الذكرى السابعة..
بسم الله العفو الغفور، الرحيم الكريم، الجبار المتكبر، العزيز الملك...
اما بعد,
لا ادري ان ما زالت اتقن اللغة العربية كما كنت من قبل، وهذا لا يعني اني كنت اتقنها من الاصل! فبعد سنين الفراق و الغراب، اصبحت استخدم كلمات كثيرة من لغه اهل الغرب عندما اتحدث لعربي! حتى ان العربي يعتقد اني اتفاخر بهذ! وينفر مني اعتقادا منه انني اتعالى عليه! وليته يدري اني اتكلمها من غير قصد...
على كل حال، الموضوع هنا ساكتبه بالعربية، فليعذرني الجميع ان احتوى على بعض الاخطاء الاملائية او النحوية! فانها ان شاء الله من غير قصد...
الفصل الاول: الخامس عشر من اغسطس 2001 ... الخامسة عصرا
يوسف هيا بنا نذهب لنعمل على بحش الارض وسقاية الزرع... فالمدرسه ستبدا قريبا وانت تريد بعض التمرين... قالها ابي مازحا ولكنه املا ان اقوم بالموافقة
لا يابي، فانا اشعر في بعض الكسل واريد ان اذهب مع اصحابي للعب الكرة
الوالد وقد بانت على وجه علامات الشحوب، حسنا.. لكني كنت راجيا ان تأتي معي...
ذهب الوالد وحيدا الى المزرعة التي تبعد حوالي الساعه... الوالد لم يكن يملك عربة يتنقل بها، كنا اسرة من سبعة انفار وكانت الحاله كما يقال "على قد الحال" وحتى لو امتلكنا العربة، فابي لا يستطيع القياده ... فنظره الضعيف كان دائما عائقا له... ولكنه دائما يحمد مولاه على كل شيء.. لن انسى عندما اتى الى وطلب مني ان اعد له النقود الذي اعطاء ايه البائع، وعندما نظرت الى النقود، قلت له ياابي هذه نقود من عمله عربية اخرى... لا تساوي شيئا! فابتسم والدي وقال، "الله يسامح البائع"... قلت له انك تسائل الله ان يسامح البائع بعد ان غشك في النقود؟؟! قال لي: لقد قام بذلك العمل لانه كان بحاجة الى النقود! فليس لرجل ان يفعل مثل ذلك الفعل الى انه بحاجة!
على اية حال فقد ودعني ابي وقال لي سوف انام في المزرعة، قل ذلك لامك عندما تعود من دار اخوها من الزيارة...ولا تقلق علي...
ودعته قائلا: مع السلامة يابي
مسائا تلك الليله، امي اتصلت بي وقالت انها سوف تنام عند دار اخيها لانه في الصباح الباكر كانت تريد الذهاب الى العلاج.. فالمستشفى الذي تتعالج به كان قريبا من بيت اخيها... وترى امها التي تعيش مع اخيها...
امي تتعالج من ضغط الدم...
الفصل الثاني: السادس عشر من اغسطس 2001، السادسة صباحا
وكما هي العادة، كنت مستيقضا من الساعة الخامسة صباحا... معظم الوقت كنت اقضيه على الانترنت... فقد كنت مشغوفا بهذه التقنيه الجديده، وكان على ان اشغل خط الهاتف اذا اردت استخدام الانترنت، فقد كان وقتها ما يسمى ب"الديال اب" او المودم...وما ان انتهيت من تصفح الانترت، واغلاق خط الهاتف، سمعت رنين الهاتف!
يوسف: نعم؟
المتكلم: من هذا؟ هل انت يوسف؟
يوسف: نعم انه انا... من المتحدث؟؟
المتكلم: انا احمد، ابن عمك..
يوسف بقلق: ما الخطب ؟؟ ولماذا هذه المكالمه في الصباح الباكر؟؟ هل حدث مكروه؟؟
احمد: لقد وجدنا اباك هذا الصباح مستلقيا على الارض لايستطيع الحراك او حتى الكلام! لقد كان يهمس بكلام غير مسموع..
يوسف: ماذا تقول ؟؟؟ أبي مستلقيا على الارض؟؟ كيف ؟؟ وماذا حدث؟ واين ابي؟؟ هل هو بخير؟؟
احمد: يبدوا انه قد سقط من اعلى الحائط على ظهره.... ووجدناه معلقا لايستطيع الحراك وقد اسرعنا به الى المستشفى الفلاني... لقد حاولنا الاتصال بكم ولكن خط الهاتف كان مشغول!
يوسف: ......
احمد: يوسف، لاتقلق اباك بخير...
يوسف: ....
لا ادري ماحصل لي عندما سمعت هذه المكالمة، ولكني كنت وقتها لا املك النقود لاسرع الى المستثفى لكي ارى والدي! فذهبت وجلست على حفه الشارع، شارذ الذهن.. لا ارى احدا من حولي.. وكيف لا اشرذ الذهن وابي بالمستشفى وانا لا استطيع حتى زيارتهّّ!!!
عندها لاحظ صاحب البيت الذي كنا نستاجر عنده قلقي وشروذ ذهني... فانا دائما مبتسما وبشوش الوجه، فالحزن على وجهي كان واضحا .... لحظه واحده هنا... هل هو الحزن ام الندم على ما فعلت عندما رفضت الذهاب مع والدي؟ ام الندم و الذنب باني أشغلت خط الهاتف!!!
فقلت له ما حصل، واني لا املك المال لذهاب الى المستشفى لاطلع على صحته! فاسرع بي الى عربته وقام بتوصيلي الى المستشفى... حينها رأيت والدي مستلقى على احد الاسره ..نائما او مغما عليه، فلا استطيع التميز... وجدت هناك ابن عمي وقال لي ان ابي بصحة جيده.... لم استطع تصديقه .. لقد كنت اعلم انه كان يكذب على او انه لايريد اخباري الحقيقه... فابي كان موصولا بكثير من الاجهزه من حوله...
استغليت الوقت بالاتصال بوالدتي واختي واخي ... وقلت لهم ماذا حصل، فاسرعوا في القدوم الى المستشفى...
عندها سالت عن صحة والدي لدى الدكتور، وقال لي ان ابي بصحة جيده وانه نائم الان...
ساعات مظت وابي نائم على السرير في المستثفى.... لم يكن المستثفى من افضل المستشفيات، ولكنه كان مجاني الخدمه..
بعد حوالي سته ساعات من المكوث من قرب والدي والدعاء، فتح والدي عينه اخيرا وحرك اصابع يديه .. وبدأت الابتسامه على وجهي تظهر وانا اتحدث معه سائلا عن صحته ... فلم يجب، قلت في نفسي انه يريد مزيد من الوقت ليرتاح من هول الصدمه.. فابي كان مليء بالنشاط والحيويه حتى وهو كان بالثالثه والستون من عمره!
الفصل الثالث: السابع عشر، الثامن عشر، التاسع عشر من اغسطس 2001 ...
تحسنت صحه والدي تدريجيا، فقد اصبح يميز صوت الجميع، وكان يتناول كميات قليله من الطعام والشراب... كان دائما يكره طعام المستشفى، حتى وهو في احسن صحته.. ففي الايام الثلاثه التي مكثها ابي في المستثفى، كانت والدتي دائما تحظر له الطعام في البيت وتحظره معها او ومع اختي او حتى معي احيانا عندما تناوبنا بالذهاب الى المستشفى... كنت دائما اذهب بالصباح الباكر، لاريح اختى التي كانت تجلس مع والدي طيله الليل لترى اذ اراد حاجه وتذهب في الصباح الى عملها ...
كان والدي في هذه الايام لايستطيع حراك قدميه او رجليه او اي عضو من اعظاءه... كان فقط يستطيع حراك اصابع يديه وكان يستطيع مضغ الطعام الذي كنا نناوله...وكانه اصابه الشلل الكلي..
لم يستطع اي من الاطباء معرفه ما اصابه، ولا يعلمون هل سيرجع طبيعيا مثلما كان ام لا!
فطبيب ياتي ويقول انه بخير، واخر يقول لايدري ما السبب! واخر يقول انه بصحه جيده وانها فقط عابره!
لقد تم اخذ الكثير من الفحوصات والعلاجات والاشعات من مختلف الاجهزه الطبيه ومن مختلف الزوايا... ولكن الاطباء لم يستطيعوا ان يعرفوا ما علته!
في اليوم الثامن عشر، طلب والدي من اختي الاقتراب قليلا بهز راسه.. وهمس باذنها ان تنقله من هذا المستشفى الى اخر واعطاها اسم المستشفى... فارادت التاكد من اسم المستشفى فقالته بصوت مسموع، فهز ابي راسه موافقا، وتم نقله الى المستشفى الذي اراد... جميعنا استغرب من اسم المستشفى... فقد كان هناك افظل منه بكثير! لماذا ختار ابي هذا المستشفى بالذات؟؟ سؤال كم اتمنى ان اجد له اجابه...
الفصل الرابع: العشرون من اغسطس 2001 منتصف الظهر
هذا اليوم كان هو نفس اليوم الذي ولد به ابي قبل ثلاث وستون عام... ذهبت كامعتاد في الصباح الباكر لاريح اختي واخي وارى ابي، وحملت معي بعض الطعام التي كانت والداتي حضرته وقالت لي : هناك بعض البطيخ في احد الاوعيه، تذكر ان تطعم والدك القليل منه فالبطيخ هو فاكهته المفظله!
ابتسمت وقلت لها حاظر يامي ... فتذكرت كيف كان والد ياخذني معه عندما كان يشتري البطيخ .. فكان دائما يعلمني ان اتحسس على الثمره وان اضربها بلطوفه.. فعندما تعطي صوت معينا فنعلم انها جيده وانها حمراء من الداخل.. لهذا الوقت عندما ارى البطيخ، ابتسم واتذكر والدي...
الحاديه عشر صباحا وعندما استيقظ والدي من النوم ومازال لايستطيع حراك اي من اطرافه ... جلست بالقرب منه اساله عن حاله، وكان دائما يهز راسه ... سالته ان اراد بعض من الطعام فهز راسه بعدم الموافقه... فقلت له: اذا لابد من البطيخ! فابتسم و كانت هي اول ابتسامه اراها على وجهه منذ مكوثه في المستشفى... فاطعمت قليلا ... ومسحت من على شفتيه ما بقى ... وجلست بجانبه احكي له بعض الطرف، فاراه يبتسم ... ولكنه بعد مده هزه راسه قليلا وقال لي بصوت مهموس... الله يرضى عليك يا يوسف، ومن ثم قال لي ان يريد ان ينام ويرتاح لبضع الوقت... فجلست بجانبه.. اشاهده يغمض عينيه ... واشاهد بعض الاجهزه، و منها جهاز قياس نبض القلب.. نصف ساعه مرت، اتصلت بوالدتي وقالت لي ان اخوها و اختها سوف يقومون بزياره والدي.. فقلت لها ان شاءالله ....
الساعه الواحده ظهرا.. جهاز القلب اصبح يصدر اصوات غريبه، قرات الارقام فشاهدت ان الارقام تنزل تدريجا!! فاسرعت خارجه الغرفه.. طالبا المساعده من اي احد موجود ليرى ما العله!! فجائت الممرضه و القت نظره واصبحت تصرخ باسم دكتور ... بخلال دقائق كان هناك اربع اطباء و ثلاث ممرظات حول ابي، نقلوه فورا الى غرفه العنايه المركزه ورفضوا مني مرافقتهم ,,, فوقفت اما الحائط وما هي لحظات لارى نفسي على الارض... قدماي لم تستحملني، دموع عيني لم تستحي من الخروج بكميات كبيره! وجهي تحول الى الصفره... لم يخبرني احد اي شيء، لكني كنت اعلم انها النهايه ... دخلت والدتي لتراني بهذه الحاله، وتسالني عن ماذا حصل.. لم استطع الاجابه... وماذا اجيبها؟ خرج الدكتور من غرفه العمليات... اخبر امي عن وفاة ابي، سمعت الخبر باذني وادركت انها النهاية...
رحمك الله يا والدي...
