدح فضاءاتهم، وبأيديكم حاملين فيها بعض الثقة ستكونون لهم أنوار دروبهم والشجرة التي يستظلون بها حين تخونهم شمس الحياة الحارقة.
و دمتم في سعادة وسرور