الى انصار حقوق الانسان

الدكتور باسم خفاجي

اكتب اليوم إلى أنصار حقوق الإنسان .. ودعاة الحرية والديمقراطية والرأي والرأي الآخر .. أكتب إلى الذين تألمت نفوسهم للإرهاب الذي عاشته وتعاني منه اليوم أمريكا .. أكتب لدعاة نصرة المظلومين ومن يطالبون بسيادة قيم العدل والحضارة في القرن الحادي والعشرين.
أكتب إلى كل هؤلاء متسائلاً عن حقوق المتهمين في عالم اليوم .. ألم تعلمونا أن جميع القوانين المدنية المتحضرة تنص أن المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته .. حتى لو كان اسمه أسامة .. وحتى لو كان دينه الإسلام..
ألم تخبرونا أن محاكم العدل العالمية .. وأساتذة الحضارة الغربية .. يجمعون أنه لا حكم على متهم حتى يتاح له حق الدفاع عن نفسه وبيان أدلته مهما اجتمعت الأدلة ضده .. ومهما كانت بشاعة الجريمة التي اتهم بها.
ألم تصبحونا كل يوم على أفكار حرية التعبير .. وعدم إدانة الفكر .. وأهمية ألا يهاجم إنسان لفكر حتى لو أدى إلى مشكلات داخل المجتمعات .. فالمهم أن للجميع حقوق متساوية في التعبير عن آرائهم .. ولكل إنسان الحق أن يعتقد ما يشاء .. وبهذا المنطق .. سب من سب في ذات الله .. وهزأ من هزأ بالمعتقدات .. وسخر البعض من الثقافات .. وكل ذلك مقبول باسم حرية الرأي للجميع.
والأن أسأل هؤلاء .. أين حقوق أسامة في كتاباتكم .. وفي منطقكم .. وتحت عدالتكم .. أليس إنساناً .. حتى وإن اتهم بأبشع الاتهامات .. أليست له حقوق كفلتها بيانات حقوق الإنسان العالمية .. ألا تنطبق عليه معايير العدل الأمريكي التي تقدم في كل المنتديات والمحافل الفكرية على أنها قيم الحضارة المعاصرة التي لا ينبغي لأحد أن يحيد عنها إن أراد أن يحيا ضمن منظومة "الشرعية الدولية" وداخل إطار "العالم المتحضر"
دعوني أسألكم أيها السادة .. هل أعطي أسامة حق الدفاع عن نفسه .. وبيان أدلة براءته أو إدانته في ارتكاب أي جريمة من الجرائم التي يتهم بها.. وهل سمعنا دعواه وأدلتها في جرم الطرف الآخر -"المجني عليه" - في عرف دعاة الحضارة. دعونا من العواطف الشخصية فيمن يحب هذا الرجل أو يكرهه .. لا يوجد في هذا العالم حتى اليوم من تجرأ على إبراز أدلة الاتهام دع عنك الإدانة ..
فكيف بالله عليكم تخطط الحملات العسكرية .. ويعلن عن طلب المساعدة من العالم في القضاء على متهم .. لم تتح له فرصة التعرف على أدلة اتهامه .. ولم يتح له الحق في الدفاع عن نفسه، ولم نعلم أدلة اتهامه للطرف المقابل.. هل يمكن في العدالة الأمريكية التي لا يوجد نظير لها أن يحدث ذلك؟ .. وهل يمكن أن يستغفل العالم العربي وغير العربي للمشاركة في هذه المهزلة العسكرية والقانونية والأخلاقية؟
لقد اتهم الإسلاميون بالتسرع في الحكم على المخالفين .. واتهموا بالتحجر الفكري .. والانغلاق الثقافي .. ومعاداة حقوق الإنسان .. واضطهاد الأقليات .. والتخلف الحضاري .. والسؤال.. ماذا سنقول عن "فتوة العالم الجديد" .. الذي ضرب عرض الحائط بكل المبادئ التي كان يدعو لها.. ويدعونا لالتزامها.
إن أمريكا .. بلاد الحضارة والتقدم والحرية .. مستعدة لأن تضع كل هذه المعايير الأخلاقية تحت أقدامها من أجل الانتقام .. وتسعى إلى جر العالم أجمع معها إلى ضرب دولة فقيرة تكاد تصل إلى حافة المجاعة من أجل دعوى دعم الإرهاب .. وتحركت أساطيل الغرب لتجعل من كل دول العالم مسرحاً لمعركة انتقام "الفتوة الأمريكي" من "الشيطان الإسلامي" كما يقولون..
المشكلة حدثت في أمريكا .. وعلى طائرات أمريكية .. وعلى منشآت أمريكية .. وبأيدي أناس يعيشون في أمريكا .. فلماذا لا يحاسب هؤلاء أولاً تبعاً للقوانين الأمريكية العادلة طبعاً .. قبل العبث بحكومات العالم وشعوبه.
وأقول لكل من لا يعرف أمريكا .. ولكل من يتخيل أنها تنظر للعالم باحترام .. أنه عندما قتل الأمريكي الأبيض الكاثوليكي .. تيموثي ماكفاي أكثر من 168 شخصاًُ في تفجير أوكلاهوما.. قبض عليه في أسبوع .. واعترف بنفسه بالجريمة .. ومع ذلك فقد استغرقت المحاكمة .. والمرافعات .. والإدانة .. وتنفيذ الحكم أكثر من ستة أعوام .. أي أكثر من 2000 يوم .. وأعطي فيها كافة الحقوق الأمريكية .. فهو أمريكي .. وهو أبيض .. وهو كاثوليكي .. ولم يقولون عنه إرهابي .. ولم يتهم الكاثوليك بالإرهاب .. ولم تقصف ولاية ميشجان التي انطلق منها بالقنابل .. وإنما كانت الصحف تشير إليه "بالمتهم بتفجير أكولاهوما".
أما في الأحداث الأخيرة فبعد أسبوعين فقط من حوادث نيويورك وواشنطن .. رغم أنهم لم يستطيعوا حتى التعرف على الشخصيات الحقيقية للمتهمين.. فقد تحركت الأساطيل .. وجيشت الجيوش .. وأصبح كل مسلم وكل عربي في أمريكا مجرم ومتهم حتى لو ثبتت البراءة .. ونادى إعلام "الفتوة الأمريكي" بالثأر بقصف مكة.. وبتأديب الإسلام المتطرف .. والكثير من المساخر الإعلامية المعتادة.
لا أحد يقر قتل المدنيين دون وجه حق .. ولكن هذا ما سيحدث في أفغانستان وغيرها .. وهذا ما حدث طوال الأعوام الماضية في فلسطين والعراق والشيشان .. ومن قبل في أفغانستان .. فإذا كانت أمريكا اليوم ترغب في الانتقام لأن أبنائها قد قتلوا دون وجه حق .. أفلا يحق لأبناء هذه الشعوب السابق ذكرها أن ينتقموا أيضاً للأبرياء الذين قتلوا بالرصاص والطائرات الغربية .. وجنود الغرب.. تحت سمع وبصر العالم أجمع .. الإرهاب لا يولد إلا إرهابا ، وأن يعاقب اليوم شعب أمريكا بمثل ما تعاقب أمريكا شعوب العالم هو أيضاً منطق مقبول لأصحابه.
لست من دعاة تطبيق القوانين الأمريكية .. وأفكار حقوق الإنسان الغربية على العالم.. ولكني أرى أن "إلزام المخالف بما يعتقد" قد يجعل العقلاء في عالمنا يعيدون النظر في رؤيتهم لما يحدث. وستجد أمريكا من يهمس في أذنها قائلاً: لقد سئم العالم من "الفتوة الأمريكي"، وما حدث بالأمس كان تعبيراً ومقدمة لعالم الغد.
لقد اهتز السلطان الأمريكي واختفت الأسطورة العسكرية التي عجزت عن حماية رموزها الحضارية والعسكرية والسياسية .. وسقطت الهيبة الأمريكية إلى الأبد .. وكم هو محزن أن يدفع الأبرياء ثمن كشف هذا الواقع، ولكن لنسأل أنفسنا .. وهل كان لضحايا هيروشيما ذنب؟؟ وهل كان لمحمد الدرة ذنب؟