كنت في غابه مظلمه أشجارها بدون أوراق
أنا كنت في دا المكان قبل كده
كنت جنب نهر طويل ما أقدر أشوف من فين يبدأ ولا من فين ينتهي
مر قارب صغير عليه ولد قاعد يبكي
قربت منو شويه وحسيت أحساس غريب
هادا أنا .... هادا أنا لمن كنت صغير
" لا تخاف " جا صوت بنت من ورايا
طليت ورايا لقيت البنت الشقره اللي كانت فوق شجرة الأمل
" هادا نهر الذكريات .... كل اللي تشوفو هنا مجرد صور من الماضي "
قطفت البنت ورده من الأرض وقالت " دي وردة الذكريات السعيده ..... لمن ترمي وحده في النهر حتشوف وحده من ذكرياتك السعيده "
أعطتني أياها وقالت " بس الأحسن أنك تترك نهر الذكريات وراك وتكمل طريقك ........ الذكريات مجرد صور ولقطات معدله للواقع , وأغلب الذكريات أحنا أختلقناها من نفسنا مع إنها ماكانت موجوده في الواقع "
أنا أستغربت من كلامها , كيف تكون ذكرياتنا معدله
طلت البنت في النهر " أحكيك قصه صغيره ...... كان في ولدين يدرسو في المتوسطه وكانو يدرسو مع بعض في نفس المدرسه في الأبتدائي ..... يوم من الأيام قعدو يتذكرو مدرستهم الأبتدائيه ..... الأول قال للتاني تتذكر كان في رسمة على الجدار في الممرات مرسوم فيها بنت واقفه قدام مشهد غروب الشمس . التاني قال أيوا أتذكرها كويس حتى السما كانت برتقاليه ولون فستان البنت كان أصفر زي لون الشمس ..... الأول قال لا لون فستان البنت كان أحمر مو أصفر أنا متذكرو كويس ..... التاني قال لا لون فستانها كان أصفر أنا متأكد ..... وقعدو يتضاربو وكل واحد مصصم على لونو ويقول أنو متذكرو كويس ..... قامو أتفقو أنهم يروحو المدرسه القديمه ويشوفو الرسمه بنفسهم ....... وبالفعل راحو مدرستهم الأبتدائيه ووصلو للممر اللي فيلو الرسمه ولقوها معلقه على الجدار ...... حزر أيش طلع لون الفستان ؟ "
فكرت شويه بعدين قلت " ما أدري "
" كان بدون لون "
أنا أستغربت وقلت " معقوله !!! "
ضحكت وقالت " الرسمه كانت مرسومه بالقلم الأسود على الورقه البيضه وبدون ألوان ...... عشان كده بأقولك أنو لازم ما تثق بذكرياتك .... ممكن تكون قاعدة ذكرياتنا صح , بس نحنا ناخذ هادي القاعده ونزينها في عقلنا ونحط ليها ألوان من مخيلتنا ونخليها أحسن وأحسن ...... عشان كده لاتفكر في ماضيك ولا في مستقبلك , خلي همك حاضرك وبس ... ولكل شي وقتو "
كلامها ريحني مره
حسيت براحه ماحسيتها من زمان
كأنو حمل وأنزاح عن ظهري
طلت فيا وقالت " ها تبغى ترمي الورده في النهر تشوف ذكرى حلوه من ماضيك ؟ "
رجعتلها الورده وقلت " خليها عندك .... لمن أحتاج لذكرياتي حطلبها منك "
" ممكن تشوف أمك "
لم قالت كده قلبي أنقبض
حسيت نفسي ضعيف مره
ما قدرت أمسك نفسي وقلت " أيوا أبغى أشوفها ....حتى لو لثانيه "
أدتني الورده وأخدتها بيدي
قربت من النهر .... ورميت الورده وأني أدعي يارب ترجعلي ذكرى فيها امي عشان أشوفها
مشيت الورده مع تيار النهر وجا قارب صغير
قالتلي البنت " أركب فيلو , وحياخدك لذكرياتك السعيده "
ركبت في القارب ومشيت مع التيار
صحيت من النوم على صوت خالتي وهي بتقول " قوم يا إياد ساعدنا في تجهيز أشياء الرحله "
لمن سمعت كده قعدت في السرير وعملت نفسي نايم عشان ما أقوم أشتغل معاهم
قامت خالتي مسكت كاسه مويه وكبتها على راسي
أنا قمت بفجعه من السرير
" يلا قوم ساعدنا ..... حيأدن العصر وأحنا لسه ما جهزنا شي " قالت خالتي وهيا ماسكه الكاسه بيدها
مسحت المويه اللي عليا وقلت " متى ماشيين ؟ "
" بعد العصر " قالت خالتي سلمى
بعد ساعتين خلصنا كل شي
حطينا الأغراض في السياره وأنطلقنا للبحر
كانت سيارة خالي الكبير سعيد موقفه هناك لمن وصلنا
نزلنا من السياره وهما نزلو كمان
جا خالي سعيد وزوجتو سهام وولدهم الكبير رياض وكمان روان وأختها الصغيره رؤى
كلنا أنصدمنا بالواقع اللي قدامنا
البحر كان معدوم وطالع منو ريحه عفنه
وكلو زبايل وقمايم
المكان يسد النفس بدال ما يفتحها
قلنا نغير المكان وندور على مكان أنظف
دورنا بالسياره ألين ما وقفنا في أنظف مكان لقيناه مع أنو ما كان قد كده نظيف
فرشنا الفرشه وقعدنا كلنا بسرعه عشان ما يطيرها الهوا
" من زمان ما أتجمعنا كده كلنا في البحر " قالت أبله سهام زوجة خالي
أبله سهام مررره طيبه وقلبها مره حنون
تحب أولادها مره وكمان تحبني زي أولادها
دايما تقولي أجي أسكن عندهم بس مساكين بيتهم على قدهم ما أبغى أكون عبء عليهم
أبله سهام كانت أعز صديقه لأمي من أيام الثانويه
شافها مره خالي سعيد بالصدفه وراح قال لجدتي هادي العروسه اللي أبغاها
كل أسرار أمي معاها ... كانت تعرف كل شي عنها
دايما تحكيني عن امي وانا أحب أسمعلها
وطبخ ابله سهام كمان مره لذيذ ماشاء الله عليها
قعدنا وولعنا الفحم
وبعد وقت حطينا اللحم على الشوايه
وطلعت ريحة الشوي اللي تخلي لعابك يسيل من كتر ماهي مشهيه
وبعدين قعدنا كلنا ناكل
كل شويه أبله سهام تقولي " كل كمان كل "
أنا أكل وأكل وأكل
وهي تعطينا أكل زياده وتقول " كل كمان شوف نفسك كيف نحفان "
أنا أكلت و أكلت
قامت أعطتني زياده أنا وروان وقالت " كلو كلو كمان باقي اكل كتير "
لسه حناكل كمان فطسنا
أبله سهام تحب كده تفطس الواحد
دايما تزودلنا الاكل في صحننا وتقول كلو كمان
وأنا بأكل دق الجوال قلت فرصه عشان أهرب من الاكل
طليت على المتصل طلع أبويا
أتنكدت وقلت محا أرد عليه
حطيت الجوال سايلنت ورجعتو في جيبي
لمن رجعنا البيت فتحت التلفزيون قلت أدور على شي أتفرجو
وأنا قاعد أتفرج تلفزيون دق الباب
رحت أفتح طلع أبويا
" أبويا أنت أيش جابك هنا !؟" قلت بصوت خايف
" عشان حضرتك مو راضي ترد على جوالك ..... أنا عندي كلمتين جاي أقولهم وماشي ..... أنت لازم تجي تعيش عندي في البيت " قال بكل عصبيه
أنا رفعت صوتي وقلت " محا أجي عندك لو أيش "
" قدامك أسبوع تجهز نفسك .... وبعد أسبوع وفي نفس الوقت حجي أخدك " قال كده ومشي
أنا دخلت غرفتي وقفلت الباب وقعدت زعلان
هو أيش يبغى مني أنا خلاص ما أبغى منو شي
ليش بيتوقع مني أني أجي أعيش عندو
كيف يبغاني أرضى أعيش مع وزوجتو وبنتو
أنا مني رايح عندو يعني مني رايح عندو
جا خالي سالم ودق الباب " إياد أفتح الباب "
قمت وفتحتلو الباب
" أيش في أيش اللي صار وأيش كل الصراخ دا ؟ "
" أبويا جا "
" وأتضاربتو ؟ "
" يعني تقدر تقول "
" يا إياد مايصير كده هادا أبوك .... يعني أنتا لازم تسامحو على اللي صار هو ما كان بيدو شي "
" لا هو السبب هو السبب "
" وحتى لو هو السبب , تبغى تخسرو هو كمان ؟ ....... يا إياد أبوك مسكين وأكيد هو عارف أنو كان غلط وهو أكيد ندمان على اللي صار ..... خلاص لاتعذبو أكثر فوق العذاب اللي عليه"
" يبغاني أروح أعيش عندو "
" طيب كويس روح عيش عندو .... مو قصدي طرده أو شي , بس عشان تحسن علاقتك معاه "
" لا انا مني رايح أعيش عندو حتى لو أيش صار .... تبغاني أروح بيت زوجتو وبنتو "
" بيت أبوك مو بيتهم .... وأيش دراك أنت عشت معاهم .... إمكن هما طيبين "
قعدت أفكر في كلامو بس في النهايه وصلت لنتيجه وحده
أنا مو ممكن أبدا أعيش عند أبويا
سبت البيت وطلعت بره قلت أشم شوية هوا
وأنا طالع قابلت في طريقي الولد الغريب حق أول
أبتسملي وقال " كنت جاي عندك .... أنت رايح مكان ؟ "
" لا بس رايح اتمشى شويه "
فرح وقال " كويس أبغى أجي معاك "
مشيت أنا وبيكاتشيو ألين ما وصلنا لبيت كبير خرابه شكلو من بره يخوف
قلي " تقدر تدخل دا البيت .... ولا تخاف ؟ "
رديت عليه بشجاعه " لا أنا ما اخاف "
" طيب يلا تعال أدخلو معايا "
دخلنا البيت وانا قلبي بيدق بسرعه من الخوف
المكان كان ظلام قمنا ولعنا أنوار جوالاتنا عشان نشوف
" تدري ممكن يكون دا بيت لعيلة من الجن " قال بيكاتشيو وخلاني أموت من الرعب
أستكشفنا كل الدور الأول وبعدها طلعنا الدور التاني
وما لقينا شي مافي إلا أدوات بناء مرميه في كل مكان
" تعرف أني دايما أجي دا المكان " قال بيكاتشيو
" منجدك تتكلم ؟ ليش تجي هنا ؟ "
" عشان عندي هنا مخبئ سري يطل على منظر حلو مره "
مسك يدي وقال " تعال أوريك المكان السري
أخدني وطلعني الدور الأخير وهناك دخلني غرفه فيها شباك كبير
في الغرفه كان في كنبه صفره كبيره شكلها جديد
وكمان كانت الأرض مفروشه ببساط احمر
وعلى الشباك محطوطه دبب كتيره
" أهلا بيك في مقري السري رقم 13 " قال بيكاتشيو
المنظر من الشباك كان مره حلو
يطل على حارتنا
حلو منظر البيوت جنب بعض وأنوار الشبابيك
" أنا أكتشفت المكان دا أمكن قبل شهر ... وكل كم يوم اجي في دا الوقت أقعد هنا وأتفرج من الشباك ......وقبل أمس شفتك بتمشي وقولت أكيد هادا انت , وبعدها عرفت أنت فين ساكن"
عماتنا قريبه من المكان وتبان كويس
كمل بيكاتشيو كلامو " دا صار مكاني السري المفضل عشان بسببو لقيتك تاني بعد كل دي السنين "
لم قال كده أتذكرت " أيوا صح قلي أنت من فين كنت تعرفني "
" مدام أنت لسه ما أتذكرتني محا اقولك , كده..... انا زعلان "
يارب متى يقولو كل شي ويريحني
طل فيا وقال " أشبك اليوم مو على بعضك ... صاير شي "
" لا مافي شي , بس شوية مواضيع عائليه " قلت وأنا بحك راسي
" عيب عليك قلي أنا زي أخوك ... أمكن عندي حل لمشكلتك "
" المشكله هي أبويا ...... أنا و أبويا بيننا مشاكل كتيره وكلها بدأت بعد ما أتوفت امي ........ أنا مني قادر أسامحو .... وهو يبغاني أجي أعيش عندو "
مسك بيكاتشيو يدي وقال " أنا أعرف كل شي ... أعرف أنت ليش زعلان من أبوك .... وليش ما تبغى تروح تعيش عندو ....... بس مرات نهرب من مشاكلنا وفي النهايه نلاقي انو مافي داعي للهرب ........ليش ما تواجه المشكله وتحلها ..... أنت خايف أنك تفتح جروح الماضي اللي سكرت عليها من زمان صح ؟ ....... مهما سويت أمك محا ترجع ... لا تضيع أبوك من يدك , أنت تحتاجو وهو يحتاجك "
نزلت راسي لتحت وقلت " أنت ما تدري أنا أحس بأيش .... من الصعب أني أرجع عن قرار أنا اتخذتو من زمان وبنيت عليه حياتي ..... وفي نفس الوقت ما أبغى الوقت يضيع وما أقدر أواجه أبويا ... مني عارف أيش أسوي"
" لو تدور في قلبك حتعرف أيش تختار .... أبوك أنسان طيب "
أتفاجئت وقلت " أنت تعرف أبويا !؟"
أبتسم وقال " أيوا طبعا أعرفو "
" نفسي أفهم انت مين وكيف عارف كل دي الأشياء عني " قلت بعصبيه
ضحك وقال " محا أقولك ... كل شي في وقتو حلو "
سكتنا شويه بعدين قال بيكاتشيو " ما تتذكر ذكرى حلوه ليك أنت و أبوك ؟ "
أنا ضحكت
قال " ليش بتضحك ؟! "
" عشان اليوم حلمت حلم وشفت فيلو ذكرى .... "
بعدت ما ركبت القارب وأخذني التيار حسيت بنسمة هوى دافيه
كأنها دخلت قلبي وحسستني بالأمان
طليت حواليا لقيت أبويا وأنا بس كنت صغير
أنا وهوا قاعدين نلعب
أتذكرت دا اليوم أمي راحت زواج وأتأخرت مرره
وأنا وأبويا قعدنا نلعب طول الليل
ودخلنا المطبخ وعملنا مكرونه سوا وطلعت مره لذيذه
كنا مبسوطين مره
وقبل ما ننام قعدنا ناكل أيسكريم ونتفرج فلم كرتون
طليت فأبويا وقلتلو " بابا أنا أحبك مررره كتير قد البحر "
حضني وقال " وأنا كمان أحبك قد البحر والأرض والسما وكل شي "
أنا ضحكت وقلت " بابا ليش الإسكريم بارد ؟ "
قال " عشان ما يسيح "
بعدها قعدنا نضحك ونضحك وأحنا مبسوطين
طليت في بيكاتشيو وقلت " خلاص أنا حكلم أبويا اليوم "
فرح بيكاتشيو وقال " أيوا كده , أنشاء الله تتصالحو وترجعو لبعض "
ضحكت وقلت " شكرا مره يا بيكاتشيو على وقوفك بجنبي "
" لا شكر على واجب , أحنا أصحاب "
أنا قمت وقلت " طيب عن أذنك أنا أتأخرت وصار لازم أمشي "
قال " طيب بس ممكن تجي هنا بكره في نفس دا الوقت .... أبغى أعرف أيش صار معاك "
" طيب ما عليك أنا بكره اجيك " قلت كده وبعدها سلمت عليه ومشيت
رجعت البيت ودخلت ببتسامه
خالتي سلمى وخالي سليم أستغربو
خرجت من البيت مكشر ورجعت مبتسم
قلتلهم " أنا قررت حكلم أبويا وححاول أتصالح معاه "
أبتسم خالي وقال " كويس ... كان من اول , أيش اللي غير رأيك "
" لا بس صارتلي كم حاجه ذكرتني بأشياء مهمه "
طليت على خالتي ولقيتها مهي مبسوطه بالخبر اللي سمعتو
قامت خالتي وقالت " أنا رايحه أنام "
لم مشيت قلي خالي " لا تشغل بالك هيا بس عشان حزينه على أختها , بس هي فقلبها تبغالك الخير "
أكتشفت أنو في بعض الأحيان نلاقي أشخاص نقدر نقولهم اللي فقلبنا بسرعه
نحسهم قراب مع أنهم بعاد وامكن عمرنا ما قابلناهم قبل كده من قبل دي المره
مرات نلاقي عندهم حلول مشاكلنا
ومرات يكونو السبب في إيقاظنا من نومنا
مرات نلاقي ناس يفهموننا أكثر مننا
أمكن عشان احنا نفسنا ما نبغى نفهم نفسنا عشان ما نتعب وننجرح ونكتشف جانب سيء فينا
كلنا نحتاج لاحد يفهمنا ومستعد يسمعنا
أخدت جوالي وأتصلت بأبويا
لمن رد قلتلو " بابا .... أبغى أتكلم معاك "
أتكلم بسرعه وقال " إياد أنا مشغول دحين وعندي سفره بعد شويه ...... أنا اسف , لمن أرجع نتقابل خلاص "
وقفل الخط
وانا اللي كنت جاي وقلبي أبيض
مسحت كل شي وكنت حسامحو
وفي النهايه هو هدم الجسر اللي بيننا
لسه شغلو وأعمالو أغلى مني
رميت الجوال في الأرض بقوه
وقعد أبكي وأصرخ فوق السرير
دخل على خالي وخالتي وحاولو يهدوني
بس أنا خلاص وصلت لحدي
من بعد اليوم ما في سماح
من بعد اليوم ما في كلام بيني وبينو