بداية أحب ان أقول أن ما لدي لأقوله ليس بالكثير, فالكلام يبدو امرا مبتذلا حقا في ظل ظروف
كهذه التي يعيشها من هم اخوة لنا في غزة..فما سأقوله, أيا كان كنهه ومهما بلغت فصاحته,
لن يرد عنهم قذيفة ولن يعيد الى ام ثكلى فقيدها..الا أن الكلمات هي كل ما أملك.
لفت نظري ما كتبه صديق لي كرسالة شخصية في المسنجر يقول فيها ساخرا من حالنا
" أنا أشجب وأستنكر كل ما يدور في غزة واطلب من مجلس الأمن المبادرة باصدار قرار وقف اطلاق النار. :):):):):)"
وهو ما أراه تعبيرا صاارخا عن مدى عجزنا وذلنا..
ولا أقصد بذلك عجزنا كأفراد, بل كأمة كاملة شعوبا وحكاما وجيوشا وعسكر ومعدات حربية وصواريخ نتقن ونتفنن في توجيهها نحو جيراننا..
وحين يجد الجد وتقرع طبول الحرب نتحول الى كائنات مسالمة "تشجب وتستنكر وتناشد وتطالب" في انكسار الى الذل اقرب
قبل بضعة أيام, كنت على سفرة الغداء مع أبي والتلفاز امامنا ينقل ما يحدث في غزة وأحدهم يصيح معلقا على ما يحدث دون أن نرى وجهه
"فلتصمدو ابطال غزة, هو يوم أبيض في تاريخكم !!"
توقفت عن المضغ والقضم والازدراد وكل ما يمت للطعام بصلة من طقوس..
عافت نفسي الاكل وكلمات ذلك المتحمس تدك حصون
قلبي وما تبقى لي من عقل فتحيلهما رمادا وبقايا اطلال, استمع اليه اكثر فازداد مقتا لنا, لضعفنا, لذلنا..أهذا كل ما نملك ؟ كلمات ؟ كلمات ؟
افكر, اي يوم ابيض تتحدث عنه يا هذا ؟ اي يوم ابيض ؟
غزة تدك وتحال انقاضا وانت تتحدث عن يوم ابيض ؟
غزة اتوها بحرا وبرا وجوا وانت تتحدث عن يوم ابيض ؟
لست من هواة الاعلام المرئي ولا اشاهد التلفاز كثيرا, بل أقرأ الصحف..
وأؤمن بأن لصورة واحدة ثابتة وقعا أقوى من الف مشهد يعرض على الشاشة
فالصورة الثابتة تختصر كل المشاعر الانسانية وتحفظها في لحظة يتوقف عندها الزمن فتنطق تلك الصورة بالف كلمة وكلمة..
كنت أقرأ في احدى الصحف عن الذي يحدث في غزة وكانت من ضمن الصور صورة لطفل فلسطيني
ربما كان في العاشرة من العمر او اصغر يجلس في صمت بين الجثث وبقايا من ربما كانو
يوما ذويه, كان يجسد المعاناة الانسانية في اشنع صورها وهو ينظر الى الكاميرا ببرود الموتى وقد اكتسبت عيناه تلك النظرة التي تميز من عرفو اكثر مما ينبغي..
نظرة من هم الى الجنون أقرب.
توقفت طويلا عند تلك الصورة, أحدق بها, اتفحصها, أبحث في وجه ذلك الصبي عن بصيص امل, اي امل..لم ارَ سوى الموت
ولوهلة, خطر لي انه يرمقني بمقت..
ثم استحال ذلك الخاطر عاصفة اجتاحت كياني, انه يمقتنا, انه يمقتنا, انه يمقتنا !
ألقيت بالجريدة جانبا ولم اجرؤ على النظر الى تلك الصورة مرة أخرى
تذكرت وجه ذلك الصبي وانا استمع الى ذلك المتحمس وما قاله يتردد في ذهني
" هو يوم ابيض ! هو يوم ابيض ! هو يوم ابيض !"
ثم بدأ هتاف اخر يتردد في ذهني في انسجام تام مع كلام ذلك المتحمس
"انه يمقتنا! انه يمقتنا ! انه يمقتنا !"
بهدوء, التقطت جهاز التحكم عن بعد, وأغلقت الصوت..الصمت افضل !
ظللنا صامتين -انا وابي- نرمق الشاشة بعيون زجاجية مدة لا باس بها قبل أن يقول ابي في اسى "اتعلم, اذكر ان والدي يرحمه الله -جدي انا محدثكم - كان يستمع الى خبر عن اضطهاد الفلسطينيين في فلسطين حين اصطحبني للمدرسة لأول مرة, وكان العرب وقتها ايضا ينددون ويطالبون ويجتمعون..
كان ذلك منذ حوالي 46 عاما !"
وحتى لحظة كتابة هذه السطور, لا أدري عن أي يوم أبيض كان يتحدث ذلك المتحمس, ربما كان يوم ان دخل المغول بغداد يوما ابيضا اخر في تاريخنا !
شخصياً..لا أرى الا شبح أمة لا تحاول حتى أن تحافظ على ما بقي لها من ريح الكرامة !
نهايةً, الموضوع فضفضة لا أكثر ..!
واسوة بقادتنا وزعمائنا, ها انا اعلنها على الملأ, واشهدو يا جماااعة
" أنا أشجب وأستنكر كل ما يدور في غزة واطلب من
مجلس الأمن المبادرة باصدار قرار وقف اطلاق النار. :):):):):)"
