"أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها"
سورة الحج آية 46
إن الدماغ أو المخ يتأثر مباشرة بعد اضطرابات القلب وينفعل. ولنأخذ مثلاً بسيطاً جداً وهو إذا دخل الإنسان في غرفة مظلمة أو شارع مظلم أو غابة مظلمة ليلاً ثم فاجأه شيئ ما على حين غرة ، فإن القلب سرعان ماتشتد خفقاته وتزداد بأضعاف سرعته الحقيقة من قبل أن يستشعر الدماغ باي شيء ، الى حد التوقف أو الإنفجار والموت ، فيما بعد أحياناً ، وفقاً لهول الصدمة ووفقاً للهواجس التي ينقلها اليه المخ والتي قد تتحول الى موت محقق .
وبمثل آخر ، إذا دخل الإنسان الى منزله ليلاً أو نهاراً وليس أحد من أهل بيته فيه ، رغم معرفته المسبقة أن لاشىء في الداخل غير طبيعي يخيفه أو يقلقه ، فإن قلبه سرعان مايعترية الخشية والإضطراب إن سمع أي حركة غير متوقعة من صفق شباك أو باب من قبل تيار هوائي مفاجىء .
هذا الإضطراب يعتريه ويستشعره بهلع وهبوط في القلب من قبل أن يعقل دماغه أسباب تلك الحركة الطارئة ، مما يعني أن الفؤاد هو من يتلقى الخطر ويعقله ويواجهه برد فعل قبل الدماغ .
وهذا يعني ويؤكد الى أن القلب يعقل قبل أن يعقل الدماغ ، وبأن الدماغ لايعقل حتى يعقل القلب.
وبصورة أدق ،إذا كان القلب قوياً بين شاب أو عجوز أو بين قوى البنية أو ضعيف ، فأن القلب هو من يٌعقل الدماغ إن ثبت للحظات وواجه هواجس المخ السلبية الخائفة .
فهواجس الدماغ المتزايدة التي تأتي نتيجة انفعال القلب ، هي بمثابة رادار دفاعى طبيعي للإنسان ، إن صح التعبير ، وهواجسه التي يطلقها بشكل عفوى هي بمثابة حماية دفاعية تدعو الإنسان الى استعمال تفكيره لمواجهة احتمال خطر ما قد يعتريه ، ويساعد القلب بسرعة على استيعاب هذا الخطر لمواجهته بتفكير سليم ببث المزيد من الدم والغذاء للدماغ ، لأن المخ في تلك الحالة يكون في حالة مضطربة ومحبطة وبحالة تشابك كهربائي شديد ليستجمع قوته ويحدد مكامن الخطر في الرؤية السليمة لما قد يواجهه .
ولذا فأن تعقل الدماغ وعودته الى العمل بسرعة بشكل طبيعي ، وإستعادة مقدرته على التبصر والبرمجة والتفكير السليم ، لايمكن أن تتم الا بإطمئنان القلب وثبوته أمام الخطر الداهم الذي اعترى الجسم ، وبالتالي سرعة عمل الدماغ لتصويب ردود فعل الإنسان وطمأنته ، وذلك بإمداده بالغذاء اللازم بالسرعة الممكنة من قبل الجسم .
وأختم أنه عندما يتعرض الإنسان للمحن والهواجس والخوف الشديد واليأس ولو لفترة بسيطة ، وإن تفهمها العقل مع إنتفاء أسبابها ، فإن إضطراب الجسم لايزول إلا مع هدؤ القلب وتعقله .
لذا فإن فأن الإنسان المؤمن يلجأ الى الصلاة والتسبيح بذكر الله ليجد أن قلبه قد خف اضطرابه وخفقانه وزال ضيق صدره وبالتالي عودة صفاء ذهنه ، مما يعني أن عمل الدماغ وسلامته يسير بإمرة القلب من حيث أنه يوازن ويقدر مايحتاجه من دم أو غذاء أمام المحن أو الخطر أو الضيق الذي يواجهه وذلك تصديقاً لقوله تعالى " ألا بذكر الله تطمئن القلوب " بما يعتري قلبه من هدؤ وسكينة وتعقل ، وعندها يعقل الدماغ ويستكين إضطرابه .
