مشاركة: الطريقة والأسلوب:
وعليه فإن علينا أن نفهم طريقة الرسول r ونلتزمها تماماً كما سار عليها. ونحدد مراحل عمله والأعمال التي تمت في كل مرحلة.
ففي مرحلة التثقيف قام الرسول r بأعمال (كالاتصال بالأفراد، وجمع من آمن معه في مكان سري والمداومة على تثقيفهم) فنحن نلتزم أصل هذه الأعمال كأحكام شرعية هي من عند الله ونختار لها ما يلزم من وسائل وأساليب من عند أنفسنا.
وفي مرحلة التفاعل قام الرسول r بأعمال (إعلان الدعوة على رؤوس الأشهاد، ونزول مئات الآيات التي تهاجم العقائد والعادات الفاسدة، وتهاجم زعماء قريش بأسمائهم أو أوصافهم، عرض نفسه على القبائل) ونحن نلتزم أصل هذه الأعمال كأحكام شرعية. ونضيف إلى أعمال المرحلة الأولى التي هي التثقيف أعمال المرحلة الثانية حيث يتجلى فيها الصراع الفكري والكفاح السياسي وتبني مصالح الأمة على أساس الإسلام وكشف خطط الكفار المستعمرين مع أذنابهم الحكام العملاء. تماماً كما كان يفعل الرسول r ومن ثم نختار لهذه الأعمال ما يلزم من وسائل وأساليب من عند أنفسنا.
نعم من تلك الفترة التي كان الرسول r فيها في مكة يجب أن يجري التأسي لإقامة دار الإسلام. والرسول r عندما سار في هذه الطريق، وقام بأعمال من أجل ذلك، لاقى في طريقة الهوان والاستضعاف والشدة والأذى. وما لانت له قناة، ولا ضَعُفَ له عزم. وكان يأتيه أمر الله فيجهد في تنفيذه .. وإنه لبعيد الفهم عن سلوك الطريق الصحيحة من يسمع قوله تعالى: ]فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ[ حيث يأمر الله رسوله بأن يصدع بأمره حصراً ، ويرى أن الرسول r يصدع بأمر ربه وليس بأمره هو ، وبعد ذلك يقول: إن الطريق غير ملزمة. إنها إن لم تكن ملزمة فما حاجة الرسول r لمثل هذه المواقف التي وقفها يتحدى فيها الكفار ويتعرض لآلهتهم وزعمائهم ولعاداتهم ولأفكارهم. وكل ذلك بتوجيه القرآن له. كان يستطيع أن يحابي الزعماء ويسترضيهم، أو يتماشى مع عادات قومه الفاسدة ريثما يتمكن منهم ولو فعل ذلك لكان خالف أمر ربه، فقد نزل القرآن وامتثل الرسول r لأمره. وقال الله له سبحانه: ]قُمْ فَأَنذِرْ[ وهاجم الزعماء كما سبق بيانه: ]تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ[، ]عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ[ ودافع القرآن عن الرسول بقوله: ]مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ[ ووصف حال الكفار بأنهم: ]وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ[ وأمره بالصدع وإنذار أم القرى أي مكة وما حولها. ونهاه عن الدعوة بالسلاح هو ومن معه، فقد كان القرآن ينزل والرسول يسير بحسبه، وأي حجة بعد هذا لمن يقول بأن الطريق غير ملزمة؟.
ومعنى كونها غير ملزمة أنها اختيارية. ومعنى ذلك أن الرسول r كان باستطاعته أن يخالف أمر الله في كل ما نزل أو في بعضه، لأنه من حيث الأصل هو غير ملزم بما كان ينزل. ومعنى ذلك أننا نحن كذلك مخيرون بين سلوك طريق الرسول r أو سلوك غيرها. وفي هذا كل البعد عن الفهم الصحيح والتأسي بعمل الرسول r ومنهجه في التغيير.
خلط بعض المسلمين اليوم بين الطريقة والأسلوب:
والشبهة التي تنشأ عند بعضهم آتية من كون الأوضاع القائمة اليوم هي غيرها زمن الرسول r، فزمن الرسول r كان تقسيم المجتمعات بدائياً (القبائل والعشائر)، أما اليوم فالتقسيمات أكثر تعقيداً وتداخلاً، وكانت القبيلة التي هي بمنزلة دولة تعد بالآلاف أما اليوم فإنها تعد بالملايين أو عشرات الملايين، وكانت الدعوة في السابق هي دعوة كفار إلى الإيمان، أما اليوم فهي دعوة مسلمين من حيث الأصل لاستئناف الحياة الإسلامية. وزمن الرسول r لم تتدخل الدول الكبرى (الروم والفرس) بدعوة الرسول r في مكة. أما اليوم فإن الزعماء مرتبطون بسياسة الدول الكبرى وهم من صنائعها. والدول الكبرى هي التي تكيد للإسلام والمسلمين وهكذا ...
أهل هذه الشبهة لسان حالهم يقول: كيف نأخذ بطريق الرسول r وكثير من الأمور قد تغير؟ إن في ذلك جموداً وتحجراً، ونحن غير مضطرين للتقيد به. فالمهم هو تحقيق الأهداف الكبرى للدعوة ألا وهي تطبيق الإسلام عن طريق دولة إسلامية وتحقيق العبودية لله.
ولبيان الفهم الصحيح في أخذ الموضوع نقول بأن الحكم الشرعي ينزل دائماً على الواقع الذي وجد لأجله هذا الحكم. فإذا تغير الواقع تغير الحكم الشرعي المتعلق به. وإذا لم يتغير الواقع يبقى الحكم الشرعي كما هو . والعبرة في الواقع هي بصفاته الأساسية وليس بأشكاله الظاهرية.
فالمجتمع هو مجموعة من الناس تؤمن بأفكار مشتركة تتولد عنها مشاعر القبول والرضى لكل ما يوافق هذه الأفكار، ومشاعر السخط والغضب لكل ما يخالفها. ومن ثم يقوم النظام الذي يطبق هذه الأفكار على الناس ويمنع تجاوزها. فيعيش الناس الحياة التي يقتنعون بها ويطمئنون إليها.
إن واقع المجتمع هذا قد يأخذ أشكالاً مختلفة، فقد يكون بصورة بدائية أو بصورة معقدة، فكل مجموعة من البشر تنتظمها الأفكار والمشاعر المشتركة، ويحكمها نظام من جنس هذه الأفكار سواء أخذ شكل القبيلة أو أخذ شكل الدولة الحديثة، وسواء كان يعد بالآلاف أو يعد بالملايين، هو مجتمع لأن المواصفات التي جعلته مجتمعاً موجودة فيه ولم تتغير.
والرسول r قد عمل على إيجاد المجتمع الإسلامي وذلك عن طريق إيجاد الأفكار والمشاعر والأنظمة الإسلامية. وقد سلك الطريق الشرعية التي توجد المجتمع الإسلامي. وكانت أعماله تصب كلها في هذا الاتجاه. فقد أوجد في المدينة الأفراد المؤمنين الذين كانوا يشكلون غالبية سكانها، وأوجد لديهم الأفكار الأساسية في الإسلام، وتولدت عندهم المشاعر المتجانسة، وعندما هاجر إليهم وأقام النظام تشكل المجتمع الإسلامي. وقد أخذ شكلاً بسيطاً في أول أمره ثم تحول إلى مجتمع يحتاج إلى تنظيم وأجهزة.
وأما ما يقال من أن الدول الكبرى لم تكن تتدخل، والآن صارت تتدخل وتمنع وصول الإسلام، فإننا نقول بأن هذا لا يغير طريقاً بل يزيد الطريق صعوبة. وهذا يتطلب إضافة ثقافة وعملٍ على الدعوة تأخذ بعين الاعتبار هذا الواقع، فتعمل الكتلة بالسياسة الدولية لكي تحيط علماً بسياسات الدول الكبرى وتفهم ما تخطط لنا وتنفذه بواسطة عملائها وصنائعها حتى يمكننا مواجهته.
وأما ما يقال بأن الرسول r كان جل همه الإيمان ولم يكن يتناول إلا القليل من الأحكام، فإننا نقول بأن تناوله للأحكام ولو بشكل قليل يدل على طلب الاهتمام بالأحكام الشرعية في الدعوة. مع ملاحظة أن العمل في مكة كان بالدعوة إلى دخول الإسلام، أما الآن فإن الدعوة هي بين مسلمين عندهم العقيدة الإسلامية، ونزلت عليهم كل الأحكام الشرعية. وصاروا مسؤولين أمام الله تعالى عن كل الإسلام وليس عن الإيمان فقط. فالمسلم الذي كان يموت في مكة لا يسأل إلا عما أنزل حتى وقت وفاته. أما من يموت اليوم فإن الله سيسأله عن الإسلام كله. لذلك يجب أن تكون الدعوة شاملة وأن تكون دعوة لاستئناف الحياة الإسلامية لأننا لسنا دعوة جديدة ولا ديناً جديداً.
وكذلك فإن الناظر إلى واقع المسلمين اليوم يرى أن مشكلتهم ليست ضياع العقيدة الإسلامية بل فقدان العقيدة الإسلامية لعلاقتها بأفكار الحياة وأنظمة التشريع. فغاضت منها الحيوية. وكل ذلك كان بتأثير الفكر الغربي على المسلمين، الذي ترعاه الدول الغربية الكافرة وتعمل على إبقائه وتركيزه عن طريق زرع أنظمة تابعة لها. ووضع برامج التعليم وتسخير وسائل الإعلام من أجل نشر هذا.
فكان لا بد من عرض الإسلام عرضاً صحيحاً كاملاً متكاملاً يظهر فيه أهمية العقيدة والإيمان بأنه الفكر الأساسي الذي تنبثق عنه الأحكام، وتبنى عليه الأفكار، وتتعين به وجهة النظر في الحياة. ومن ثم عرض لأفكار عن الحياة من خلال هذه العقيدة. وذلك بالتركيز على أن الخالق المدبر هو الله، وأن الحكم له وحده، وإليه يرجع أمر الدنيا والآخرة. وعندما يفرض على المسلم الإيمان والأحكام يتبين له قوة الحق وحيويته. وكذلك قوة الكتلة في فهم الإسلام والدعوة له ، وقدرتها على التغيير.
ولذلك فإن الدعوة اليوم هي دعوة مسلمين لاستئناف الحياة الإسلامية. وذلك بإقامة الدولة الإسلامية. ويكون أساس هذه الدعوة هو العقيدة الإسلامية، تعطى بشكل سياسي، بجعلها مسيرة لجميع الأعمال بحسب أوامر الله ونواهيه.
لذلك فإن ما تغير هو الشكل، أما الجوهر فقد بقى هو هو لم يتغير. لذلك لم يتغير حكم العمل لإقامة الدولة الإسلامية. وكذلك لا تتغير طريقة الوصول إلى ذلك
مشاركة: الطريقة والأسلوب:
سؤال أخي ما هي شروط بناء الأسلوب على العقيده ؟