الخوالف ( نزف قلم : محمد سنجر )
جلست متحسرا أشاهد مباراة مصر و أمريكا في كأس القارات ،
لأول مرة أجلس بمقاعد المتفرجين ،
مكاني دائما كان بين اللاعبين لا بين المشاهدين ،
لم أحس من قبل هذا الإحساس الغريب ،
تحسست هذا الجبس اللعين الذي غلف قدمي المكسورة ،
تنهدت حسرة و ألم ،
رفعت يدي لأعلى متمنيا سرعة الشفاء ،
تمنيت لو كان في استطاعتي شق هذا الجبس ،
حاولت أن أشغل نفسي بعيدا عن هذه الهواجس التي بدأت تتملكني ،
حولت نظري و فكري إلى جموع المتفرجين من حولي ،
نظرت عن يساري فإذا برجل بدين يرتدي جلبابا يكاد يتفتق عن بطنه المنتفخة ، كأن بطنه تشتكي احتباسا خلف هذه الأزرار التي أحكمت عليها ،
و إذا به و قد أحكم قبضته على دجاجة مسكينة يفترسها بنهم شديد ، بينما قبعت أمام قدميه حقيبة تكاد تنفجر من كثرة ما بها من طعام و شراب ،
نظرت إليه ،
عندما أحس بوجودي نظر إلي و قال و براءة الأطفال في عينيه )
: وشك أصفر ليه ؟ جعان ؟
: لا أبدا ، الحمد لله ، لسه واكل .
( مد يده ( الملظلظة ) إلى حقيبة العجائب ، أخرج بين أصابعه عددا من أصابع المحشي ،
المفاجأة ألجمت لساني ، لم أنبس بحرف ،
فإذا به يبادرني )
: ما بتحبش المحشي ؟ خد ( منبار ) .
( أخرج بعض أصابع ( المنبار ) ،
لم استطع تممييز أصابعه من أصابع ( المنبار ) ،
لم أتمالك نفسي من الضحك ، بادرته قائلا )
: ها ها ، محشي و منبار ؟
: لازم الواحد يعمل حسابه ، الجوع كافر بعيد عنك ،
أقولك ، تضرب ( بيبس ) ؟
( أخرج من الحقيبة زجاجة مياه غازية من الحجم العائلي ،
عندها تملكتني حالة من الضحك الهستيري ، حاولت تمالك نفسي و قلت )
: ها ها هااااي ، لا ، شكرا ، ألف شكر .
( عندها قال و قد سيطر على وجهه خيبة الأمل )
: أنت حر ، براحتك ،
على العموم الأكل مش ها يطير ،
في أي ساعة تجوع اضرب أيدك في الشنطة و طلع اللي نفسك فيه .
: ماشي إن شاء الله ، إن شاء الله .
( حولت نظري عنه ، نظرت عن يميني فإذا بسيدة غاية في الأناقة تجلس بجواري ،
أخرجت السيدة من حقيبتها علبة سجائرها ،
فتحتها ، قربتها من يدي ، قالت هامسة )
: تعفر ؟
: لا شكرا .
: خد خد ، دي مغمسة ( غمزت بعينها ) .
: يا ستي ما بادخنش ، و بعدين يعني إيه مغمسة ؟
: بانجو .
: كده بانجو ؟
: خلاص فهمت ، طب تضرب ( تلك ) ؟
( أخرجت ورقة صغيرة من حقيبة يدها ، فتحتها و إذا بها مسحوق أبيض ، عندها صرخت بوجهها )
: إيه ده كمان ؟
: إنت ها تسيح ؟ ما تخافش دي بودرة .
: ها هاي ، ( صرخت ) ها اقـــابله بودرة ، الله يخرب بيوتكم .
( هرولت بعرجتي هربا من بين حجري الرحى ،
أخذت أبحث هنا و هناك ، وجدت مدرجاتنا و قد امتلأت بنفس الوجوه السلبية القبيحة ، بطون منتفخة ، حقائب متخمة ، قلوب كسولة ، روائح كريهة ، تلوث يملأ المدرجات ،
فجأة صمت أسماعنا هتاف جماهير الفريق المنافس تستهجن ،
عندها نظرت إلى الملعب فإذا بلاعبينا و قد دخلوا و بدءوا عملية الإحماء ،
وقفت متحمسا أصفق و أهلل ،
و إذا بي الوحيد الذي يصفق و يهلل ،
خيم الصمت على جمهورنا الغفير ، لم يحرك أحد منهم ساكنا ،
إلا من صوت غطيطهم الذي ملأ الفضاء من حولنا ، حاولت إيقاظهم من غفوتهم ، صرخت بأعلى صوتي )
ـ أفيقي أيتها الجماهير الغفيرة ،
اللاعيبة بتوعنا نزلوا الملعب ، الماتش ها يبدأ يا عالم يا هوه .
( و لا حياة لمن تنادي ، صرخت و صرخت )
: أمال لو قلت لكم انزلوا العبوا زي جماهير الفريق الصيني ما عملت ، ها تعملوا إيه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
( عندها تجشأت الجماهير بوجهي ، أطلقوا ناحيتي رياح برائحة بطونهم العفنة ، نفث البعض منهم أدخنتهم الخبيثة بوجهي ، ما لبثوا أن قالوا في صوت واحد ممل رهيب )
: بتصرخ ليه يا ابن المكعبلة ؟ ها تطير الحجرين .
: الماتش ها يبدأ يا عالم يا هوه .
: ماتش مين يا با ؟ اللي خادته القارعة تاخده أم الشعور ،
( و إذا بزئير الجماهير الأمريكية الغفيرة يزلزل المدرجات ، نظرت إلى أرض الملعب فإذا بلاعبيهم و قد نزلوا أرض الملعب ،
بدأت الدماء تغلي في عروقي ،
و إذا بجماهيرهم يتركون مقاعدهم ، بدءوا في النزول إلى أرض الملعب ،
أخذت أصرخ و أصرخ )
: أفيقوا ، الجماهير بتاعتهم نزلوا الملعب كمان ،
: ( صرخت ) إنهم يرتدون ملابس اللعب ، عددهم يزداد و يزداد ،
أفيقوا أيها المخدوعون ، أصبح عددهم مائتين ،
ما هذا ؟ إنهم يتزايدون ، أصبحوا ألف لاعب ،
لا لا ، عشرة آلاف ، مائة ألف ...... الجماهير كلها نزلت الملعب .
( عندها صرخ أحد مشجعينا قائلا )
: إبقى اتغطى كويس و أنت نايم يا سوسو ، ها ها هااااي .
( عندها أحسست ببركان انفجر بصدري ،
ضربت يدي في حقيبة صاحبي ، أخرجت منها سكينا ،
بدأت بشق الجبس الذي غلف قدمي ،
عندما نزعته تماما ، وقفت منتشيا للحظة ،
ما لبثت أن نزلت درجات السلم هرولة إلى الملعب ، قفزت السور بيننا و بين الملعب ،
عرجت إلى منتصف الملعب ،
أطلق أحد مشجعيهم صفارته و قد ارتدى ملابس حكم الساحة ،
أحاط بي بعض مشجعيهم و قد ارتدوا ملابس قوات الأمن ،
صرخت فيهم )
: مكاني هنا مش في المدرجات .
( صرخ حكم الساحة )
: طلعوا المجنون ده بره .
( أمسكوا بي ، حاولت الإفلات من بين أيديهم ،
حاولت و حاولت حتى نجحت ،
جريت ناحية حكم الساحة و قد أمسك بالكرة بين يديه ،
ضربتها بقوة بقبضة يدي فسقطت أرضا ،
عندها ركلتها بكل قوة باتجاه مرماهم ، جريت لألحق بها ،
جريت و جريت ، و إذا بهم جميعا ورائي يطاردونني ،
ركضت سنوات و سنوات حتى وصلت أخيرا إلى مرماهم ،
صرخ حكمهم )
: إرهابي ، إياكم أن يصيب مرماكم بهدف ، امسكوه ، اقتلوه ، حرقوه .
( نظرت إلى مرماهم نظرة تحدي ، لملمت ما تبقى بداخلي من إباء ماضي أمة بأكملها ، أمة ما خفضت إلا لباريها الجبين ،
صرخت بأعلى صوتي )
: حريــــــــــــــــــــــــــــة .
( ركلت الكرة بكل ما تبقى لدي من قوة ،
انطلقت كطائرة تتوغل بأعماق مبنى زجاجي هش ، مزقت شباكهم تمزيقا ، دكت حصونهم دكا ، ( صرخت )
: و جــون و جـــون و جــــون و جــــــــــــــــــون
عندها انهالت على رأسي عصيهم و سلاسلهم الحديدية ،
حاول لاعبينا الغلابة انتشالي من بين أيديهم ، لكن ماذا يفعل إحدى عشر لاعبا أمام الملايين من الجماهير ؟
سقطت بين أرجلهم مخضبا بالدماء ،
تمنيت ـ قبل أن أفقد الوعي ـ لو نزلت جماهيرنا الغفيرة لأرض الملعب ،
ترى هل أفاقت الجماهير و نزلت ؟
أم أنهم كالعادة رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ؟
رد: الخوالف ( نزف قلم : محمد سنجر )
السلام عليكم..
ما شاء الله.. أعجبتني فكرة النص الرمزية، الواقعية في نفس الآن، إذ وفقت في اختيارالشخوص و المكان .. فلا أنسب من اللاعبين و الجماهير شخوصا و لا أحسن من الملعب مكان.
أذكر تعاقب صورة الكرة وهي تطير نحو المرمى مع صورة الطائرة و هي تشق الهواء نحو الصرح الزجاجي.. ثم.. هدف الشرف الوحيد الذي نبه الفريق الأشقر إلى بقاء خصمه الضعيف حيا بقدرة قادر رغم كل المجازر.. الله أكبر.
هذا بالرغم من أن تلك العملية أو ذلك (الهدف) فيه كلام.. ليس كلاما كالذي يتشدق به العلمانيون عن الإرهاب و التخلف و لكنه كلام ديني و نظرة شرعية أخالك تعرفها كل المعرفة.
بارك الله فيك و نفع بك و بقلمك هذه الأمة الكسيرة.. التي لن تموت مهما كان.. فحافظها الرحمن.
رد: الخوالف ( نزف قلم : محمد سنجر )
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رفعت خالد
السلام عليكم..
ما شاء الله.. أعجبتني فكرة النص الرمزية، الواقعية في نفس الآن، إذ وفقت في اختيارالشخوص و المكان .. فلا أنسب من اللاعبين و الجماهير شخوصا و لا أحسن من الملعب مكان.
أذكر تعاقب صورة الكرة وهي تطير نحو المرمى مع صورة الطائرة و هي تشق الهواء نحو الصرح الزجاجي.. ثم.. هدف الشرف الوحيد الذي نبه الفريق الأشقر إلى بقاء خصمه الضعيف حيا بقدرة قادر رغم كل المجازر.. الله أكبر.
هذا بالرغم من أن تلك العملية أو ذلك (الهدف) فيه كلام.. ليس كلاما كالذي يتشدق به العلمانيون عن الإرهاب و التخلف و لكنه كلام ديني و نظرة شرعية أخالك تعرفها كل المعرفة.
بارك الله فيك و نفع بك و بقلمك هذه الأمة الكسيرة.. التي لن تموت مهما كان.. فحافظها الرحمن.
لا لا لا لا
مش ممكن
أخيرا وجدتك
أين أنت يا رجل
بحثت عنك بالكثير من المنتديات و لم أجدك
تشرفت بمرورك من هنا
و اللعب معي على وقع طبولي الغريبة
أما عن الهدف
فأنا معك طبعا
و لكنك معي في أن هذا الهدف مع توافقنا في الرأي عنه و عن عدم شرعيته
إلا أنه أيقظ من أيقظ من سبات عميق
دمتم بحفظ الرحمن
و جعل دار خلودكم
أعالي الجنان