أحمد السعداوي
تماما كما توقعت ‘آخر ساعة’ حينما انفردت منذ أسبوعين بتفاصيل مؤتمر تثبيت العقيدة للشباب الأرثوذكس الذي عقد الأسبوع قبل الماضي بدير الأنبا إبرام بالفيوم.. تصاعدت حرب التكفير بين رجال الكنيسة الأرثوذكسية المقربين من البابا شنودة وبين الأقباط العلمانيين.. كما طال التكفير أيضا الأب الراحل متي المسكين، والمنشقين عن الكنيسة الأرثوذكسية وفي مقدمتهم الأنبا مكسيموس أوماكس ميشيل والدكتور جورج حبيب بباوي أستاذ اللاهوت بالكلية الإكليريكية القبطيية سابقا..كما طال التكفير ولأول مرة الصحف والمجلات التي يكتب فيها كتاب ومفكرون أقباط رأي القائمون علي المؤتمر أنهم خارجون عن الكنيسة فنصحوا الأقباط بمقاطعة هذه الصحف!. ولم تكد تمر أيام علي انتهاء المؤتمر حتي أصدر ماكس ميشيل بيانا أعلن فيه عدم اعترافه بأرثوذكسية الأنبا بيشوي المسئول الأول عن المحاكمات الكنسية لتتواصل حرب التكفير ويبدو أنها لن تتوقف قريبا. ‘آخر ساعة’ رصدت وقائع المؤتمر السنوي التاسع لتثبيت العقيدة عند الشباب الأثوذكسي الذي عقد بغياب البابا شنودة عنه، وناقشت أطراف الصراع من العلمانيين ورجال الكنيسة.
أسلحة كثيرة تستخدمها الكنيسة الأرثوذكسية هذه الأيام في حربها علي من تصفهم بالخارجين عليها، وتتنوع هذه الأسلحة بين الكتب والمحاضرات وشرائط الكاسيت مثلما حدث في المؤتمر السنوي لتثبيت العقيدة بدير الأنبا ابرام بالفيوم.
وعلي الرغم من أن هذا المؤتمر يعني بقضايا دينية خالصة، ويناقش موضوعات مثل ‘سر المعمودية’ و’الخلاص’ و’هوية الأرثوذكسية’ إلا أن أجندة المؤتمر هذا العام شهدت تحولا جذريا في الموضوعات التي ناقشها إذ بدأت فعاليات المؤتمر بهجوم عنيف علي الأب الراحل متي المسكين والتشكيك في تعاليمه، بالإضافة إلي حملة انتقادات واسعة شنها القائمون علي المؤتمر ضد الدكتور جورج حبيب بباوي الأستاذ السابق بالكلية الإكليريكية للإقباط الأرثوذكس، فضلا عن الهجوم المتواصل علي الأنبا مكسيموس أوماكس ميشيل المنشق عن الكنيسة الأرثوذكسية، ووصل ذروته بإصدار الأنبا بيشوي سلسلة كتب تحت عنوان ‘الأرثوذكسية في مواجهة ظاهرة ابتداع ماكس ميشيل حنا’، والتي صدر الكتاب الأول منها في اليوم الأول لمؤتمر تثبيت العقيدة وتم توزيعه علي المشاركين فيه مجانا.
المؤتمر تعرض أيضا لكتابات المفكر العلماني كمال زاخر موسي الذي انتقده القائمون علي المؤتمر بلغة قاسية وصلت إلي حد الطعن في عقيدته المسيحية.
ففي الكتاب الذي وزع علي الحاضرين في المؤتمر وحمل عنوان ‘الأرثوذكسية في مواجهة ظاهرة ابتداع ماكس ميشيل حنا’.. الرد علي جورج حبيب بباوي وكمال زاخر موسي.. كتب الأنبا بيشوي مؤلف الكتاب، أن جورج حبيب بباوي وكمال زاخر يطالبان بتعدد الأحزاب والمدارس الفكرية ولكن هذا يؤثر علي وحدانية الفكر والقلب والروح داخل الكنيسة كما أن الكنيسة مؤسسة إلهية وليست سياسية بالإضافة إلي أن التعبيرات التي ينادي بها زاخر وبباوي مثل أمراض المجتمع المصري التي أصابت الأقباط والانكفاء داخل الكنيسة وغياب دور العلمانيين تدل علي عدم دراية بحقيقة الكنيسة أو علي الرغبة الدينية في تحطيمها من قبل من تتلمذ علي يد أساتذة يهود ملحدين في انجلترا مثل الدكتور جورج بباوي.
موتمر تثبيت العقيدة دارت فعالياته تحت شعار إحدي آيات الإنجيل.. ‘لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله’.. وفي غياب البابا شنودة الذي كان من المقرر أن يلقي محاضرة بعنوان الإيمان الواحد وصحة التعليم من خلال الفيديو كونفرانس إلا أن تعطل أجهزة الاتصال حال دون إلقاء هذه المحاضرة حسبما أكد الأنبا موسي رئيس المؤتمر، فكان اليوم الأول من نصيب الأنبا بيشوي مطران كفر الشيخ ودمياط، وألقي فيه محاضرة بعنوان ‘الخط المشترك بين القمص متي المسكين وماكس ميشيل تحدث فيها عن الاخطاء العقائدية للقمص متي المسكين قائلا إن القمص متي لا يدري بروحه عندما يقول عن الكنيسة إنها طائفية ومتعصبة إضافة إلي شطبه الجزء الأخير من إنجيل مرقس في تفسيره معللا ذلك بأن ضميره سيؤنبه لو قام بتفسير الإنجيل من الآية 9 : 16، وأضاف الانبا بيشوي: فعلي آخر الزمان شوفنا حد يشيل جزء من الإنجيل ويضع من عنده جزءا آخر ولكني لا أستغرب أن القمص متي المسكين يقول مثل هذه الأقاويل لأنه كان يقول كنت أستصغر أعمال من هم أكبر مني بالإضافة إلي دفاعه المستميت عن البروتستانت وقراراتهم فهم يقولون عن عقيدتهم إن الإله يخلق ناسا بعينهم ليجبرهم علي أن يكونوا من الصالحين وآخرين يكونوا أشرارا. وهو ما لا يقبله العقل ولا المنطق، إضافة إلي أن متي المسكين وراءه كم من التعالي والكبرياء فلو كان رأي الكنيسة كوم حطام كان سيشعر بأنه أسعد إنسان في الوجود.
وواصل الأنبا بيشوي هجومه علي القمص الراحل متي المسكين قائلا إنه يشارك ماكس ميشيل الرأي في العديد من الموضوعات المسيحية مثل سر الاعتراف الذي يقول عنه متي المسكين في كتابه ‘الفدية والكفارة’ إن من روائع الطقس الكنسي الذي أهمل أمره وأنسي ذكره طقس اعتراف الشعب بدون وسيط علي دم المسيح فوق المذبح، إذ من صميم الذوم وضع البخور وأن يدور الكاهن دورته علي الشعب ويقدم الشوربة لكل من يقف بالكنيسة.
ويلزم أن يتأني ويقف أمام كل واحد لحظة حتي يقول اعترافه سرا ثم يتجه الكاهن إلي باب الهيكل ويقدم البخور إلي فوق وهو يصلي رافعا عينيه نحو الله ويقول: اقبل إليك اعترافات شعبك ‘وأضاف الانبا بيشوي أن هذا هو أيضا ما قاله ماكس ميشيل في جريدة الجوهر أنه قد استقر بالكنيسة في عصورها الأولي اعتبار الاعتراف بالخطايا جزءا أساسيا من الممارسة الافخارستية ويذكر هذا كتاب الديداكي أي تعاليم الرسل الاثني عشر وفي يوم الرب بعد أن تجتمع نكر الخبز وللتناول يجب أولا الاعتراف بكل التعديات والزلات حتي تقبل الزيحة وتكون غير دموية. فإذا كان هذا هو تعليم آباء الكنيسة فأين هي النصوص الكاملة لأقوال الآباء التي تشرح هذا وما هي شواهدها وهل هذه تعاليم آباء الكنيسة أم تعاليم لاهوتي من العصور الوسطي.
التقينا بالأنبا بيشوي المسئول عن المحاكمات الكنسية بعد انتهاء محاضرته التي هاجم فيها القمص الراحل متي المسكين وسألناه.. إذا كان الأب متي قد وقع في كل هذه الاخطاء العقائدية.. لماذا لم يتم شلحه قبل وفاته أو حتي محاكمته كنسيا؟
أجاب الأنبا بيشوي: سبق وقال قداسة البابا شنودة إننا لا نحارب شخصا بل نحارب فكرا وبناء عليه أصدر قداسة البابا ثمانية كتب ضد كتابات القمص متي المسكين، فالبابا رد عليه أثناء حياته وليس بعد وفاته كما يقول البعض وما حدث في المؤتمر ليس تكفيرا للقمص متي المسكين فأنا لم أذكر هذه الكلمة لكني قمت بتفنيد أقواله وآراءه كما فعل قداسة البابا من قبل.
وأضاف الأنبا بيشوي: كان من السهل شلح القمص متي المسكين إلا أن قول البابا نحن لا نحارب شخصا بل فكرا حال دون هذا إضافة إلي أن الحكم عليه كان من الممكن أن يثير ضجة بين الأقباط، ولذلك قمنا بالرد عليه بالفكر. وبعد وفاة القمص متي المسكين نشر البابا في مجلة الكرازة المرقسية أنه رد علي تعاليم متي المسكين قبل وفاته في كتب تدرس الآن في الكلية الإكليريكية ومعهد الدراسات القبطية.
في اليوم الثاني من أيام المؤتمر شن الأنبا موسي أسقف الشباب ورئيس المؤتمر هجوما عنيفا علي ماكس ميشيل قائلا إن ماكس حينما كتب مقالا في مجلة مرقس تحت عنوان ‘اختبارات روحية’ حول ماذا فعل الرب بحياتي أخطأ عقائديا وعندما طلبت منه الجماعة الكنسية آنذاك أن يراجع نفسه فيما نشره وأن يصحح أخطاءه التعليمية تمسك برأيه وفكره ولم يعط لنفسه فرصة للتعرف علي الخطأ وتصحيح النفس بل تمادي وخلع الزي الإكليريكي وصار يعلم بأسلوب وتعاليم غير سليمة كنسيا بعد أن قرر الخروج علي الكنيسة.. والسبب في هذا كله هو اشتهاء الكهنوت فقد ذكر في أحد الحوارات معه أنه جاء للقاهرة سعيا وراء رغبته منذ الصغر في أن يصبح كاهنا.
وأضاف الأنبا موسي: اشتهاء ماكس للكهنوت جعله يقبل رسامة غير شرعية من أساقفة غير شرعيين ولا تعترف بهم أي كنيسة في العالم. كما أنه يعتدي علي وحدة الكنيسة حينما يقول إنه يؤسس كنيسة أرثوذكسية للأقباط مستقلة فتعبير ‘مستقلة’ لم يرد في الكتاب المقدس بل هو ضده لأن الكتاب المقدس يدعو إلي الوحدة. ماكس ميشيل سيطر أيضا علي اليوم الثالث للمؤتمر فلم يتحدث أحد إلا وهاجمه حيث قام الأنبا إبرام مطران الفيوم بشرح زواج الأساقفة الذي ينادي به ماكس ميشيل قائلا إن بتولية الأساقفة وعدم زواجهم ليس ابتداعا في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كما يحاول البعض أن يصور ذلك بل هي خبرة وحياة عاشتها الكنائس التقليدية شرقا وغربا علي السواء.
علي الجانب الآخر أعرب القمص أندرواس عزيز المشلوح من الكنيسة القبطية والعائد إلي الكهنوت بحكم المحكمة عن دهشته مما تقوم به الكنيسة القبطية من تكفير لآباء ماتوا قائلا: لماذا يركزون علي القمص متي المسكين وإبراهيم عبد السيد وكمال زاخر. ووصف ‘عزيز’ ما حدث في مؤتمر تثبيت العقيدة بأنه فرقة إعلامية، وأضاف أن الناس بدأت في كشف حقيقتهم، وتساءل اندراوس عزيز كيف يقومون بحرق كتب القمص متي المسكين أمام الناس في الكنيسة وهي الكتب التي تدرس في أغلب كليات اللاهوت بالخارج. وعلل القمص أندراوس تفسير الكنيسة لأقوال متي المسكين بأنها أخطاء قائلا: إن الكنيسة ورجالها لا يستطيعون أن يحاوروا القمص متي المسكين لأنهم ليسوا علي المستوي العلمي والفكري له، وليست لهم شعبية متي المسكين ولذلك كفروه بعد موته. وحتي كمال زاخر عندما أراد أن يدافع عن نفسه مما يقال عنه في المؤتمر منعته الكنيسة من حضور المؤتمر. هذه ديكتاتورية واستبداد وليس هناك حل لمواجهة هذه الديكتاتورية سوي ما فعله ‘ماكسيموس’ بأن أصبح أسقفا من الخارج ثم رئيس أساقفة. هكذا تحارب الديكتاتورية.
بينما قال الدكتور جورج حبيب بباوي عبر البريد الألكتروني أنه لا يندهش مما حدث من جانب المطران بيشوي فهو يعتقد أن رأيه الشخصي هو التعليم الأرثوذكسي الصحيح.
وأضاف الدكتور جورج حبيب: لقد أقدم الأنبا بيشوي علي ‘فبركة’ شريط كاسيت وطرحه للتوزيع بالكاتدرائية بالعباسية تحت عنوان ‘أقوال جورج حبيب’ وهو في الحقيقة اجتزأ عبارات من مقالات صدرت لي وكنت أرد عليها فنسب العبارات لي وترك الرد. وهو نفس ما حدث مع القمص متي المسكين في مؤتمر الفيوم. وأشار الدكتور جورج إلي أن اتهام الأنبا بيشوي له بأنه انجيليكاني لا يستحق الرد فهو يعرف أنني كنت أستاذ اللاهوت الأرثوذكسي وعميدا لمعهد اللاهوت الأرثوذكسي بجامعة كمبريدج وما هذا إلا وسيلة لقطعي من كنيستي القبطية الأرثوذكسية.
أما الكاتب والمفكر القبطي كمال زاخر موسي فقال: أنا لم أهاجم المحاكمات الكنسية كما يقول الأنبا بيشوي بل طالبت بتقنينها وألا تقتصر علي الحكم الشخصي وهذا معناه أنني علي صلة قوية بالكنيسة. وأضاف في رده علي بعض العبارات التي أشار إليها الأنبا بيشوي في كتابه: أنا لم أقل أبدا أننا نريد أن يكون هناك أحزاب داخل الكنيسة ولكنني قلت يجب أن يكون هناك تعدد للمدارس الفكرية التي كانت تعيش فيها الكنيسة في أزهي عصورها قبل انحسار هذا الدور. وجدد كمال زاخر مطالبته للبابا شنودة والمجمع المقدس بالدعوة إلي عقد مؤتمر كنسي للفرقاء والمتخصصين.
وفي تصريح خاص ‘لآخر ساعة’ أعلن الأنبا مكسيموس أو ماكس ميشيل رئيس المجمع المقدس الأرثوذكسي لمصر والشرق الأوسط المنبعث من المهجر الأمريكي عدم اعترافه بأرثوذكسية الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس . مضيفا أن تعاليم الأنبا بيشوي منافية ومناقضة لتعاليم آباء الكنيسة القديسين إثناسيوس الرسولي وكيرلس عمود الدين بالأدلة والنصوص الآبائية الدامغة. وأكد علي أنه اتخذ قرارا بإضافة اسم القمص متي المسكين إلي قائمة تذكرات القديسين في القداس كقرار مبدئي لحين البت النهائي للمجمع المقدس في المكانة التي تنسب إلي الأب الراحل متي المسكين.
