"أمطار الصيف" شردت رؤى وأخواتها
عشرات الأطفال شردتهم العمليات العسكرية في رفح
أخذت رؤى ترقب المكان من كل جانب، ثم أطلقت لقدميها العنان لتجد نفسها مع عشرات الأطفال يهربون من موت محقق إلى المجهول. الدبابات والقذائف الإسرائيلية يدوي صوتها في عنان السماء ويصحبها مشهد متكرر للطائرات الحربية وقنابل الصوت والصواريخ، منذ بدء عملية "أمطار الصيف" العسكرية في قطاع غزة.
رؤى الطفلة الفلسطينية التي لم تتجاوز السادسة من عمرها، ليست بأفضل حال من عشرات الأطفال الذين وقفوا يستطلعون أمر عملية "أمطار الصيف" ويضعون أصابعهم الصغيرة في آذانهم كلما سقط صاروخ من طائرة إسرائيلية محلقًا فوق رؤوسهم.
وتتعثر رؤى وهي تمشي وتسقط على الأرض، لكنها ما تلبث أن تقف مرة أخرى، وتسير في نفس الطريق الطويل، وتنهض من جديد لتبحث عن أهلها فتنضم إليهم وتواصل الهرب من لهيب النيران.
انضمت رؤى إلى قافلة النازحين المشردين مع عائلتها من سكان مدينة الشوكة (شرق رفح)، وأخذت تساعد والدتها التي أنهكها المشي والرحيل في جو يلفه الخوف والرعب والتهديد. وحملت بيديها الصغيرتين زجاجة ماء لتروي عطش أخويها أحمد ومحمد.
وتمر الساعات والقصف العشوائي للمكان من الدبابات بالقذائف يشتد، وكلما سقطت قذيفة أو صاروخ شخصت الأبصار وقُبضت القلوب.
وتسمع رؤى من المذياع الذي وضعه أهلها في منطقة "الشوكة" المحاصرة في أحد محالات البقالة عبارات لا تفهمها مثل "أمطار الصيف" و"عملية متدحرجة"، ولكنها ووسط ذهول الجميع سألت أمها بصوت مرتجف "لماذا عادت الدبابات والطائرات إلى بلدتنا؟!" فلم تجد إجابة.
تذكرت رؤى منزلها الآمن ولعبتها المفضلة وعروستها التي لم تستطع حملها أو التفكير في اصطحاب كراساتها من منزلها، وخرجت في ملابسها الرثة، ولم تحمل معها أي شيء سوى الخوف والفزع.
حالة الرعب التي اعترت المكان كانت كفيلة أن تلهي تفكير الأطفال والأهالي عن كل شيء سوى النجاة من موت محقق.
وأمام هذا المشهد المؤلم تعاظمت معاناة الطفلة التي خرجت عندما سقطت قذيفة في منزل مجاور من مكان إقامة عائلتها واشتعلت النيران به، ولم تجد لها سلاحًا سوى الصراخ والدموع والتمتمة بعبارات حزينة كي تعبر عما يجيش في صدرها المجروح.
وركضت رؤى مرة أخرى لتعيش حالة من الرعب المتواصل لتزداد مع رؤى عذاباتها التي يشعر بها باقي أطفال المنطقة الذين خرجوا من بيوتهم الآمنة وأياديهم متشابكة خوفًا من العدوان. هربوا من القصف المتواصل وتجددت في ملامحهم كل معاني الخوف والمعاناة.
بلا مأوى
والدة رؤى أخذت بيديها الصغيرة قالت وهي تحاول جاهدة الحد من روع ابنتها: "دخلت الدبابات أرضنا، ومن ثَم اقتربت من منزلنا وما أن شاهدنا هذا المشهد المأسوي حتى آثرنا الخروج من منزلنا حفاظًا على حياة أطفالنا، وها نحن مشردون بلا مأوى في العراء".
وتضيف وهي تلملم أطفالها من حولها: "لم نَعُد نحتمل قسوة المحتل وسهر الليالي والتشريد والتهديد والوعيد ولقد استبشرنا باندحار الأعداء ورحيلهم عن أرضنا.. ولكننا لم نلبث أن نشتم عبير الحرية حتى عادوا من جديد أكثر جبروتًا وقوة".
عائلة رؤى واحدة من مئات الأسر الفلسطينية المغلوبة على أمرها والتي خرجت تحت وطأة التهديد راحلة عن منازلها.
وكأن جنود الاحتلال أعجبهم ذلك المشهد فزادوا من إطلاق النار متعمدين إخافة الأطفال، ولكن تمر اللحظات عصيبة ويمر يوم ثالث من العدوان وما زالت رؤى على حالها ترقب المكان وتحلم بعودتها لمنزلها الآمن لتحيا من جديد بأمن وسلام.
محمد طفل آخر أخذ بيد والده للخروج من منزله مصاحبًا العائلة في معاناتها وبدأ يبحث عن مكان آمن، فتارة يقف من شدة التعب الذي ألمّ به وما أن يزداد القصف حتى يهرب تجاه المجهول.
موت محقق
ونجت عائلة الهوبي من موت محقق بعدما أمطرت الدبابات العسكرية بمدفعيتها الثقيلة منازل المواطنين مساء الأربعاء 28-6-2006 في مدينة الشوكة، بحسب مصادر أمنية فلسطينية.
وقال محمد الهوبي صاحب المنزل لـ"إسلام أون لاين.نت": "كنت جالسًا مع عائلتي نتعقب أخبار الاجتياح الإسرائيلي في منطقتنا، قبل أن نسمع دوي الانفجارات القريبة منا، وما أن تواصل القصف بشكل مدوٍّ هز كافة أرجاء المنطقة وأدركنا أن منزلنا يقع في مرمى النيران الإسرائيلية وأننا أصبحنا قاب قوسين أو أدنى أمام القذائف الملتهبة.. فقررنا الخروج من منزلنا".
وأضاف "ما أن غادرنا حتى سقطت قذيفة ملتهبة على المنزل واشتعلت النيران به وهرعت سيارات الدفاع المدني لإطفاء الحريق.. لقد نجونا من موت محقق".
فقدنا منزلنا
ولم تكن عائلة أبو أيمن الهسي بأفضل حال أو بعيدة عن مسرح الجريمة، حيث استهدفت طائرة استطلاع إسرائيلية منزلها مساء الأربعاء بصاروخ واحد على الأقل، تسبب في خسائر مادية جسيمة.
ويروي الهسي الواقعة قائلاً: "بدأت العملية الإسرائيلية الواسعة بتجريف أرضي قبالة معبر كرم أبو سالم والتهمت أشجار الزيتون المثمرة وتسويتها بالأرض وها هي تلاحق كل ما هو فلسطيني".
وأضاف "خرجنا من منزلنا تحت وطأة القصف الشديد في وقت سابق، ولاحقتنا طائرة استطلاع، حيث أطلقت صاروخًا باتجاه منزلنا ألحق به دمارًا واسعًا".
وقال: "قوات الاحتلال تريد أن تحول المنطقة بكاملها إلى منطقة عسكرية مغلقة، وتدمر المنازل المرتفعة المتاخمة لمعبر كرم أبو سالم".
منطقة عسكرية
واستنكر الشيخ منصور بريك رئيس بلدة الشوكة الاعتداء على أبناء فلسطين. وقال: "هذا العدوان جريمة دولة وإرهاب منظم". استصرخ الشيخ العالم بأن يقوم "بلجم العدوان الصهيوني وردع المحتل على ممارساته بحق أطفالنا وشيوخنا ونسائنا في المنطقة التي أصبحت منطقة عسكرية مغلقة" بعد احتلال معبر رفح ومطار غزة الدولي، وانطلاق الدبابات العسكرية من معبر صوفيا ليطبق على ما كل هو فلسطيني.
ودعا الشيخ بريك منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع الدولي التدخل العاجل لرفع العدوان عن منطقة الشوكة.
أمطار الصيف
وكانت قوات الاحتلال قد أعلنت في ساعة مبكرة من فجر الأربعاء 28-6-2006 بدء عملية عسكرية إسرائيلية واسعة في قطاع غزة، أطلقت عليها "أمطار الصيف" بعد أسر جندي إسرائيلي وقتله من مجهول. واقتحمت أرتال الدبابات المنطقة الشرقية لرفح انطلاقًا من معبري كرم أبو سالم وصوفيا شرق المدينة.
وتوغلت عشرات الدبابات والآليات العسكرية تحت إطلاق وابل كثيف من الرصاص صاحبها غطاء جوي شاركت فيه المروحيات الإسرائيلية والتي أطلقت النار بشكل عشوائي على منازل المواطنين.
وأكدت مصادر أمنية فلسطينية مطلعة أن قوات الاحتلال أبلغت الارتباط العسكري الفلسطيني بإخلاء قوات الأمن الوطني من معبر رفح الحدودي ومطار غزة الدولي، قبل إعادة احتلالهما بقليل.
سابقا ...... اطفال فلسطين قتلتهم اسرائيل
الاحتلال الصهيوني يلاحق أجنة الفلسطينيين في بطون الأمهات
