شخصية مريبة
هذا أول لقاء بيني وبينه... رأيته وسيما ....ملابسه أنيقة .... يحمل كيسا متوسط الحجم .... بادرني بأ سلوب استجداء مهذب ... يحكي لي أنه ينقصه جنيهان على إكمال ثمن روشتة الدواء تعاطفت معه لأول مرة ....ما أعطيته شيئا ولكن إعتذرت بكل ذوق ..... إنصرف وهو يتمتم بكلمات لم أفهمها.......
تابعته ورصدت تحركاته .... عسى أن أصل إلى تفسيرا للشك الذى ينتابنى ..... قابلته امرأة تسحب طفلا صغيرا في يدها .... إستوقفها ... تحدث معها .... أظنه حدثها بنفس الذى حدثنى .... علمت بعد دقائق أنه طلب منها 2 جنيه لإكمال الروشتة فقالت : فك العشرين جنيه دى .... فأجابها بأن ما معه لا يكفى فأخذ العشرين ليفكها من أحد المحلات ثم خرج من هذا المحل وأشار لها إشارة فهمت أنه لا يوجد فكة فليبحث فى المحل المجاور .... وهكذا إلى أن اختفى عن الأنظارتماما .... انتظرت السيدة وقتا طويلا يداعبها الأمل في عودة هذا المسكين بباقي العشرين ... ولكن انقلب الأمل حلما صعب التحقيق .
ترى ... ما موقف هذه المرأة لو لم يكن لديها إلا العشرين هذه ؟؟ ماذا لو كانت نزلت أصلا لقضاء حاجياتها من السوق وآثرت المعروف على جزء من هذه الضروريات ؟؟ ماذا لو أنها نزلت لتشتري لعبة لطفلها المسكين ؟؟ هل ندمت على خير فعلته ؟؟ هل ستكررها مرة أخرى ؟؟
جاءنى بعد فترة تذكرته ... ألفت وجهه لم يتذكرنى هو .... بل حكى لى قصة أخرى مفادها أنه محتاج جنيه واحد ليركب به إلى العامرية .. أجبته بالرفض وأشرت له بأن ينصرف : روح من هنا أحسن لك . تركني وهو يشير بيده على فمه – أن اصمت ولا تتكلم – فأشرت إليه بالويل والثبور .
بعد أسبوعين تقريبا .. وجدت شابا يركض ومن ورائه عدد من الشباب ينادون : امسك حرامي إلى أن دخل محلا من المحلات ليحتمي من هذا السيل الجارف من البشر .. فدخلوا وراءه وأمسكوا به . أسرعت إليهم لأتفحص الأمر فإذا به هو .. هو .. الشاب الوسيم صاحب القصص الواهية والاستجداء المهذب واستعطاف قلوب الناس ... رأيتهم يتناوبون عليه باللكمات والرفسات وفين يوجعك ؟؟؟
أول مارآني استنجد بي .. وقال : الحقني يا شيخ .. إيه اللي أنا عملته يا شيخ ؟؟؟ حرام عليكم يا شيخ ... قلت له : أنا حذرتك قبل كده .. وقلت لك ماتجيش هنا تاني ... أخذته من أيدي الناس بعد العلقة الساخنة وأخذت عليه العهود والمواثيق بعدم العودة ... تذكرت حينها قصة قد وقعت لي في نفس المنطقة في الصيف الفائت ...
كانوا يحفرون لمشروع الصرف الصحي وكان الطريق ضيقا وزحام الصيف وتركب ابنتي الكبيرة بجواري والسيارة لاتكاد تسير .. وإذا بشاب يصيح : ما عندك نظر يا شيخ ؟؟؟ - يمسك بذراعه .. أوهمني أني قد صدمته بمرآة سيارتي - .. أحسست بخطأي .. اعتذرت بكل لطف ... ولما انتبهت لطريقي وجدت الناس يصيحون : موبايلك راح يا شيخ ... فقد شغلني أحدهما يمينا ومد الآخر يده ليسرق الموبايل الموضوع على تابلوه السيارة .
تركت سيارتي في عرض الطريق .. لمحت شابا يركض وبيده الموبايل .. صحت بأعلى صوتي : امسك حرامي .. امسك حرامي .. شعرت أنني في الماراثون وبجواري عشرات الشباب الحر كنت أنا سابقهم فإذا برجل يعترضه بقدمه ( كعبله يعني ) فطرحه أرضا .. حاول النهوض .. ولكن حال الأحرار دون نهوضه .. فلما وصلت إليه كانوا قد أعطوه الطريحة المضبوطة ... قلت : اعطوني الموبايل .. فأخذته .. عرضوا علي تسليمه للشرطة .. قلت : ليس عندي الوقت الذي أضيعه معه .. كفاه ما ناله منكم .
قلت : هي عصابة .. تتبادل الأدوار .. يعرفون بعضهم البعض .. اضربوهم بكل قوة .. ولا تأخذكم بهم رأفة ولا رحمة .
والله أسأل أن يهدي ضال المسلمين إلى سواء الصراط .. آمين .. آمين .. آمين .
فكر وحبر / ياسر سنجر
