قصص من البخلاء للجاحظ ( 1 )

قصة العراقي مع المروزي

من أعاجيب أهل مرو ( مدينة في خراسان ) ما سمعناه من مشيختنا على وجه الدهر ، وذلك : أن رجلا من أهل مرو كان لا يزال يحج ويتجر ، وينزل على رجل من أهل العراق ، فيكرمه ويكفيه مؤونته . ثم كان كثيرا ما يقول لذلك العراقي : ليت أني قد رأيتك بمرو ، حتى أكافئك لقديم احسانك وما تجدد لي من البِر في كل مرة ، فأما هَهُنا فقد أغناك الله عني .
قال : فعرَضَت لذلك العراقي بعد دهر طويل ، حاجة في تلك الناحية ، فكان مما هون عليه مكابدة السفر ، ووحشة الاغتراب ، مكان المروزي هناك . فلما قدِم مضى نحوه بثياب سفره ، وفيعمامته وقلنسوته وكسائه ، ليحط رحله عنده ، كما يصنع الرجل بثقته ، . فلما وجده قاعداً في أصحابه ، اكبَّ عليه وعانقه ، فلم بره أثبته ، ولا سأل عنه سؤال من رآه قط . قال العراقي في نفسه : لعل إنكاره إياي لمكان القناع ؛ فرمى بقناعه وابتدأ مساءلته ،فكان له أنكر . فقال : لعله ان يمون انما اتي من قبل العمامة ؛ فنزعها ثم انتسب وجدد مساءلته ، فوجده أشد ما كان له إنكاراً . قال : فلعله إنما أتى من قبل القلنسوة ؛ وعلم المروزي أنه لم يبق شئ يتعلق به المتغافل والمتجاهل ، فقال : لو خرجت من جلدك لم أعرفك .