فنان صغير

بينما أنا منشغلة في رسم احدي لوحاتي أضيف بعض الخطوط والظلال هنا وهناك فإذا بأخي الصغير يقاطعني قائلا :-
" أريد أن أتعلم الرسم!! "
ابتسمت له وأجلسته جواري وسألته :- وماذا تحب أن ترسم؟
أشار بأصابعه الصغيرة إلي لوحتي قائلا:- أريد أن أرسم مثل هذه البنت الجميلة
ضحكت قائلة:-حسنا ..سأعلمك وسترسم أجمل منها... فلتحضر كراسة الرسم خاصتك ولتحضر ألوانك
وكعادته جري مسرعا وأحضر كل المعدات اللازمة وجلس متأهبا... أمسكت قلمي وطلبت منه أن يراقبني جيدا .. رسمت دائرة فارغة علي الورقة البيضاء وقلت :
انظر .. هذا رغيف من الخبز....
ثم رسمت نقطتين سوداوين وقلت :- هاتان زيتونتان
ورسمت ما يشبه حرف اللام وقلت :- هذه ملعقة
وتحتها رسمت قوس وقلت :- وهذا طبق فارغ
والآن أيها الفنان الصغير .. اكتملت ملامح الوجه... عينان وأنف وفم... وإذا أضفنا بعض الخطوط هنا فوق رغيف الخبز يصبح شعرا لطفل ... أما إذا جعلناها خطوط طويلة منسدلة يصبح شعرا لطفلة
ابتسم أخي وقال متحمسا:- هذا سهل جدا
رسمنا العديد من الأشكال .. سيارة..شجرة... نجمة ووردة...بطة وكتكوت... ومع كل شكل جديد تزداد ابتسامته اتساعا وتلمع عيناه ببريق خاص وكأنه أصبح بيكاسو أو دافنشي ... بعدها قلت له :-سأعطيك بعض الواجبات
عقد حاجبيه الصغيرين قائلا :- هل هناك واجبات في الرسم؟
ضحكت قائلة:- نعم أيها الشقي المتهرب..ستقوم بإعادة كل ما رسمناه مرة ثانية وثالثة حتى تستطيع رسمه وحدك
وبالفعل انكب أخي الصغير يرسم ويرسم باهتمام وتركيز لم ألاحظه من قبل... بل لقد رسم أشياء لم اعلمه إياها من قبل .. فقط من نسج خياله الطفل... وكان يريني إياها بفخر واعتزاز قائلا:-
" انظري ... هذا عنكبوت وهذا قطار.. وهذا رجل مسكين .. وهذا كلب يجري وراء ولد صغير.."
فرحت به جدا .. وشعرت بفخر أكبر من فخره هو بنفسه ... فقد اكتشفت فنانا صغيرا
وعدت أنشغل في رسم أحدي لوحاتي .. فإذا بابن عمي الصغير الهادئ يقف جواري صامتا كعادته يراقبني ..أو بمعني أدق يراقب يدي الممسكة بالقلم في صعودها وهبوطها.. ويشب بقامته الصغيرة وعينيه الواسعتين ليري كل تفاصيل اللوحة... وعندما انتبه لمتابعتي له .. ابتسم في خجل ثم لوح لي بكراسة رسمه الصغيرة وعلبة الألوان قائلا:-
" أنا أيضا أريد تعلم الرسم !!! "