سر من اسرار السعادة للدكتور محمد الشقيري

بسم الله الرحمن الرحيم
عبد الله... إليك سر من أسرار السعادة لا تتركه أبدا!!!
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك..اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملء السماوات وملء الأرض.
عباد الله...من منا لا يرجو السعادة في الدنيا؟... ومن منا لا يطلبها بكل ما أوتي من قوة وعزم؟... فإنها المقصد الغالي، والمطلب النفيس الذي نسعى له... بعضنا يطلب السعادة في جمع المال.. والبعض الآخر يطلبها في الولد...، وهناك البعض الذي يطلبها في المال والولد، وذلك تحقيقا لقول الله تعالى: (( المال والبنون زينة الحياة الدنيا...)) سورة الكهف. نعم إخوتي الكرام ، يا سكّان الجنان ... تلك الوسائل من أسباب السعادة إلا أنها ليست لتحصل السعادة التي تسكن القلب وتملأ الوجدان بالسكينة والراحة!!!. فقد ذكر الله تعالى لنا في قوله: ((إنما أموالكم و أولادكم فتنة و الله عنده أجر عظيم)). التغابن 15.
يا أحبة الرحمن ... نعم أنتم أحبة الرحمن... بل أنتم أصفياء الله تعالى من خلقه من الإنس ... ألم يخلقكم من ماء مهين، ثم جعله في قرار مكين، ثم بعد ذلك أنبتكم في بطون أمهاتكم نباتا ، ثم حفظكم في ظلمة المشيمة التي كانت تزودكم بما يقويكم من خلال حبل واهن ضعيف، حتى إذا خرجتم إلى الحياة الدنيا أودع الرحمة في قلوب آبائكم وأمهاتكم ليعاملوكم بألطف وأحن ما يعامل إنسان إنسانا. أليس هذا تكريم ما بعده تكريم؟ ، قال تعالى: (( ولقد كرمنا بني آدم )) سورة الإسراء 70. وتحقيق تمام الاصطفاء الذي منّه الله تعالى عليكم...يا أحبة الرحمن، يكمُنُ في النظر إلى الحديث الشريف ، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- : (( كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه...)) صحيح البخاري. يا أحبة الرحمن أنتم لأبوين مسلمين مؤمنين، وهذه نعمة لو وزنت بمال الدنيا لوزنته فافرحوا بهذه النعمة... فالجنة أحبتي منكم قاب قوسين أو أقرب.
ولكن يا أحبة الرحمن... هل هذا سر السعادة الذي أريد أن أخبركم عنه ؟؟؟ طبعا ، لا !!!!!!!
إن سر السعادة يكمن في ذكر الله تعالى ، عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ قَالَ:"أَنْ تَمُوتَ وَلِسَانُكَ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ" المعجم الكبير للطبراني. قال بعض السلف رضي الله تعالى عنهم: (( مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها ولم يذوقوا ألذ ما فيها، قيل: وما ألذ ما فيها؟ قال: ذكر الله عز وجل ومعرفة الله)).
أخي الفاضل ... يا حبيب الرحمن إن الإنسان عندما يمتلئ قلبه بحب آخر، تعلق ذكره بجميع أحواله، فهو على ذكره في القيام والقعود، في الغيبة والحضور، وتاقت نفسه إلى الوصال واللقاء حتى أنه ليصيبها التعب والوهن في الطلب.
وإن جادت يوما يدا أخيك عليك بمكرمة حملتها له على عاتقك أبدا، وكنت بين يديه خادما أو أسيرا حتى تتبرأ من مكرمته بما تقدمه أنت له وبما يجب أن يعادل ما قدم هو لك. فيا حبيب الرحمن ... يا من قدم إليك ربك حبه بما حفظك ورعاك – ولا يزال- هل قدمت لربك ما يعادل نعمه عليك.
يا حبيب الرحمن ... الله تعالى أحبك ولا يزال يحبك وهو يرغّبك بحبه، فيقول لك: ((أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً)) مختصر صحيح مسلم.
والآن إليكم هذه الحكاية - من كتاب نزهة المجالس- ((كان ببلاد الهند شيخ كبير يعبد صنما دهرا طويلا، ثم حصل له أمر مهم، فاستغاث به! فلم يغثه. فقال: يا أيها الصنم ارحم ضعفي فقد عبدتك دهرا طويلا، فلم يجبه. فانقطع عن ذلك رجاؤه منه، ونظر إليه بعين الرحمة. فخطر على قلبه أن يدعو الصمد!! فرمق بطرفه نحو السماء، وقد وقع في الخجل. وقال: يا صمد. فسمع صوتا من الهواء، يقول: لبيك يا عبد اطلب ما تريد. فأقرَّ اللهَ بالوحدانيةِ. فقالت الملائكة: ربنا دعا صنمه دهرا فلم يجبه، ودعاك مرة واحدة فأجبته. فقال: يا ملائكتي إذا دعا الصنم فلم يجبه، ودعا الصمد فلم يجبه، فأي فرق بين الصنم والصمد)).
يا حبيب الرحمن ...إن إقبال الله تعالى إليك أشد من إقبالك عليه، والحديث القدسي يظهر ذلك لنا بما لا يخفى على صاحب القلب المريض السقيم فكيف بك أنت يا حبيب الرحمن؟؟!!، فهلا رفعت إليه يديك... وطلبت منه مرادك في هذه الأيام الفضيلة والباقية من شهر الجائزة وأنت تجتهد في العبادة كما لم تجتهد من قبل... أخي الفاضل... يا حبيب الرحمن... أأنت بما حباك الله تعالى من نعمة الإسلام ومعرفة الله تعالى أحق بالإجابة أم ذلك النصراني الذي كان يرتاد مجلس الحسن البصري ، وإليك يا حبيب الرحمن قصته... (( كان يحضر في مجلس الحسن البصري نصراني، فانقطع ثلاثة أيام. فسأل عنه، فقيل: أنه في النزع الأخير. فدخل عليه، فقال له: كيف أنت؟. قال: موت عاجل ولا بد لي، وقبر موحش ولا مؤنس لي، ونار حامية ولا جلد لي، وجنة أزلفت؛ أي قربت، ولا وصول لي، وصراط ممتد ولا جواز لي، وميزان علق ولا حسنة لي، ورب غفور ولا حجة لي. فقال له الحسن: هنا وقتك. قال: حتى يجيء المفتاح. قام الحسن موليا عنه، فقال: أتعرض عني وقد أقبل عليّ، قد جاء بالمفتاح أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ثم مات فرآه الحسن تلك الليلة في الجنة، فسأله عن حاله. فقال: أسكنني أعالي الجنان)). نزهة المجالس.
يا أحبة الرحمن... يا من حباك الله تعالى بأن روى فيك إيمان الفطرة، جبل فيك بذرة الإسلام، أقبل على الله بأحب العمل إليه وأذكاه لك في الدنيا والآخرة، هل تعلم ما هو إنه كلامه تعالى: ((عن فروة بن نوفل الأشجعي، قال: كنت جارا لخباب، فخرجت معه يوما من المسجد وهو آخذ بيدي، فقال: يا هنتاه تقرب الى الله عز و جل بما استطعت، فانك لن تقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه)). الزهد لأحمد بن حنبل.
فإن لم تستطع يا عبد الله .... فتذكر : " لا يزال لسانك رطبا بذكر الله" ، ردد الكلمات الخمس التي وردت عن رسول الله - صلى اله عليه وسلم، وهي: سبحان الله ، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فقد قال الله تعالى : (( وما زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه...)) أخي يا حبيب الرحمن ... لقد قال عبدي أي أنه اصطفاك لعبادته فهو يحبك ابتداء ولكن بالنافلة ترتقي بنفسك إلى درجة حب أعظم، وبقدر الجهد يا حبيب الرحمن يكون الارتقاء واللذة والطاعة ، نعم والله لذة، وسكينة واطمئنان، قال تعالى: (( إلا بذكر الله تطمئن القلوب)) الرعد 20.
بقي عندي كلمتان أسألك بالله يا حبيب الرحمن ... أن تكثر منهما خصوصا في هذه الأيام الفضيلة. أما الأولى فلا تترك الاستغفار، فقد قال تعالى: ((فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدرَاراً ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهاراً)). سورة الجن 10 – 12. والاستغفار في اللغة طلب المغفرة ، والمغفرة: من كلمة غ ف ر: إي غطى. والمقصود أن الله تعالى يغطي عنك ذنبك.
أما الكلمة الثانية التي أوصيكم ونفسي بها فيه : " اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعفو عني"، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ ، مَا أَقُولُ فِيهَا ؟ قَالَ قُولِي : " اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي " أخرجه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ . والعفو يا حبيب الرحمن، هو: ترك عقوبة الجاني. فما أريد أن ألفت إليه نظرك أخي الفاضل هو أن الرسول – صلى الله عليه وسلم ، أخبرنا أن نسأل الله تعالى العفو ، فهو أعظم ما يمكن أن تسأله في هذه الليلة العظيمة.
يا عبد الرحمن.. أي حبّ ترجوه أعظم مما يقدمه الله تعالى لك، فأعظم شهر أنت حاضره، وأعظم ليلة أدبرت أو أقبلت، وأعظم دعاء بين يديك. فلا تبخل على نفسك أخي الكريم !!! جعلني الله تعالى وإياك ممن يشهدون ليلة القدر ومن الفائزين بخيرها.
فهذا سر السعادة التي بين يدي أضعه أيضا بين يديك فلنجتهد في طلبه أنت وأنا !!!!
قالت رابعة العدوية:
وليت الذي بيني وبينك عامر .. .. .. وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين .. .. .. وكل الذي فوق التراب تراب
أخوكم الدكتور محمد الشقيري