الهجمة على النظام الإجتماعي في الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
خطاب إلى الأمة
الهجمة على النظام الاجتماعي في الإسلام
أيها المسلمون :
منذ أن تفردت الولايات المتحدة الأمريكية في الموقف الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ، واستطاعت تحييد منافسيها التقليديين وإبعادهم عن القضايا السياسية الدولية ، ومنذ أن نجحت بمساعدة الدول الرأسمالية الأخرى في جعل الرأسمالية أساس العلاقات والأعراف الدولية ، وهي تعمل بإصرار منقطع النظير لجعل الرأسمالية بمنزلة دين أمم وشعوب الأرض كلها ، بحيث يعتنق الناس عقيدتها ، ويجعلون أفكارها مفاهيم ومقاييس وقناعات لهم في سائر نواحي الحياة ، ولا يكتفون بتطبيقها كأنظمة وقوانين .
وهي لم تكف منذ ذلك الحين عن وضع المخططات ورسم الأساليب لعولمة الرأسمالية بين أمم العالم وشعوب الأرض ، ولم تكتف بوزنها الدولي ونفوذها العالمي ، ولا بزعامتها للدول الرأسمالية ، ولا بالشرعة الدولية وأدواتها المتمثلة بالأمم المتحدة وميثاقها ، والتي تسخرها لتنفيذ خططها ، ولا بوسائل الإعلام العالمية وثورة الاتصالات الحديثة المهيمنة هي وحلفاؤها عليها ، لم تكتف بكل ذلك عن السير في إرضاخ أمم وشعوب الأرض لاعتناق فكرتها وحمل مفاهيمها وقيمها ، بل جندت لذلك الحكام العملاء ومن حولهم من المرتزقة والمنافقين ، ومن يؤازرهم من المضبوعين بحضارة الغرب الكافر ، والمفتونين بطريقته في العيش ، بل وحتى من يتظاهرون بالحرص على الإسلام ، سواء أكانوا من مشايخ السلاطين ، أو مَنْ يُقدَّمون للناس على أنهم مفكرون إسلاميون ، الذين هم في الحقيقة علمانيون ينادون بفصل الدين عن الحياة .
ومن ذلك تلك المنظمات العالمية منها أو الإقليمية أو المحلية ، الحكومية أو غير الحكومية ، التي تحاول فرض أوضاع جديدة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا عبر قنوات الأمم المتحدة ، والمرتبطة بها توجيها وتمويلا ، والتي تعمل ميدانيا بين الناس سواء تحت غطاء تعزيز الديموقراطية أو مكافحة التلوث أو نزع الألغام أو تنمية المرأة وتنظيم الأسرة أو ما شاكل ذلك ، وخطورتها تكمن في تحقيقها لبعض الخدمات الآنية للناس ، وتغلغلها عمليا في جميع أوساطهم ، ووصولها إلى شرائح الناس المختلفة وتسويق أفكار الحضارة الغربية الفاسدة تحت شعارات التوعية الفكرية والتنمية الاقتصادية والصحة الإنجابية ، وما ذلك إلا لغرس مفاهيم الحضارة الغربية وقيمها الفاسدة بين أمم الأرض وشعوب العالم .
وهي وإن كانت مخططاتها هذه موجهة لأمم وشعوب الأرض كافة ، غير أنها في الحقيقة تستهدف الأمة الإسلامية بضرب المبدأ الذي تعتنقه هذه الأمة ، والذي باتت تتحرك لبناء حياتها على أساسه ، متطلعة لإنقاذ العالم به وإخراجه من الظلمات إلى النور ، رغم ما هي فيه من تجزئة أحدثها الكفار قبل هدم الخلافة وبعده ، ورغم تسلط الحكام العملاء عليها .
وأمريكا بعد أن جندت كل أدواتها تلك لتنفيذ مخططها هذا ، وبعد أن دفعت بجميع قواها لخوض هذه المعركة ، سلطت هجومها على المرأة المسلمة لهدم كيان الأسرة المسلمة من خلالها ، وهي في هجومها هذا إنما توجه سهامها لضرب النظام الاجتماعي في الإسلام وضرب أحكامه ، والنيل من أعراض المسلمين وشرفهم بنشر الرذيلة وإشاعة الانحلال بينهم ، وحتى يكون هجومها مؤديا غرضه بإفساد المرأة المسلمة وتشويه الأحكام التي جاءت لتنظيم علاقتها بالرجل ، وبالتالي تفكيك الأسرة المسلمة ، وتهديم الناحية الاجتماعية عند المسلمين تحت شعار إنهاض المرأة ، قامت بوضع هذه المخططات ورسمت لتنفيذها أساليب في غاية الخبث والدهاء ، حيث قامت بجر الدول في البلاد الإسلامية للتوقيع على اتفاقيات خاصة بحماية حقوق الإنسان وإزالة كافة أشكال التمييز ضد المرأة مقابل إعفائها من بعض الديون التي عليها ، كما استحدثت من المنظمات الحكومية وغير الحكومية ما يمكنها من متابعة تنفيذ هذه الاتفاقيات ، ووضع الخطط المرحلية لذلك من خلال مؤتمرات عالمية تعقد تحت عناوين التنمية والسكان ، والمرأة ، والمرأة عام ألفين ، ومن ذلك مؤتمر المرأة العالمي الأول الذي عقد في المكسيك عام 1975 ، ومؤتمر المرأة الثاني الذي عقد في كوبنهاجن عاصمة الدنمارك عام 1980 ، ومؤتمر المرأة الثالث الذي عقد في نيروبي عاصمة كينيا عام 1985 ، وكذلك مؤتمر التنمية والسكان الذي عقد في القاهرة عام 1994م ومؤتمر المرأة في بكين عام 1995 وهو أخطرها لما أفرزه من قرارات وتوصيات فيما عرف بوثيقة بكين ، ومؤتمر اسطنبول للإسكان والإعمار عام 1996 ، ومؤتمر المرأة عام ألفين والذي سيعقد في الخامس من شهر حزيران القادم ، تحت شعارات المساواة والتنمية والسلام ، وهي تهدف من عقد هذه المؤتمرات هدم مفاهيم الأسرة والأمومة والزواج ، وفتح الباب على مصراعيه لإقامة العلاقات الجنسية بعيدا عن الزواج وبعيدا عن إطار الأسرة ، وما ينشأ عن ذلك من مفاهيم سواء من حيث رفع سن الزواج أو من حيث الاعتراف بالزنا والإجهاض أو إتيان الرجال دون النساء أو المخنثين ، أو السحاق ، وإدراج حرية وجودهم ضمن حقوق الإنسان وضمن الحريات الشخصية للأفراد .
وتنادي هذه المؤتمرات بأن تقف المرأة مع الرجل دون فرق بينهما ودون مبالاة بما يترتب على ذلك من نتائج وبما يلابس ذلك من مشاكل وأمور ، ولذلك طالبت هذه المؤتمرات بتغيير أنظمة وقوانين العمل بالنسبة للمرأة وإصدار أنظمة خاصة بها لدفع المرأة المسلمة إلى الخروج للاحتكاك الرخيص بالرجال في الحياة العامة والخاصة .
كما دعت هذه المؤتمرات إلى تغيير أو تعديل التشريعات لضمان ما يسمونه " بالمساواة القانونية بين الرجل والمرأة " وهي التشريعات المتعلقة بقانون الأحوال الشخصية ومنه الزواج والطلاق والميراث ، أو التشريعات المتعلقة بضمان الحرية الشخصية للمرأة سواء في حرية إقامة العلاقات الجنسية المحرمة أو حق المشاركة في الحكم أو ما شاكل ذلك ، وما التطورات الأخيرة التي ترعاها الدولة سواء في مصر أو المغرب أو السعودية أو الكويت أو إيران أو تركيا أو الأردن وسوريا حول التشريعات القانونية المتعلقة بذلك إلا بداية لهذه الهجمة الشرسة ، مما سيكون له أسوأ الأثر على العلاقات الاجتماعية السائدة في بلاد المسلمين ، خاصة في مدى تراكمها الزمني ، مما سيؤدي إلى خلخلة البنية الاجتماعية للأمة وبالتالي وقوع المجتمع فريسة لمفاهيم الغرب الكافر وقيمه الفاسدة ، والتي ذاقت منها البشرية الأَمَرّيْن لمخالفتها الفطرة الإنسانية ، وما المشاكل الاجتماعية العميقة التي ترزح تحتها المجتمعات الرأسمالية والأمراض العضوية والنفسية والعقلية التي تسببها إلا بعض ما اكتوت بناره هذه المجتمعات نتيجة هذه المفاهيم .
أيها المسلمون :
إن ما حدث في مصر حول قانون الأحوال الشخصية الجديد ، وما حدث في السعودية والكويت من تطورات تشريعية حول المرأة ، وما يحدث الآن في إيران ، وما حدث ويحدث في الأردن من تطورات وتفاعلات حول كثير من التشريعات والمفاهيم المتعلقة بالمرأة تحت شعارات النهوض بها ، كالتعديلات التي تم إقرارها في قانون العمل وقانون الأحوال المدنية وعدم الفصل بين الجنسين في المسابح والإلحاح على المطالبة بإلغاء المادة 340 من قانون العقوبات ، إن ما حدث ويحدث في هذه البلاد وغيرها من بلاد المسلمين لا يصح أن ينظر إليه على أنه إلغاء أو تعديل قانوني لمادة تشريعية ، ولا يصح أن ينظر له أنه لتقويم النظرة إلى المرأة كما يزعمون ، إنما هي خطوات في طريق هدم الناحية الاجتماعية عند المسلمين ، ونظرة سريعة إلى توصيات مؤتمرات المرأة التي عقدت في السنين الأخيرة ، وبنود الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي أصبحت هذه الدول طرفا فيها ، والتي كانت هذه الأحداث تداعيات لها ، يتضح بما لا يدع مجالا للشك مدى الخطورة المترتبة على السير في تنفيذ هذه الاتفاقيات وتوصيات هذه المؤتمرات ، وأثرها الفظيع على النظام الاجتماعي الذي يعالج صلة الرجل بالمرأة ، وشؤون الأسرة والطفولة والزواج ، من حيث التفكك الأسري والتحلل الخلقي وتفشي الفاحشة والرذيلة وجنوح الأحداث وظهور الأمراض العضوية والنفسية والعقلية الخطيرة ، وفوق ذلك كله ضرب نظرة الإسلام للمرأة من حيث أنها أم وربة بيت وعرض يجب أن يصان .
أيتها الأمة الكريمة :
إن الولايات المتحدة الأمريكية والغرب الكافر وأدواته تهاجم الأمة بهذه الأفكار ، وتروج لطريقتها في العيش بناء على هذه المفاهيم ، وتسعى لترسيخ وجهة نظرها بالأساليب الفكرية والسياسية الماكرة ، وهي لن تكف عن ذلك حتى تتحقق غايتها بالوصول إلى أن تسود طريقة العيش الغربية في بلادنا وأن تصبح المرأة المسلمة ، كالمرأة في المجتمعات الرأسمالية ، سلعة رخيصة : فتاة إعلانات ، وعارضة أزياء وعنوانا للصناعة الجنسية ؛ تقضي حياتها بين أحضان الرجال ، ولا تجد إذا تقدم بها العمر مأوى لها إلا دور العجزة والمسنين ، بينما كرَّم الإسلام المرأة أيما تكريم ، فجعل المفهوم عن المرأة أنها عرض يجب أن يصان ، وأن المسلم يقاتل دونه إذا اعتدي عليه ، ونظر إليها أماً واجبة البر والطاعة .
ولذلك فإن الإسلام يفرض علينا جميعا الوقوف في وجه هذه الأفكار والتصدي لهذه الهجمة الشرسة ، قبل أن يستفحل أثرها علينا، وقبل أن تأخذ إفرازاتها بالتغلغل في مجتمعنا وتمتد إلى أن تصبح أفكارها هي التي تنظم علاقاتنا الاجتماعية ، فتزيد من إفساد حياتنا علينا في الدنيا ، ونبوء بغضب من الله في الآخرة ، قال تعالى : "إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة."
وإننا إذ ننبهكم إلى خطر هذه الهجمة فإن علينا جميعا أن ندرك أن الدول القائمة في بلادنا هي التي تمكن الغرب الكافر من تمرير حضارته إلينا وهي التي تمكن أدواته من التغلغل بيننا لتسميم المجتمع بما تشيعه من أفكار ومفاهيم تناقض ما نحمل من أفكار ومفاهيم ، وهي في الوقت الذي تنادي فيه بتحرير المرأة كما يزعمون ، لم تكف في أي وقت عن تهديم المشاعر الإسلامية في نفوسنا بما تروج له من أفكار وما تدعوا له من مفاهيم ، وما تثيره من غريزة النوع سواء من خلال ما تشيعه من حضارة الغرب الكافر أو ما تبثه من مناظر ساقطة ، وما تسمح بعرضه من تصاوير خليعة ، بما يتناقض مع حضارة الإسلام .
ودول هذه حالها ، لا تحمي رعاياها من حضارة تناقض حضارتهم ، بل تجاهر بقبولها وتطبيقها ، وتعاقب كل من يقف في وجهها وتصمهم بالأصولية والتشدد والتطرف والعنف والإرهاب ، حري بنا أن ننبذها ، وأن نسعى للخلاص من نيرها ، وأن نضم جهودنا ونوحد قوانا لإيجاد سلطان الإسلام في هذه الحياة .
أيها المسلمون :
إننا ندعوكم جميعا نوابا وخطباء ، ومعلمين وكتابا ، مثقفين وصحفيين وكلنا مكلفون بحمل رسالة الإسلام أن تستنفروا طاقاتكم وتعملوا بدأب متواصل ووعي كامل وتضحية صادقة للوقوف معا في وجه هجمات الكفر الشرسة على إسلامنا ومنها هذه الهجمة ، والوقوف في وجه دعاتها من الفئات الحاكمة والمضبوعين بالحضارة الغربية وقيمها الفاسدة ، وأن تعملوا على بث أفكار الإسلام الصادقة والكفاح في سبيلها حتى تقوم دولة الخلافة التي بها ترتفع راية الإسلام فوق جميع الرايات وتكون كلمة الله هي العليا ، ويتم حمل رسالة الإسلام بالجهاد إلى العالم نورا وهدى ورحمة للعالمين .
"والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما"
3 ذو الحجة 1420ه
9 آذار 2000م