أخبار نفطية كاذبة!
د. أنس بن فيصل الحجي
نقلت وسائل الإعلام العربية أخباراً عديدة عن بعض الصحف الأجنبية التي تتعلق بالطاقة بشكل عام، والنفط بشكل خاص. مرة أخرى تقع وسائل الإعلام العربية ضحية الترجمة عن الإعلام الغربي من جهة (والذي يستهدف جماهير غربية معينة)، وضحية جهلها بمواضيع النفط من جهة أخرى. ألم يكن الأجدر بوسائل الإعلام التي تنشر هذه الأخبار التأكد منها؟ ألم يكن الأجدر بهذه الوسائل التأكد من تناسق انعكاسات هذه الأخبار مع المبادئ السياسية لبلادها؟ إن استمرار قيام وسائل الإعلام العربية بترجمة ونقل الأخبار المتعلقة بالطاقة والنفط كما هي يوضح مدى حاجة إعلامنا العربي إلى "ثقافة نفطية".
الخبر الأول: خبراء يتوقعون انخفاض إنتاج النفط الإيراني خلال السنوات المقبلة، لدرجة أن إيران لن تتمكن من تصدير النفط بحلول عام 2015.
الحقيقة: خبر كاذب. أولا، ليس هناك "خبراء"، ولا حتى "خبير" واحد. كل ما هنالك أن طالبا في جامعة جون هوبكنز في العاصمة الأمريكية اسمه روجر ستيرن كتب بحثاً عن إيران ثم عرضه في مؤتمر في الجزء المخصص للطلاب، وتم وضع البحث على الإنترنت. قام صحافي بنقل نتائج البحث، ثم نقلت الصحف عنه، وهكذا حتى كاد الأمر أن يصبح حقيقة، خاصة بعد أن قام بعض الخبراء والأكاديميين بالنقل عن هذا الطالب. ثانياً، هذا الطالب ودراسته لا علاقة لها بصناعة النفط على الإطلاق، فهو طالب علوم سياسية قام بالكتابة في مواضيع من اختصاص مهندسي البترول!
الخبر الثاني: أمريكيون يحاربون الإرهاب عن طريق بناء محطة بنزين في القلب الأمريكي في مدينة أوماها في ولاية نبراسكا تبيع منتجات نفطية من نفط لا يأتي من دول تدعم الإرهاب. (المقصود طبعاً أن المحطة لا تستخدم منتجات نفطية مصدرها العالم العربي).
الحقيقة: الخبر كاذب. هناك فعلاً محطة بنزين اسمها "محطة محررة من الإرهاب"، لكن مالك المحطة ليس أمريكياً من "القلب الأمريكي" كما ذكرت وسائل الإعلام، وإنما شخص من أوروبا الشرقية يعمل ويعيش في العاصمة الأمريكية واشنطن ويتبع لمجموعة نشطة في معاداتها للعرب. اختيار الاسم والمكان كان ضمن استراتيجية وضعتها هذه المجموعة مكّنها من الحصول على إعلانات مجانية لأهدافها في وسائل الإعلام كافة عن طريق تغطية أخبار المحطة. هذه الإعلانات المجانية لـ "محاربة الإرهاب العربي" تقدر قيمتها بأكثر من تكاليف بناء المحطة نفسها بعد أن غطتها آلاف الصحف والمجلات والمحطات التلفزيونية.
الخبر الثالث: ذكر عدد من أعضاء مجلس الشيوخ والكونجرس الأمريكيين أنه إذا تمكّنت البرازيل من إنتاج الإيثانول، ومن تحقيق "استقلال الطاقة"، ومن التحول من دولة مستوردة للطاقة إلى دولة مصدرة لها، فإن الولايات المتحدة تستطيع ذلك أيضاً.
الحقيقة: استنتاج خاطئ. أولاً، البرازيل لم تحقق "استقلال الطاقة" إلا من وراء اكتشافات النفط الضخمة في المياه الإقليمية للبرازيل، وليس بسبب الإيثانول. ثانياً، يتم إنتاج الإيثانول في البرازيل من قصب السكر بينما يتم إنتاجه في الولايات المتحدة من الذرة. قصب السكر يحتوي على ثمانية أضعاف كمية الطاقة التي توجد في الذرة. ولا يمكن زراعة قصب السكر في الولايات المتحدة بكميات كبيرة لأنه يتطلب أجواء مدارية دافئة وممطرة.
الخبر الرابع: استخدام الوقود الحيوي، مثل الإيثانول وغيره من أنواع الوقود المستخرجة من النباتات، أفضل من استخدام المشتقات النفطية، خاصة أنه يسهم في حماية البيئة.
الحقيقة: خبر كاذب وخادع. يحتوي الوقود الحيوي على طاقة أقل من المشتقات النفطية لذلك فإنه ليس أفضل منها. فالإيثانول أقل كفاءة من البنزين بنحو 28 في المائة. هذا يعني أن المسافة التي تمشيها السيارة بالوقود الحيوي أقصر من المسافة التي تمشيها السيارة بالكمية نفسها من البنزين بنحو 28 في المائة. أما الخداع فإنه يكمن في التركيز على نظافة حرق الوقود الحيوي وتجاهل حقيقة مفادها أن إنتاجه يتطلب تدمير الغابات الاستوائية في عدد من البلاد خاصة في البرازيل وإندونيسيا لزراعة النباتات التي تنتجه، كما يتطلب استخدام الأسمدة بكثافة، والتي تستخرج عادة من النفط والغاز من خلال عمليات مشهورة بتلويثها البيئة.
الخبر الخامس: السيارات الكهربائية تخفف من التلوث البيئي.
الحقيقة: الخبر خادع. السيارات الكهربائية تخفف من معدلات التلوث في المدن التي يتم فيها استخدام هذه السيارات مقارنة بالسيارات التي تستخدم المشتقات النفطية. الذين يدّعون أن استخدام السيارات الكهربائية يسهم في تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري يتناسون أن هذه السيارات تحتاج إلى كهرباء، وهذه الكهرباء يتم توليدها في مناطق أخرى وبطرق ملوثة بيئياً، خاصة في المحطات التي تستخدم الفحم لتوليد الكهرباء. لذلك فإن السيارات الكهربائية تحول عبء التلوث من منطقة إلى أخرى، ولكنها لا تخفض منه على مستوى الدولة.
الخبر السادس: في حمى النزاع الإيراني- الأمريكي- البريطاني، ادعى بعض الإيرانيين في الفترات الأخيرة أن إيران كانت سباقة في مجال النفط في الشرق الأوسط، حيث إنها وقعت أول امتياز نفطي، وأنها بدأت بالتنقيب عن النفط قبل غيرها من دول الشرق الأوسط.
الحقيقة: ادعاءات كاذبة. تم حفر أول بئر نفطية في منطقة الشرق الأوسط في مصر في عام 1886. وتم اكتشاف النفط في مصر وبناء أول مصفاة فيها في الفترة نفسها التي تم فيها اكتشاف النفط في إيران وبناء مصفاة عبادان.
* نقلاً عن جريدة "الإقتصادية" السعودية.
